لم يكن ليفوت ليلة منتصف الشهرالعربي بدون أن يقابلها
بعد اذان العشاء ، على شاطيء النيل بجوار تمثال امنحوتب الكبير الجالس على كرسيه
الحجري المتهالك ،،،،
ينتظرها على حصانه الأسود بجوار وابور الطحين المهجور
اخر القرية ، القرية كما هي بطقوسها الحزينة منها والسعيدة ، بيوتها الصامدة منذ
الألف او الألفين عام ربما أكثر ، بقايا الفيضان كما هي ، الطين عالق على البيوت
القريبة من النيل ، والنقوش السحرية تٌزين البيوت المتراصة على الجبل كحراس للنيل
وللملوك المرابطين في صمت في احضان تلك الصخور ....
صوت مشيتها الخفيفة كعصفور النيل يأتي من قريب ، ادركه
الحصان في أنتباه فنبش في الارض بحافره ثم حرك رأسه مقاوماً اللجام لتحيتها ....
أمسكت يديه فشدها بهدوء فركبت خلفه على الحصان ، القمر
مازال في طريق اكتماله كبدر تمام ، نصفه يختبيء خلف الجبل ، يتسلق في صبر كي
يتجاوز ذلك الجبل العتيد فيلقي شاله الفضي فيغطى النهر بأكمله ....
يتبختر الحصان مدركاً طريقه عند ذلك التمثال الحجري
،خمارها الأسود الطويل ينساب حتى ذيل الحصان ، تُخفي وجهها الأسمر الا من تلك العيون السوداء
الفرعونية كعين ايزيس الأبدية في سحرها ، تحاوطه بذراعيها حول خصره فلا يبالي ،
يسألها : لماذا تأخرتي عن موعدنا ؟؟
تخبره وهي تُحكم ذراعيها حول خصره : حِنة حُسنة بنت عبد العليم الليلة ، انا والبنات ذهبنا كي نحنيها ونجهزها لُعرسها ......
تخبره وهي تُحكم ذراعيها حول خصره : حِنة حُسنة بنت عبد العليم الليلة ، انا والبنات ذهبنا كي نحنيها ونجهزها لُعرسها ......
بدأ نصف القمر ينعكس على عينيه وعينيها السود فصنع
خيالاً يتتبعهما أينما ذهبوا ، شد لجام حصانه فقاومه الحصان لوهلة ثم توقف ، قال
لها : حُسنة أخت يوسف ؟
أرتبكت فكادت تسقط ثم قالت : نعم !!!
أرتبكت فكادت تسقط ثم قالت : نعم !!!
ابتعدا كثيرا عن القرية ، وصلا الى التمثال الحجري فتوقف
أمام قدميه الضخمة ، نزل من على حصانِه ثم أمسك يديها وأنزلها ....
انتصر القمر اخيراً كالمعتاد فظهر بدراً من خلف الجبل ،
فأنعكس بنوره الفضي عليها فأصبحت كجنية النيل الليلية التي لا تأتي الا في منتصف
الشهر العربي ، صورتها تنعكس على صفحة النهر اللامعة ، وهو يعطيها ظهره ناظرا
لامنحوتب القديم .....
تقترب منه فتضع يدها على كتفه وتسأله في خشوع وخوف :
ماذا بك ، لم اشاهدك ابداً هكذا ؟؟
يضع يده في جيب جلبابه الفضفاض ويده الأخرى على صدره :
لماذا الخيانة يا بنت عمي ؟؟
ترفع الخمار عن وجهها فيتلألأ وضاحاً مواجهاً لنور القمر
،تتساقط دمعة تنساب من تلك العيون الفرعونية السوداء ، وتقول : سامحني ....
لم ينظر اليها كان يقاوم ببؤس وتعاسه تلك الدمعة
الذكورية لا يريد ان تراها أبدا في عينيه فيتساقط معها ، ينظر لعين امنحوتب القديم
كأنه يُشهده او كطفل يطلب العون من جده العجوز ، لا أستطيع ، أيمكن أن افعل هذا ،
أخبرني ماذا انا فاعل ؟؟
تقف خلف منكسرة ، تقترب منه أكثر فيتلامس جسديهما معاً
،،،
يضع يده على صدره داخل الجلباب ممسكاً خنجره الحاد ،
دقات قلبه تتسارع يكاد قلبه يصرخ من داخله ويقول له لا تراجع ، فترتعش يده ولا
يُنزل عينيه من علي عيني امنحوتب القديم ،،،،
يأتيه صوتها من خلفه سامحني ويديها على كتفه الذي أصبح
نار موقده ، وعينيي امنحوتب تراقب في صمت ،،،،،
يُخرج خنجره الصغير فيلمع كبرق يختفي سريعاً ، يستدير
اليها ثم يحتضنها بقوة ويضمها لصدره ، فتصرخ صرخة افزعت طيور ابي الحناء الناعسة
وذلك الكروان الذي يسكن عند النهر ....
سقط خنجره من يديه مُخطباً بدمائها ثم سقطت بجواره وهي
ترتعش عند قدمي امنحوتب كقربان شرف ينتظره في شغف ذلك التمثال القديم ليرضى ويعفو
عن مُقدم القربان .....
ازداد موج النهر فأصبح صوته أكثر عذوبه وربما حزناً ،
تعامد البدر فوق التمثال والقربان فأصبحت الدماء فضية لامعة ....
وهو جالس عند النهر ثم اصدر صرخة مدوية اعقبها دعاء الكروان المرفرف بجناحيه من ضفة النيل الشرقية الى الضفة الغربية البعيدة ،،،،،،،،،،،،
وهو جالس عند النهر ثم اصدر صرخة مدوية اعقبها دعاء الكروان المرفرف بجناحيه من ضفة النيل الشرقية الى الضفة الغربية البعيدة ،،،،،،،،،،،،