موجة الألم هذا الصباح لم تكن بتلك الشدة التي كانت
بالأمس ، مخالب الصداع التي غُرزت في دماغه خفت وطأتها عندما استيقظ متأخراً اليوم
، كان في حلمه الليلة يرى أناملها تتحسس شعره الخفيف كقدمي عصفور صغير يسلك ببطء
طريقه القصير على غصن غض يافع ......
نوات الربيع التي تأتي على البحر لم تكن بتلك الهمجية
التي أتت بها هذا العام ، أصبح البحر أكثر هياجاً وغضباً ، لم يعد يرضى بقرابين الانسان
من توسلات كي يهدأ ...
زئير الأمواج وزمجرتها تكاد تعيد تلك المخالب القاسية الى رأسه ، أحكم أغلاق شرفته المطلة على البحر ، لكنها أنفلتت مرة أخرى فاندفعت الستائر في وجهه ، فأغلقها وهو يصارع الشرفة وكاد يسقط ، فتوقف حفيف الريح وأصبح هسيساً ضعيفاً كأفعى لعوب تنتظر بشوق وليفها .....
زئير الأمواج وزمجرتها تكاد تعيد تلك المخالب القاسية الى رأسه ، أحكم أغلاق شرفته المطلة على البحر ، لكنها أنفلتت مرة أخرى فاندفعت الستائر في وجهه ، فأغلقها وهو يصارع الشرفة وكاد يسقط ، فتوقف حفيف الريح وأصبح هسيساً ضعيفاً كأفعى لعوب تنتظر بشوق وليفها .....
اتخذ قراره منذ زمن بمقاطعة جلسات العلاج الأشعاعي في
المستشفى التي تقع في العاصمة ، واعتزل مدينته الصاخبة في بيت أبيه القديم المطل
على البحر ....
كثيراً ما تشاجرت معه كي تثنيه عن قراره بمقاطعة جلسات
العلاج ، لكنه أصر وتمسك بعزلته بعيداً عن الصخب ، أخذ معه اسطواناته الموسيقية
وكتبه وكاميرا التصوير الخاصة به ....
بدأ الدوار كمقدمة لموجة الألم الجديدة ينتابه ، وقف ثابتاً لكن كل ماحوله يدور وهو في مركز دوران هذا العالم ، تنهشه ألوان الصور الفوتوغرافية المعلقة بعشوائية على الحائط ، علب الدواء تكاد تُحدثه وتسخر منه ، زوجته بشعرها الأسود الطويل ونظراتها الحادة اليه , صوت هدير الموج الغاضب يأتيه متقطعاً عبر شرفاته المطلة على البحر ، أنه مُحاصر ، فيطيح بيده الأوراق المتناثرة على مكتبه والأدوية الكثيرة ، فتتبعثر على الأرض جميعاً ....
بدأ الدوار كمقدمة لموجة الألم الجديدة ينتابه ، وقف ثابتاً لكن كل ماحوله يدور وهو في مركز دوران هذا العالم ، تنهشه ألوان الصور الفوتوغرافية المعلقة بعشوائية على الحائط ، علب الدواء تكاد تُحدثه وتسخر منه ، زوجته بشعرها الأسود الطويل ونظراتها الحادة اليه , صوت هدير الموج الغاضب يأتيه متقطعاً عبر شرفاته المطلة على البحر ، أنه مُحاصر ، فيطيح بيده الأوراق المتناثرة على مكتبه والأدوية الكثيرة ، فتتبعثر على الأرض جميعاً ....
تشتد ريح النوة الغاضبة فتهتز كابلات الكهرباء الخارجية
فُتحدث أزيزاً في المصابيح ، تنطفأ وتعود ، ويحدث ارتجاج لابواب الشرفات كأنها الجيوش
الغازية قد تخطت الحصون ودكتها وتنتظر الأنقضاض
عليه في بيته ، البيت كله كأنه يهتز ، ومازال نباح ذلك الكلب يأتي من بعيد
.....
لم تتحدث اليه منذ ثلاثة أيام ، لكل منهما شرنقته الخاصة
يطل منها برأسه عبر ستار متهتك كي يرى الأخر ويراقبه في صمت ....
ذهبت الى المطبخ وجائت بشمعة متوسطة الطول متهالكة صنع سيالان الشمع عليها تعرجات منذ زمن بعيد ...
عادت لماكينة الخياطة ، جلست بقميصها القصير ، ينساب
شعرها الأسود على صدرها وكتفيها فزاد من أحساسها بالأختناق ، فسال العرق على صدرها
البرونزي الناري المنعكس عليه ضوء الشمعة المتهوجه بقربه ، ظل ينساب العرق كقطرة
صغيرة أتخذت سبيل رحلتها من صدرها المتوهج حتى قدميها النحيلتين ،،،،
تحسست خصلة شعرها المنسدلة على الفستان الراقد بأستسلام
تحت ابرة الحياكة ، فأنتابتها كراهية مفاجئة لشعرها الطويل .....
تركت
شمعتها في غرفتها بجوار فستانها الراقد أسفل ابرة الحياكة ....
تحسست
خطواتها في الظلام تستند بيدها على الجدران ، بصيرتها انتقلت الى كفيها التي
تقودها عبر الظلام ، أصبح نباح الكلب الذي يأتي من بعيد مزعجاً ، الريح بدأت تتسلل
عبر الشرفات القديمة فأحست بعد اختناقها في غرقتها الصغيرة ببرودة تغزو جسدها عبر
قدميها الحافيتين ، فحركت أصابعها الصغيرة تلتمس دفئاً مؤقتاً .....
وجدته
وحيداً في غرفته ينعكس عليه ضوء المصباح المتقطع الذي يصنع ازيزاً كل حين ، تنظر
الى صورها الفوتوغرافية التي التقطها لها أمام البحر ، معلقة بعشوائية على جدران غرفة
المكتب ، وتنظر الى الأوراق والأدوية المبعثرة على الأرض ....
كان
نحيلاً عيناه تائهتان وهو ينظر اليها يجاهد أن يراها بوضوح ، لم يتحرك من على
كرسيه لكنه ظل مثبتاً عينيه عليها ....
جلست واضعة يدها على صدرها وكتفيها نصف العاريان تختبيء منه خلف ستار شعرها الأسود المنسدل على عينيها ....
جلست واضعة يدها على صدرها وكتفيها نصف العاريان تختبيء منه خلف ستار شعرها الأسود المنسدل على عينيها ....
ازداد
نباح الكلب ، كأنه ينذر بشيء ما ، النوة أصبحت أكثر قسوة وازداد غضب شيطان الرياح
فأصبح يدق بقوة الأن ، انكسرت أبواب الشرفات ، وتطايرت الصور الفوتوغرافية من على
الحائط واندفعت مع الريح الهوجاء ،,,
سقطت
شمعتها على فستانها الراقد أسفل ماكينة الخياطة فبدأت تلتهمه النيران ، مستسلماً
لتلك الشمعة الصغيرة ، تنتقل النيران في خفة الى باقي فساتينها المُعلقة وستائرها
الذهبية .....
لم يصمد
بيت أبيه القديم ، يتساقط في هدوء ، كأنه
في انتظار هذا الغضب كي يُسلم نفسه اليه مبتسماً راضياً .....
لا يدري
ماذا حدث ...
نوراً
يأتي من جهة الشرق يخترق الظلام ، أنه الفجر ، طيور بحرية تحلق بعيداً ، وبيت أبيه
القديم هشيماً تذروه بقايا من الريح الغاضبة ، والكلب الذي ينبح باسطاً ذراعيه
بجوار الركام ......
مستلقياً على الرمال لم يشعر بأي الم يحتضنها بين
ذراعيه تختبيء داخل صدره .....ينساب الموج هادئاً فينعكس النور القادم من الشرق على شعرها الأسود المبتل ، تتطاير على الرمال قصاصات الصور الفوتوغرافية المحترقة ،،،،
ينظران سوياً الى بقايا البيت الذي تذروه ريحاً هادئة ,,,,,,,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لمونيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق