أختنق جو الغرفة بعد أن طال أنقطاع الكهرباء عن المعتاد
، كانت متكئة على ماكينة الخياطة تنتظر منذ اكثر من ساعتين كي تستكمل عمل فستانها
،،،
ذهبت الى المطبخ وجائت بشمعة متوسطة الطول متهالكة صنع
سيالان الشمع عليها تعرجات منذ زمن بعيد ، وقفت في شرفتها العالية المطلة على
الشارع الرئيسي ، الظلام يُخيم على الشارع ، النوافذ البعيدة يأتي منها الضوء
كأنها خفافيش مجهولة تلمع عينيها في أحضان الكهوف والجبال ، والسيارات تتحرك في
الشارع كحشرات مضيئة تعس في ظلام الغابات .....
عادت لماكينة الخياطة ، جلست بقميصها القصير ، ينساب
شعرها الأسود على صدرها وكتفيها فزاد من أحساسها بالأختناق ، فسال العرق على صدرها
البرونزي الناري المنعكس عليه ضوء الشمعة المتهوجه بقربه ، ظل ينساب العرق كقطرة
صغيرة أتخذت سبيل رحلتها من صدرها المتوهج حتى قدميها النحيلتين ،،،،
تحسست خصلة شعرها المنسدلة على الفستان الراقد بأستسلام
تحت ابرة الحياكة ، فأنتابتها كراهية مفاجئة لشعرها الطويل ، لم تكن لتجرؤ على قصه
او تقصيره حتى لا تُغضب أمها ومن بعد أمها زوجها الذي كان يعشق ذلك الشعر الليلي
الأسود الجامح دائماً ,,,,,
تتلو أسفار عزلتها كلعنة ازلية تطاردها من أعالي جبال
الأولمب تنتظر ذلك التصريح للأقامة بين الأحياء المختوم بصك زواجها كي لا تطاردها
تلك العيون والألسنة البتارة كسيوف غُرزت في سم معتّق منذ مئات السنين .....
الخوف المؤلم من خوف هؤلاء منها ، انها تخشى الخوف الذي
يقفز من عيون تلك النسوة عندما يرونها ، تخشاه وتخشاه حتى كرهت ذلك الجسد التي
تسكن فيه روحها فكرهت ذلك الوجود الذي يرفض اعطائها صك الحياة .......
صوت
الراديو يأتي متقطعاً من غرفة المكتب ، لا يحمل أي شيء مفهوم ان كان أغنية ام نشرة
اخبار او حتى مسلسل ،،،،
لم تبالي به ان كان سينصلح ام سيظل كما هو ،،،،،
لم تبالي به ان كان سينصلح ام سيظل كما هو ،،،،،
أصوات
السيارات وضحكات الأطفال تتسلل من خلال شرفتها ، فأصبح يضايقها كثيراً هذا اليوم ،
دائما ماتكره اصواتهم ،،،،
أخرجت مقصها من الدرج الصغير ونظرت لنفسها في المراه ،،،،
أخرجت مقصها من الدرج الصغير ونظرت لنفسها في المراه ،،،،
أمسكت
أول خصلات شعرها وقصته فكان صوت المقص قوياً ، فتناثر شعرها الأسود على الأرض
وتطاير بعيدا بالقرب من باب غرفتها ،،،،
نظرت للمراه ، ومازالت ممسكه بالمقص ،،،،
نظرت للمراه ، ومازالت ممسكه بالمقص ،،،،
صوته يأتي
همساً يطالبها بالمحافظة على شعرها ، صوت أمها يتداخل مع صوت ذلك الرجل يأتيها في
عصبية ستكونين قبيحة عندما تقصين شعرك ،،،،،
أمسكت
ثاني خصلات شعرها وبدأت تقصه ، فسقط سريعاً على قميصها الأسود ، كأنها أوراق شجرة
سرو قسى عليها رياح اكتوبر الخريفية ،،،،،
نظرت
للمراه ، ومازالت ممسكه بالمقص ،،،،
أصبحت
كقطة وحيده تلعق جراحها ووحدتها ، لا احد يبالي ولا يهتم ،،،،،
تنسج خيوط
عزلتها ، تصنع تلك الشرنقة التي تحميها من براثن الكراهية التي تحوم حول شرنقتها
فتأبى ان تبحث عن سبيلاً للخروج .....
أمسكت
اخر خصلات شعرها وقصته بقوة ، فسقط ثقيلا على التسريحه ، فتطاير شعرها الأسود الجامح تذروه رياح قادمة من الشرفة
فجعلته منثوراً في جنبات غرفتها ......
أنتهت من
حياكة فستانها الأسود القصير ، ارتدته وهي تتأمل في المراة انوثتها الذائبة في
اسفار عزلتها ، جسداً يفترس من حوله ، بدأ يتلاشى ويذبل في هجير صحراء ممتدة لا
حدود لها ،،،،،
وضعت أحمر
الشفاه لم تضع مشطاً في شعرها القصير ، ارتدت حذائها ذو الكعب الرفيع ، تحسست
ساقيها بأناملها كأنسياب الحرير ،،،،
تتمشى في الشارع المتسع يتتبعها صوت كعب حذائها كدقات موسيقي لاتينيه لا تتوقف ، يتوقف الصبية عن ممارسة الكرة عندما مرت بجوارهم في الشارع الجانبي ، مع نظرات حادة من تلك السيدة العجوز التي تقف في شرفتها تنتظر عودة زوجها من عمله ....
تتمشى في الشارع المتسع يتتبعها صوت كعب حذائها كدقات موسيقي لاتينيه لا تتوقف ، يتوقف الصبية عن ممارسة الكرة عندما مرت بجوارهم في الشارع الجانبي ، مع نظرات حادة من تلك السيدة العجوز التي تقف في شرفتها تنتظر عودة زوجها من عمله ....
يسير بجوارها
ذلك الصبي بدراجته يبتسم لها فتبتسم له ويظل مصاحباً لها أينما تذهب ، يراقب
تلاوتها لأسفار عزلتها الممتدة منذ سنين ,,,,,,,,
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لبابلو بيكاسو