لم يكن الألم شديداً عليها هذا الصباح ، فأحست برغبة بالرسم ، الرسم هو هوايتها الوحيدة ومذكراتها وتدوينتها البسيطه والرقيقه ، أخرجت علبة الألوان وكراسة الرسم من درج الكوميدينو الصغير المجاور لسريرها ، وبدأت في الرسم ،،،،
قبل مرضها اللعين كانت أحلام قد أنهت الشهادة الأعدادية بتفوق كبير مثل كل عام ، فهي من الأوائل دائما على مدرستها وفي المحافظة أيضاً ، فتاة جميلة العينين صافيتان كصفاء الغيطان الخضراء التي تربيت فيها بقريتها ، متحدثه ولبقة كأبيها الموظف البسيط ، وطيبه وبسيطة كأمها ربة المنزل ،،،،
دخلت عليها طبيبتها الشابه والمشرفه على علاجها في المعهد ، فوجدتها ترسم ، فأبتسمت لها وبعد أن اطمأنت عليها من خلال اجهزة النبض والتنفس والضغط قالت لها : ماذا ترسمين يا أحلام ؟؟
قالت أحلام بوهن : لقد اشتقت الى قريتي وحقلنا الصغير فأردت أن ارسمه ، تعالى اجلسي يادكتورة بجانبي وسأريكي قريتي كما أرسمها ،،،،
اقتربت الطبيبة من أحلام ،،،،
قالت أحلام : هذا بيتنا الصغير وهذه شجرة التوت التي زرعها أبي عندما وُلدت وبجانبها شجرة أخي الصغير عمر زرعها أبي أيضاً عند ولادته ، النيل ليس ببعيد عن بيتنا ، دائماً أبي يأخذني على شاطيء النيل فهو يحب القراءة قبل المغرب وأنا وأخي نلعب بجواره ،،،،
وهذا مصنع الأسمدة القريب من النيل ومن قريتنا ، الادخنه التي تصدر منه كريهة جدا ، لا استطيع النوم من شدتها ، أبي قال لي ذات مرة أن مخلفات هذا المصنع يتم القائها في النيل ،،،،
ضحكت الطبيبة وضمت أحلام في حضنها وقالت : رسمك جميل يا أحلام ستهديني لوحة من لوحاتك قريباً ها لا تنسيني ،،،،
أحلام مُصابة بسرطان الرئة ، وأبوها الموظف البسيط قام ببيع جزء من أرضه الصغيرة كي يتمكن من علاجها ، كان يدرك من داخله أنها لن تعيش لكنه كان يتمسك بالأمل حتى لو ضئيل ،،،،
في بيته الصغير القريب من النيل كان يجلس في غرفة أحلام ، الكثير من اللوحات التي رسمتها ، اللوحات غالبيتها ليست من الخيال ، لكنه وجدها كاليوميات ، لوحة فيها أحلام وعمر وهما يصليان بجواره على شاطيء النيل ، ولوحة له وهو يقوم بحرث الحقل ، ولوحة لأمها وهي تُطعم البط ، ولوحة لحديقة الحيوان عندما أخذهم للمدينة وذهبوا لحديقة الحيوان ،،،،
عندما ينظر من نافذة بيته الصغير وأمامه ذلك المصنع بمدخنتيه الطويلتان ، يُصاب بالأكتئاب والحزن ، هذا المصنع هو من قتل أبنته ولوث حقله وحقل الكثير من جيرانه وأهل قريته جميعاً ،،،،
قدموا شكاوى كثيرة في وزارة البيئة وفي المحافظة لكنها كالحرث في البحر ، هذا المصنع يملكه أحد رجال الأعمال المنتمين للحزب الوطني و الحكومة !!
في المستشفي يجلس الأب في مكتب الطبيبة المٌعالجة لأحلام ، على وجهها علامات الحزن والشفقة ، تقول للرجل : أحلام ياسيدي حالتها خطيرة والأمل الأخير لها هو التدخل الجراحي رغم أنه غير أمن ، وليست المشكلة في هذا ، لكن المشكلة أن تكاليف العملية كبيرة وباهظة ولا أعلم أن كان التأمين الصحي سيتكفل بكل التكاليف ولا بجزء منها ،،،
بكى الرجل وقال : سأبيع ماتبقى من أرضي لكي أنقذ أحلام ،،،،
المظاهرات تُعم ربوع مصر من ميدان التحرير للأسكندرية الى الصعيد وفي السويس وبورسعيد ، الشعب يريد أسقاط الرئيس ،،،
أحلام في غرفتها بين لوحاتها وأمامها التلفزيون ، لا تُدرك ماذا يحدث ولماذا هؤلاء ثائرين ، ولماذا تبكي هذة الأم ومن قتل أبنها ، وهذا الأب من قتل أبنته ،،،،
كيف لهذة السيارة ان تدهس الناس هكذا ،،،،
ومن هؤلاء الناس ذو الوجوه الكريهه الذين يقتلون الشباب ،،،
يوم سقوط الرئيس كانت أحلام قد رسمت لوحتها الأخيرة ، قريتها الجميلة والنيل يجري بالقرب من بيتها الصغير ، علم مصر يرفرف فوق البيت ، وشجرتها التي زرعها لها أبوها قد كبرت واصبحت شجرة عملاقه وافرة مليئة بثمار التوت ، لا يوجد في اللوحة مصنع الأسمدة ولا دخانه الكريه ، هذا اخوها عمر يلعب بجوار البيت وهذا أبيها يقرأ ،،،
أهداء الى طبيبتي الحبيبة ،،،،
في القرية وأمام المصنع وقف الاهالي يتقدمهم أبو أحلام وبجواره الطبيبة الشابه ممسكة بلوحة أحلام ،،،
يريدون أغلاق المصنع ،،،
المصنع توقف عن العمل بعد صدور قرار بأنه غير مُطابق للمواصفات البيئية ، وتم القبض على صاحبه في تهم متعلقه بالفساد ،،،
القرية تعيش يومها الأول بدون الدخان الكريه الذي قتل أحلام ، والنيل يمر من أمام القرية في سلام بعد توقف القاء المخلفات فيه ،،،
عمر الأخ الأصغر لأحلام يلعب بحرية في هواء نظيف ، وأبوه يعتني بشجرة أحلام التي مازالت صغيرة وينتظرها تنمو وتكبر ,,,,,,,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق