الأربعاء، 18 مايو 2011

للأبد



الساعه الرابعه عصراً ، يوم جمعة شتوياً جميلاً والشمس ساطعه الا من بعض السحب المتناثرة التى تعاكس الشمس كل حين ،،،
تجلس علي اريكة خشبية بنية اللون وسط الحديقة العامة ، ويلعب حولها بعض الاطفال ،،،
كانت تجلس وحيدة ، تخطت الستين من عمرها ، تلف الشال الأحمر حول كتفها وصدرها ،بدأت تحس بالبرد سريعاً رغم سطوع الشمس هذا اليوم فأحكمت لف الشال حول رقبتها النحيفه ،،،،
بجوارها حقيبه كبيرة يظهر منها كرة صوف خارج منها ابرتان طويلتان ، اخرجت من الحقيبه بعض البسكويت واعطته لفتاة كانت تجلس وحيدة بالقرب منها ، ثم بدأت في استكمال حياكة الشال الذي لم تنتهي منه منذ اسبوع مضى ،،،،
وقف ينظر حائراً وسط الحديقة يبحث عن السيدة ذات الشال الأحمر ، الى ان اصتدمت به الكرة التى يلعب بها الاطفال ، فألتفت اليها فوجدها جالسه وحيده علي الاريكه ،،،،
كان قد تخطى السبعين عاماً  ويأتي كل يومي أحد وجمعه ليقابل صديقته العجوز ،،،
اقترب منها والقى عليها السلام ، فأبتسمت عندما رأته وزحزحت شنطتها بالقرب منها حتى يجلس بجوارها ،،،
قالت : لقد تأخرت اليوم ، من عادتك دائماً ان تأتي في الساعه الثالثه ،،،
اخرج منديله من جيب بدلته الصوف وسعل لفترة ثم قال : لقد اُصبت أمس بدور برد شديد جعلني استيقظ متعباً ، لكني تحاملت علي نفسي كي أئتي اليكي ،،،،
تنهدت وقالت : واضح عليك الأرهاق وعدم النوم ، هل ابنتك سألت عليك اليوم أم لم تخبرها بمرضك ؟؟
قال : حتى لو اخبرتها ماذا ستفعل ، ستتصل بالخادمه كي ترسلها لي ، لأنها دائما مشغوله مع أولادها ،،،،
هزت رأسها في امتعاض : لا عليك ستصبح علي خير حال مع الصباح ،،،،
نظر الى الشال الذي في يديها : مازلتِ لم تنتهي منه بعد وسينتهى الشتاء قبل ان البسه ، لقد اصبحتي كسوله جدا ،،،،
ضحكت وقالت : وانت ماذا اصبحت ؟؟ لقد اصبحت رجلاً عجوزاً يُقعده دور برد بسيط ،،،،
قال لها وهو يضحك : احكمي لف الشال حول عنقك فمثل من في سننا يصبحون اكثر حساسيه للبرد ،،،
قالت : زرر جاكيت بدلتك جيدا اذن ،،،،،
ابتسم وقال : مازلتي كما انتي تفيضين حناناً وامومه وانوثه ،،،،،
احست بالخجل وقالت : ربما لانني فقدت ابنى في سن مبكرة ولم انجب بعد واصبحت الان وحيدة !!
قال لها : لا لانك مازلتي امرأة لها قلب مليىء بالشباب والحب ،،،،
قالت : لا بل اكثر من ذلك لاني اصبحت عجوز ووحيده ،،،
قال : والى متى ستظلين في خريف وشتاء وحدتك ، الم يأن الاوان لنعبر الى الربيع سوياً وكل منا يؤنس الأخر ؟؟
تنهدت وقالت : لقد جئتني متأخراً ، ظللت انتظرك ايام عمري بأكملها ، والان تجيء في نهاية الخريف وبداية الشتاء كي نبدأ من جديد ،،،
قال : انتى تعلمي كيف كانت  صعبه بعد وفاة زوجتي وبعدها تربيتي لأبنتي ، لكن حتى لو كان الربيع القادم بعد ساعات قليلة، فكفى وحده ونقضيها سوياً ، ان نصبح وحيدين في الربيع فهذا اشد قسوة من الخريف والشتاء  ،،،،،

أتذكرين طفولتنا وأيام صبانا قبل أن نفترق ،،،،
صمتا سوياً وذهبا ببصرهما بعيدا وبعيدا خلف شفق الشمس وشاطيء البحر القريب ،،،،
فتى وفتاة يلعبان سوياً ، يمسكان بأيدي بعضهما ، يجريان ويلعبان بطيارتهما الورقية ، يكحل البحر قدميهما ، ويدفنان أسرراهما تحت رمال الشاطيء فتسحبها أمواج البحر لتغوص بها في أعماقه السحيقه ،،،
الحب والأمل والأمنيات والخيال والأحلام ،،،،،،
الدنيا دائماً تكره تلك المشاعر والأفكار الأنسانيه كأنه وجد في الدنيا كي تعانده ليس أكثر ،،،
ظلا الفتى والفتاة يسيران سوياً في متاهات الدنيا السرمدية ، يضلا الطريق عن بعضهما ويعودان ، يتوهان مرة أخرى ،،،،
أنها كوميديا دانتي ، الألهة الأغريقيه تعبث دائما بفرانشيسكا كلما اقتربت من السعادة تبعدها رياح الشقاء ثم تقربها وتبعدها !!
أخيراً عادا بعد أن التهما الزمان عمر من كانا فتى وفتاة في الماضي ولم يتبقى سوى القليل ،،،،
عادا العجوزان الى صخب الحديقة وضحكات الأطفال وثرثرة النساء ،،،،
نظرت السيدة  الى الشمس وقالت : هيه لقد بدأت الشمس في المغيب ، هل سنصل قبل المغيب ام ستغرب الشمس سريعاً ؟؟؟
ابتسمت لها الطفلة الصغيرة التي كانت تلعب بجوارها ورحلت مع امها ،،،
  ساعدها في لم كرة الصوف وبعض الطعام ووضعه في الحقيبه وقال : مازالت الشمس لم تغيب بعد ،،،،،

اذن هناك وقت دائما حتى ندرك مافاتنا ،،،،
ابتسمت وقالت : ربما !!  لكن يجب ان نتحرك سريعاً قبل أن تفوتنا ،،،،
مسك يدها ومشيا سوياً في الطريق ومازال بعض الاطفال يصيحون ويلعبون حولهما ،،،،،، 



ليست هناك تعليقات: