السبت، 31 يوليو 2010

السماء الحمراء

الربيع كان هادئاً هذا العام على غير المعتاد ، لقد تأخرت رياح الخماسين  بعد ان كانت بتبكر في ميعادها علي مدار الست سنوات السابقة ،،،
الكل يستعدون لموسم حصاد القمح المتوقع ان يكون ناجح هذا العام بعد أن حفظها الله من لفحات الفحم الفطري والعنكبوت الاحمر ،،،
السنابل عبرت من مرحلتها الخضراء الى نضجها الاصفر فأستوت علي سوقها فكل صاحب حقل يتباهى الأن بسنابله المتزينه كالعروس في ليلة زفافها تنتظر المنجل  في اشتياق ،،،
بدأت رياح غربية هذا اليوم مثقله بغبار احمر غليظ وجو مُثقل يبعث على الخوف والقلق ،،
خرج سعيد في الصباح بعد أن وضع الربيع الاخضر للحيوانات في الزريبه وأطمأن عليها ،،
كان قلقاً على القمح وأحس انه تأخر في الحصاد ، وانزعج داخله عندما افترض عدم امكانه من استئجار مكنة الحصاد في الميعاد ،،
سمع صوت خشن يتكسر تحت قدميه فنظر له فوجده جراده متوسطة الحجم ، فأحس بانقباض في صدره مرة اخرى ،،
كان الغبار الأحمر قد بدأ يلقى بسطوته الان والرياح الغربية بدأت تنشط بقوة ،،
في غرفة الفرن تجلس سماح اخت سعيد تعجن بعض الخبز وتضع صينية البطاطس في الفرن ، بدأت تسمع صوت ارتطام في الشباك كأن احدهم يلقيها بالحصى من الخارج ، فتحت الشباك فوجدت الجراد قد بدأ الغزو بدون انذار ،،،،
احجام كبيرة لم تُشاهد منذ زمن بعيد ، منذ اخر هجوم في العام الذي مات فيه ابو سعيد من عشر سنوات تقريباً ،
فزعت سماح وهرعت تبحث عن سعيد فوجدته يقف مع بعض رجال القرية والجراد يتساقط فوق الرؤس ،،
لم يبدأ الهجوم بعد انها فقط كتيبة للاستطلاع  كان هذا ماقاله سعيد لرجال القرية المتجمعين بجوار مسجد القرية ،،
كان محمد ابو حسين صاحب المكنه قد بدأ علي الفور في حصاد القمح في حقله عندما تاكد من هجوم الجراد ، ولم يعد هناك سبيل الان لاستئجار المكنه منه الا بعد انتهائه من حقله ، وتم الاتفاق ان الكل يبدأ الان في الحصاد رغم الغبار والرياح الغربيه الشديده ، لكنها محاوله لانقاذ القمح من الجيوش الغازيه ،،
الكل بدأ في اخراج حيواناته وبدئوا في تجهيز مناجلهم ،،
وقف مصطفي العم الأكبر ، ونظر لسماح وسعيد قلقاً ، ومسك جراده كبيرة عالقه على شاله وقسمها بأظفره وازال رأسها وقال : يجب ان ترحل سريعاً ولا تحط هنا ، انظري انها مليئه بالبيض ولو رقضت هنا قبل غروب الشمس ستقضي علي كل شيء وستحتل الفطاطات  الخارجه من البيض القرية وستأكل الاخضر واليابس ، يجب ان ترحل بعيداً ولندعوا الله ان يبعث المطر ليساعدنا ويمنعها من الاستقرار في البلده ،،،
صاح العم مصطفي في الجميع وقال : اجمعوا كل القش والجريد واحرقوه بالبنزين حول الحقول حتى ينتشر الدخان ويخيفها ، والأطفال يقرعوا العلب الصفيح بقوة لطردها واملئوا الحقول بخيال المأته ، بسرعه قبل ان ينتهى كل شيء ،،،،،
سمع الرجال والاطفال كلام العم مصطفى وانتشروا في البيوت يجمعون العلب الصفيح واتجهوا للحقول ، والبعض الاخر بدأ في نشر القش والجريد حول الحقول واخذوا في اشعال النيران فيها ، فأنطلق الدخان الى عنان السماء ،،،
أحمرت السماء بفعل الدخان الكثيف والرياح الغربيه الحبلى بالغبار الاحمر الغليظ ،،
بدأت الجيوش الغازيه ترسل تعزيزات اكثر واكثر واصبح الان الصراع علي اشده ، فهى مثقله ببيضها الأن ويجب ان تحط وتستقر كي تضع بيضها في امان ،،
والاطفال يقرعون العلب الصفيح بشدة فكانت كطبول الحرب الضروس ، وخيال المأته انتشر في الحقول يشاهد ويدون مايحدث في سعادة ،،
اخذت سماح تضع المياه البارده في الاواني النحاسيه يساعدها بعض من نساء القرية ، كان الجو يساعد علي العطش الشديد بعد ان ارتفعت الحرارة بفعل الدخان والنيران ، فأخذن يوزعن المياه بين الحقول ، ونسوة اخرين يجمعن الشاي والطعام للرجال والاطفال ، الكل الان في مواجهة مصيريه مع الجيوش الغازيه من الغرب ،،،،
بدأ السواد يملأ السماء بفعل الاسراب الجديد والازيز انتشر في المكان ، فكانت تضرب بأجنحتها بقوة وغضب تضرب بشدة اسطح البيوت والشبابيك ، وبعض النسوة يلقين عليها الماء المغلى ،،
توسطت الشمس كبد السماء ، وازداد ثقل الجو بالغبار الاحمر وتجمعت سحب سوداء سابحه من الشرق والشمال ،،
نظر العم مصطفى الي السحب وقال لسماح ابنة اخيه : ندعوا الله ان تكون سحب ممطرة ،،
بدأ الرجال في جمع سنابل القمح المحصوده ووضعها في اكوام وتغطيتها بالقماش السميك  ، لكن مازال هناك الكثير لم يتم حصاده  ، انتهت المكنه من الحصاد في حقل محمد ابو حسين وانتقلت للحقل المجاور وباقي الرجال يحصدون بمناجلهم في الحقول الاخرى ،،
بدأ غيث المطر يتساقط رويداً رويداً ، كانت قطرات قليلة طينيه محمله بالغبار والدخان ، فأخذ رجال القرية يهللون  وازداد الاطفال في قرعهم لعلب الصفيح ،،
المطر يزداد في ثقله وشدته فبدأت تخمد النيران حول الحقول ، وانزعجت الجيوش الغازيه فبدأت تتساقط مقدمتها جراده تلو الاخرى ، كلما ازداد المطر يتجه سرب للعوده الى الغرب للصحراء الاتيه منها ،،
كانت الشمس قد بدأت تسقط في مغيبها ، والرجال يحصدون السنابل في كل الحقول وصوت مكنة الحصاد لا ينقطع ،،،
ومع دخول الغروب كان السرب الاكبر للجراد قد ابتعد وغاب في الافق البعيد مع مغيب الشمس ، فكان تساقطه مصاحباً لسقوطها ،،،
ازدادت السماء صفائاً وامتلىء الجو بعبق المطر مع نسمات باردة غير محمله بالغبار والدخان ،،،
بدأ النسوة والاطفال يأتون بالمصابيح من البيوت لانارة الحقول ومساعدة الرجال بعد ان بدأ يرخى الليل سدوله  ،،
وجلس العم مصطفى بجوار سماح عند كومه من اكوام القمح المحصود وقال : انظري لقد ابتعدت واختفت ، لو كانت باتت ليلتها في البلدة لكانت قضت علي المحاصيل ،،،
امسك جراده من على الارض كانت تمشي مترنحه ومثقله وقال : كنا نأكله في الجيش ، فضحك ثم رماها وقتلها دهساً برجله ،،،
فضحكت سماح وامسكت المصباح وذهبت لتساعد أخيها ،،،،،،،،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لفان جوخ

الخميس، 29 يوليو 2010

اللقاء الثاني

قد عاد أخيراً الى بلدته بعد ان غاب عنها خمسة عشر سنة من الدراسة والعمل ،،
جلس في المطعم القديم المفضل لديه ، كان المكان له نفس الرائحه والخصوصية رغم بعض التجديدات التى طرئت عليه ،،
جائه النادل فطلب منه القهوة ، واخذ يُمعن النظر في كل ما حوله من زبائن وينظر جانباً عبر ستائر الشباك الى الشارع والمارة والمطر القليل الذى بدأ غيثه علي البلده ،،
رأها تدخل من باب المطعم ومعها الرجل العجوز ، شديدة الجمال والروعه ، العيون السوداء  التى طالما اعتبرها ليلُ عظيم الاسرار ،،
احس انها تبتسم له وتبحث عنه فأصابته نفس الهزة الداخليه والرعشة التي احس بها منذ خمسة عشر سنة ،،
يمر دائما وهو عائد من مدرسته من امام مساكن المهاجرين الذين هاجروا من المدن الساحلية وقت الحرب ، كانت مدرسته بالقرب من تلك المساكن ،،
لا يزال صبي أراد ان يبحث في العالم عن الأشياء المفقوده داخله من حب وصراع ومغامره وكسر لقيود عزلته التي طالما انتصرت عليه ،،
يضع كتبه في حقيبته الجلدية ويربطها في دراجته ، ويمر مرتين من امام ذلك البيت لكي يراها مطله من الشباك او جالسه مع جدها امام المدخل ،،
يرن جرس دراجته جيئة وذهابا امام بيتها فتطل عليه يبتسم لها وتبتسم له ،،
لم يجروء علي تجاوز تلك الابتسامات ،،
جاء نهاية العام الدراسي وكان مقدر له ان يسافر بعدها وقد يعود او لا يعود ،،
نزل من علي دراجته عندما رأها بمفردها في مدخل بيتها ،،
وقف صامتاً أمامها يتصبب عرقاً ويبتسم خجلاً ،، ضحكت هي بصوت منخفض ومدت يدها فلمسته ، قشعريره تدفقت بقوة الى قلبه ثم عقله ،،
عيناها السود كانت تنطلقان بحرية الى افق ممتد لا تعوقها حواجز ولا عقبات ،،
وهو لا يدري أوجد مايريد أم احس فقط انه لم يصبح وحيداً فوق تلك الارض واسفل هذه السماء الممتده ،،
وقف مستغرقاً في تسائلاته لم يدري أكانت لحظات أم دقائق ، كان يبحث عن الأجابات داخله وربما في عينيها ،،
امسكته من يديه وقالت له تعالى لا تقف هكذا !!
نزع يده من بين يديها وقال لا استطيع لقد تأخرت الأن وانطلق بدراجته ،،،
جائه النادل بقهوته ووضعها علي طاولته ،،
ينظر اليها وقام واقترب منها ،،
فأشاحت بعينيها السود عنه في قسوة وأهمال ،،
فلا يوجد سبيل الأن للصفح والغفران بعد خمسة عشر سنة ،،
وعاد وحيداً مرة اخرى الي طاولة عزلته  كي يشرب قهوته ،،،،،،،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لفان جوخ

الثلاثاء، 27 يوليو 2010

خريف الذكريات

نفس نفق السكك الحديديه القديم والمهجور ،،
لم يتغير  ،حتى عبق الاحجار القديمه كما هو يملىء المكان ،،
مازالت شجرة التوت قائمة بجوار النفق تقاوم الزمن ورياح الخريف والشتاء ،،
كان اليوم خريفياً ، الشمس ساطعه لكن تعاكسها بعض السحب  الخريفيه فتسطع تارة وتغيب تارة اخرى ،،
أوراق الشجر تتطاير علي جانبي الطريق وثمار التوت لم تجف بعد منتظرة ان تموت في الشتاء وتحيا من جديد في الربيع  ،،
وقف ينظر من بعيد ، قد مر وقت طويل على اخر مرة جاء فيها الى ملعبه القديم ،،
تقدم به العمر ، أحس انه شاخ مبكراً رغم انه مازال في عقده الرابع ، لكن يوجد في الحياة ماهو اقوى من عوامل الزمن التي تجعل الشيخوخه تقترب قبل الاوان ،،،
نظر للصبي والفتاة وهم يتمشيان على شريط السكك الحديديه ويمسكان ايديهما ،،
احس انه يسمع همساتهم قبل ضحكاتهم العاليه ،،
يلعبان ويركضان علي الجسر القديم ،
يجلسان سوياً علي الحجر العتيق بجوار النفق ، يخرجان اقلامهم الملونه ويرسمان ويشخبطان علي صفحات حياتهما البيضاء ،،
يتركها ويتسلق شجرة التوت وهى تقف اسفلها تستحلفه ان لا يسقط ،،
يُلقي اليها بالتوت القرمزي الجميل وهي تضحك ولا يسمعها سوى الطيور  ،،
يحفران سوياً علي الحجر العتيق احلامهما ، والتوقيع اول حروف اسمهما ،،
لا يديران بالاً للزمن ولا للغدر الأيام متطمئنان فقط انهما يملكان تلك اللحظه ولا يشاركهما فيها أنسان ،،
لكن لا يعلمان ماهو قادم في الأيام ،،
أقترب وكلما أقترب يختفيان رويداً رويداً ، وتبعد اصوات الضحكات وحتى الطيور ،،
وصل الي الحجر العتيق ولم يجد شيئاً ، سوى نقوش من الأحلام وتوقيع قديم بدأ يبهت بفعل الزمن والأيام ،،

الأحد، 25 يوليو 2010

السراب



كم من العلاقات الأنسانية التي تشبه السراب ،،
كلما خطى الأنسان اليها ليبلغها او يحافظ عليها تنفلت من بين يديه   ،،،
أم هي الحياة نفسها كالسراب يحسبه الأنسان ماءً وكلما اقترب منه لم يجد شيءً ،،،
هي فقط مجرد اختبار ،،،
يخيم الحزن والسكون دائماً ،،،
تضعف الثقه رويداً رويداً في الأخرين  ،،،
الثقه في النفس تبقى لكن أحيانا تضعف مع الشك في كل ما حوله ،،،
لكن يظل متأكداً من ثقته في الخالق ورحمته ،،،
،،،،،،،،،،،،،،،،،،
المرحلة الزرقاء مرة اخرى ،،،
وسط الزحام واصوات البشر ممزوجة بأصوات السيارات واحياناً صوت الرياح والمطر
تتعدد النظرات والتساؤلات بين الناس كلٌ عما يدور داخله ومايعانيه من احزان او ما يختلجه من افراح ونشوات للسعادة
يظل يسير وحيداً باحثاً عن ذاته قد يكون ذاته في امل بعيد او ربما قريب
عن يد صديق يشاركه لبعض الوقت جزء من الانين
عن حب مفقود ضائع كلما اقترب منه يبعد عنه من جديد كأنها الكوميديا الدنيويه تمازحه المزاح السخيف
تكون الضحكات ظاهريه ارضائاً لغيره او تظاهراً منه امام نفسه انه يضحك
اما البكاء فيكون في عزلته فيقتنع تماما انها حقيقته
يلتقي بها يجد فيها ذلك الضوء البعيد الذي اقترب ، يضيء تدريجيا كوميض الفنار من بعيد مرشداً اياهُ في ظلمات البر والبحر فيهتدي اليها مبحرا بمركبه الصغير مصارعاً امواج حياته مستبشرا انه وجد شاطئه
فأذا بها تطفيء انوارها في وجهه ليتوه من جديد
تحاوطه دائما غربة قلبه بين جدران الوطن الصغير والكبير فيصبح وحيدا بين الاهل والاصدقاء أما الحب فهو زائف فليس له في حياته اي دليل ، سمع عنه في الروايات والادب القديم والجديد لكن ماهي الا تسلية للقلوب المجروحة بأن هناك حب وحبيب !!
وسط الزحام واصوات البشر واضواء السيارات يمشي فيرفع وجهه فيختفي الجميع
السائرون والضاحكون والهائمون
تنطفيء اضواء السيارات ويظل فقط اضواء عواميد الانارة
يستمر فقط المطر والرياح تحرك قصاصات الورق الملقاه
واوراق الاشجار فيظل يمشي هذا الطريق الا متناهى
يظل ينادي بصوته وهل من مجيب ؟ لا يجيبه ألا الصدى مردداً بنفس سؤاله 
أين السبيل للخروج ؟ فليس هناك سبيل ..
انها كالمرحلة الزرقاء في حياة بيكاسو
مرحلة الوحدة والألم والبحث عن الأمل طالت بعض الشيء لكنه انتقل  للمرحلة الوردية
أما صديقي فهو مازال يتخبط وسط المرحلة الزرقاء والرمادية
منتظر ان يخرج من تلك المرحلة كأنه مثل بني اسرائيل حُكم عليهم بالتيه اربعين عام 
وهو تائه في مرحلته الزرقاء مائة عام .......




اللوحة لمونيه

الخميس، 22 يوليو 2010

ساعة قيلوله

 جلس على الاريكة أسفل الشباك المطل على الشارع عاقدا يديه حول ركبتيه...
كان يلبس الجلابيه البيتي والطاقيه ويمسك في يده المسبحه الطويله ...
خلفه في الشارع بعض الفتية يلعبون الكرة وهو كل حين ينظر أليهم لان ابنه يلعب معهم ...
الأم تجلس أمام الطبليه ماسكه في يديها مخرطة الملوخيه وتقوم بخرطها بأتقان ويهتز جسمها المكتنز الثقيل يمنة ويساراً ...
الراديو يذيع مسلسل الخامسه وربع والرجل يحاول ان ينصت لصوته بعد تداخل صوت اهتزاز الطبلية العرجاء مع المخرطه ....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
في مقام سيدنا الذي يوجد اخر شارع تقف السيدة الريفيه أمام المقام بعد ان فرغت من صلاة العصر ...
كانت سيدة شابه لا تتعدى الثلاثين من عمرها اتت من قريتها اليوم كي تزور المقام ...
وضعت الكحك والنقود الفضه خلف شباك المقام ووقفت تبكي ...
يارب انت قادر علي كل شيء رجعهولي بحق جاه حبيبك ونبيك ، ابني ال ماليش غيره بعد ما ابوه مامات ، طيب حتى اعرف طريقه واروحله انا ولو مات تيجيلي أمارة ، ده انا أم ووليه وماليش غيرك يارب
رجعلي الواد يارب ، ندراً عليا اصوم وأكل تلاتين مسكين ...
الشيخ خادم المقام يجلس في الخلف ويستمع للسيدة الثكلى وبعد ان تأثر لحديثها وقال في نفسه لاحول ولا قوة الا بالله والطف بعبيدك يارب ، يلبس عمته وقفطانه ويخرج أليها ويقول : ابشري ياست شفت في المنام صاحب المقام لابس اخضر وبعد ماداني العهد ورغيف العيش الخمران قالي اجي ابشرك ان ابنك هيرجعلك بس زودي نذرك  ...
يزداد وجه السيدة الثكلى تورداً وتمسح دموعها بخمارها الاسود وتقول : بركاتك يا سيدنا ندراً عليا اصوم الشهر العربي كامل واجي تلاتين يوم اوزع فول وفته للغلابه ...
يمر بائع العرق سوس بالابريق الكبير النحاسي وبصجاته هاتفاً : طري قلبك يا عطشان ويعوض الله
تناديه السيدة وتطلب منه ان تسقى الشيخ خادم مقام سيدنا .....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ينظر من الشباك بعد ان استمع للمسلسل الاذاعي وينادى أبنه طالباً منه الاكتفاء بلعب الكرة ...
الأم تقول له : خليه يلعب بدل مايدخل يقلبلي البيت بعد ماتعبت فيه طول النهار ، يعني هو وراه ايه ...
وهي تلملم الملوخيه من علي الطبليه فجأه تتعدى الكرة الشباك كقذيفه وتختار الطبلية مستقراً لها فتضيع مجهود ساعة كامله من الخرط والقرطفه ...
تصرخ الأم : والنبي وال نبى النبي مانا مديهالك المرادي وهقطعها
يضع الرجل المخده جانباً اخر الأريكه وينام ساعة قيلولته  ، لقد فقد الأمل في الغداء هذا اليوم ،،،،،

الاثنين، 19 يوليو 2010

مجرد حكاية 2

عن قصة واقعية جرت احداثها في اواخر الثمانينات من القرن الماضي ،،

أول أيام عيد الفطر المبارك ، تكبيرات العيد تملىء الدنيا الى عنان السماء ، الشوارع مزدحمه بالأطفال  الفرحين بالعيد وتطاير البالونات بنسمات صباح اول ايام الفطر المبارك ...
لم يكن فرحاً هذا اليوم مثل باقي الناس لكنه حاول ان يخفى حزنه أمام ابنته الوحيده واشترى لها الملابس الجديدة وطلب منها ان تقضى أول ايام العيد في بيت جدتها بين أبناء أعمامها وعماتها ...
خرج بعد صلاة العيد مباشرة متخذاً سيارته واتجه الي مقابر القاهرة بجوار الأمام الشافعي ، اشترى الزهور وفتح البوابة وما أن فتحها حتى اتجه الأطفال نحوه ، فقام بتوزيع النقود الجديدة عليهم ، وجاء شيخ كبير في السن يتسم وجهه بالطيبه والهدوء وجلس  بجوار البوابة يقرأ القرأن الكريم ...
وضع الزهور بجوار شاهد القبر ، فهبت عليه نسمات صباحيه جميله محمله بذكريات بعيده فبدأ في بكاء طويل ...
ختم الشيخ الطيب قراءة القرأن واقترب منه ، وطلب منه الصبر والأيمان وقال له : هون عليك يا ولدي انه يوم عيد وهذا يحزن الأحباء في سُباتهم ..
لم يلتفت اليه لكنه نظر الى شاهد القبر وقال : كان المفترض ان يكون اول عيد تقضيه معنا منذ زمن بعيد ..
ربت الشيخ علي كتفه وقال : انها فعلا معكم وربما هي تقضى عيدها مع هم افضل منا في جنة لا تجوع فيها ولا تظمأ ولا تعرى ...
بدأ يهدأ قليلاً ثم قال : لقد تزوجت من أمها منذ سبعة عشر عاماً في ايطاليا ، كانت فتاة ايطاليه جميله جداً واحبتني حباً شديداً ، وبعد عام رزقنا الله بتوأم ، بنتين في جمال الملائكة ..
جمالهما مزيج من خفة الدم المصرية وجمال البحر المتوسط والعيون الزرقاء ، عندما بلغا ابنتاي السنتان من عمرهما طلبت من زوجتي ان نعود الى مصر كي أربي بناتي تربية شرقية بين أهلي ..
فوافقت سريعاً لحبها لي ، وعدنا الى مصر وكانت حياتي هادئه جميله واهلى رحبوا بزوجتي ترحاب كبير وأحبوها كثيراً ...
مر سنتين منذ عودتنا لمصر ، وفي يوم عدت من عملي فلم اجد زوجتي في البيت ، فدخلت الى غرفة البنات فوجدت واحدة منهما تلهو وسط لعبها لوحدها ولم أجد الأخرى ..
ووجدت علي سرير اختها جواب من زوجتي مكتوب فيه : أنا اسفه لم احتمل الحياة هنا فأخذت احدى البنتين كي تعيش معي للأبد وتركت الاخرى كي تربيها التربية الشرقية التي تريدها ،،،،
أحسست اني احلم فلم اصدق ماتقول ، أيمكن لأم ان تفعل هذا وتحرم نفسها من ابنتها وتحرم ابنتها منها ومن اختها ، وهل الأطفال تركه يمكن تقسيمها  ...
لقد بحثت عنها في كل مكان لكي أخذ ابنتي وأحاول ان اقنعها لكنى لم ألحقها لأنها قد سافرت فعلاً ...
احتضنت طفلتي التي حرمتها أمها من حنان الأم ومن توءمها وهما لا تنفصلان عن بعضهما ابدا..
سافرت لايطاليا كي استعيد زوجتي وابنتي ، فذهبت الى اهلها فوجدتهم لا يعرفون شيئاً عنها ولا فكروا حتى يساعدونني في البحث عنها ، ففشلت اخيراً في ايجادها وعدت الى مصر حزيناً يائساً ...
اهلى عرضوا عليا ان اتزوج كي اربى ابنتي فقررت ان لا اتزوج واتفرغ انا لتربية أبنتي فكنت لها الأب والأم وكلما رأيت وجهها تذكرت اختها وتعود احزاني من جديد ...
ومرت السنين وانا انتظر حتى جواب من زوجتي او اتصال ، حتى كي تطمأن علي ابنتها لكن لم يحدث هذا ..
وكلما كبرت ابنتي تذكرت أختها واقول ربما الأن هي في المرحلة النهائية من الابتدائيه او الأعداديه حتى وصلت للثانوي ..
في بداية شهر رمضان رن أخيراً التليفون فكانت زوجتي فقالت لي بصوت مخنوق : اذا كنت تريد ابنتك فأني ارسلتها اليك اذهب اليها في المطار وارفع لافته عليها اسمك وانتظرها ...
ثم انقطع الأتصال بعد ان اعطتني رقم الرحلة والميعاد ، لم اصدق نفسي من الفرح وأخبرت ابنتي وكنت سأخذها معى للمطار لكني فضلت في اللحظه الأخيرة ان تظل في البيت ...
ذهب الى المطار ورفعت اللافته عليها اسمى بالأيطالية والعربية وانا انظر بين وجوه العائدين في الرحلة أترقب اللحظة التي تسألني فتاة شقراء جميله في تردد وخجل عن اسمى و ترتمي  في حضني بعد خمسة عشر عاماً ....
اقترب مني شخص ملامحه شرقية وسألني بلهجة عربية مكسرة هل انت فلان فأجبته بنعم ، فطلب منى الذهاب معه للدائرة الجمركيه لانهاء بعض الأجرائات ، فدخلت معه وطلب منى استلام صندوق داخله ابنتي ...
التي انتظرتها خمسة عشرة عاماً ....
مسح الرجل دموعه والتفت لينظر حوله عن الشيخ الطيب الذي كان يقراء القرأن فلم يجده ،،،
لكنه وجد علي الدكه التي بجوار البوابه مصحف صغير فأمسكه بيده واخذه معه وانصرف ،،،،،،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لرينوار

الخميس، 15 يوليو 2010

التوق للرحيل


يوم بعد يوم تزداد الرغبة في الرحيل ...
الي أين ؟
عالم جديد ، كوكب جديد ، أناس اخرين ، طرقات وشوارع وحواري مختلفه ....
تغيب يوم بعد يوم الابتسامة خلف شفق احمر باكي ....
الأنتظار ، ليس الا حاله من العبوديه ....
،،،،،،،،،،،،،،،
أنتظار ان تطلق السفينه شراعها في الهواء  للأبحار خلف شواطيء بعيده ، بعيدة جدا ...
الفنار يدور ويدور بعد انحصار الشفق الاحمر واختبائه تحت استار الليل السوداء ...
الفنار يطلق نوره وسط الظلام يضيء للسفينة ظلماتها في البحر اللجى ....
الفنار ليس ألا مجرد قلب يدور داخل الصدور يضيء في الظلمات ليبحث عن أمل !!
اذاً السفينة تبحر في الظلمات ، والفنار يضيء للسفن التائهه في بحرها الهائج ويبحث عن أمله البعيد ...
،،،،،،،،،،،،،،،
تتشابه الوجوه في صلابتها وجمودها ، وتتشابه الالسنة والقلوب في قسوتها ....
حتي نبرات الاصوات في حدتها ....
المفكرة اليوميه كلما قُطفت أوراقها لا تتغير !!
،،،،،،،،،،،،،،،،
الهائمون
قُل لي من هم الهائمون ؟؟
يزولون اسرع مما نتخيل
من اجل من ؟ وفي حب من ؟
لكنهم يزولون ولا احد يتذكرهم !!
تتعقبهم وتعتصرهم ظلمات هذا العالم ,,,,
فيسقطون  فتتلقفهم الجوارح كي تكمل علي ماتبقي منهم ،،،،،
ويزولون ولا احد يتذكرهم !!
سقطات لا نهائية كسقطات المسيح السبع ولا وجود لمجدلية كي تخفف من الالام ،،،،
تائهون في الكون كأرض تيه امتدت  لمئات الاعوام وليس اربعين عاماً
يزولون ولا احد يتذكرهم !!
انهكهم السير واهلكتهم الرمضاء فيسقطون ويتابعون
في بلاد شوه الظلم والغدر  وجهها
وحاوطها الضباب فأصبح العمى في القلوب التي في الصدور
ولكنهم يزولون ولا احد يتذكرهم !!
كالطيف يترك بقايا ضوء فيخفت تدريجيا الي ان ينزوي فيصبح مجرد زكري يلتهمها النسيان
او نسمة باردة في ليلة حارة تمر سريعا وتصبح اثر ينتهي بعد حين
وعندما تسقط قصاصات الورق الصغيرة والشرائط الملونه التي يلهون بها في الحفلات
وتمرغت في التراب وخبت اضواء المسرح ونزل ستار العمر عندها
يزولون ولا احد يتذكرهم !!
لو كان للانسان خيار الانسحاب من العالم لكانوا اول المنسحبين 
الي جنه لا يزولون فيها ولا يخفتون  ...........
تُري من هم الهائمون ؟؟
،،،،،،،،،،،،،،
التوق للرحيل
الرحيل الى أين ؟ ،،،،،،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لريمبرانت 

الاثنين، 12 يوليو 2010

المُطارد

المشهد الأول

غرفة استقبال في فيلا متوسطه  ، غرفة المكتب مؤسسه بأثاث فخيم وفي الواجهة مكتبة مليئة بشتى أنواع الكتب والمؤلفات ، بجوارها مكتب كلاسيكي الطراز ...
يجلس طاهر  متوتراً ودقات قلبه متسارعه ، ينظر الي السيد مصطفى المحامى ...
المحامى يراجع بعض الأوراق التى أمامه ثم يلتفت لطاهر ويقول : لا تقلق حضرتك انها ليست أول مرة التى تجيء فيها الينا بعض الاسر لكي يتعرفوا عليك ويتأكدوا انك من عائلتهم أو لا فلماذا انت متوتراً هذه المرة ؟ ، كل شيء سيمر بسلام ان شاء الله .
يحاول طاهر ان يهدأ قليلاً ويقول : لقد اصررت علي والدي رحمه الله ان لا يفعل ذلك وان لا ينشر ذلك الأعلان في الجرائد لكنه اصر واقرها في وصيته لانه احس ان ذلك سوف يطمئنه علي ، رغم انني لا ابحث عن ذلك ورضيت بما قسمه الله لي من فقدان للذاكره منذ سنوات ورغم بحثى عن جذوري وعائلتي الا عندما فشلت رضيت بذلك ...
يتمشى المحامي ويجلس بجوار طاهر ويقول له : انت تعلم انه منذ خمسة عشر عاماً عندما وجدك كامل بيه رحمة الله عليه في الطريق  وانت فاقد الوعى ومُصاب بجروح خطيرة وهو اتخذك ولداً له عوضاً عن حرمانه الذرية والسند في الحياة وانت حفظت له ذلك الجميل وساعدته في اعماله وكنت خيرٌ من الولد له ، لكنه كان دائم الاصرار علي انك لابد ان تبحث عن اسرتك ، واوصى لي قبل موته منذ سنتين ان ننشر قصتك في الجرائد وصورتك واختفائك عن ذويك منذ ذلك الوقت ، فلنسعى ونعمل كما اوصى الرجل حتى يطمئن عليك في قبره ...
يتهند طاهر ويقول له : حسناً ، اعطنى معلومات عن تلك الأسرة  الجديده وماذا ارسلوا لك من معلومات ؟
يخرج المحامي ورقه من احدى الاظرف ويقرأ منها : هي اسرة ميسورة الحال ، الأب كبير في السن كان يعمل طبيباً لكنه توقف الان عن ممارسة المهنه ، الأم  اصغر منه بقليل ولا تعمل ، توجد اختاً واحده يقولون انها اكبر منك بثلاث سنوات ، جذور العائلة من الصعيد ألا انهم مقيمين في القاهرة منذ زمن بعيد ، يقولون انك اختفيت عنهم في نفس الفترة الزمنية التى وجدها فيك السيد كمال كما اوضحنا في القصة التي نشرناها ، ومن الصورة التي نشرناها لك يؤكدون انك تشبه ابنهم بشكل كبير جدا ، ووقت اختفائك عنهم كنت في الخامسه والعشرون من عمرك أي نفس السن تقريبا ، هذه كل المعلومات التى ارسلوها لنا ...
ينظر طاهر للساعه ويقول : اممممم لي اخت واحده واب كان يعمل طبيباً واصولي صعيديه  طيب ، كم من الوقت تبقى علي مجيئهم ؟
يرد المحامي ويقول : المفترض بعد عشر دقائق من الأن حضرتك ...

المشهد الثاني

الخادم يطرق الباب فيقول له طاهر : تفضل
الخادم يقول : الدكتور احمد الصاوى واسرته في الخارج ويطلبون مقابلة حضرتك ..
يرد عليه طاهر : قدم لهم العصير وانا سوف اتى حالاً .
يجلس الدكتور احمد وهو رجلٌ قارب علي السبعين من عمره وبجاوره زوجته اصغر منه قليلاً لكنها اكثر صحه منه وعلي المقعد المجاور تجلس سهير وهى في منتصف العمر متوسطة الجمال في الرابعه والاربعين من عمرها تقريباً ...
تتهامس سهير مع أمها وتقول لها : ياااه انه  بيتٌ جميل  واثاثه فاخر ، تُرى سيكون هو سيف أخى أم لا ، انتي المفروض أم  وعندك نوع من الحدس داخلك يقول لكِ هو أم لا ..
ترد عليها الأم : سنرى عندما يأتي ، لكنى متوترة لا أدرى ان احدد لكن قلبي يقول انه سيف ، لكن لا أعلم لو هو فعلا هل سيتذكرنا ؟؟
 يدخل طاهر قادماً من مكتبه ، وعندما يرونه جميعاً يصيبهم الدهشه والفرح  لكنهم يثبتون في مكانهم ..
تقول سهير هامسه لأمها : انه سيف يا أمي لكن كبر قليلاً ، انه اختلاف خمسة عشرة سنه لكنه هو ، نفس أنف اسرتنا والعيون وحتى نفس لون الشعر المائل للبني ، حقاً هو ..
ترتبك الأم وتقول لها : نعم نعم انه يشبهه تماماً  لكن هل ياتُرى سيتذكرنا ويعرفنا أم لا ؟
يلقى طاهر السلام ويطلب منهم الجلوس ويرحب بهم بالأب اولاً ثم الأم وبعد ذلك الأخت ، بعد ذلك بدأ حديثه معهم
وقال : معذرة ارجو اولاً ان تنادوني مبدئياً بأسمي الذي اعرفه وهو طاهر حتى يتثنى لنا التأكد من اني سيف ابنكم أم لا ، حتى لو كنت اشبه السيد سيف تمام الشبه فربما اكون هو وربما اكون شخصٌ اخر ويصدق المثل يخلق من الشبه اربعين ، فأرجو ان نتعامل رسمياً حتى يتضح كل شيء ...
ينظر له الأب ويقول : اتفق معاك يا بنى لكنى أؤكد لك انك سيف أبنى حتى نبرات صوتك الأن لم تتغير منذ خمسة عشر عاماً ، غير الشبه في الملامح والنظرات لكننا سنلبى طلبك علي الفور ، لكن لي طلب ان تجيء معنا الى بيتك أقصد بيتنا حتى يساعدك ذلك علي استعادة ذاكرتك ومعرفة كل شيء علي ارض الواقع فأعتقد ان هذا سيسهل الامور كثيراً ...
تدخل الأم باكيه وتقول : حقاً يا سيف لابد ان تأتي معنا الى بيتك ، الا تتذكرني انا أمك وهذه اختك ، ألم تحس بأي شيء تجاهنا ؟؟
يرد طاهر بهدوء : انا اوافق تماماً علي مبدأ الزيارة ولكن يا سيدتي انا الى الان لست سيفاً ولدك فأرجو ان تناديني بطاهر ...

المشهد الثالث

منزل الدكتور احمد الصاوى ، بيتٌ كبير في حى راقٍ ، البيت متسع به غرفة استقبال كبيرة واربع غرف مؤسسه جيداً ، غرفة خاصه بسيف ، وغرفة لسهير وغرفة مكتب وغرفة خاصه بألاب والأم ...
يجلس في غرفة الصالون او الأستقبال طاهر والسيد مصطفى المحامي ، يستأذن المحامي من طاهر ويقول له : لابد حضرتك ان ارحل الان حتى تكون علي راحتك  ولو فيه اي شيء اتصل بي علي الفور في مكتبى ..
يرحل المحامي ويظل طاهر مع الاسرة لوحده في المنزل ....
تنظر له الأم وتقول : هذا بيتك ومحل ذكرياتك كلها ، ياما جلست هنا أمام التلفاز وياما تشاجرت انت واختك عندما كنتم صغيران ، وهذة البلكونه الكبيرة التى كنت تحب ان تجلس فيها وعادة ماتعاكس بنات الجيران  ...
تضحك سهير وتقول : لقد كنت شقى جدا ولك قصص غرامية مع اغلب بنات الجيران وياما تسببت في مشاكل بيننا وبينهم
ينظر طاهر الى البلكونه ويقول : انا كنت افعل ذلك ، ربما انتم مخطئون فأنا كثيرا ما اشمئز من تلك الافعال ، بالتأكيد كنت صغيراً في السن وتوقفت عندما نضجت ؟؟
تقول الأم وهي تبتسم : لم تتوقف ابداً عن ذلك ، تعالى كي ترى غرفتك ..
يتوجهوا جميعاً الى غرفة سيف وهي في اخر الطُرقة علي اليمين ، تفتحها الأم ويقف طاهر ينظر اليها ...
سرير في المنتصف بجواره دولاب متوسط الحجم ، معلق علي الحائط صور للمصارعين وصور اخرى عارية لبعض الممثلات والمطربات ، في وسط الحائط معلق رأس ذئب محنط  ، مكتب صغير علي اليسار فوقه مكتبه صغيرة عليها العديد من شرائط الكاسيت وجهاز كاسيت متوسط الحجم ...
يحس طاهر بالضيق وينظر لأمه ويقول : اهذه غرفتي انا ؟ أكنت احب تلك الشخصيات المعلقه صورهم علي الحائط ؟ لم احس ابداً بميل لتلك الاشياء ...
تضحك الأم وتقول : لقد كانت متعتك سماع الاغاني الصاخبه بصوت مرتفع ومزعج لدرجة ان اختك كانت لا تستطيع الاستذكار ولا يستطيع أبوك ان ينام ، لقد كنت شاباً مندفعاً جدا ..
يجلس طاهر علي السرير ويقول للأم : اليس لي ذكريات طفوله تحكي لي عنها ، هل كان لي صديق مقرب عزيزٌ علي ، اخرج معه ونذهب للنادي سوياً ، احكي له اسراري واكون مستودع اسراره الخاصه ..
تتلعثم الأم وتقول : بالتأكيد نعم قد كان لك الكثير من الاصحاب والزملاء في مراحل عمرك المختلفه
يرد طاهر عليها في اصرار : انا لم اقصد زملاء الدراسه لكني اقصد صديق مقرب لدى ، بالتأكيد لم اكن وحيداً وكان لي صديق !!
تدخل الأخت وتقول : نعم لقد كان لك صديق ..
ينظر لها طاهر ويقول : وماذا حدث ؟ ، اين هو لماذا لم تخبروه عنى ؟
تقول الأخت : لقد حدث بينكم سوء تفاهم وتشاجرتما علي اثره وانفصلتما عن بعضكما ...
يزداد توتر طاهر ويقول : وماهو السبب ؟ ، لماذا لا تخبراني ؟ ، انا هنا لكي اعلم كل شيء عن ماضيا ولا ان ننتقى احداث الماضي السعيد ومعاكسة بنات الجيران وسماع الموسيقي ، لكني أريد ان اعرف كل الاحداث حتى اتذكر كل شيء ...
تقول الأم في انكسار : لقد فهم بالطريق الخطأ انك كنت تواعد اخته بشكل سرى وهذا كل مافي الامر وكثيرا مايحدث مابين الشباب ..
يرد عليها في عصبية ويقول : ومادام هذا يحدث مابين الشباب لماذا لم اخبره بالحقيقه واوضح له الامر فقد كان بالتأكيد اعز اصدقائي ؟
تقول الاخت : سأقول لك انا ، لقد ظبطك انت واخته في البيت لوحدكما في وضع صعب بين شاب وفتاه وتشاجرتما وضربته انت ضرباً مبرحاً وهربت قبل ان يأتي أبيه ، وهو ضرب الفتاه المسكينه حتى دخلت المستشفي ومن وقتها وعلاقتكما انقطعتا تماماً ...
ينظر طاهر الى الارض ويقول : واضح ان سيف هذا لم يسلم احدٌ قط من اذاه حتى صديق عمره خانه في اخته ..
تبكي الأخت وتقول : لم يكن هو وحده فأنا خسرت خطيبي بسبب فعلتك هذه ، خطيبي الذي احببته ثماني سنوات وكنا علي وشك الزواج ، لقد كان اخو الفتاه وأخو صديقك الأكبر ، لقد أمر ابوه بفسخ الخطبه وخسرت انا حبيبي الى الأبد ، كنا نحب بعضنا من الطفوله وجئت انت بأنانيتك وضيعت كل شيء وقضيت علي حبي ، انا اكرهك اكرهك وابغضك ، لانك دائماً ماكنت تسبب لي الألم وحتى عندما عدت فليس بداخلي أي حبٌ لك  ...
يبكي طاهر ويقول لها : لكنى لست انا هذا الشيطان اخوكي ، لماذا تكرري دائما وتقولي انت انت انت ، انا لست هو ولا يوجد شيء في يشبهه ، انا مخلوق مختلف عنه تماماً ، لا احب الغدر ولا احب ذاتي علي حساب الاخرين ، احب الهدوء ولا استمع الى تلك الموسيقي الصاخبه ، قد اشبه ذلك السيف اخوكي في ملامح الوجه او نبرات الصوت لكني بعيد عنه كل البعد ، انا بعيد عنه كل البعد ....
تخرج الأخت من الغرفة مسرعه وهي باكيه ، ويجلس هو وحيداً مع أبيه الذى جاء الأن ..
ينظر له الاب بعد ان جلس علي كرسي المكتب الصغير وقال له : هدىء من روعك ، لقد كنت فتى صغيراً وقتها وكنت طائشاً ومندفعاً جداً مع الجميع ، حتى مع أمك التي بالغت في تدليلك ، فقد كانت دائما تراك علي انك طفلها المدلل حتى بعد ان كبرت ، وانا لم يكن يعجبني هذا الحال فواجهته بالشدة معك ، فأصابك هذا بالعند اكثر ...
يهدأ طاهر قليلاً ويقول : ارجوك لا تحدثني علي اني سيف هذا فأنا لست هو ، لكن صحيح أخبرني لماذا ترك سيف المنزل في تلك الليله التي لم يعود بعدها لمدة خمسة عشر عاماً ؟؟
يقول الاب : ومن اخبرك انك تركت البيت غاضباً ؟؟
يقول طاهر : لقد سمعت سهير وهي تتحدث مع أمها وتقول لو لم يخرج غاضباً في تلك الليله لما حدث كل ذلك ، فأعتقدت انها تقصد بكلمة ذلك هو فقداني للذاكرة وضياعي لكل تلك السنين ؟؟
يتنهد الأب ويقول : نعم هذا ماحدث ، في تلك الليله كنت اخذت سيارتي بدون اذني وخرجت بها مع اصدقائك ، وكنت تقودها بسرعه كبيرة حتى صدمت سيارة اخرى في احدى الشوارع وهشمتها تماماً ، عندما عدت للمنزل من عملي وعلمت بما حدث ، ثار جنوني تماماً وعنفتك بشدة ، فقمت بالرد علي فضربتك وطردتك من المنزل ، ولم اعالج الأمر بحكمه وانت لم تعتذر لي عما بدر منك ، ظللنا نبحث عنك في كل مكان ولم نعثر عليك ابداً من ليلتها ...
يضحك طاهر ويقول : هاهاهاهاها تطرد ابنك الطائش في ليلة متاخره وتضربه رغم انكم السبب فيما وصل اليه من انانية واندفاع ، أم تلبي جميع رغباته وأب يعامله بقسوة شديدة كي يعدل الميزان معتقداً انها اصول التربية السليمة ، تطرد ابنك في ليل الشتاء القارس وهو مازال ابن الرابعه والعشرين لا يعلم اين يذهب ، لقد كان له الحق تماماً ان يصبح هكذا ، حتى بكل افعاله وانانيته ووحشيته لكنه كان صغيراً يحتاج علي الاحتواء والمعامله السليمه ، ارجوك اتركني يا سيدي لقد سئمت تلك الذكريات والاحاديث البطولية عن ابنكم هذا ، ارجوك لا اريد ان اتحدث الأن ....
يقوم الأب وهو يخرج يقول : ارجوك ان تعلم اني ظللت ابحث عنك طويلاً فأنت ابني الوحيد واحبك جداً ، واعترفت بخطئي كثيراً في التعامل معك ، واود ان تعلم ايضاً انك لست شريراً لتلك الدرجة فكما اخبرتك كانت هناك افعالاً نتحملها نحن معك بسبب اخطائنا ، فقد كنت صغيراً ...

المشهد الرابع

تأتي الأم الى الغرفة التي يجلس بها طاهر وتقول له : ابنة عمك تريد ان تراك فهى كانت صديقتك ايضاً وكانت تحبك وهى مصره انها ستساعدك علي استعادة ذاكرتك ..
يبتسم ويقول لها : وماذا فعل ابنكم لها هي الاخرى ؟؟ ، ادخليها لو سمحتى ....
تستأذن ابنة العم للدخول ، هي سيدة في السادسه والثلاثون من عمرها ، تتمتع بجمال كبير وكانت تنظر له بلهفه شديده ...
تقول : أيمكنني ان اجلس معك يا سيف
يرد عليها : الى الان لست سيف ولكن اتفضلي فهذا بيت ابن عمك
تنظر له في حنان وتقول : الا تتذكرني يا سيف انا ابنة عمك وصديقتك وحبيبتك ، لقد كنت تحبني حباً شديداً وانا لم اكن اقل منك حباً لك ، ان ملامحي لم تتغير كثيراً فأنا كما تركتني منذ خمسة عشر عاماً ، زاد عليا فقط بعض الكبر لكني كما انا ، ألم يمثل لك ذلك الوجه شيئا وتلك العيون التي طالما ذابت فيك عشقاً ...
ينظر لها في هدوء ويقول : لا ياسيدتي انا لم اتذكرك اطلاقاً
بدأت تتوتر قليلاً : لكني متأكده تماماً انك انت سيف ، فأنا مستحيل ان اتوه عنك ابداً ، فنحن روح واحده تعيش في جسدين ، لقد عشنا سوياً اجمل لحظات الحب وكنا دائما نهرب بدون علم اهلنا ونذهب الى شقتنا في الاسكندرية
مستحيل تنسى كل هذا ...
يسألها طاهر ويقول : يخيل الى انك متزوجه فأنت تلبسين خاتم في يديكي اليسرى !!
ترتبك ابنة العم وتقول : اااااه نعم انا متزوجه وعندي طفلين  لقد تزوجت بعد اختفائك بخمس سنوات بعدما انتظرتك كثيراً ، ومازلت الى الان انتظرك يا سيف
ينظر لها في استهزاء ويقول : تنتظريني لماذا ؟ ، وزوجك واطفالك فهما احق بذلك الوقت الضائع في الانتظار !!
تقول له في عصبية : انا لا احبه تزوجته رغم عني بعد اصرار أبي ، نعم انتظرك انت ، ولعلمك انني سأتطلق من زوجي قريباً ...
يضحك طاهر ويقول : هاهاهاهاها عندما علمتي بوجودي طلبتي الطلاق ، يالا الذنوب التي مثل زبد البحر التي تطوق رقبة سيف ، ياسيدتي حافظي علي بيتك وزوجك واولادك فأنا لست ابن العم المنتظر والمنشود وحتى لو كنت هو فأنا لست لكِ ولا اود ان ارتبط بأنسانه علي انقاض بيت اخر وسعادة زوج مخدوع ...
تضحك أبنة العم وتقول : لا تمثل علي دور القديس والطفل البريء انت في داخلك تعلم انك انت سيف لكنك تحاول الفرار من ماضيك وذكرياتك ، لكن حتى لو فررت من كل ماضيك ومن كل الناس فلن تستطيع ان تهرب منى ،
فلا تدعى السذاجه والبرائة ، انا لا احب زوجي وتزوجته رغم عني وكنت انتظرك كل تلك السنين واعلم انك ستعود في يوماً ما وهاقد عدت لي فلا سبيل أمامك وأمامي ألا ان نعود كما كنا ، أما انك تحاول ان تهرب مني فأنا لن اتركك ..
ينظر لها ويصمت قليلاً ثم يقول : رغم كل ماتتكلمين عنه من حب وذكريات وأيام فأنا لم اتذكرك او لا اريد ان اتذكرك ، انا احمد الله انه اخرجني من عالمكم هذا واعطاني ميزة لم يعطها للكثير من الناس وهي اني اصبحت كالطفل الذي ولد فقط منذ خمسة عشر عاماً بعد ان نسيت تماماً من انا ، واصبحت حراً كي ابدأ حياتي من جديد كما أريد وكما أود ان اعيشها ، وصدقيني فأنا متمسك بحريتي وبتلك الهبة الربانية ولن أفرط فيها ..
تزداد عصبيتها وتقول : ااااااه انت تعترف الأن انك سيف ، مهما حاولت ان تهرب من ماضيك سيطاردك اينما تكون ، لا يستطيع احد ان يختار ذكرياته ويختار عائلته وماضيه كل هؤلاء سيطاردونك أينما ذهبت ، حتى لو اخترت عائلة اخرى فما يدريك بماضيهم وبماضي ابنهم ، دائما الانسان يكره مشاكله واحزانه واحياناً تصرفاته لكن عندما يُخير له ان يمد يديه في صندوق الدنيا ويختار مشكلة اخرى او ذكريات اخرى فأنه للعجب يختار ايضاً نفسه ، وانت تريد ان تظل طفلاً ساذجاً خائف من ذكرياته وماضيه ..
يرد عليها في عصبية : لست حبيبك وابن عمك وحتى لو كنت أنا فأنا لا اريدك ولا اريد تلك الذكريات والعائلة ، ساذهب بعيداً ، يكفيني ان اعيش حياتي في هدوء كما كنت اعيشها  اتركيني وشأني واتركوني جميعاً ....

المشهد الأخير

في منزل طاهر ، صباح اليوم التالي ، يوماً ربيعياً جميلاً والشمس مشرقة مع بعض النسمات الخفيفه ..
يجلس مع المحامي ، ويخبره المحامي : اليوم ستأتي اسرة الدكتور احمد الصاوى لتعرف ردك النهائي وسيأتي من الاسكندرية الرجل والصبي الذى اخبرتك عنهم ...
يرد عليه ويقول : أي صبي وأي رجل ؟؟
يقول المحامي : انهم أيضاً يدعون انهم من ذويك واقاربك ومصرين علي مقابلتك ..
يقول طاهر : ومتى سيأتون ؟ ، أقبل ام بعد عائلة الدكتور
يرد عليه المحامي : اعتقد في نفس التوقيت بعد الظهر ان شاء الله
تأتي اسرة الدكتور جميعها ، الأب والأم والأخت و أبنة العم ، جميعهم في غرفة الاستقبال
يجلس هو في مكتبه ويستأذن عليه الأب في الدخول ، يدخل الأب ويقول : يابنى ان كان  اغضبك ماتحدثنا به اليك فأنت من طلبت ذلك وكان ذلك ايضاً سيساعدك علي استعادة ذاكرتك ، لكن سواء انت أبنى أم لا فلك ان تعلم أن كل انسان يوجد فيه الخير والشر قد يغلب احياناً جزء علي الاخر في شخصية الأنسان لكن يظل الأنسان ضعيفاً ، فكر قليلاً وتذكر انك ايضاً انسان ، انا وانت والاخرين بشر ولسنا ملائكه ..
لا يستطيع ان يرد عليه طاهر ، ألا ان يستاذنه ويخرج يتمشى قليلاً خارج البيت ...
كان المحامي يجلس مع ذلك الرجل القادم من الاسكندرية ويطلب منه الانتظار حتى ينتهى طاهر من ضيوفه واحس الصبي بالملل فترك المكان وذهب الى الخارج ...
كان صبياً في السادسه عشرة من عمره وسيم الوجه وهاديء الملامح ، يقف وحيداً اسفل شجرة التوت ..
فرأه طاهر من بعيد فتقرب منه وسأله : ماذا تفعل هنا ؟
رد عليه الصبي : انا جئت مع عمي كي نتعرف على ذلك الرجل الذي يقول عليه انه عمي
يقول طاهر : وهذا الرجل الذى بالداخل هو عمك وجاء يبحث عن اخوه او عمك الأخر ؟؟
يقول الصبي : لا حضرتك الرجل الذي بالداخل ليس عمى انه جار قديم لنا عندما كنا نعيش في القاهرة قبل ان نذهب الى الاسكندرية ، والرجل الذي نبحث عنه هو عمي اخو ابي ..
يقول طاهر : وأين ابوك وبقية اهلك ؟
يرد الصبي : انا ليس لي اهل تقريباً ، لقد مات ابي وامي وجدى وعمتى واخي الاكبر في الزلزال ، ونجوت انا بأعجوبه ، كنت طفلاً صغيراً عندى سنة وبضعة شهور ولكنى كنت في المستشفى مريضاً ، فسقط البيت علي اهلى ونجوت أنا لاني كنت في المستشفي ، كان هذا قبل ان يختفي عمي بسنة او اثنين ، فأخذني ذلك الرجل جارنا وعمل على تربيتي ولم يتخلى عني واخذني مع اولاده عندما انتقل للاسكندرية ، وعندما نُشرت حكاية ذلك الرجل في الجرائد جاء بي عمى الى هنا حتى يتعرف عليه وقال لي انه عمي ولابد ان يجتمع شملكم من جديد واعيش معه ..
يفرح طاهر ويقول له : أحقاً ما تقول انك انت وحيداً وليس لك احدٌ في الحياة ؟؟
يندهش الصبي ويرد عليه : انا لا اعلم لي اهل فليس لي اخوال وخالات اتذكرهم ..
يبتسم له طاهر ويقول : اننا نشبه بعض تماماً ياصديقي فأنا وانت  اسرة واحده حقاً ...
ارسل طاهر للمحامي ، فجاء اليه وقال له : لقد وجدت اسرتي وتذكرتها ، هذا الصبي هو اهلي واسرتي ، وارجو ان تعتذر للدكتور احمد ، معذرة اريد منك ان تبعث لسهير ابنتهم لانني أريدها ...
جائت سهير في حديقة المنزل وهي تنظر له بحنق ، فنظر لها طاهر في حنان وقال : يا أختاه ارجو ان تسامحي اخوكي فهو صغير وضعيف ، قد يكون الأن في مكان ما وربما يكون ميتاً لكن بالتأكيد نال مايستحق من عقاب ، بالتالي لابد ان يستحق مننا كل الغفران والخير .....
ينظر طاهر الى الصبي ويقول له
هيا بنا يا صديقي كي نبدأ حياة جديدة سوياً ,,,,,,,,,

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لفان جوخ 

الجمعة، 9 يوليو 2010

لم يُستدل علي العنوان



صعد لسطح البيت كالمعتاد قبل الفجر بقليل  وجلس علي الدكه المجاوره لأعشاش الحمام التي يعتني بها ، وعندما شاهده القط جاء مسرعاً وجلس بجواره ..
كان اعتاد في وحدته بعد وفاة زوجته وهجرة ابنه منذ زمن بعيد ان يقوم بتلك الطقوس ولا يغيرها مطلقاً ..
وصل للرابعه والستين من عمره وبدأت الوحده تنهش قلبه واصبح عبداً للانتظار  ، انتظار ابنه من الغربه التي طالت كي يؤنسه فيما تبقى من عمره ...
يظل جالساً علي الدكه ينظر للمدينة الكبيرة التي تعج بأحزانها وأفراحها ، يستقبل ندى الفجر وهو يشرب الشاي وحوله اضواء لوحات الاعلانات الكبيرة تضيء وتنطفىء والسيارات مسرعة في الشوارع والكباري لا يدري من أين والى أين ذاهبه ؟؟
يصلي الفجر بجوار اعشاش الحمام ، ثم يتدثر بمعطفه ويدخن سيجاراً منتظراً الصباح ، يشغل جهاز الراديو الصغير فيأتيه بأخبار الصباح ، ثم يضع الحبوب للحمام ويغير لهم الماء ثم يضع بعض اللبن لصديقه القط ...
يخرج من سطح البيت ويستدعى المصعد القديم ، بدأت الحركه تزداد في العقار ، اب يخرج مع طفليه وهم بزي المدرسة ، بائع اللبن يصعد سريعاً علي السلم والبواب يوزع الجريده امام كل شقه ....
يصل الي بيته في الدور السادس ويفتح الباب ، يضع زجاجة اللبن في المطبخ وكوب الشاي الفارغ الا من بقايا قليلة من الشاي الجاف ...
يقوم بتجهيز اداوت الصيد ويضعها في حقيبته المصنوعه من القماش ، يضع  الراديو  وبكرة الخيط وزجاجة مياه وعلبة السجائر وبعض السنار الصغير والغاطس المعدني ...
يأخذ طريقه ماراً في ميدان التحرير وسط الزحام متجهاً الى دكان الفول والطعمية في اول شارع القصر العيني يفطر اولاً ويقرأ الجريدة ثم يتجه الى اسفل كوبري قصر النيل ...
يلقى السلام علي اصحاب المراكب النيليه ويجلس بجوارهم منتظراً رزقه من النيل في صبر تام ...
عادة لو اصتاد سمكة او اثنين يوزعهم علي ابناء المراكبيه !!
يعود الي بيته متخذاً نفس الطريق ، يمر علي بواب العمارة ويطلب منه ان يأتيه بالغداء ، كانت زوجة البواب هي من تصنع له الغداء يوميا ً وتنظف له البيت كل اسبوعان مقابل مبلغ من المال ..
يجلس في وسط الصاله المكونه من اساس قديم ، علي الحائط في المقابل اعلى التلفزيون صورة لزوجته الراحله وصورة لأبنه وهو في الثانوية العامه ...
أخرج دفتر الورق والقلم ولبس نظارته الطبية وبدأ في كتابة خطاب أخر ...
أبني الحبيب بعد التحية والقبلات , لقد اشتقت اليك كثيراً ، لا أدري كم عدد الخطابات التي ارسلتها اليك ولم ترد علي ، أود ان اطمئن عليك وعلى زوجتك وطفلتك الصغيرة ربما الان اصبحت كبيرة  ، لم يأتيني خطاب منك منذ زمن بعيد ، أنني في حالة صعبه الأن ..................................
والدك . نهاية الخطاب
بعد ان يضع الخطاب في الظرف الخاص به يذهب بنفسه في صباح اليوم التالي الي مكتب البريد ويرسله بنفسه .
يصعد في اخر النهار الي سطح البيت ويُخرج الحمام من اعشاشه ويطلقه في السماء ، يدور الحمام في السماء وهو يلوح له بالعلم الأحمر ، يأتي القط مسرعاً فيضع له الطعام ....
وعندما يأتي الغروب ويغيب الشفق يأتي الحمام الى اعشاشه فيتأكد من ان جمعيها قد دخلت العُش فيغلق عليها ، ويهبط مرة اخرى الي بيته .....
قبل الفجر يستيقظ يلبس دثاره ويذهب الى مطبخه يصنع الشاي ويأتي بزجاجة الحليب ويصعد الي السطح ..
يجلس علي دكته ويضع الحليب للقط ويظل متأملاً في العالم حوله والناس خلف تلك النوافذ المغلقه
منعكساً علي وجه اضواء اللوحات الاعلانية تتضيء وتنطفيء ....
أتى ساعى البريد وظل يطرق علي الباب فلم يرد عليه احد كانت الساعه قد قاربت علي التاسعه
نادى البواب فأخبره ان احد لا يرد عليه وترك معه حزمة جوابات مردودة لصحابها ومكتوباً عليها لم يستدل علي العنوان ، وطلب من البواب ان يستلمها ...
صعد البواب الي سطح البيت فوجد الرجل علي الدكه ملفوفاً في دثاره والقط راقضاً اسفل قدميه
قام بتحريكه فلم يرد ...
لقد ذهب  بعيداً بعيداً ،،،،،،،،،،،،،
 

الثلاثاء، 6 يوليو 2010

مِسك الليل‏



 

الليل هو مدينته التي يعيشها داخله وهي المدينة التي تعيش فيه ...
احزانه والامه يعيشها في تلك المدينة فهى من يُبعث فيها ألمه من جديد بعد ان يموت مؤقتاً في صخب وزحام النهار ...
ضوء القمر يتسلل عبر الستائر التي تهفو وتتحرك عبر شرفته المطله علي البحر ...
ينظر عبرها صيفاً فيستنشق نسائم الصيف مفعماً برائحتها الجميله منتظر فجراً واملاً جديداً يأتي مع تلك النسمة العابرة ، التي تمر سريعاً مخلفه ورائها طيف من الذكريات والأمال ....
يأتي الشتاء ينحبس القمر خلف السحب السوداء لا يستطيع ضوئه التسلل عبر ستائر شرفته ...
لكن تأتي الرياح الشديده فتحركها بقوة ، وصوت المطر يتصارع مع البحر الهائج ..
ينظر الي القمر المحبوس خلف السحب ، تتحرك السُحب قليلاً فيظهر القمر ويختفي مرة اخرى !
يسمع صوت سعاد ماسي القادم من جهاز التسجيل في غرفته ....
في هذا الوقت كل حال كل دقيقه بيتبدل،،،،

في هذا الوقت اوراق الشجر تبدأ تبدل،،،،
وريحات تراب كي تصب شتاء دمعه في عيني تلعب كنت فاكرك انت،،،،

مِسك الليل

السبت، 3 يوليو 2010

غريب في المدينة ( سفر العودة 2 )

وجد بعضاً من الطيور تحلق بعيداً فنظر اليها ربما اقترب من النهر
لا يدري الي اين سينتهي طريقه
لكنه مازال ماشياً.....
ظل ماشياً الي ان اقترب من من البيوت وبدأت تختفي الشجيرات والنخيل علي جانبيه ، لقد وصل الي المدينة وصخبها ..
بدأت تتعالى اصوات الناس حوله وازدادت حركتهم السريعه ، انه يدرك انها مدينته القديمه لكن لا يعرف احد ولا احدٌ يعرفه ، ينظر للوجوه وللعيون محاولاً استجداء ذكرى منها لكنها غريبه عنه وهو غريبٌ عنها لا يدركها ولا يتذكرها ولا هي تدركه ، لقد غاب كثيراً او غابت هي عنه لا يدري من اين عاد ولما عاد ....
بدأ الليل يرخى ستاره علي المدينه وهاهو اقترب من النهر  ، الجسر بجوار النهر ممتداً علي جانبيه عواميد الأنارة قد اضائت للتو ، السيارات تتحرك بجواره بسرعه  تنعكس اضوائها في عينيه ، فتغيبه للحظات  !!
يذهب بعيداً في ذكرياته ويظهر وميضها فجأة ، كان هنا اصدقاء يأتي معهم ويجلس علي الجسر امام النهر ، يسمع صوت ضحكات وموسيقي ، نعم تذكر قد جاء هنا كثيراً كي يصتاد السمك علي حافة النهر اسفل هذا الجسر كان يأتي وحيداً او مع صديقاً له ....
يعود مرة اخرى ويفيق من تلك المخيلات ، يقف كي يرتاح وينظر لانعكاس ضوء القمر علي صفحة النهر الفضية اللامعه منعكساً عليها اضواء عواميد الانارة ومرور ذلك القطار من بعيد ..
يمر بجواره حبيبين شاب يضع يديه علي فتاته ويتبادلان الضحكات ، تقترب ضحكاتهم منه وتبتعد مرة اخرى بالتدريج ، عاودته ذكرياته من جديد ، كان يتمنى ان يأتي بحبيبته هنا علي نفس هذا الجسر ويحكي لها عن مدينته وملاعب صباه واماكن خلوته المعتاده ، لكنه لا يدري ايكون قد جاء فعلا بحبيبته هنا في يوماً ما أم لا ، احياناً لا تسعفه ذكرياته فهو مازال غريباً حتي عن نفسه !!
تلك المدينة الصغيرة امازلت مدينته أم لا ؟
اهلها  مازالوا كما هم اهله أم لا ؟
كل شيء اصبح غريباً النظرات والطرقات والبيوت !!
ماعدا النهر الذي يجرى منذ الاف السنين فهو الوحيد الذي يعرفه ولم يرى فيه غربته ،،،،،،،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوحة لفان جوخ 

الخميس، 1 يوليو 2010

حوار عقلاني

حان الان وقت تشغيل الاضائه الخافته  ، قد قاربت الساعه الان علي السابعه مساءً ، تقوم الادارة عادة بتشغيل الاضائه الهادئه حتى يسترخي النزلاء ويستعدون للنوم بعد فترة قليلة ...
غرفة متسعة جدا في اخرها جهاز تلفزيون وحوله بعض المقاعد ، علي اليمين النوافذ مفتوحه لكنها محاطه بالحديد وبعضها تحجبه الستائر والبعض الاخر لا ، فيدخل من خلال النوافذ ضوء القمر لكنه باهت نوعاً ما لا يستطيع التغلب علي الاضائه رغم خفوتها ، في الوسط طاولتين او ثلاثه يجلس حولها بعض النزلاء اثنان يلعبان الشطرنج واخران يلعبان الطاوله ....
تحت اخر نافذه يجلس السيد كريم تحت ضوء القمر لا يتحدث مع احد ، يظل فقط جالساً يتأمل السماء وحديقة المستشفي يستمع لصوت نباح الكلاب القادم من بعيد لكنه يهز صمت الليل ، وصوت صرصور الحقل يثرثر باستمرار ، وهو لا يفعل شيئاً سوا هز رجله في حركه مستمرة لا تتوقف ابداً ....
كان قد اكمل الخمسين عاماً منذ شهور يلبس نظارة طبيه وشعر ذقنه مازال طويلاً لا يهتم ابداً بحلاقتها الا اذا قامت احدى الممرضات بحلقها له ....
يأتي اليه السيد جمال  يجر كرسي علي الارض يصدر صريراً مزعجاً ويجلس بجوار السيد كريم ، فلا ينظر اليه كالعاده ويظل ناظراً متأملاً في الحديقة خارج المستشفي ...
كان السيد جمال في نفس عمر السيد كريم لكنه ثرثاراً كثير الكلام ، شديد العناية بأناقته وكثير التحرش بالممرضات ، مفتخراً دائما بشبابه وقوته فهو كان ظابطاً ذو رتبه عاليه في البوليس  ، لذلك كان شديد الزهو بنفسه وايضاً شديد الغضب ...
نظر للسيد كريم وقال : لقد سئمت نباح تلك الكلاب المزعجه لماذا يتركونها هكذا تزعجنا طوال الليل ، اذكر انني يوماً قتلت بنفسي كلباً من كلاب الحراسة في فيلتي  لانه  ازعجني في تلك الليلة ولم استطع النوم ، فأخذت مسدسي ونزلت الي حديقة المنزل وصوبته اليه واطلقت عليه الرصاص ...
كان السيد كريم يستمع اليه وهو يهز رجله بسرعه مشبكاً يديه ، ينظر له قليلاً ويتأمل مره اخرى السماء فلا احد يعلم ان كان يستمع لكلامه ام لا ؟؟
يستمر السيد جمال في الثرثره ويقول : لماذا لا تخبرنا عن سبب وجودك هنا ؟ لعلك اصيبت بالشيزوفرينيا كما يقولون او الوسواس القهري الحاد او ابنائك هم من أتوا بك الى هنا حتي يتخلصوا من اعبائك ، ليتك تزوجت ولم تفعل مثلي  ....
انا عندما خرجت من الخدمه وذهب سلطاني ادراج الرياح اول من تخلى عني زوجتي وابنائي رغم انني سبب الثراء الذي هم فيه الان من اراضي وعقارات ومناصب حكومية ، ثم هز رأسه وقال : كنت صاحب رتبة كبيرة كما تعلم ...
لكني عندما خرجت من الخدمه ازدادت عصبيتي فلم يتحملوها فأتوا بي الي هنا ولا يأتون حتي لزيارتي ...
أم انه عقاب ؟ كثيراً ما أتخيل هذا ، لقد فعلت بعض الاخطاء البسيطه اثناء خدمتي قتلت شاباً او اثنين ربما ثلاثه لكنهم يستحقوا ذلك فكانوا ارهابين اااااه كانوا يستحقوا المحاكمه لكن تلك الفترة التي قضيتها في الصعيد كانت لا تتحمل ذلك ، كنا نقتل الشبان ولا ندري أكانوا فلاحين ام ارهابين ، كنا اشبه بجنود المارينز يحاربون في فيتنام ، لكن لا اظن انني  اُعاقب لهذا السبب ، قد يكون بسبب قتلي للكلب في حديقة منزلي هاهاهاهاهاهاها
ينظر له السيد كريم ثم اشاح بوجهه بعيداً عنه وهدأ من اهتزاز رجليه ...
يقف السيد جمال وينظر له ويقول : سأذهب لألعب الشطرنج ولو بقيت مستيقظاً سأتي اليك بعد قليل ...
ثم اخذ الكرسي يجره ثانية مسبباً نفس الصرير المزعج ....
ذهب السيد جمال ليلعب الشطرنج مع ذلك الشاب الوسيم ادهم ، كان ادهم في اواخر الثلاثنيات من عمره وسيم الوجه يدل وجهه علي البرائه والطيبه وكان يحب الكلام مع اي شخص ويحكي عما داخله بسرعه ..
رحب بالسيد جمال وقال له : لا اتذكر من منا كان فائزاً المرة السابقة ، لكن مش مهم ننسى الذي مضى ونبدأ من جديد هاهاهاهاها
يقوم السيد جمال بوضع قطع الشطرنج في مكانها ويختار القطع ذات اللون الاسود ويعطي للشاب القطع ذات اللون الابيض ...

ثم ينظر له ويضحك : دائماً انا افوز ألا تتذكر ذلك !! ربما انا انتصر دائماً ليس بسبب ذكائي ، لكنه قد يكون بسبب خوف المنهزمين ، لو واتتهم الشجاعه وعدم الخوف ربما انتصروا ، علمونا زمان ان نجعل خصومنا تحت ضغط الخوف والفزع ، فلا يجد حتى سبيل للتفكير غير للخلاص بنفسه ، ودائما انا تصرفت من هذا المنطلق ,,,
ثم يصمت قليلاً ويقول للشاب الصغير : مابالك اليوم مبسوطاً ضاحكاً ، بالأمس ولمدة ثلاثة ايام مضت كنت عصبياً مهتاجاً وتعرضت للحقن المهدئه كثيراً ؟
يصمت الشاب قليلاً ويقول : لا ادري ماذا حدث لكنها ظلت مسيطرة علي افكاري لم استطع طردها من مخيلتي ، انها زوجتي لعنها الله ، عندما تأتيني في افكاري اتخيل ضعفي وذلي امامها وكيف سرقت اموالي واستغلت غبائي ومنعت عني طفلتي بسبب نفوذ أبيها ، انني انا الملام بسبب ضعفي وخنوعي ، ليتني قتلتها في تلك الليله !! عندما انقذوها من تحت يدي كانت تلفظ انفاسها الأخيره لكن لم يسعفني الوقت ...
يحرك السيد جمال قطعة من قطع الشطرنج ويضحك بصوت عالي : هاهاهاهاها انها نفس الحركه كل مرة افعلها فيك كش ملك .....
يقول الشاب : ودائما ابدأ من اول وجديد ....
يأخذ السيد جمال كرسيه ويجره بالقرب من جهاز التلفزيون مسبباً الصرير نفسه ويجلس بجوار السيد عصمت ،،،،
كان السيد عصمت رجل عجوز تجاوز الستين عاماً او قارب علي الخامسه والستين اكثر مايفعله هو مشاهدة التلفاز والمسلسلات فلا يبرحها الا في اوقات الاكل والنوم ...
فنظر له السيد جمال وقال : اهلا يا والدي امازلت لا تعلم بعد سبب وجود السيد كريم هنا ؟؟ ، انك اخبرتني بالأمس انك ستتحدث مع ذلك الطبيب قريبك هااا ماذا قال لك ؟
يضع السيد عصمت جهاز الريموت جانباً ويقول في صوت خافت : اخبرني الطبيب فعلاً في الصباح لكن لا تخبر احداً  بذلك، انه دكتور جامعي قدم بحثاً كبيراً لوزارة التعليم العالي عن تكنولوجيا جديده للبناء والاستغناء عن حديد التسليح وهذه التكنولوجيا ستوفر الأموال بشكل كبير في البناء وتخفض اسعار العقارات والشقق السكنيه في المستقبل  ، فرفضوا البحث واتهموه بالعته هاهاهاهاهاها
يضحك السيد جمال ويقول بصوت عالي : هااااا كما توقعت رجلٌ معتوه وأبله هاهاهاهاها
دخل الممرض المناوب وأمر الجميع بالتوجه لغرف النوم وقام بغلق الانوار بالتدريج ...
فتحرك السيد كريم من مكانه في هدوء وعندما وصل الي باب الغرفه نظر للسيد جمال وابتسم ، ثم وجه له لكمه قوية بقبضة يديه ، فسقط الرجل على الارض وتجمع طاقم التمريض حول السيد جمال ...
نظف الرجل نظارته الطبيه وذهب الي غرفته في هدوء وسكينه واطمئنان ،،،،،،،،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لمونيه