الثلاثاء، 31 مايو 2011

الدراسينا

هي من أمسكت بيده وضمتها في كفها الصغير الناعم ،،،،
الفتاة الايطالية الجميلة ريستانيا التى تعرف عليها اثناء فترة دراسته في نابولي ،،،
شديدة الرقة والأنطلاق كانت تعشق سحر الشرق وكل ما تأتي به رياح المتوسط من الجنوب ،،،
زارت مصر أكثر من مرة مع والديها وكانت تعود مبهورة بما رأته من عجائب وسحر ، مفتونة بأسرار تلك الاراضي السمراء العتيقة ،،،،
عشقته وفُتنت به ، منذ أن تعرفت عليه في المعهد الخاص لدراسات فنون عصر النهضة والباروك ، كان يدرس الدكتوراه وهي مازالت تحضر للماجستير ،،،
يتمشيان سوياً على الكورنيش المطل على مرفأ السفن ، بجوار الدكاكين القديمه وجالريهات التحف واللوحات ، أمسكت بيده وضمتها في كفها الصغير الناعم ،،،،
أحس بالخجل الذي ينتاب الرجل الشرقي دائماً ، فقتلت خجله بأمساك يده وضمها بقوة ، فاجتاحه دفء كفيها  الناعم ،،،،
أهداها لوحة سلة الفاكهة مقلدة لكارفاجيو الذي تحضر الماجستير حول أعماله ، ومع اللوحة أهداها قلادة تحمل وجه نفرتيتي ، فدمعت عيناها وقبلته على جبينه ،،،
وعندما وصلا الى بائع الزهور ونباتات الزينه قامت بشراء شجرة دراسينا صغيرة فأهدتها له ،،،،،
مع الربيع تزوجا في بيت صغير من بيوت نابولي المتوسطه ، وبعدها انجبا طفلتهما الوحيدة عائشة ،،،،
عائشة طفلة هي مزيج من الشاطئين المتقابلين على حوض المتوسط ، سٌمرة بسيطة مع عيون خضراء ، شعر أسود مع أنف رومانية ، فم أيطالي صغير مع جباه فرعونية ذات كبرياء ،،،،
جائوا لمصر بعد انتهاء الدكتوراه ، بعد أن اتفقا على أن تنشأ الفتاة في بلد أبيها ،،،
عاد من عمله  لم يجد ريستانيا وطفلته ذات الثلاث سنوات ، ظل يبحث عنها فلم يجدها ، ذهب الى المطار فعلم أنها عادت الي ايطاليا هذا الصباح ،،،،
لم تترك له سوى شجرة الدراسينا وذكريات نابولي القديمه ،،،
ريستانيا أبت أن تنشأ طفلتها الا في بلادها على الشاطيء الأخر للبحر المتوسط ،،،،،
تمر الشهور والسنوات وهو يتحدث مع الدراسينا ،،،
مع كل ورقة صغيرة يتسائل ،،،
يحتسي قهوته معها ويأكل بين أوراقها ومازال يبحث ويتسائل ،،،،
ربما كانت الشجرة تجيبه وربما تفضل الصمت ،،،،
تمر الشهور والسنوات والشجرة تشيخ ، لم تعد تنبت ورقها الأخضر ، مازالت تحتفظ ببعض الأوراق الباهته ،،،
المرض قد أنقض عليه منذ شهور ، قد يكون انقض عليهما سوياً ،،،،
تقبع الشجرة في بقعة من الظلام يحاوطها على الجدران لوحات كارفاجيو ورفايللو ورمبارندت وفان جوخ وفي اليمين تمثال لفتاة نصف عاريه لجيوتو بونديني ،،،
وهو على مكتبه ينظر لتلك الصورة الشاطئيه التي تجمعه مع زوجته وطفلته ،،،
اسطوانة فيردي لم تنتهي بعد ، لكنه ذهب في سُباته الأخير على كرسي مكتبه القديم ،،،،
الأن عادت طفلته التي أصبحت فتاة في العشرين من عمرها تدرس فنون عصر النهضة ،،،
لم تجد  والدها الأسطوري الذي كانت أمها تحكي لها  عنه ، لكنها وجدت لوحاته وشجرة الدراسينا ذات الورقات  الباهته ،،،،
عادت عائشة الى نابولي لتستكمل دراستها ،،،
وأعادت معها شجرة الدراسينا حيث جذورها في الشاطيء الأخر من المتوسط ,,,,,,

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لكارفاجيو

الاثنين، 23 مايو 2011

رسالة من الماضي


روائح الأتربة والأساس المفكك انتشر في المنزل ، والحمّالين يتحركون جيئة وذهاباً ، هذا يحمل كرسين على رأسه حتى ينقل اكبر عدد ممكن من قطع الأثاث ، وهذا يتعثر بالكوميدينو فتصرخ الأم في وجهه أن يحترس حتى لا يهشمه وتزداد خسائر الانتقال من منزل الى اخر ،،،،
في غرفتها وحيدة تنظر الى جنبات وأركان الغرفة الصغيرة التي قضت بها سنين عمرها منذ الطفولة ،،،
مكان سريرها الذي اصبح خاوياً يحتله بعض أوراق الجرائد المبعثره على البلاط ، أثر لبرواز على الحائط كان يحمل بورتريه لقطه صغيرة تحملها فتاة شقراء ،،،
وصناديق مرتصه على الأرض لجمع الاغراض ،،،،
لم يتبقى سوى دولابها الصغير حتى تلملم منه اشيائها الخاصه ،،،
بعض الأوراق الخاصه بمراحلها التعليميه من الأبتدائي حتى الجامعه ،،،
صور فوتوغرافية لرحلاتها المدرسية ، تلك صورة مع صديقة عمرها في حديقة الحيوان ، صورة اخرى لا تحبها لأن شعرها لم يكن مسرحاً كما تحب ،،،،
هدايا تذكارية حصلت عليها بسبب تفوقها الدراسي والرياضي ،،،
وسط الأوراق الغير مرتبه في الدرج الأوسط للدولاب وجدت تلك اللوحة القديمه ،،،
تغير لونها للاصفرار وانبعثت منها تلك الرائحة المميزة للاوراق القديمه ،،،
مازالت الألوان لم تبهت كأنها رُسمت بالأمس وهي في فسحتها المدرسية ،،،،
تلعب معه أمام المنزل ينسجان سوياً أحلام طفولية لم تنضج بعد ،،،،
يعاهدها على الحماية من أبناء الجيران وزملاء المدرسة الأشرار وهي تأتي له بالحلوى والبسكويت ،،،،
تأتي سيارة المدرسة فمن يصل اليها أولاً يحجز الكرسي المجاور له للاخر ،،،
على ضفاف النهر ترسم امنياتها كما تحب أن تكون ، اللسان أحياناً يعجز عن التعبير عما يدور بداخلنا من أمنيات وأحلام طفوليه بريئة ، فتأتي الأصابع الصغيرة لتعبر بصفاء روحي ووجداني عما يختلج هذا العالم الصغير من مشاعر وأحلام ،،،
أطهر مراحل الحب هو الحب الطفولي المجرد من أي رغبات دينوية ،،،،
مركب صغير يتهادى بحنو على نهر ازرق صافي لا يعكره شيء يدعوا للخوف
،،،
شمس ذهبية تبتسم وتراقبهما بتطفل ،،،،
وهما في المركب الصغير ينتظران الوصول لبر الأحلام والأمنيات ،،،،
على ضفاف النهر يكبران سوياً ، عالم يزداد غرابة وقسوة ،،،
تفترق القلوب الصغيرة ، الى أين ؟؟
والأمنيات والأحلام الطفولية مازالت في المركب الصغير المتهادي على مياه النهر الزرقاء الصافيه ، والشمس دائما تراقبها بتطفل ،،،،
صوت أرتطام على الأرض وجلبة ، والأم تصرخ في وجه الحمّال ، لقد أسقط لتوه لوح زجاج رقيق فتهشم ،،،
أفاقت من رسالة الماضي ، واستمرت في لملمت أوراقها وذكرياتها ،،،،
ثم ودعت غرفتها الصغيرة وذهبت لتساعد أمها ,,,,,,,

الأربعاء، 18 مايو 2011

للأبد



الساعه الرابعه عصراً ، يوم جمعة شتوياً جميلاً والشمس ساطعه الا من بعض السحب المتناثرة التى تعاكس الشمس كل حين ،،،
تجلس علي اريكة خشبية بنية اللون وسط الحديقة العامة ، ويلعب حولها بعض الاطفال ،،،
كانت تجلس وحيدة ، تخطت الستين من عمرها ، تلف الشال الأحمر حول كتفها وصدرها ،بدأت تحس بالبرد سريعاً رغم سطوع الشمس هذا اليوم فأحكمت لف الشال حول رقبتها النحيفه ،،،،
بجوارها حقيبه كبيرة يظهر منها كرة صوف خارج منها ابرتان طويلتان ، اخرجت من الحقيبه بعض البسكويت واعطته لفتاة كانت تجلس وحيدة بالقرب منها ، ثم بدأت في استكمال حياكة الشال الذي لم تنتهي منه منذ اسبوع مضى ،،،،
وقف ينظر حائراً وسط الحديقة يبحث عن السيدة ذات الشال الأحمر ، الى ان اصتدمت به الكرة التى يلعب بها الاطفال ، فألتفت اليها فوجدها جالسه وحيده علي الاريكه ،،،،
كان قد تخطى السبعين عاماً  ويأتي كل يومي أحد وجمعه ليقابل صديقته العجوز ،،،
اقترب منها والقى عليها السلام ، فأبتسمت عندما رأته وزحزحت شنطتها بالقرب منها حتى يجلس بجوارها ،،،
قالت : لقد تأخرت اليوم ، من عادتك دائماً ان تأتي في الساعه الثالثه ،،،
اخرج منديله من جيب بدلته الصوف وسعل لفترة ثم قال : لقد اُصبت أمس بدور برد شديد جعلني استيقظ متعباً ، لكني تحاملت علي نفسي كي أئتي اليكي ،،،،
تنهدت وقالت : واضح عليك الأرهاق وعدم النوم ، هل ابنتك سألت عليك اليوم أم لم تخبرها بمرضك ؟؟
قال : حتى لو اخبرتها ماذا ستفعل ، ستتصل بالخادمه كي ترسلها لي ، لأنها دائما مشغوله مع أولادها ،،،،
هزت رأسها في امتعاض : لا عليك ستصبح علي خير حال مع الصباح ،،،،
نظر الى الشال الذي في يديها : مازلتِ لم تنتهي منه بعد وسينتهى الشتاء قبل ان البسه ، لقد اصبحتي كسوله جدا ،،،،
ضحكت وقالت : وانت ماذا اصبحت ؟؟ لقد اصبحت رجلاً عجوزاً يُقعده دور برد بسيط ،،،،
قال لها وهو يضحك : احكمي لف الشال حول عنقك فمثل من في سننا يصبحون اكثر حساسيه للبرد ،،،
قالت : زرر جاكيت بدلتك جيدا اذن ،،،،،
ابتسم وقال : مازلتي كما انتي تفيضين حناناً وامومه وانوثه ،،،،،
احست بالخجل وقالت : ربما لانني فقدت ابنى في سن مبكرة ولم انجب بعد واصبحت الان وحيدة !!
قال لها : لا لانك مازلتي امرأة لها قلب مليىء بالشباب والحب ،،،،
قالت : لا بل اكثر من ذلك لاني اصبحت عجوز ووحيده ،،،
قال : والى متى ستظلين في خريف وشتاء وحدتك ، الم يأن الاوان لنعبر الى الربيع سوياً وكل منا يؤنس الأخر ؟؟
تنهدت وقالت : لقد جئتني متأخراً ، ظللت انتظرك ايام عمري بأكملها ، والان تجيء في نهاية الخريف وبداية الشتاء كي نبدأ من جديد ،،،
قال : انتى تعلمي كيف كانت  صعبه بعد وفاة زوجتي وبعدها تربيتي لأبنتي ، لكن حتى لو كان الربيع القادم بعد ساعات قليلة، فكفى وحده ونقضيها سوياً ، ان نصبح وحيدين في الربيع فهذا اشد قسوة من الخريف والشتاء  ،،،،،

أتذكرين طفولتنا وأيام صبانا قبل أن نفترق ،،،،
صمتا سوياً وذهبا ببصرهما بعيدا وبعيدا خلف شفق الشمس وشاطيء البحر القريب ،،،،
فتى وفتاة يلعبان سوياً ، يمسكان بأيدي بعضهما ، يجريان ويلعبان بطيارتهما الورقية ، يكحل البحر قدميهما ، ويدفنان أسرراهما تحت رمال الشاطيء فتسحبها أمواج البحر لتغوص بها في أعماقه السحيقه ،،،
الحب والأمل والأمنيات والخيال والأحلام ،،،،،،
الدنيا دائماً تكره تلك المشاعر والأفكار الأنسانيه كأنه وجد في الدنيا كي تعانده ليس أكثر ،،،
ظلا الفتى والفتاة يسيران سوياً في متاهات الدنيا السرمدية ، يضلا الطريق عن بعضهما ويعودان ، يتوهان مرة أخرى ،،،،
أنها كوميديا دانتي ، الألهة الأغريقيه تعبث دائما بفرانشيسكا كلما اقتربت من السعادة تبعدها رياح الشقاء ثم تقربها وتبعدها !!
أخيراً عادا بعد أن التهما الزمان عمر من كانا فتى وفتاة في الماضي ولم يتبقى سوى القليل ،،،،
عادا العجوزان الى صخب الحديقة وضحكات الأطفال وثرثرة النساء ،،،،
نظرت السيدة  الى الشمس وقالت : هيه لقد بدأت الشمس في المغيب ، هل سنصل قبل المغيب ام ستغرب الشمس سريعاً ؟؟؟
ابتسمت لها الطفلة الصغيرة التي كانت تلعب بجوارها ورحلت مع امها ،،،
  ساعدها في لم كرة الصوف وبعض الطعام ووضعه في الحقيبه وقال : مازالت الشمس لم تغيب بعد ،،،،،

اذن هناك وقت دائما حتى ندرك مافاتنا ،،،،
ابتسمت وقالت : ربما !!  لكن يجب ان نتحرك سريعاً قبل أن تفوتنا ،،،،
مسك يدها ومشيا سوياً في الطريق ومازال بعض الاطفال يصيحون ويلعبون حولهما ،،،،،، 



تراتيل العودة

حرك نسيم الهواء القادم من الجليل الأعلى خمارها الأخضر ، فأحكمته حولها وحول الرضيعة المتشبثه بصدرها ،،،
تجلس أسفل شجرة الزيتون العتيقة الراسخه في تلك الأرض منذ أيام أبراهيم الخليل وموسى والمسيح ،،،
الشمس لم تصعد بعد من خلف سهول الجليل الخضراء ، على المدى والأفق القريب تنظر الى القبة الصفراء التي عرج بجانبها محمد بن عبد الله الى السموات السبع ، تؤنسها في أسرها ابراج كنيسة قيام المسيح ،،،،
الرضيعة تبكي والأم تعطيها ثديها الوهن الضعيف ،،،
بدأت تغريبتها هي وزوجها وأهلها عن قريتها الصغيرة منذ سبع ليالي ، قالوا لها سوف تعودين بعد أيام ،،،،
قتلوا الزوج والأب والأخ وصارت الأيام سنين ،،،،
تحتمي بأغصان الزيتون تهز جذع الشجرة العتيق فتساقط عليها ثمرات لا شرقية ولا غربية ،،،،
انها مُرة لكنها جعلت لبن ثديها ينسكب بغزارة للرضيعة الباكية ،،،
صوت السيارات الثقيلة يقترب منها فارتعدت واخفت وجهها بخمارها الاخضر ، واحتمت خلف الشجرة العتيقة ، تلفتت وايقنت أن عليها أستكمال المسير ،،،
داخل كروم العنب وجدت أناسٌ مثلها يسيرون ، لا يدرون مثلها الى اين ؟
الشرق أم الغرب ، الشمال أم الجنوب ، لكنهم يسيرون ،،،
عجوز أعمى بعصاه ، وفتاة تحمل بعض المتاع ، وأم تعالج طفلها المريض ، لكنهم يسيرون ،،،
ذهبت للطفل المريض ووضعت ورق شجرة الزيتون العتيقه على صدره وقالت للأم أحكمي عليها الدثار سيشفى بأذن الله ،،،،
على الأفق أختفت القبة الذهبية وبرج الكنيسه العتيقه والشمس عبرت الجليل ، وموكب الراحلين لا ينفك عن ترديد تراتيل العودة ،،،
أقترب منهم صوت طلقات البارود ، يطاردونهم ، يبعدونهم ، كلما ابتعدوا هدأ خوف الغزاة الغرباء ، وازداد يقين الراحلون بالعودة ولو بعد حين ،،،
كروم العنب الخاوية على عروشها شاهدة على الرحيل منتظرة بلا سأم عودة الراحلين ،،،،
يسقط العجوز الأعمى ميتاً ، ويشفي الطفل المريض ،،،
واختفت سهول جبل الجليل ،،،،
الشمس تجري لمستقرٍ لها وتمر الليالي وهم يبتعدون ،،،،
صدى تراتيل العودة مازال يتردد في السهول والوديان ، بين أشجار الزيتون والكروم ،،،،
الأقصى وكنيس القيامة وجنبات البلدة القديمة يطلون من خلف الأسوار يتلفتون وينتظرون العائدون  ،،،،،
أيام وسنون وعشرات السنوات ولم تتوقف تراتيل العودة ،،،
حتماً بلا ريب سيعود الراحلون وتعود الرضيعة ولو بعد حين الى شجرة الزيتون العتيقة الراسخه في الأرض منذ الاف السنين ,,,,,

ربيع 2011 ذكرى النكبة

الأربعاء، 4 مايو 2011

المدينة السجينه

لوحة اولى

تتصبب عرقاً ، أنفاسها تتسارع  ، تبدأ في البكاء ، ثم تنهض فزعة من نومها ،،،،
فراش بسيط تنام عليه في الخيمة التي أقيمت بجوار البيت المهدّم بسبب القصف ،،،،
نفس الحلم المزعج الذي يعايشها منذ عدة أشهر ، من شتاء 2008 ،،،
أزيز الطائرات يقترب من بيتها في خان يونس ، اخواتها وأمها يتحركون بجنون ويحملون أختها الرضيعة التي تصرخ لا تدري بما يدور حولها في هذا العالم ،،،
أنفجار قريب وسقوط الصاروخ بجوار منزلها ،،،،
جهاد تبحث عن قطتها السيامي لا تريدها أن تبقى وحيدة في المنزل ،،،،
أبوها ينهرها بشدة ويطالبها بالهرب والخروج من المنزل ،،،،
 يسقط الصاروخ على البيت ويصبح انقاضاً يخرج منه الغبار والدخان،،،،
تبحث عن أخيها وأبيها ، لقد سقطوا شهداء ،،،،
أين القطة ؟؟
تبكي وتصرخ مع أمها واختها الرضيعة ،،،
تنهض فزعة وتجد نفسها على ذلك الفراش البسيط داخل خيمة بجوار بيتها المهدم ،،،
مازال الحلم يطاردها كل ليلة ،،،
غزة تنزف ,,,,,,

لوحة ثانية

على الشاطيء وعلى قطعة حديد صدئه كانت جزئاً من مركب أبيه يجلس نصر ، ينظر الى البحر وما خلفه على الشواطيء الأخرى ، أطفال يلعبون ويسافرون ، شواطيء تعج بالفتيات الجميلات والطائرات الورقية ،،،
مازال صوت أبيه وجده وابناء أعمامه يرن في أذنيه وهم يغنون على مركب الصيد ،،،
يرمون الشِباك ويجمعون أسماك السردين والبوري ،،،
بعد الحرب والحصار أصبح الصيد ممنوعاً ،،،،
خرج أبوه وأعمامه للصيد ليلاً فوجدوا المركب محطماً ، قد يكون أصابه صاروخ ،،،
والده يبكي ويداري وجهه بيده حتى لا يراه نصر ،،،
لا يدري لماذا مركب أبيه محطم ،،،
لماذا لا يلعب ويسافر مثلهم لماذا هو بالذات يُحرم من هذا ؟؟
يعلم من أبيه ومن المدرسة أن من فعل هذا به وبأهله هم اليهود ،،،
الان يتسائل وماذا فعلت أنا لليهود لكي يفعلوا بي كل هذا ....
لا يبالي بتلك الاسألة والأجوبة ، لكنه مازال ينتظر الغناء مع أبيه وأبناء أعمامه على مركب الصيد وهم يرمون الشباك وينتظرون أسماك البوري والسردين ،،،،
غزة تتألم ,,,,,,,,

لوحة ثالثة

الألم يزداد عليها ولا تتحمله ، تحتضنها أمها لعل هذا الحضن يخفف من الام فجر ،،،
متفوقة في دراستها وتحب اللغة الانجليزيه معلمتها قالت لها العام الماضي ستصبحين طبيبة ، لها ضفيرتين طويلتين وعينان سوداوان ، تكتب القصص الصغيرة التي تستوحيها من خيالها البريء ، قصص الحيوانات والطيور وقصص عن أمها وعن أبيها المعتقل منذ اربع سنوات ،،،
الألم يزداد عليها ولا تتحمله ،،،،
بدأ المرض يهاجم فجر منذ اربعة اشهر بعد الحرب بشهرين ، طافت بها أمها على الأطباء فقالوا  لها لقد أصيبت بالسرطان ،،،،
لم يعد هناك ضفيرتين طويلتين لفجر ،،،
تنام على حجر أمها في صالة الأنتظار في معبر رفح ، بقيت لمدة ثلاثة أيام تنتظر فتح المعبر ،،،
فجر تُخرج كراستها وتبدأ في الرسم وكتابة قصة صغيرة ،،،،
حمامة تحلق بحرية فوق الأشجار  تحت أشعة الشمس الساطعة ، تعبر كل الحواجز ولا يصل اليها أنسان وعلى الأرض عسكر يهود مدججين بالأسلحة يحاصرون كل البيوت ،،،
مازالت فجر وأمها ينتظران فتح المعبر ،،،،
غزة تزداد عزله ,,,,,,

لوحة رابعة

يمسك بندقيته ويجري على اصدقائه ويهاجمهم ويصرخ فيهم ، وهم يتساقطون على الأرض واحدا تلو الأخر ،،،،
عمر يلعب دور المجاهد واصدقائه يمثلون دور اليهود ،،،
يهاجمهم بشراسه ثم أمسك حجراً وقذف به احد اصدقائه فأصابه ،،،
أصدقائه يهجمون عليه ويحاصرونه ويقولون له سلم نفسك ، وهو يصوب عليهم بندقيته فيتساقطون مرة أخرى ،،،
لا يريد أن يذهب الى مدرسته ، لا يحب كتبه وأقلامه ،،،،
ينام ويحتضن بندقيته ويظل يستمع لحكايات أبوه احد أفراد المقاومة وهو يجلس مع اصدقائه ،،،
يجلس مع جدته العجوز ويحكي لها عن قتله لليهود وتفجيره للدبابات وسيشتري قنابل كثيرة حتى يلقيها على  طائرات اليهود ،،،
الجدة تطلب منه مذاكرة الدروس ، يتململ منها ويذهب ليراقب أبيه ،،،،،
غزة تختنق ,,,,,

لم تجد جهاد قطتها ، تبكي كثيراً في وحدتها في الخيمة الصغيرة ، تتذكر غرفتها وبيتها ولعبها ، تقول لأمها أتمنى لو أموت ,,,

نصر يذهب الى مدرسته  ويذاكر دروسه ولم يجد أجوبه على أسألته بعد ، لماذا حطموا مركب أبي ، لماذا لا ألعب وأسافر مثلهم ، لماذا لا أغني مع أبي وجدي ونصتاد السمك ،،
مازال يجلس على شاطيء غزة ينظر الى الشواطيء البعيدة ،،،

ماتت فجر في المستشفي بعد أن ظلت منتظرة كثيراً عند المعبر ، الحمامة كانت لوحتها الأخيرة ،،
قال أحد الأطباء لأمها أن اليورانيوم المخصب هو سبب السرطان الذي أصاب فجر ,,,,

عمر لم يعد يذهب للمدرسة ولا يذاكر دروسه ، أصبح عنيفاً حتى مع أخوته ,,,,,

صيف 2009