الضباب والسقيع يخيم على الشوارع ، بداية فصل الشتاء قاسية هذا العام تُنذر بأنه سيكون الزمهرير بارداً ونوات غاضبة قادمه من الشمال والغرب ،،،،
يجلس عُمر في الشارع وحيداً بعد أن طرده زوج خالته الذي كان يؤويه بعد وفاة أمه وأبيه منذ سنوات ،،،،
جعل من الفتى الصغير خادماً له وللأسرة فكان يأمره ان يذهب بعد طلوع الفجر مباشرة بجلب الفول والفلافل للفطار ويجب أن يكون من البائع الفلاني الذي كان يبعد عن البيت بثلاثة كيلو من المترات ، فرفض الفتى تكرار هذا الأمر ، فقال له في غضب بعد أن وضع ملابسه القليلة وكتبه في حقيبة رثة : انت دلوقتي بقيت شحط وتقدر تشتغل وتصرف على روحك ، عيالي اولى بالمصاريف البتروح عليك ، شيل نفسك ماحدش بيشيل حد ،،،،
فما أن سمع عُمر كلام زوج خالته وصمت خالته بما يوحي برضاها ، فكتم أنفاسه وحبس دموعه وقال : حاضر وربنا مش بينسى عباده ،،،،،
جلس في الشارع لا يدري أين يذهب ويعيش الى أن يجد عمل في أي مكان ويجد مسكن يعيش ويذاكر فيه وهو في الجامعة حالياً ،،،،
احكم الجاكيت حول رقبته خوفاً من البرودة وجلس على الرصيف ينتظر الصباح ،،،،
تنظر كريستين من شرفتها وهي تقوم بنشر الغسيل فتدهش من وجود عُمر على الرصيف ،،،
فتذهب لأبوها وتخبره ،،،،
يلبس الرجل معطفه ويهبط مسرعاً الى الشارع وينادي على الفتى ،،،،
فيخبره عُمر بما حدث ، فيمسك الرجل الحقيبة ويقول : ربنا على الظالم تعالى معايا ماتقعدش في الشارع كده ، أمك واختك كريستين مستنينك فوق ،،،،
تستقبله الأم من على باب المنزل وتحضنه باكية : معلش يابني ياحبيبي مش عارفه الدنيا جرى ليها ايه ، خالتك الله يسامحها وجوزها مش هيشوفوا خير ابدا ، الله يرحمك يا نوال كنتي زي البلسم ، اتخطفتي ياحبيبتي في عز شبابك ،،،
ظلت الأم تبكي ، ثم استوقفها الرجل وطلب منها أن تأتي بالطعام لعُمر ،،،،
يجلس عُمر فيدور بعينيه على الصور المعلقة على الحائط وفي ايقونات صغيرة ،،،
مريم العذراء بوشاحها وشالها الأزرق ، وهذا الرجل القديس المتلفح بالسواد لا يعرفه ، وصورة لفارس يقاتل تنين من فوق حصانه ،،،،
ثم صورة زفاف الأب والأم وصورة أخرى لفتاتان واحدة بالحجاب والأخرى بدون حجاب ويضعان ايديهما على كتفي بعضهما ،،،،
تأتي السيدة بالطعام وتلاحظ استغراق الفتى في الصورة ، فتدمع عيناها مرة أخرى وتذهب الى غرفة النوم وتأتي بألبوم صور ليس بالقديم ولا الحديث وتجلس بجوار عُمر وتقول : الصورة ال فوق دي صورتي انا ونوال الله يرحمها ، أتربينا سوه ودخلنا الجامعة مع بعض وكانت هي سري وانا سرها ، خالتك سميرة مكنتش تحبني ولا تحب أمك عشان بتغير منها لانها كانت اشطر منها والكل يحبها ،،،،
عارف ياعُمر انك ابني واخو كريستين ، لما أمك ولدتك كنت انا ولدت كريستين قبلك بأسبوعين ، ونوال تعبت وجاتلها الحمى وماقدرتش ترضعك وانت ياقلبي رفضت الصناعي ، فجابك ليا مصطفى أبوك الله يرحمه وقالي مش عارف اعمل ايه ، فرضعتك مع كريستين ،،،
نوال كانت بتموت ووصتني عليك ، ولما مات ابوك وهو في المصنع اخدتك عندي كان عمرك اربع سنين وقتها وكنت مربياك مع كريستين ، لكن جدتك اصرت انك تعيش معاها وبعدها روحت كملت عند خالتك الله يسامحها ،،،
تفتح الألبوم وتقلب صفحاته ، صور كثيرة للصديقتان وهما على الكورنيش وفوق السطوح وفي الجامعة وفي زفافهما ،،،،،
يظل عُمر في بيت أصدقاء أمه وجيرانها بضعة أيام ، كان خلالها يبحث عن عمل ، فوجد عملاً في أحد المتاجر وطلب من صاحب العمل بعد أن شرح له ظروفه أن ينام في مخزن المتجر أو الدكان ، فوافق الرجل رفقاً منه بظروف الفتى ،،،،
كان عُمر وكريستين صديقين حتى من قبل طرده من بيت خالته ، يذاكران سوياً ويتمشيان كثيراً على الكورنيش ويجلسان أمام البحر كلٌ يحكي للأخر احلامه وأمنياته ،،،،
دائماً ما يطلب منه الرجل الطيب زوج صديقة أمه أن يحافظ على أخته ، أو يوصل أخته للمكان الفلاني ، بحكم أن الفتاة وحيدة وليس لها اخوة ،،،،،
منتصف ليلة رأس السنة الميلادية
كانت كريستين منذ أول المساء وهي في الكنيسة القريبة من البيت تشارك مع جوقة الفتيات في ترانيم عيد الميلاد وعندما أنتهت كان ينتظرها أبوها وأمها لحضور قداس منتصف الليل ،،،،
لم تكن الساعة قد وصلت للثانية عشرة ، حتى فجأة اهتزت الكنيسة ودوى أنفجار هائل أسقط زجاج الشبابيك الملون والمزين بصور العذراء والقديسين ، ثم أنقطعت الكهرباء وخرج الكل مسرعاً من الخوف والهلع ،،،
انفجار أخر فتطايرت السيارات وتهشمت ،يتصدع المسجد المقابل للكنيسة فتتهشم أبوابه وشبابيكه المزينه بالزخارف الأسلامية ،،،،،
الجميع في صدمه وفزع ، هذا يبحث عن أبنه واخر عن زوجته وسيدة تبكي أبنتها ،،،،
أختلطت الدماء على الأسفلت لم يستطع أحد أن يفرق بين الدماء ،،،،
الرجل وزوجته يبحثان عن كريستين فلم يجداها ،،،،
كان عُمر في الدكان الذي يعمل بهِ ، وسمع دوي الأنفجارات فهرول مسرعاً الى الكنيسة فوجد أصدقاء أمه يبحثان عن أبنتهما ،،،،
فظل يبحث عن الفتاة الى أن وجدها بجوار أحد السيارات ودمائها تسيل بغزارة ،،،
فحملها ووضعها في سيارة الأسعاف ,,,,
وذهب مع أمها وأبيها على المستشفى ،،،،،
الطبيب يطلب نقل دم على الفور للفتاة حتى تستطيع النجاة ، فتقدم عُمر للتبرع بدمه ، فتطابقت فصيلة دمائه مع دماء كريستين ،،،،
جلس الى جوارها يتدفق دمه الى عروقها ، يربط بينهما ذلك الرباط التاريخي المقدس ،،،،
يبتسم عُمر الى الأم ويقول لها : لا تقلقي سننجوا ونعيش,,,,,,,
شتاء 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق