السبت، 31 مايو 2014

أمطار مابعد الربيع

وضعت القطة الكبيرة صغارها منذ أسبوع ، فأصبح سطح البيت كمستعمرة للقطط موائهن يسيطر على المكان ويقفزن في كل ركن من أركان السطح ....
نظرت لجدتها من الشباك الصغير المطل على السطح وهي تأتي ببقايا الطعام لتضعه للقطط ، فتجمعن حول قدميها لا تستطيع أن تمشي بيسر خشية أن تدهس احدى القطط الصغيرة ....
قالت لنفسها بصوتِ خافت وهي جالسة في الشباك الصغير  : ربما قريباً ستحتل تلك القطط غرفتي وسريري !!
الصيف يطرق الأبواب في صخب برياح ساخنه والربيع متشبثاً لا يريد أن ينصرف في هدوء ، أصبح الجو رطباً والسحب تغزو السماء تحجب الشمس وتشاكسها بعد سطوع دام لأسابيع ، ربما اقترب المطر وجاء ضيفاً في غير موعده ....
لم يمر عليها منذ ثلاثة أيام كي يشترى الجرائد ، ويقف أمام عنواين الجرائد والمجلات غارقاً في تفاصيلها لا يُبالي بها ولا بنظراتها اليه ، كانت كل صباح تنتظر منه الشكر مع أبتسامة رقيقة ، وهي تحاول أن تعطله بعدم وجود الفكة ، وتختلق الأسباب كي يبقى معها أكثر وقت ، تستمد من عينيه ذلك الأمل الذي تنتظره منذ سنين كأن ضوء فنار يرشدها من بعيد في ظلمات بحر اللجي المتلاطم التي تُبحر فيه وحيدة بزورق صغير قد يتكسر يوماً على امواجه العاتيه ....
جلست في الكشك الصغير الذي تديره هي وجدتها ومعها الصبي الذي يساعدها ، بجوارها تفترش الجرائد والمجلات بألوانها وصورها التي تختزل كل العالم بما يحتويه داخل تلك الصحف والمجلات ، يقف بعض المارة يلقون نظرة على ذلك العام ثم يستكملون سيرهم ، أسماك هي تنظر لثواني ثم تسبح سريعاً لتنسى ما قراته في ثلاث ثواني ....
لم تهدأ الريح من الصباح وازداد موج البحر صخباً ، بدأ المطر غيثه بقطرات خفيفة تداعب خصلات شعرها السوداء ، طلبت من الصبي ان يضع غطاء البلاستيك على الجرائد والمجلات ، وقفت تنظر للبحر والأفق الممتدد بلا نهاية فيما وراء البحر ، تتسارع خطوات المارة أمامها ولا تبالي ، تصتدم برجلٍ عجوز فتبتسم له ويتمتم العجوز بكلمات غير مفهومة ، ينزل المطر زخات فُتسرع السيارات وتغتسل خصلات شعرها السوداء فتزداد لمعاناً تحت المطر كأن النبي المعمداني عمدها بماء المطر فعادت طفلة صغيرة نقية من ذنوب ذلك العالم ....
دائما مايطول مطر مابعد الربيع ، تلك النوة الأخيرة تستمر طويلاً ، لملمت الجرائد والمجلات وأغلقت الكشك الصغير وعادت الى بيتها فوق السطوح داخل الحارة القريبة من شارع الكورنيش ....
لم تجرؤ القطط الصغيرة وأمهم أن يخرجن من بيتهن الصغير ، خرج قط صغير فأصابته زخات المطر فأرتعش فرحاً وعاد سريعاً بين اخوته ....
جلست العجوز بجوار الفرن الصغير تّعد العشاء لها ولحفيدتها ، ضوء البرق الخاطف يُنير الغرفة الصغيرة كمصباح يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يحترق ، وصخب الرعد هو حديث السماء الذي لم يستطع أحد تفسيره ....
لفت الشال حول صدرها وربطت شعرها الطويل ، نزلت الى عتبة دارها ووقفت حافية القدمين ،أحست بالبرودة تتسلل من قدميها الى باقي جسمها ، فكانت تدفىء كل قدم بالأخرى ، ناظرة بتأمل الى افق بعيد مضيء  ....
أقترب الفجر ، صدى الأذان المنطلق من المأذن القريبة والبعيدة ممزوج بنباح كلب مُسبحاً مُبتهلاً ، ودعاء كروان متلهف يمر سريعاً ويختفي ....
تمشت في الحارة الضيقة حافية ، أبتعدت عن اتجاه الفرح الصاخب الذي هدأ قليلاً مع علو تكبيرات الفجر الى السماء ، اتجهت  الى الضوء المنبعث من الكورنيش ، وكلما اقتربت من البحر استنشقت رائحته وهوائه المالح .....
المطر يزداد وقدميها تبللت وشعرها اصبح أكثر لمعانا وبريقاً مع قطرات المطر التي تتساقط  بثقل عليها ....
خرج القط الصغير مرة أخرى من بيته الصغير ، ربما يود ليرتعش فرحاً أسفل المطر لمرة أخيرة ، ظل قليلاً أسفل المطر لكنه قفز وعاد سريعاً ....
كانت السيارات تسير مسرعة في شارع الكورنيش اضواء كشافتها ينعكس في عينيها ، فوقفت تنتظر حتى تمر الى الجانب الأخر  وتقف أمام البحر ...

عبرت الشارع وهي حافية ووقفت أمام البحر تستقبل هوائه في صدرها ، وخلفها بعض الصبية الذين انتهوا من الفرح يطلقون الصواريخ المضيئة في السماء ، لا يوجد من هو أشقى في هذاالكون المتسع من فتاة تسير وحيدة تحت المطر .....
نظرت الى البحر والأفق الممتد بعيداً تبحث عن عينيه كضوء فنار ينبعث من بعيد يرشدها في ظلمات بحرها اللجي الذي تُبحر فيه بزورقها الصغير الذي ربما يتكسر على أمواجه العاتيه .....