كانت الأم تجلس علي الارض تصنع بعض الحلوى وتعجنها وتضعها بأشكال مختلفه في صنية أمامها ، والأبنه تقف في الشباك تنظر للأفق البعيد منتظرة حتي تنضج الحلوى التي وُضعت في الفرن ، وأمها تحدثها ، أحياناً تسمعها وترد عليها وأحياناً اخرى تشرد بذهنها بعيداً عنها ......
الأم اعناها الزمن والعمل المتواصل بعد ان مات زوجها وترك لها ابنتها طفله ، تحملت هي مسؤليتها ولم تتزوج بعد موته ، تخطيت الخامسه والخمسين من عمرها ، محتفظه ببعض القوه لكنها بتفقدها رويدا كأنها قطرات ماء تتسرب من بين يديها ، منذ قليل من الزمن كانت منتصبه دائما في مشيتها ، ثم بدأ الانحناء والوهن يغزوا صحتها ، وجهها به من امارات الطيبه والوسامة الكثير .....
الأبنه تخطت الخامسه والثلاثون من عمرها جميله مثل أمها لكنها لم تتزوج فمثلها يصعب عليه المشاركه في تجهيز بيت ، او ان تترك امها وحيدة ، فتبدلت احلامها من التوق والرغبة في فارس الاحلام الي الهروب بعيدا تجاه البحر والرمال البيضاء وطيور النورس ،،،،،
عشق البحر هو السلوى والصبر والحلم ، البحر بشمسه الحارقه صيفاً وامواجه العاتيه شتائاً ،،،،
ظلت تنتظر كثيرا هي وامها حتي تدخر المال اللازم لشراء بيتاً صغيرا لهما قريباً من البحر والخروج من تلك البلده الصغيرة الكئيبه التي شهدت معانتهما طوال تلك السنين الغابره ،،،،
ظلت تعمل هي وأمها في صنع الحلوى وبيعها ، وصنع انواع اخري من الطعام للبيوت والدكاكين القليلة الموجوده في القرية ، حتي انتظرت اكتمال المبلغ المنشود ،،،،
كانت تنظر من نافذتها الي الافق البعيد كأنها تستنشق عبير أمواج البحر البعيد ، تتحسس بسمعها اصوات ارتطام الموج بالصخور والشاطيء واصوات النورس المهاجر فوقها ،،،،،
نظرت لها أمها بعد ان فرغت من وضع الحلوى في الصنيتين وقالت : لا تنسي يا بنيتي الحلوى التي بالفرن حتي لا تحترق ، فيجب ان نفرغ من الكمية المطلوبه قبل الصباح بدون خسائر ،،،،،
فالتفتت اليها ومتجهة للفرن وقالت : لا تقلقي يا أماه سوف نفرغ منها جميعاً قبل الصباح ، اعطيني الصنية الاخري حتى اضعها في الفرن ،،،،
جلست الفتاه بجوار امها وظهرها للحائط ونظرت اليها : لقد آن الاوان يا امي ان نستريح ونترك هذه البلده الكئيبه ونذهب الي الشمال حيث البحر والافق الممتد بلا عوائق ولا حدود ، لقد انهكنا التعب والكفاح والوحده ، يُخيل الي انني لا استطيع ان اعيش يوماً واحداً هنا ، لقد مللت وكرهت هذا المكان وتلك الوجوه والجدران والشوارع الرامديه الداكنه ، ونظرات الناس الينا كوحوش كاسرة منتظرة الانقضاض علي فريستها عندما تحين اليها الفرصه في غفلة منا ، انني اعلم اننا عشنا اغلب عمرنا هنا لكنني اعلم ايضاً انها ليست بلدتنا وأن ابي اتي بنا هنا منذ زمن حيث مكان عمله واننا ننتمي لاحدى بلدات الجنوب ، يراودني أحساس انه مكتوب علينا الارتحال دائما واننا ماجئنا الى هنا الا كمرحله انتقاليه للهجرة الى البحر ...
تبتسم الأم ابتسامة خفيفه وهي تفتح الفرن لتلقي نظره علي صينية الحلوى وتقول : اااه يا بنيتي كم انتي جميله ورقيقه واعلم اني جنيت عليكي ، كان لابد ان اسعى منذ زمن حتي قبل وفاة ابيكي ان أحسن من ظروفنا كي احقق لكِ دائما ماتتمنيه ، لكن تركني أبوكي وحيده وانتي طفلة صغيرة لا تتعدي العشر سنوات ، كافحت كفاح مرير كي احافظ عليكي وللاسف اباكي لم يترك لنا الا القليل ، لقد انهكتني الأيام وطحنتني عجلة الزمن والسنين ، أتاتين بعد هذا العمر وتطلبين ان نذهب لمكان اخر ونعيش في مكان جديد ؟؟
ترفع الأبنه رأسها بعد ان كانت وضعتها بين ركبتيها وهي تستمع لأمها وتقول : وأنا انهكتني الوحدة واتعبني اليأس حتى الموت لقد جعلتني هذه البلده انظر للعالم بشكل غريب وللاشياء بشكل اغرب فالعالم بالنسبة لي غير معقول ، ومهما حاولت ان افهم الأشياء والاحلام التي يجب ان افكر فيها تأكدت من بُعدها عني ولا مبالاتها بمصيري واقداري واهدافي الخاصه وتأكدت ايضاً من غربتها عني وجهلها بي وانكارها لوجودي ، انني اتوق للحظات فقط احس فيها بحريتي بعيداً عن تلك الجدران وعن هؤلاء الاشخاص انظر لأفق ممتد بعيدا ليس له مدى ولا حدود ، احلق بعيداً كطائر مثل النورس الذي قرأت عنه ، تحرقني رمال الشاطيء الساخنه صيفاً ، وشعري يبتل ويغرق من المطر شتائاً ، اتعرفين النورس يا امي الذي يأتي مهاجرا في الشتاء ؟؟
تضحك الأم وهي تقوم بوضع الحلوى في طبق كبير وتقول : انني أم بسيطه لم اقرأ كثيرا مثلك لكني اعرف الطيور المهاجرة وكثيراً ماكان يحط السمان القادم من الشمال علي سطح بيتنا في بلدتنا القديمه في الجنوب ....
تساعد الأبنه امها وتقول لها في لهفة وحنان : سأجعلك ترين النورس يا أمي يجب ان نرحل غدا ، معنا مايكفينا من المال لشراء بيت صغير على البحر ، ارجوكي يا أماه يجب ان نعيش بقية عمرنا سعداء حتى لو كان باقي من عمرنا يوماً واحداً ، لقد آن لنا ان نسعد ولو قليلاً ....
تقول الأم لابنتها : لا استطيع ان اقف امام سعادتك بعد الان بعد ان كنت دائما انا وظروفنا الحائل بينك وبينها سأفعل ماترين فأنا امرأة كبيرة في السن ، المتبقي لي من العمر ليس كما عشت ابداً ، أما انتي فأمامك الكثير الذي لابد ان تعيشيه كما تودين وتتمنين ، الليله سنجهز اغراضنا وغداً مع شروق الشمس سنرحل الي الشمال ....
عندما انتهيا من تجهيز اغراضهما البسيطه ومع بزوغ الفجر واشراقة شمس الصباح خرجا سوياً تاركين البلدة خلفهما ، الأبنه تنظر خلفها مودعه البيوت القليلة وجدرانها الرماديه الشاحبه التي تحضن اهلها النائمين ، مع كل خطوة تدرك انها تبتعد عن بلدتها القديمه وتصغر في نظريها وتختفي تدريجيا وتحس انها تقترب من البحر ...
اتجها الي الشمال متخذين عربة صغيرة ، لم تكن تفكر في غداً وكيف سيجدا بيتاً جديداً لكنها كانت تفكر في حياة جديدة ممتده لأيام وأيام وليس الى الغد فقط ...
وصلا المدينه عند البحر ، كانت الشمس مازالت في اوجها ، بدأت تستنشق ملوحة البحر في انفاسها ، وترى السحب الممتده البعيدة فوق افق البحر اللا محدود ،،،،،،،،
كلما اقتربت تزداد الارض بياضاً بفعل الرمال البيضاء الساخنه ،،،،،،،
وتسمع هدير الموج يعلو صوته رويدا رويدا ....
اخذت امها من يديها واتجها بحاجتهما الي البحر ، خلعت الابنة صندلها الذي تلبسه ،،،،،،،
اتجهت الى البحر تجري وترقص علي الرمال الساخنه التي تحرق قدميها وهي غير مباليه ،،،،،،،
تجري وسط الموج تنظر لأمها وتضحك ،،،،،،
والأم تجلس بجوار حقائبهما وتبتسم اليها والى البحر والطيور التي ترفرف حول أبنتها ,,,,,,,,
الأم اعناها الزمن والعمل المتواصل بعد ان مات زوجها وترك لها ابنتها طفله ، تحملت هي مسؤليتها ولم تتزوج بعد موته ، تخطيت الخامسه والخمسين من عمرها ، محتفظه ببعض القوه لكنها بتفقدها رويدا كأنها قطرات ماء تتسرب من بين يديها ، منذ قليل من الزمن كانت منتصبه دائما في مشيتها ، ثم بدأ الانحناء والوهن يغزوا صحتها ، وجهها به من امارات الطيبه والوسامة الكثير .....
الأبنه تخطت الخامسه والثلاثون من عمرها جميله مثل أمها لكنها لم تتزوج فمثلها يصعب عليه المشاركه في تجهيز بيت ، او ان تترك امها وحيدة ، فتبدلت احلامها من التوق والرغبة في فارس الاحلام الي الهروب بعيدا تجاه البحر والرمال البيضاء وطيور النورس ،،،،،
عشق البحر هو السلوى والصبر والحلم ، البحر بشمسه الحارقه صيفاً وامواجه العاتيه شتائاً ،،،،
ظلت تنتظر كثيرا هي وامها حتي تدخر المال اللازم لشراء بيتاً صغيرا لهما قريباً من البحر والخروج من تلك البلده الصغيرة الكئيبه التي شهدت معانتهما طوال تلك السنين الغابره ،،،،
ظلت تعمل هي وأمها في صنع الحلوى وبيعها ، وصنع انواع اخري من الطعام للبيوت والدكاكين القليلة الموجوده في القرية ، حتي انتظرت اكتمال المبلغ المنشود ،،،،
كانت تنظر من نافذتها الي الافق البعيد كأنها تستنشق عبير أمواج البحر البعيد ، تتحسس بسمعها اصوات ارتطام الموج بالصخور والشاطيء واصوات النورس المهاجر فوقها ،،،،،
نظرت لها أمها بعد ان فرغت من وضع الحلوى في الصنيتين وقالت : لا تنسي يا بنيتي الحلوى التي بالفرن حتي لا تحترق ، فيجب ان نفرغ من الكمية المطلوبه قبل الصباح بدون خسائر ،،،،،
فالتفتت اليها ومتجهة للفرن وقالت : لا تقلقي يا أماه سوف نفرغ منها جميعاً قبل الصباح ، اعطيني الصنية الاخري حتى اضعها في الفرن ،،،،
جلست الفتاه بجوار امها وظهرها للحائط ونظرت اليها : لقد آن الاوان يا امي ان نستريح ونترك هذه البلده الكئيبه ونذهب الي الشمال حيث البحر والافق الممتد بلا عوائق ولا حدود ، لقد انهكنا التعب والكفاح والوحده ، يُخيل الي انني لا استطيع ان اعيش يوماً واحداً هنا ، لقد مللت وكرهت هذا المكان وتلك الوجوه والجدران والشوارع الرامديه الداكنه ، ونظرات الناس الينا كوحوش كاسرة منتظرة الانقضاض علي فريستها عندما تحين اليها الفرصه في غفلة منا ، انني اعلم اننا عشنا اغلب عمرنا هنا لكنني اعلم ايضاً انها ليست بلدتنا وأن ابي اتي بنا هنا منذ زمن حيث مكان عمله واننا ننتمي لاحدى بلدات الجنوب ، يراودني أحساس انه مكتوب علينا الارتحال دائما واننا ماجئنا الى هنا الا كمرحله انتقاليه للهجرة الى البحر ...
تبتسم الأم ابتسامة خفيفه وهي تفتح الفرن لتلقي نظره علي صينية الحلوى وتقول : اااه يا بنيتي كم انتي جميله ورقيقه واعلم اني جنيت عليكي ، كان لابد ان اسعى منذ زمن حتي قبل وفاة ابيكي ان أحسن من ظروفنا كي احقق لكِ دائما ماتتمنيه ، لكن تركني أبوكي وحيده وانتي طفلة صغيرة لا تتعدي العشر سنوات ، كافحت كفاح مرير كي احافظ عليكي وللاسف اباكي لم يترك لنا الا القليل ، لقد انهكتني الأيام وطحنتني عجلة الزمن والسنين ، أتاتين بعد هذا العمر وتطلبين ان نذهب لمكان اخر ونعيش في مكان جديد ؟؟
ترفع الأبنه رأسها بعد ان كانت وضعتها بين ركبتيها وهي تستمع لأمها وتقول : وأنا انهكتني الوحدة واتعبني اليأس حتى الموت لقد جعلتني هذه البلده انظر للعالم بشكل غريب وللاشياء بشكل اغرب فالعالم بالنسبة لي غير معقول ، ومهما حاولت ان افهم الأشياء والاحلام التي يجب ان افكر فيها تأكدت من بُعدها عني ولا مبالاتها بمصيري واقداري واهدافي الخاصه وتأكدت ايضاً من غربتها عني وجهلها بي وانكارها لوجودي ، انني اتوق للحظات فقط احس فيها بحريتي بعيداً عن تلك الجدران وعن هؤلاء الاشخاص انظر لأفق ممتد بعيدا ليس له مدى ولا حدود ، احلق بعيداً كطائر مثل النورس الذي قرأت عنه ، تحرقني رمال الشاطيء الساخنه صيفاً ، وشعري يبتل ويغرق من المطر شتائاً ، اتعرفين النورس يا امي الذي يأتي مهاجرا في الشتاء ؟؟
تضحك الأم وهي تقوم بوضع الحلوى في طبق كبير وتقول : انني أم بسيطه لم اقرأ كثيرا مثلك لكني اعرف الطيور المهاجرة وكثيراً ماكان يحط السمان القادم من الشمال علي سطح بيتنا في بلدتنا القديمه في الجنوب ....
تساعد الأبنه امها وتقول لها في لهفة وحنان : سأجعلك ترين النورس يا أمي يجب ان نرحل غدا ، معنا مايكفينا من المال لشراء بيت صغير على البحر ، ارجوكي يا أماه يجب ان نعيش بقية عمرنا سعداء حتى لو كان باقي من عمرنا يوماً واحداً ، لقد آن لنا ان نسعد ولو قليلاً ....
تقول الأم لابنتها : لا استطيع ان اقف امام سعادتك بعد الان بعد ان كنت دائما انا وظروفنا الحائل بينك وبينها سأفعل ماترين فأنا امرأة كبيرة في السن ، المتبقي لي من العمر ليس كما عشت ابداً ، أما انتي فأمامك الكثير الذي لابد ان تعيشيه كما تودين وتتمنين ، الليله سنجهز اغراضنا وغداً مع شروق الشمس سنرحل الي الشمال ....
عندما انتهيا من تجهيز اغراضهما البسيطه ومع بزوغ الفجر واشراقة شمس الصباح خرجا سوياً تاركين البلدة خلفهما ، الأبنه تنظر خلفها مودعه البيوت القليلة وجدرانها الرماديه الشاحبه التي تحضن اهلها النائمين ، مع كل خطوة تدرك انها تبتعد عن بلدتها القديمه وتصغر في نظريها وتختفي تدريجيا وتحس انها تقترب من البحر ...
اتجها الي الشمال متخذين عربة صغيرة ، لم تكن تفكر في غداً وكيف سيجدا بيتاً جديداً لكنها كانت تفكر في حياة جديدة ممتده لأيام وأيام وليس الى الغد فقط ...
وصلا المدينه عند البحر ، كانت الشمس مازالت في اوجها ، بدأت تستنشق ملوحة البحر في انفاسها ، وترى السحب الممتده البعيدة فوق افق البحر اللا محدود ،،،،،،،،
كلما اقتربت تزداد الارض بياضاً بفعل الرمال البيضاء الساخنه ،،،،،،،
وتسمع هدير الموج يعلو صوته رويدا رويدا ....
اخذت امها من يديها واتجها بحاجتهما الي البحر ، خلعت الابنة صندلها الذي تلبسه ،،،،،،،
اتجهت الى البحر تجري وترقص علي الرمال الساخنه التي تحرق قدميها وهي غير مباليه ،،،،،،،
تجري وسط الموج تنظر لأمها وتضحك ،،،،،،
والأم تجلس بجوار حقائبهما وتبتسم اليها والى البحر والطيور التي ترفرف حول أبنتها ,,,,,,,,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لسلفادور دالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق