الفصل الأول
وحيداً في خلوته الخاصة في الكهف المطل على البلدة من قمة الجبل ، مع كل فجر يوم جديد يسمع صوت الكروان مغرداً او ربما باكياً ،،،
خرج من الكهف يتنفس يناسيم الصباح ، اقترب منه كلبه القوي يتمسح فيه ويتبختر حوله ،،،،
كان يرعى بعض الاغنام على السهل الممتد أسفل الجبل ، ويزرع قليلاً من الخضروات والقمح على مياه الأمطار الموسمية ، فكان لا ينزل أبداً الى البلدة منذ أن هجرها من سنين ، ولو أحتاج الى شيء منها فكان يوصى احد المارة من التجار أو المسافرين ان يأتوه بما يريده اثناء عودتهم ،،،،
في كهفه مصطبة من الحجارة مفروشه بفراء الغنم وبعض الأواني النحاسيه موضوعه جانباً ،،،،
مجلدات وكتب عتيقه موضوعه في صناديق خشبية يحيطها جلود الماعز كي تحفظها ،،،
يجلس خارج الكهف ناظراً ومطلاً على البلده ، يصنع سيفاً و درعاً خشبياً ،،،
أحياناً يرى النيران تندلع في احد البيوت في البلدة ويسمع صرخات اصاحبها ،،،
عسكر الحاكم الأشداء يضربون رجلاً من الأهالي لم يسدد الضريبة المفروضه ،،،،
لا يبالي كثيراً بما يراه ، فهذا يحدث كثيراً منذ زمن بعيد ،،،،
يسمع حكايات كثيرة من المارة بما يحدث في الأسفل ، الحاكم كل شهر يتزوج فتاة ، رغم انه بلغ من العمر عتياً ، قائد العسكر يستولى على أراضي جديدة بأوامر والده الحاكم بحجة تأمين البلده وحفظ النظام ،،،،
وحكايات كثيرة يسمعها من التجار ، احدهم كان يمر بحماره وكان الراعي يسرح بأغنامه في السهل الاخضر للجبل ، فجلس يستريح بجواره ، وبدأ حديثه معه وكان الراعي قليل الكلام يستمع اكثر مما يتحدث ،،
فحدثه وقال له : كنت أصلي في المسجد وكان يؤمنا شيخ البلده وأمامها وعندما فرغنا من الصلاة دخل علينا رجل عجوز يلهث وظاهر عليه الأعياء الشديد وقال للشيخ اغثني يا مولانا ، فرد عليه الشيخ ماذا بك ، فقال له الرجل : ان العسكر يطاردونني ، فرد عليه الشيخ وقال : ماذا فعلت كي يطاردوك ، قال الرجل وهو يلتقط أنفاسه : لقد جائوا على ارضي وطلبوا مني ان أسلم نصف الغلة المخزنه في الجرن الخاص بي وأسلمهم نصف البهائم ، فقلت لهم هذا تعبي طوال العام ورزق أولادي ، قالوا لي : هذا ليس شأننا انه من أجل مولانا الحاكم ومن اجل الدعم العسكري والأمني للبلده ، وعندما رفضت ضربوني وقبضوا على أبني وطاردوني ، قل لي ماذا أفعل يا حضرة الشيخ ...
فرد عليه الشيخ وقال : يا ولدي طاعة الحاكم من طاعة الله والرسول والله لعن كل متمرد مارق ، ومادام مولانا الحاكم ترك لك نصف الغلة فهذا يكفي ، لكن لابد لنا من طاعة ولي الأمر ، واذهب والتزم بأوامر النظام هداك الله للطريق المستقيم ....
عندما انتهى التاجر من الحكاية نظر له الراعي وابتسم وقاد رعيته من الاغنام وصعد الى كهفه ،،،،
جلس كالمعتاد يصنع سيفاً ودرعاً خشبياً وكلبه باسط ذراعيه بالوصيد ، رأي فتىً صغيراً يصعد الجبل ويترنح ويقترب منه ، استيقظ الكلب ونفض نفسه ورفع اذنيه استعداداً لملاقاة الغريب ، وعندما اقترب الفتى نبح الكلب ، وفجأة سقط الفتى بالقرب من الكهف ،،،،
ذهب له الراعي وحاول أن يفيقه لكن الفتى لم يفيق ، فحمله على كتفيه وأدخله الى كهفه ووضعه على فرشته ، كان الفتى في أعياء وحمى شديده وبه اثار من جروح ، ظل يطببه ببعض الأعشاب والأدوية والفتى يفيق للفترة يشرب الماء وحساء الضأن وينام مرة أخرى ،،،
ظل على ذلك ثلاثة ليالي حتى بدأ يستعيد صحته تدريجياً ،،،،
قال له الراعي : حمد لله على سلامتك يا ولدي ، لقد كُتب لك عمراً جديداً ، فقد كنت على شفا الموت ، لكن وفقني الله لانقاذك ...
حاول الفتى ان يقوم ، فنهره الراعي برفق وقال له : لا تتحرك أستريح كما كنت ..
قال له الراعي وهو يبتسم : ماهي حكايتك يا ولدي وماذا ألم بك وجعلك هكذا ؟؟
قال الفتى في وهن : أنا من البلدة التي في الأسفل ، والدي مات وأنا طفل صغير ، وكنت أعيش مع أمي في بيتنا وحقلنا الصغير ، نحن فقراء جداً لا نملك الا هذا الحقل الصغير وبقرة واحده نعيش على لبنها ، وكان علينا ضرائب مستحقه للحاكم ، لكننا لا نقدر عليها ، جائنا عسكر الحاكم أكثر من مرة كي يطلبوا مننا الضريبة ، واخر مرة جائوا الينا طلبوا مننا تسليم البقرة التي نملكها فرفضت أمي فضربها قائد احد العسكر فعندما رأيته يضرب أمي فأندعفت بكل قوة وانا امسك حجراً كبيرا ووجهته على رأسه ، فسقط صريعاً في الحال ، فتجمعوا حولي وضربوني أنا وامي وقتلوا البقرة بسيوفهم عقاباً لنا ، رأت أمي البقرة في دمائها تموت ، فماتت أمي كمداً وحزناً وطلبت مني الهرب حتى لو يزجوا بي في السجن ، فهربت وتركت أمي ميته وصعدت الى هنا ،،،
ابتسم الراعي للفتى وقال له : لا تفكر في شيء ، استرح فقط ولا تخف ،،،،
بعد مرور عدة أيام ، كان الفتى يساعد الراعي في الزراعه ويتعلم منه اشياء كثيرة ،،،
مع الشروق والكروان يغرد كعادته ، وجد الراعي يجمع الكتب ويعطيها للفتى وقال له احتفظ بها ، واخذ سيفه ودرعه الخشبي وامتطى حماره وقال له اتبعني سنهبط الى البلدة ،،،،،
الفصل الثاني
تبعه الفتى على الحمار الثاني وخلفهما الكلب القوي ،،،
كانت الشمس قد اشرقت على البلدة ، كلما اقترب منها ازدادت وحشه وكأبه ، وكهفه والسهل الأخضر يبتعد أكثر وأكثر ،،،
دخلا الى البلده وهو ممسكاً بسيفه ودرعه الخشبيين ، والفتى يتبعه خائفاً ،،،
كان سوق البلدة في مدخلها وقد بدأ يعج بالزبائن الفقراء ، والدكاكين تكاد تكون خاوية من البضائع ، ووجوه الناس كالحه مكفهرة ، والعسكر يتجولون في كل مكان ، هذا يضحك وهذا ممسكاً ببرتقاله يأكلها بقشرها ،،،
عندما وقعت عيناهم على هذا الراعي العجوز ممسكاً بسيفه ودرعه الخشبيين ظلوا يتهامسون ثم بدئوا في الضحك والسخرية منه ، والعسكر يقتربون منه وهم يستهزئون به ويطلبون منه المبارزة ،،،
لم يبالي بكل هذا بل استمر راكباً حماره متجهاً الى الساحة الكبيرة في البلدة ،
كان يتبعه بعض الفتية والأطفال من القرية وقليل من الرجال ، عندما وصل الى الساحه جلس على صخرة كبيرة مرتفعه واضعاً سيفه ودرعه الى جواره ،،،
عندما تجمع الكثير من الأهالي ، وقف على الصخرة متكئاً على سيفه وبدأ فيهم خطبتهم ،،،،
قال : أيها الضعفاء أسمعوا وعوا ... لقد هبطت من خلوتي لأني رأيت الظلم قد بلغ مداه ، أحاول لمرة أخيرة ان أستثير فيكم رغباتكم في العدل واعتراضكم على القهر والظلم ، احرك فيكم غرائز التوق للحرية والحياة الكريمه ، محاولة لقتل شيطان الخنوع والذل الذي يسيطر عليكم ، أفيقوا قبل أن تُقتل فيكم أخر مايتصل بالأنسانية من كرامة ،،،،
بعضهم يستمع له وهو خائف يرتجف ، ومنهم من يشفق عليه ويقول لرجلٌ يقف بجانبه ، مسكين انه مجنون كان يعيش في كهفه وحيداً ويقال انه تلبسه الجن ، وكثيراً منهم يضحك ويقولون : أنه رجل خرف هبط من الجبل كي يحارب العسكر والحاكم بسيفه الخشبي ، أنه ابله فيه حد يترك حقله وحياته في كهفه ويأتي الى هذة البلدة الملعونة هاهاهاهاها
أستكمل الراعي خطابه : انا رجلٌ ضعيف أملك سيفاً ودرعاً خشبيين ، لكني أحاول أن أقاوم بهما لاني لا املك غيرهما ، أما انتم فتستطيعون ان تصنعوا سيوفا ودروعاً حقيقيه ، اذهبوا واصنعوا سيوفكم ودروعكم وقاوموا ودافعوا عن عرضكم واولادكم وارضكم ،،،،
بعد أن ضحك العسكر قال كبيرهم ، كفى هذا يجب أن نقتاده الى قصر الحاكم كي يرى مايجب في أمره ،،،
صعد العسكر الى الصخرة ومسكوا به ، وهو يزعق في الناس ويردد : اذهبوا واصنعوا سيوفكم ودروعكم وقاوموا ودافعوا عن عرضكم واولادكم وارضكم ،،،،
كان ينظر له الفتى وبجواره الكلب ، كان حزيناً ينظر له بأسى ، فأبتسم له الراعي ،،،
أقتادوه الى قصر الحاكم ،،،،
الحاكم كان يجلس متكئاً نصف نائماً على أريكه واسعه ، قد تجاوز السبعين من عمره ، كرشه مستدير ، ووجه ممتليء بالدهن والشحوم ، صدغه وردي اللون ، أصلع الرأس ، ويتصبب عرقاً بأستمرار بسبب ضيق الملابس الحريريه ،،،
دخل عليه العسكر بعد أن اذن لهم الحراس ، والراعي مسربل في قيوده الحديديه ،،،،
قال وهو يحس بالنعاس : من هذا وماذا فعل ؟؟
فرد عليه الحراس وحكوا له ما حدث ، فاستدار في جلسته وضحك بصوت مجلجل وقال : سيفاً ودرعاً خشبيين ، وثورة ضعفاء وجياع ،
وماذا ايضاً ؟؟
فقال احد العسكر : تبعه بعض العامة الى هنا وكانوا حزينين عليه ...
فقال الحاكم : اممممم طيب ، أعلنوا للناس اننا سوف نحاكمه علنية أمام الناس غداً في الساحة الكبيرة في حضور شيخ القرية وكبارئها ،،،
اقتادوه الى الساحه الكبيرة وقد احتشد الناس جميعاً كي يشهدوا المحاكمه ،،
ربطوه في جذع شجرة كستناء ، وجلس الحاكم وبجواره أبنه قائد العسكر وأمام القرية وقاضيها ، واثنين من كبار تجار القرية ،،،
قال الأمام والقاضي الى الراعي : ماذا تقول فيما منسوب اليك من تهييج الناس على الحاكم واثارة الفتنة والبلبله ؟؟
صمت الراعي ولم يتكلم ،،،
فردد القاضي السؤال وقال : الا تدافع عن نفسك ؟؟
فلم يرد الراعي ،،،
قال الحاكم بعد ان تجشأ : اذن ماحكمكم يا كبراء القرية ؟؟
فرد احدهم : نرى ان يتم حبسه بتهمة الجنون ، واقر الاخر بالموافقه ...
قال الحاكم : وانت أيها القاضي ؟؟
فقال القاضي في هدوء : انه مجنون وهبط من الجبل بعد أن فقد عقله في خلوته ، فيذهب الى السجن ...
قال الحاكم : أنه ليس بمجنون ، أنه مارق يريد أن يعيث في البلده فساداً ، فما جزاء ذلك أيها القاضي ؟؟
قال القاضي : اذن جزائه أن يُصلب ، جزاء من سعى في الارض فساداً أن يقتل او يُصلب ....
قال الحاكم : فليُصلب ....
بدأت الهمهمة بين الناس ، لم يحركوا ساكناً ، بعضهم لم يبالي ، والبعض الأخر كان يضحك وينتظر أن يرى ذلك المشهد من الصلب ، وقليلاً منهم أحس بالشفقة والحزن على ذلك الرجل الطيب ،،،،
أبتسم الراعي وبدئوا في صلبه ودق رجليه ويديه في جذوع شجرة الكستناء وتركه حتى الموت ،،،
شروق اليوم الجديد ، الكروان يغرد من بعيد ،،،،
والغربان استيقظت مبكراً تراقب المصلوب من على اغصان الاشجار القريبه ،،،
ملقى بجواره سيفه ودرعه الخشبيين ، جفت دمائه المتساقطة عليهم ،،،
اقترب منه الفتى والكلب ، بعد أن ابتعد الحراس وتركوه حتي الصباح كي يدفنوه ،،،
اقترب الفتى ليأخذ السيف والدرع ،،،
فقال الراعي في ضعف ووهن يكاد صوته لا يُسمع : لا ياولدي لا تاخذ السيف والدرع ، انت محتاج سيفاً ودرعاً حقيقين ، أعلم انني لست المسيح المصلوب ، المسيح المنتظر لهذه البلده سيأتي لكن لن يأتي من نفسه ، يجب ان تساعدوه كي يأتي ويخلصكم ، اصنع سيفك ودرعك كي يأتي المسيح ،،،
صمت الراعي ومات ومع شروق الصباح وتغريد الكروان الذي مازال يأتي من بعيد ,,,,,
وانصرف الفتى ، وظل الكلب ربطاً بجوار صاحبه ,,,,,,
وحيداً في خلوته الخاصة في الكهف المطل على البلدة من قمة الجبل ، مع كل فجر يوم جديد يسمع صوت الكروان مغرداً او ربما باكياً ،،،
خرج من الكهف يتنفس يناسيم الصباح ، اقترب منه كلبه القوي يتمسح فيه ويتبختر حوله ،،،،
كان يرعى بعض الاغنام على السهل الممتد أسفل الجبل ، ويزرع قليلاً من الخضروات والقمح على مياه الأمطار الموسمية ، فكان لا ينزل أبداً الى البلدة منذ أن هجرها من سنين ، ولو أحتاج الى شيء منها فكان يوصى احد المارة من التجار أو المسافرين ان يأتوه بما يريده اثناء عودتهم ،،،،
في كهفه مصطبة من الحجارة مفروشه بفراء الغنم وبعض الأواني النحاسيه موضوعه جانباً ،،،،
مجلدات وكتب عتيقه موضوعه في صناديق خشبية يحيطها جلود الماعز كي تحفظها ،،،
يجلس خارج الكهف ناظراً ومطلاً على البلده ، يصنع سيفاً و درعاً خشبياً ،،،
أحياناً يرى النيران تندلع في احد البيوت في البلدة ويسمع صرخات اصاحبها ،،،
عسكر الحاكم الأشداء يضربون رجلاً من الأهالي لم يسدد الضريبة المفروضه ،،،،
لا يبالي كثيراً بما يراه ، فهذا يحدث كثيراً منذ زمن بعيد ،،،،
يسمع حكايات كثيرة من المارة بما يحدث في الأسفل ، الحاكم كل شهر يتزوج فتاة ، رغم انه بلغ من العمر عتياً ، قائد العسكر يستولى على أراضي جديدة بأوامر والده الحاكم بحجة تأمين البلده وحفظ النظام ،،،،
وحكايات كثيرة يسمعها من التجار ، احدهم كان يمر بحماره وكان الراعي يسرح بأغنامه في السهل الاخضر للجبل ، فجلس يستريح بجواره ، وبدأ حديثه معه وكان الراعي قليل الكلام يستمع اكثر مما يتحدث ،،
فحدثه وقال له : كنت أصلي في المسجد وكان يؤمنا شيخ البلده وأمامها وعندما فرغنا من الصلاة دخل علينا رجل عجوز يلهث وظاهر عليه الأعياء الشديد وقال للشيخ اغثني يا مولانا ، فرد عليه الشيخ ماذا بك ، فقال له الرجل : ان العسكر يطاردونني ، فرد عليه الشيخ وقال : ماذا فعلت كي يطاردوك ، قال الرجل وهو يلتقط أنفاسه : لقد جائوا على ارضي وطلبوا مني ان أسلم نصف الغلة المخزنه في الجرن الخاص بي وأسلمهم نصف البهائم ، فقلت لهم هذا تعبي طوال العام ورزق أولادي ، قالوا لي : هذا ليس شأننا انه من أجل مولانا الحاكم ومن اجل الدعم العسكري والأمني للبلده ، وعندما رفضت ضربوني وقبضوا على أبني وطاردوني ، قل لي ماذا أفعل يا حضرة الشيخ ...
فرد عليه الشيخ وقال : يا ولدي طاعة الحاكم من طاعة الله والرسول والله لعن كل متمرد مارق ، ومادام مولانا الحاكم ترك لك نصف الغلة فهذا يكفي ، لكن لابد لنا من طاعة ولي الأمر ، واذهب والتزم بأوامر النظام هداك الله للطريق المستقيم ....
عندما انتهى التاجر من الحكاية نظر له الراعي وابتسم وقاد رعيته من الاغنام وصعد الى كهفه ،،،،
جلس كالمعتاد يصنع سيفاً ودرعاً خشبياً وكلبه باسط ذراعيه بالوصيد ، رأي فتىً صغيراً يصعد الجبل ويترنح ويقترب منه ، استيقظ الكلب ونفض نفسه ورفع اذنيه استعداداً لملاقاة الغريب ، وعندما اقترب الفتى نبح الكلب ، وفجأة سقط الفتى بالقرب من الكهف ،،،،
ذهب له الراعي وحاول أن يفيقه لكن الفتى لم يفيق ، فحمله على كتفيه وأدخله الى كهفه ووضعه على فرشته ، كان الفتى في أعياء وحمى شديده وبه اثار من جروح ، ظل يطببه ببعض الأعشاب والأدوية والفتى يفيق للفترة يشرب الماء وحساء الضأن وينام مرة أخرى ،،،
ظل على ذلك ثلاثة ليالي حتى بدأ يستعيد صحته تدريجياً ،،،،
قال له الراعي : حمد لله على سلامتك يا ولدي ، لقد كُتب لك عمراً جديداً ، فقد كنت على شفا الموت ، لكن وفقني الله لانقاذك ...
حاول الفتى ان يقوم ، فنهره الراعي برفق وقال له : لا تتحرك أستريح كما كنت ..
قال له الراعي وهو يبتسم : ماهي حكايتك يا ولدي وماذا ألم بك وجعلك هكذا ؟؟
قال الفتى في وهن : أنا من البلدة التي في الأسفل ، والدي مات وأنا طفل صغير ، وكنت أعيش مع أمي في بيتنا وحقلنا الصغير ، نحن فقراء جداً لا نملك الا هذا الحقل الصغير وبقرة واحده نعيش على لبنها ، وكان علينا ضرائب مستحقه للحاكم ، لكننا لا نقدر عليها ، جائنا عسكر الحاكم أكثر من مرة كي يطلبوا مننا الضريبة ، واخر مرة جائوا الينا طلبوا مننا تسليم البقرة التي نملكها فرفضت أمي فضربها قائد احد العسكر فعندما رأيته يضرب أمي فأندعفت بكل قوة وانا امسك حجراً كبيرا ووجهته على رأسه ، فسقط صريعاً في الحال ، فتجمعوا حولي وضربوني أنا وامي وقتلوا البقرة بسيوفهم عقاباً لنا ، رأت أمي البقرة في دمائها تموت ، فماتت أمي كمداً وحزناً وطلبت مني الهرب حتى لو يزجوا بي في السجن ، فهربت وتركت أمي ميته وصعدت الى هنا ،،،
ابتسم الراعي للفتى وقال له : لا تفكر في شيء ، استرح فقط ولا تخف ،،،،
بعد مرور عدة أيام ، كان الفتى يساعد الراعي في الزراعه ويتعلم منه اشياء كثيرة ،،،
مع الشروق والكروان يغرد كعادته ، وجد الراعي يجمع الكتب ويعطيها للفتى وقال له احتفظ بها ، واخذ سيفه ودرعه الخشبي وامتطى حماره وقال له اتبعني سنهبط الى البلدة ،،،،،
الفصل الثاني
تبعه الفتى على الحمار الثاني وخلفهما الكلب القوي ،،،
كانت الشمس قد اشرقت على البلدة ، كلما اقترب منها ازدادت وحشه وكأبه ، وكهفه والسهل الأخضر يبتعد أكثر وأكثر ،،،
دخلا الى البلده وهو ممسكاً بسيفه ودرعه الخشبيين ، والفتى يتبعه خائفاً ،،،
كان سوق البلدة في مدخلها وقد بدأ يعج بالزبائن الفقراء ، والدكاكين تكاد تكون خاوية من البضائع ، ووجوه الناس كالحه مكفهرة ، والعسكر يتجولون في كل مكان ، هذا يضحك وهذا ممسكاً ببرتقاله يأكلها بقشرها ،،،
عندما وقعت عيناهم على هذا الراعي العجوز ممسكاً بسيفه ودرعه الخشبيين ظلوا يتهامسون ثم بدئوا في الضحك والسخرية منه ، والعسكر يقتربون منه وهم يستهزئون به ويطلبون منه المبارزة ،،،
لم يبالي بكل هذا بل استمر راكباً حماره متجهاً الى الساحة الكبيرة في البلدة ،
كان يتبعه بعض الفتية والأطفال من القرية وقليل من الرجال ، عندما وصل الى الساحه جلس على صخرة كبيرة مرتفعه واضعاً سيفه ودرعه الى جواره ،،،
عندما تجمع الكثير من الأهالي ، وقف على الصخرة متكئاً على سيفه وبدأ فيهم خطبتهم ،،،،
قال : أيها الضعفاء أسمعوا وعوا ... لقد هبطت من خلوتي لأني رأيت الظلم قد بلغ مداه ، أحاول لمرة أخيرة ان أستثير فيكم رغباتكم في العدل واعتراضكم على القهر والظلم ، احرك فيكم غرائز التوق للحرية والحياة الكريمه ، محاولة لقتل شيطان الخنوع والذل الذي يسيطر عليكم ، أفيقوا قبل أن تُقتل فيكم أخر مايتصل بالأنسانية من كرامة ،،،،
بعضهم يستمع له وهو خائف يرتجف ، ومنهم من يشفق عليه ويقول لرجلٌ يقف بجانبه ، مسكين انه مجنون كان يعيش في كهفه وحيداً ويقال انه تلبسه الجن ، وكثيراً منهم يضحك ويقولون : أنه رجل خرف هبط من الجبل كي يحارب العسكر والحاكم بسيفه الخشبي ، أنه ابله فيه حد يترك حقله وحياته في كهفه ويأتي الى هذة البلدة الملعونة هاهاهاهاها
أستكمل الراعي خطابه : انا رجلٌ ضعيف أملك سيفاً ودرعاً خشبيين ، لكني أحاول أن أقاوم بهما لاني لا املك غيرهما ، أما انتم فتستطيعون ان تصنعوا سيوفا ودروعاً حقيقيه ، اذهبوا واصنعوا سيوفكم ودروعكم وقاوموا ودافعوا عن عرضكم واولادكم وارضكم ،،،،
بعد أن ضحك العسكر قال كبيرهم ، كفى هذا يجب أن نقتاده الى قصر الحاكم كي يرى مايجب في أمره ،،،
صعد العسكر الى الصخرة ومسكوا به ، وهو يزعق في الناس ويردد : اذهبوا واصنعوا سيوفكم ودروعكم وقاوموا ودافعوا عن عرضكم واولادكم وارضكم ،،،،
كان ينظر له الفتى وبجواره الكلب ، كان حزيناً ينظر له بأسى ، فأبتسم له الراعي ،،،
أقتادوه الى قصر الحاكم ،،،،
الحاكم كان يجلس متكئاً نصف نائماً على أريكه واسعه ، قد تجاوز السبعين من عمره ، كرشه مستدير ، ووجه ممتليء بالدهن والشحوم ، صدغه وردي اللون ، أصلع الرأس ، ويتصبب عرقاً بأستمرار بسبب ضيق الملابس الحريريه ،،،
دخل عليه العسكر بعد أن اذن لهم الحراس ، والراعي مسربل في قيوده الحديديه ،،،،
قال وهو يحس بالنعاس : من هذا وماذا فعل ؟؟
فرد عليه الحراس وحكوا له ما حدث ، فاستدار في جلسته وضحك بصوت مجلجل وقال : سيفاً ودرعاً خشبيين ، وثورة ضعفاء وجياع ،
وماذا ايضاً ؟؟
فقال احد العسكر : تبعه بعض العامة الى هنا وكانوا حزينين عليه ...
فقال الحاكم : اممممم طيب ، أعلنوا للناس اننا سوف نحاكمه علنية أمام الناس غداً في الساحة الكبيرة في حضور شيخ القرية وكبارئها ،،،
اقتادوه الى الساحه الكبيرة وقد احتشد الناس جميعاً كي يشهدوا المحاكمه ،،
ربطوه في جذع شجرة كستناء ، وجلس الحاكم وبجواره أبنه قائد العسكر وأمام القرية وقاضيها ، واثنين من كبار تجار القرية ،،،
قال الأمام والقاضي الى الراعي : ماذا تقول فيما منسوب اليك من تهييج الناس على الحاكم واثارة الفتنة والبلبله ؟؟
صمت الراعي ولم يتكلم ،،،
فردد القاضي السؤال وقال : الا تدافع عن نفسك ؟؟
فلم يرد الراعي ،،،
قال الحاكم بعد ان تجشأ : اذن ماحكمكم يا كبراء القرية ؟؟
فرد احدهم : نرى ان يتم حبسه بتهمة الجنون ، واقر الاخر بالموافقه ...
قال الحاكم : وانت أيها القاضي ؟؟
فقال القاضي في هدوء : انه مجنون وهبط من الجبل بعد أن فقد عقله في خلوته ، فيذهب الى السجن ...
قال الحاكم : أنه ليس بمجنون ، أنه مارق يريد أن يعيث في البلده فساداً ، فما جزاء ذلك أيها القاضي ؟؟
قال القاضي : اذن جزائه أن يُصلب ، جزاء من سعى في الارض فساداً أن يقتل او يُصلب ....
قال الحاكم : فليُصلب ....
بدأت الهمهمة بين الناس ، لم يحركوا ساكناً ، بعضهم لم يبالي ، والبعض الأخر كان يضحك وينتظر أن يرى ذلك المشهد من الصلب ، وقليلاً منهم أحس بالشفقة والحزن على ذلك الرجل الطيب ،،،،
أبتسم الراعي وبدئوا في صلبه ودق رجليه ويديه في جذوع شجرة الكستناء وتركه حتى الموت ،،،
شروق اليوم الجديد ، الكروان يغرد من بعيد ،،،،
والغربان استيقظت مبكراً تراقب المصلوب من على اغصان الاشجار القريبه ،،،
ملقى بجواره سيفه ودرعه الخشبيين ، جفت دمائه المتساقطة عليهم ،،،
اقترب منه الفتى والكلب ، بعد أن ابتعد الحراس وتركوه حتي الصباح كي يدفنوه ،،،
اقترب الفتى ليأخذ السيف والدرع ،،،
فقال الراعي في ضعف ووهن يكاد صوته لا يُسمع : لا ياولدي لا تاخذ السيف والدرع ، انت محتاج سيفاً ودرعاً حقيقين ، أعلم انني لست المسيح المصلوب ، المسيح المنتظر لهذه البلده سيأتي لكن لن يأتي من نفسه ، يجب ان تساعدوه كي يأتي ويخلصكم ، اصنع سيفك ودرعك كي يأتي المسيح ،،،
صمت الراعي ومات ومع شروق الصباح وتغريد الكروان الذي مازال يأتي من بعيد ,,,,,
وانصرف الفتى ، وظل الكلب ربطاً بجوار صاحبه ,,,,,,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق