الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

الرسالة الأخيرة

يجلس وحيداً علي مكتبه كما اعتاد منذ زمن بعيد ، في بقعة ضوء مسلطة عليه تأتي من نافذة قريبة منه ، والظلام يحيط بباقي المكان ...
مرت عليه السنون وهو هكذا حتى اصبح لا يحرك ساكناً ، البطء والوهن يسيطيران عليه لا يكاد يترك كرسيه ومكتبه الا قليلاً ليقضي حاجته او يحضر الطعام الذى يأتيه به البواب ...
لا يدري كم مرت عليه السنين وهو هكذا ....
يتذكر فقط مناسبة واحده وهي يوم مولده ، رغم انه نسي تماماً منذ سنتين او ثلاثه كم من العمر وصل .....
رث الثياب ، ياقة القميص صفراء ومهترئه ، بنطاله قصير ورجليه النحيفتين تظهران من اسفل المكتب .....
فتح درج مكتبه ببطء شديد ووهن واخرج دفتر مذكراته والقلم ، لقد اعتاد في هذة المناسبة أن يكتب رسالة الى نفسه يسرد فيها احداث العام السابق ،،
بأحزانه وافراحه بأفعاله الشريرة وأفعاله الطيبه النادرة ،،
قد يُخيل الى البعض انه يحاسب نفسه ، لكن الأمر لا ينفك ان تكون عادة اعتادها ،
فهو يكتب بلا مبالاه ، بالعكس لم يحس بالحزن قط او الندم علي أي فعل سيء اقدم عليه ،،،،
أخرج رسائله القديمه ووضعها جانباً ،،،
وأمسك ورقه بيضاء وبدأ في الكتابه لكنه غير رأيه ،،،،
نظر للرسائل القديمه ولأول مرة قرر ان يقرأها ، اعتاد دائماً ان يكتب احداث عامه المنقضي ولا يقرأ الماضي ، لكنه طاوع نفسه هذه المرة وقرر ان يقرأها ،،،
ورق اصفر رائحته كريهه ، لون الحبر اصبح باهتاً بفعل السنين ،،،

الرسالة  العشرون

لقد جائتني هذه الفكرة كنوع من التغير في حياتي ، ان اكتب عن احداث عامي السابق في بداية عامي الجديد ، بالطبع لن يطلع عليها احد لان لا يوجد احد من الاخرين يستحقون الاطلاع على مذكراتي واسراري الخاصه ،،
لكن أحساسٌ جميل أن اكتب لنفسي ولنفسي فقط ،،،
بدأت عامي التاسع عشر وانا مولع وهائم بأبنة الجيران ، كانت شديدة الجمال وبريئة  ، اصغر مني بأربعة اعوام ، اخوها كان زميل لي في المدرسة لكننا افترقنا عندما التحقنا بالجامعة ،،
حاولت التقرب منها واتحدث معها لكنها كانت ترفض بشدة ، ذلك زاد من غضبي وحنقي عليها ،،،
بعدها بفترة علمت انها وحيدة في بيتها لكي تذاكر دروسها ، وخروج اسرتها في زيارة عائليه ،،
طرقت الباب ففتحت لي وسألتني ماذا اريد ، فحاولت ان اقبلها رغم عنها فصفعتني وكادت تصرخ لولا انني هربت خوفاً من ابي هههههه
كان احساس جميل بالنسبه لي ،،،
مرت باقي الأيام بدون احداث مهمه تذكر ،،،

الرسالة الثالثه والعشرون

عام ممل ليتني ما اخترت تلك الدراسه المملة الطويله ، لكن اصرار ابي علي ان ادرس الطب شديداً ، لو كنت اخترت التجارة او الحقوق او كلية اخرى كنت أصبحت حراً الان ،،،
في منتصف العام تقريباً وقعت مشاجرة بيني وبين احد جيراني ،،
عنده كلب جميل وقوي واعجبني ذلك الكلب جداً ، عرضت على صاحبه ان اشتريه لكنه رفض ، عرضت عليه مبلغ اكبر من المال لكنه ايضاً رفض
بعدها بأسبوع وجدوا الكلب ميتاً بالسم ،،،
بالطبع كنت انا !!!!

الرسالة التاسعة والعشرون

اخيراً تحقق هذا العام الكثير من الانجازات ،،،
لم يكن امامي طريق كي احصل علي الماجستير بدون معاناة المذاكرة الطويله والتجارب ، الا اني اتقرب من ابنة استاذي ورئيس القسم الذي تم تعييني فيه ،،
رغم انها غير جميله بل اقول انها قبيحه رغم طيبتها وأدبها ، لكن المصلحة في تلك الظروف اهم ،،
واستاذي يعلم انها لن تظفر برجل افضل منى ، فتقربت منها ومنه ، وطلبت يدها منه فوافق علي الفور ،،،
في سنة او اكثر بقليل قد حصلت علي الماجستير ،،
واصبح لي طفل ،،،،

الرسالة السادسة والثلاثون

لقد فتحت المستشفي الصغير بمساعدة زوجتي التي امدتني بمداخراتها وورثها من ابوها الذي توفى من سنتين ،،،
لقد بدأت اول مشاريعي العملية الحقيقيه ،،،،،
اولادي الاثنين كبروا الان ، الاكبر سبع سنوات والاصغر خمس سنوات
،،،،،،،،

الرسالة السابعة والاربعون

عام به الكثير من المشاكل ،،
لقد علمت زوجتي بزواجي من السكرتيره وتصر علي الطلاق ،،
أبني الاكبر المستهتر فشل في الثانوية العامه وكنت عاقداً الامل عليه ان يدخل كلية الطب ، لكني ارسلته لدراسة الطب في المجر كي يعود ويرث مستشفي ابيه الكبيرة ،،،
ساعدت الكثير من زملائي في نجاح ابنائهم والتوصيه عليهم ، المصالح المشتركه تحتم علي ذلك ، كنت بنفسي ارسل نماذج الامتحانات والاجوبه لاصدقائي المقربين اصحاب المناصب العليا ،،،
مشاغل منصبي الجديد في الكلية مرهقة ومتعبه ،،،

الرسالة الثامنة والخمسون

ماتت زوجتي هذا العام وهي غاضبة مني ،،،
اشتريت الكثير من الاراضي والعقارات ، واستثمرت بعض اموالي في البورصه
وقع حادث منذ يومين او ثلاثه لم اكن لاكتبه لولا انه حدث قريباً ،،،،،
اجريت عملية لاحد المرضى الفلاحين وكانت تكاليف العملية كبيرة مما جعلهم يبيعوا ارضهم الوحيدة ، واصررت بشدة ان اخذ تكاليف العملية كامله والرجل كان قد مات وهم لا يعلمون ، فعندما علمت زوجته بذلك ظلت تولول في الشارع وتدعو علي ، انه امر غريب هذا عمره وميعاد موته قد حل ،،،

الرسالة التاسعة والستون

الوحدة والألم ،،،
نصف المدخرات والأموال ضاعت علي تكاليف العلاج الباهظه ،،
والنصف الاخر اضاعه ولدي ،،
لقد اصبحت اُعالج من نفس الأمراض التي كنت اعالج منه مرضاي ،،،،
اخر مرة شاهدت ابنائي من سنتين لقد عينوا لي خادم بالأجر ،،
الأبن الاكبر عاق لا يزورني ولم ارى ابنائه منذ سنين ، والاخر هاجر الي استراليا
حتي من كنت اخدمهم واعينهم لا يسألون عني ،،

الرسالة الخامسة والسبعون

الوحدة والألم ،،
لم اعد اتذكر شيئاً لقد اصبت بالزهايمر
اليوم تأخر علي الخادم ولا استطيع ان ادخل الى الحمام بمفردي ،،
النعاس الطويل اصبح يصيبني دائماً حتى اصبحت انام ولا ادري كم من الوقت نمته ،،
،،،،،،،،،،،،،
استدار ببطء شديد ونثر الرسائل علي مكتبه او ربما تناثرت من اهتزاز يده الدائم ،،
وأمسك قلمه بأرتعاش وبدأ يكتب علي الورقه البيضاء المسلط عليها بقعة الضوء القادمه من النافذه ،،،،

الرسالة الأخيرة

لقد تأخر الموت ،،
انتظره منذ وقت طويل ،،،،،



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لريمبرانت

ليست هناك تعليقات: