الثلاثاء، 29 يونيو 2010

السيرك

الصخب شديد اليوم استعداداً للعرض الكبير الذي سيشهد اعداد غفيرة من الجماهير لم يشهد السيرك مثلها من قبل ، مروضة الاسود تعمل بجد بسياطها الكبيرة تضرب وتصرخ في وجه الاسود كي ينفذوا اوامرها ، والاسدين الصغيرين يلوحان بيديهما ليمسكا العصا الطويله ويقفا علي قدميهما امتثالاً لاوامرها ...
والفتيات يتحركن بخفه في كل مكان ويؤدين تمارين الرقص في وسط ساحة السيرك ، وبعضهن في غرف المكياج وتغير الملابس يجلسن امام المرايات المحاطه بمصابيح يضعن الاصباغ والمكياج ،،،،،،
والساحر أو مدير السيرك عصبي المزاج هذا اليوم قلق أن يخرج العرض المنتظر مخيباً للأمال ، فيصرخ بشدة في الجميع ويطالبهم بالاستعداد بقوة مهدداً المتراخي والمتكاسل منهم بعقاب عظيم ،،،،،،
كان رجل شديد القسوة لا يعرف الرحمه ، وجه صارم ذو عينين حادتين ، تعلم اصول السحر في روسيا والهند والصين وورث ادارة السيرك عن أباه الميت منذ سنين ، فكان شبيه أبيه في القسوة والصرامه لا يعرف الا مصلحته وجمع الأموال ،،،،،
كان يجلس علي الارض منطوي علي نفسه ينظر للصخب والزحام حوله بلا مبالاه ، تتزاحم الاصوات وتختلط في اذنه فلا يكاد يفسرها ، ينظر للساحه الدائرية الكبيرة وينظر لقبة السيرك والاحبال الممتده والارجوحات الهوائية المتدليه التي يتدرب عليها بعض الفتيان بملابسهم الضيقه اللامعه ، يسمع زئير الاسود المروضه ويقول لنفسه اهي تئن حزينه سائمة من كل هذا أم هي فرحه منتظره بعض اللحم مكافئة لها علي الطاعه والخنوع ، لعلها تريد الهروب من تلك الاقفاص الحديديه وتنعم بحريتها في غابات ممتده بعيدة المدى ، تلهو كما تشاء وتنام كما تشاء وتنقض علي فرائسها كما تشاء ،،،،،،
 شاباً جميلاً في مقتبل عمره لا يعلم له تاريخ ولا أب ولا أم ، لا يعلم سوى اخاه الأكبر الذي استيقظ في يوماً من الايام لم يجده ولم يعود الى الان ، ليس له في الدنيا سوى هذا الأخ الذي خرج ولم يعد وحبيبته او التي كانت حبيبته !!
مازال جالساً علي الارض ممداً رجليه مطأطأ الرأس حزيناً ، في ليلة كتلك فقد حبيبته ، كانت ليلة لا تنسى افزعت الجمهور واعضاء السيرك جميعاً ، عندما اصر المدير والمدرب ان تقدم نمرتها بدون تأمين كاف حتي تُشعر الجمهور بالاثارة ظناً انها اصبحت ماهرة ومحنكه رغم حداثة سنها وعدم استعدادها لذلك فلم تجروء علي الرفض خوفاً من البطش والعقاب ،،،،
في وسط تأملاته وذكرياته الأليمه استفاق علي صوت الساحر ينهره ويقول له : هاا انت سرحان هنا والجميع يعمل بجد استعداداً للعرض الكبير ، مابالك تجلس هكذا أتود فخامتك ان اقوم ايضاً بخدمتك واقدم لك المشروب البارد هاهاهاهاها ......
يزداد صوته حده وغضب ويقول : قف وانا اكلمك أنسيت نفسك ؟؟ لماذا لا تؤدي التمارين الخاصه بك علي الحبل اظننت نفسك انك فعلا ابرع وامهر من يقفز ويمشي علي الحبل ، ان امهر من في العالم لا ينفكون عن التدريب يومياً للحفاظ على لياقتهم  ، وانت جالس هكذا كالفتاه الضعيفه منتظره من يخدمها ،،،،،،
ينظر له الشاب في ضعف ويقول : انك لا تمل ابداً من السخريه ممن حولك والتجبر عليهم حتي ستفقدهم جميعاً وتظل وحيداً في مملكتك المزعومة والمسماه بالسيرك ، تقف لوحدك في الساحه امام الجمهور تسحرهم بأفانينك وخدعك القديمه ، لكن الحمقى الذين صدقوك في الماضي سيكتشفون تفاهة افعالك عندما تصبح وحيداً او سيملون من عرضك المستمر ، سوف لا تجد من لا يغطى عليك افعالك عندما تضع ذلك السيف الوهمي في الصندوق موحياً ان الفتاة المسكينه مازالت داخله او عندما تخفي الكلب تحت معطفك هاهاهاهاها ، صدقني ستموت وحيداً تحت انقاض مملكتك التافهه هذه ،،،،،،
ينظر له الساحر بعين لامعه صارمه ويرد عليه في هدوء : اااااه الجرو الصغير يتطاول علي سيده ، لقد احس انه كبر واصبح له صوت قوى ينبح به ، نسى اننا ربيناه هو واخيه الهارب بعد ان كانا لقيطين في الشارع كقطين حقيرين يختبئا تحت الاحجار خوفاً وفزعاً من برد الشتاء ، اويناهما واطعمناهما وربيناهما ، الأكبر هرب والأخر يتطاول على سيده ،،،،،،
يقف الشاب ويقول له : ليتنا ظللنا في الشارع بعيداً عنك وعن هذا الذل ، انت تسرق الاطفال وتربيهم وتعلمهم العاب السيرك وتذلهم بأطعامك لهم رغم انهم عندما يكبرون سيصبحون الدجاجات التي يبضن لك الذهب ، فيدرون عليك اضعاف ما صرفته عليهم ، والمساكين عندما تقل عزيمتهم ويكبرن في السن تطردهم كالحيوانات او ربما تطعمهم للاسود الجائعه توفيرا لثمن اللحم ،،،،،
كان يقف خلف الساحر المهرج العجوز بملابسه الملونه وانفه الاحمر المدور وعينيه البيضاء وقبعته الطويله ، يستمع للحوار وخلف تلك الابتسامة المرسومه بالاصباغ الحمراء والخضراء تدمع عينيه فتنزل دموعه تغسل تلك الابتسامه الزائفه فيقول لنفسه : لم يجروء احد منذ سنين طويله ان يتكلم مع الساحر هكذا ، مؤكد سوف يقتله او يضربه بالسياط عقاباً له ، اصمت يابنى لا تودي بنفسك الي التهلكه ،،،،
بدأ يتجمع اللاعبون عندما سمعا صوت الشاب والساحر  ووقفوا ينظرون بدهشه ،،،،
نظر الساحر الى الشاب  وبدأ الغضب يسيطر عليه وقال : احترس فأن لصبري حدود ، وحدود صبري قد تكون اطعامك لأحد تلك الاسود الجائعه فلا تستفزني  اكثر من ذلك !!
يصرخ الشاب وتدمع عيناه ويقول : ليس بعيداً عليك ايها الساحر النبيل ان تفعل بي ذلك ، ففي ليلة مثل هذه تسببت في قتل حبيبتي عندما اجبرتها علي نمرتها المشؤمه وهي علي غير استعداد وبدون تأمين حتي تُشعر جمهورك المتوحش مثلك بالاثارة ، وتجمع انت المال على دماء هؤلاء المساكين  ، سقطت المسكينه من علي الحبل كطائر اصدته انت ببندقيتك ، غرقت في دمائها في وسط هذه الساحه التي نقف عليها ، من سيكون عليه الدور هذه الليله ، من سيصفق له الجمهور ويهتفون له وهو غارق في نفس تلك الدماء ؟؟؟
وينظر علي الجمع حوله من اللاعبين والمهرجين والمدربين ويقول : تكلموا ، انتم من سيكون عليهم الدور تلك الليله ، احدكم  سيسقط او سيكون طعام لتلك الاسود المحبوسه في اقفاصها ، الا تتحركون ؟ الا تنطقون  ؟ اللعنه علي كل انسان تلبسه شيطان كي يسكت عن الحق فأصبح ملعوناً اخرس ،،،،،،
يبكي  المهرج العجوز ويصرخ : لا لا لن نسكت فقد سئمت ذل كل تلك السنين ، انا رجل عجوز ليس في عمره بقية ، لكن انتم الشباب يجب ان يكون مستقبلكم بعيداً بعيداً لا يدنسه ذل واهانه وسكوت ،،،،،،
وبدأ المهرج في خلع ملابسه الملونه المزركشه والقى بقبعته الحمراء الطويله ،،،،،
كان الجمهور قد بدأ يتوافد علي الابواب بكثره منتظر الدخول ،،،،،
اما في السيرك فقد حدث التذمر والعصيان ، مروضة الاسود القت بسياطها ، والفتيات الجميلات ارتدين ملابسهن ، واللاعبين تركوا كُراتهم وادواتهم ،،،،
ووقف الساحر في غضب يصرخ : لا سأقتلكم جميعاً ، سأضربكم بسياطي ، سأطعمكم للاسود ، لا يخرج احدٌ من هنا ، ان هذا السيرك سيستمر لا يستطيع احد ان يهدمه ،،،،،
وقف الساحر  وسط الساحه الدائرية والكل يتحرك حوله ويهرب ، وفُتحت الابواب للجمهور فدخل غاضبا يريد امواله الذي دفعها ، فأنقضوا عليه فسقط صريعاً تحت ارجلهم يدوسون عليه بالاقدام ،،،،،
والاسود في اقفاصها تزئر ، تتحرك بتوتر جيئة وذهاباً تريد ان تقتنص حريتها ،،،،
وتحول السيرك لمشهد عبثي ، من يريد حريته ، ومن يريد المال ، والمهرج يجلس بعيداً يراقب ويضحك ،،،،،،،،

والشاب يخرج لعالم جديد لم يراه من قبل ، ينظر للخلف مرة اخيرة ويرى السيرك المنهار ، فيبتسم ويستكمل سيره في الشارع المقابل لبوابة السيرك ،،،،،،،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لبيكاسو

الأحد، 27 يونيو 2010

مجرد حكايه

مستوحاه من قصة حقيقيه وقعت احداثها في اوائل تسعينيات القرن الماضي ،،،

الساعه وصلت الثامنة مساءً انه موعد حضور الطبيب لبدء اولى الجلسات ، كانت الاخت مازالت تقنعه بأن يقابله هذه المرة وهو يرفض كالعاده ، ويقول لها في هدوء ليس له داع فأنا لست مريضاً كما كنت في الماضي فقد تعلمت واستوعبت التجربة ، لكني أود ان اظل وحيداً معكم ، فالزهد والأختلاء بالنفس ليس مرضاً نفسيا ، وانني اخرج كل حين فلماذا انتم قلقون كل هذا القلق ؟
تنظر له الاخت في حنان وتقول : يا أخي اعتبره صديق فقط وتحدث معه واسمع له فلا يوجد ما تخسره ، انه أتٍ بعد قليل ، اتعدني انك ستجلس معه هذه المرة ؟
يبتسم لها ويقول : عندما يأتي ادخليه الي مكتب أبي وساعديني في ارتداء الساق الصناعية !!
وصل الطبيب بعد ربع ساعة ، وأدخلته ألاخت غرفة المكتب ، وكان الشاب في انتظاره ، يمسك المصحف بيديه السليمه ويقرأ في خشوع ، فألقى عليه الطبيب  السلام واستأذنه للدخول ، فختم الشاب قرأة القران ورحب به وطلب منه الجلوس ....
نظر له الطبيب في بشاشه وقال له : وصلني انك لم تكن تريد مقابلتي الهذا الحد تكره الاطباء أم انك غير واثق في ؟
فأبتسم الشاب وقال : ولماذا اكرهك لا سمح الله ، لكني لست مريضاً كي تعالجني واثق بك تمام الثقه في قدراتك وعلمك ، لكني لا أحتاج الى كل هذا ، كل مافي الامر انني لا اريد ان اتعبك واضيع وقتك ،،،،
فضحك الطبيب وقال له : اعتبرني صديق وليس طبيب ، نتحدث سوياً فقط فليس في هذا ماتخسره وصدقني لا يوجد في الامر مضيعة للوقت لي ولك لعلي انا استفاد منك ، لو اتفقنا علي مبدأ الصداقة فقد نستفاد سوياً ...
لم يجد الشاب بداً من الموافقه وقال : كما تريد ، اتحب ان ابدأ من اين ؟ من الحادث الاول او من الحادث الثاني ؟؟
اخرج الطبيب جهاز التسجيل الصغير وقام بتشغيله  ووضعه بينهما وقال له : ابدأ  من حيث تود انت ،،،،،،،،
كان لا يزال ممسكا بالمصحف بيديه الوحيده  فمد رجله الصناعيه للامام قليلاً كي يستريح اكثر وبدأ حديثه :
انا شاب من اسرة ثرية وبدأت حياتي كطفل مدلل لاسرتي ، كل شيء اطلبه يكون عندي في الحال ، في الصيف نذهب لمصيفنا في اوروبا وفي اجازة نصف العام نذهب للاقصر واسوان ، تعلمت في مدارس اجنبيه ، واستمرت حياتي هكذا بدون منغصات ولا مشاكل فلم اعرف للحياة اي شيء يؤرق بالي او يشعرني بالتعاسه ، كل مشاكلي تقريبا كانت تنحصر انني لم استطيع التعرف علي البنت الفلانية ، او أبي لم يسمح لي بقيادة السيارة لصغر سنى ، وكل هذه المشاكل المرتبطه بالرفاهية الزائدة عن الحد ، فلم اعرف مشاكل غيرها وكان محيط مجتمعي الخاص لا يعطيني الفرصه لكي اعرف مشاكل ومصائب الاخرين ، فأستمرت حياتي علي هذا المنوال الي ان دخلت الجامعه ، ومجرد دخولي الجامعه اهداني ابي السيارة الفارهة لكي تناسب وضعي الجديد ، وكنت فخوراً جدا بنفسي وسط زملائي ، وتخرجت من الجامعه وعملت سريعاً في وظيفه مرموقه ،،،،
الاخت تطلب الاستئذان بالدخول لتقديم القهوة فوضعت الصينيه علي الطاوله الصغيرة وانصرفت سريعاً ،،،،
ابتسم الشاب واستكمل حديثه : وهنا بدأت الحياة تغير وجهها لي ، كان الصيف قد بدأ ، واتفقت انا وصديقاي وكان اعز اصدقائي منذ الطفولة ان نذهب  الويك ايند  الي الشاليه الخاص بي في الغردقه ، ونحن عائدين كنت اقود بسرعه جنونيه كما تعودت فوجدت فجأة شاحنه كبيرة امامي لم اتفاداها فارتطمت بها ، اخر ماسمعته في لحظتها هو صوت الارتطام الشديد ، وبعد ذلك ظلام وسكون تام ، بعد وقت لا ادري كنهه فتحت عيني فوجدت نفسي في المستشفي ورأيت اشكال واشباحاً امامي لا استطيع تمييزها .. احاول ان اسأل عما حدث فأجد نفسي عاجزاً عن الكلام ، احاول ان اشير بيدي فلا اجد غير يد واحده في الشمال ، انظر حولي فأجد امي وابي واختي يبكون بشدة ، اتحسس بيدي بعد قليل علي قدمي فأجد اني فقدت احداهما ،،،،
احاول ان ابكي لا استطيع ، اسمع اشباه كلمات وبكاء فلا استطيع تفسيرها ، علمت ايضاً ان صديقاي قد ماتا قبل وصولنا للمستشفي ،،،،
بعد شهر خرجت من المستشفي واستكملت علاجي في اوروبا في احد المراكز الكبري ، وركبت ساق صناعية متطورة فكانت حركتي طبيعيه جدا ، وعندما عدت اشتريت سيارة وكنت اقودها بشكل عادي ، لقد احسست ان تخطيت ازمتي بنجاح ، لكني كنت واهم ،،،،،،،،،

فبعد قليل بدأت احس بحاله غريبه تنتابني ، اجد نفسي اجلس امام التلفزيون بالساعات الطويله محملقاً لا اكاد اغمض عيني ، لا اريد ان اقابل احد ولا اخرج ولا اتحدث مع امي ولا ابي ولا حتي اختي ، اظل فقط امام التلفزيون وانام امامه واكل فقط القليل دون ان اتحدث ،لقد فسر الاطباء حالتي بأنها حالة اكتئاب حادة ومزمنه ، أتعلم كم استمرت حالتي هكذا ؟؟
اكثر من ثلاث سنوات حاولت فيها الانتحار اكثر من مرة وتحولت لانسان عدواني اغضب من اي شخص يكلمني حتي لو كانت اختي او امي ،،،

الى ان جاء يوماً فزارني ابن عمي وصديقي فوجدني مستبشراً اضحك علي غير العادة فسألني ماذا حدث فقلت له انني رأيت النبي عليه الصلاة والسلام في رؤيه ويطالبني بالصبر ، فاستيقظت من النوم انساناً جديداً مقبلاً علي الحياة ، وانهمرت دموعي واستغفرت الله كثيراً عما ساورني من شكوك في حكمته وإقدامي علي الانتحار ، فتحسنت صحتي النفسية كثيرا وعدت بالتدريج من جديد الي حياتي الطبيعيه ، وفتحت شركة خاصه بي ، ورفضت ان ارتدي يداً صناعية بل كنت اخذ الامر بوضع السخرية والضحك من يدي الغير موجوده ،،،،
كنت في النادي المشترك فيه فرأيتها مع أبيها كانت شديدة الجمال والملائكيه احسست قلبي يخفق بشدة وانا اراها لأول مرة ونحن نتابع تدريب فريق الكرة خلف السياج ، فتعرفت على ابيها وعليها وحدث نوع من الصداقه بيننا واحببتها بشدة ، واحسست بحبها لي ، خفت في اول الامر ان يكون اشفاقاً علي ،،،،

تحدثت مع ابيها في ارتباطي بها وكنت متخوفاً بشدة ان يرفض بسبب ظروفي ، لكني فوجئت بموافقته على الفور ، ففرحت اشد الفرح واقمنا حفل الزفاف سريعاً بعد ان جهزنا عش زواجنا ، عشت اسعد لحظات حياتي ، وبدأت ثمرة زواجنا تنمو في احشائها فكانت حاملاً ،،،
كانت في منتصف الشهر التاسع ، حجزنا في اكبر مستشفي للولاده ، وخرجت انا وهي ذات يوم كي نشتري بعض لوازم المولود ، ولم اجد مكاناً كي اركن سيارتي من الزحام ، فنصحتني زوجتي ان اركن صف ثاني امام المحل ، واذهب انا سريعاً لاحضار الاشياء ، دخلت المحل ونزلت زوجتي تفتح حقيبة السيارة الخلفية استعداداً لوضع المشتريات ،،،،،

فإذا بسيارة مسرعة جداً يقودها شاب متهور تتخطي السيارة التي امامها فيفاجأ بسيارتي الواقفه صف ثان فيضغط علي الفرامل بشدة ليوقفها فلا يستطيع  ،،،،
تسمع حبيبتي صوت الفرامل العنيفه وهي منحنيه علي حقيبة السيارة فتستدير لتري مايحدث فتفاجأ بالسيارة المندفعه نحوها ،،،،
أما انا فقد سمعت اصوات صراخ مجنونه من المارة ، فخرجت لأرى ماحدث فوجدت حلقة من الناس حول سيارتي ، فاخترقتها في لهفه لأطمئن علي زوجتي فلم اجدها داخل السيارة فعدت اخترق الزحام مرة اخرى ابحث عنها .. تخيل انت ماذا وجدت ؟؟
 لا داعي ان اصف لك ما رأيت يكفي ان اقول ان حبيبتي  كانت بين السيارتين هي وطفلي الذي لم يأتي للحياه بعد ،،،،
لن اقول لك اني عدت لرحلة الاكتئاب مرة اخرى والجلوس امام التلفزيون ولم انتظر كلمات الصبر والسلوان من الاخرين فأنا اصبحت صاغراً لله وليس صابراً ،،،،

ولم اكن اريد ان افقد ايماني وبالتالي افقد سلامي النفسي كما حدث في الحادث الاول ،،،
كل مافي الامر اني اصبحت زاهداً في كل شيء وليس لي رغبة في الدنيا ومتاعها ، الان علمت بقسوة معنى تجارب الحياة وصعابها واختبارات الله عز وجل ، واعلم انه يوجد ماهو اصعب من مأساتي ، لكن التجربة كانت قاسية وما اشدها قسوة ....
ابتسم الشاب في اخر حديثه وأغلق جهاز التسجيل ونظر للطبيب وقال :
انها مجرد حكايه يا صديقي ،،،،،،،،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لسلفادور دالي  

الأربعاء، 23 يونيو 2010

الهجرة الي البحر

كانت الأم تجلس علي الارض تصنع بعض الحلوى وتعجنها وتضعها بأشكال مختلفه في صنية أمامها ، والأبنه تقف في الشباك تنظر للأفق البعيد منتظرة حتي تنضج الحلوى التي وُضعت في الفرن  ، وأمها تحدثها ، أحياناً تسمعها وترد عليها وأحياناً اخرى تشرد بذهنها  بعيداً عنها ......
الأم اعناها الزمن والعمل المتواصل بعد ان مات زوجها وترك لها ابنتها طفله ، تحملت هي مسؤليتها ولم تتزوج بعد موته ، تخطيت الخامسه والخمسين من عمرها ، محتفظه ببعض القوه لكنها بتفقدها رويدا كأنها قطرات ماء تتسرب من بين يديها ، منذ قليل من الزمن كانت منتصبه دائما في مشيتها ، ثم بدأ الانحناء والوهن يغزوا صحتها ، وجهها به من امارات الطيبه والوسامة الكثير .....
الأبنه تخطت الخامسه والثلاثون من عمرها جميله مثل أمها لكنها لم تتزوج فمثلها يصعب عليه المشاركه في تجهيز بيت ، او ان تترك امها وحيدة ، فتبدلت احلامها من التوق والرغبة في فارس الاحلام الي الهروب بعيدا تجاه البحر والرمال البيضاء وطيور النورس ،،،،،
عشق البحر هو السلوى والصبر والحلم ، البحر بشمسه الحارقه صيفاً وامواجه العاتيه شتائاً ،،،،
ظلت تنتظر كثيرا هي وامها حتي تدخر المال اللازم لشراء بيتاً صغيرا لهما قريباً من البحر والخروج من تلك البلده الصغيرة الكئيبه التي شهدت معانتهما طوال تلك السنين الغابره ،،،،
ظلت تعمل هي وأمها في صنع الحلوى وبيعها ، وصنع انواع اخري من الطعام للبيوت والدكاكين القليلة الموجوده في القرية ، حتي انتظرت اكتمال المبلغ المنشود ،،،،
كانت تنظر من نافذتها الي الافق البعيد كأنها تستنشق عبير أمواج البحر البعيد ، تتحسس بسمعها اصوات ارتطام الموج بالصخور والشاطيء واصوات النورس المهاجر فوقها ،،،،،
نظرت لها أمها بعد ان فرغت من وضع الحلوى في الصنيتين وقالت : لا تنسي يا بنيتي الحلوى التي بالفرن حتي لا تحترق ، فيجب ان نفرغ من الكمية المطلوبه قبل الصباح بدون خسائر ،،،،،
فالتفتت اليها ومتجهة للفرن وقالت : لا تقلقي يا أماه سوف نفرغ منها جميعاً قبل الصباح ، اعطيني الصنية الاخري حتى اضعها في الفرن ،،،،
جلست الفتاه بجوار امها وظهرها للحائط ونظرت اليها : لقد آن الاوان يا امي ان نستريح ونترك هذه البلده الكئيبه ونذهب الي الشمال حيث البحر والافق الممتد بلا عوائق ولا حدود ، لقد انهكنا التعب والكفاح والوحده ، يُخيل الي انني لا استطيع ان اعيش يوماً واحداً هنا ، لقد مللت وكرهت هذا المكان وتلك الوجوه والجدران والشوارع الرامديه الداكنه ، ونظرات الناس الينا كوحوش كاسرة منتظرة الانقضاض علي فريستها عندما تحين اليها الفرصه في غفلة منا ، انني اعلم اننا عشنا اغلب عمرنا هنا لكنني اعلم ايضاً انها ليست بلدتنا وأن ابي اتي بنا هنا منذ زمن حيث مكان عمله واننا ننتمي لاحدى بلدات الجنوب ، يراودني أحساس انه مكتوب علينا الارتحال دائما واننا ماجئنا الى هنا الا كمرحله انتقاليه للهجرة الى البحر ...
تبتسم الأم ابتسامة خفيفه وهي تفتح الفرن لتلقي نظره علي صينية الحلوى وتقول : اااه يا بنيتي كم انتي جميله ورقيقه واعلم اني جنيت عليكي ، كان لابد ان اسعى منذ زمن حتي قبل وفاة ابيكي ان أحسن من ظروفنا كي احقق لكِ دائما ماتتمنيه ، لكن تركني أبوكي وحيده وانتي طفلة صغيرة لا تتعدي العشر سنوات ، كافحت كفاح مرير كي احافظ عليكي وللاسف اباكي لم يترك لنا الا القليل ، لقد انهكتني الأيام  وطحنتني عجلة الزمن والسنين ، أتاتين بعد هذا العمر وتطلبين ان نذهب لمكان اخر ونعيش في مكان جديد ؟؟
ترفع الأبنه رأسها بعد ان كانت وضعتها بين ركبتيها وهي تستمع لأمها وتقول : وأنا انهكتني الوحدة واتعبني اليأس حتى الموت لقد جعلتني هذه البلده انظر للعالم بشكل غريب وللاشياء بشكل اغرب فالعالم بالنسبة لي غير معقول ، ومهما حاولت ان افهم الأشياء والاحلام التي يجب ان افكر فيها تأكدت من بُعدها عني ولا مبالاتها بمصيري  واقداري واهدافي الخاصه وتأكدت ايضاً من غربتها عني وجهلها بي وانكارها لوجودي ، انني اتوق للحظات فقط احس فيها بحريتي بعيداً عن تلك الجدران وعن هؤلاء الاشخاص انظر لأفق ممتد بعيدا ليس له مدى ولا حدود ، احلق بعيداً كطائر مثل النورس الذي قرأت عنه ، تحرقني رمال الشاطيء الساخنه صيفاً ، وشعري يبتل ويغرق من المطر شتائاً ، اتعرفين النورس يا امي الذي يأتي مهاجرا في الشتاء ؟؟
تضحك الأم وهي تقوم بوضع الحلوى في طبق كبير وتقول : انني أم بسيطه لم اقرأ كثيرا مثلك لكني اعرف الطيور المهاجرة وكثيراً ماكان يحط السمان القادم من الشمال علي سطح بيتنا في بلدتنا القديمه في الجنوب ....
تساعد الأبنه امها وتقول لها في لهفة وحنان : سأجعلك ترين النورس يا أمي يجب ان نرحل غدا ، معنا مايكفينا من المال لشراء بيت صغير على البحر ، ارجوكي يا أماه يجب ان نعيش بقية عمرنا سعداء حتى لو كان باقي من عمرنا يوماً واحداً ، لقد آن لنا ان نسعد ولو قليلاً ....
تقول الأم لابنتها : لا استطيع ان اقف امام سعادتك بعد الان بعد ان كنت دائما انا وظروفنا الحائل بينك وبينها سأفعل ماترين فأنا امرأة كبيرة في السن ، المتبقي لي من العمر ليس كما عشت ابداً ، أما انتي فأمامك الكثير الذي لابد ان تعيشيه كما تودين وتتمنين ، الليله سنجهز اغراضنا وغداً مع شروق الشمس سنرحل الي الشمال ....
عندما انتهيا من تجهيز اغراضهما البسيطه ومع بزوغ الفجر واشراقة شمس الصباح خرجا سوياً تاركين البلدة خلفهما ، الأبنه تنظر خلفها مودعه البيوت القليلة وجدرانها الرماديه الشاحبه التي تحضن اهلها النائمين ، مع كل خطوة تدرك انها تبتعد عن بلدتها القديمه وتصغر في نظريها وتختفي تدريجيا وتحس انها تقترب من البحر ...
اتجها الي الشمال متخذين عربة صغيرة ، لم تكن تفكر في غداً وكيف سيجدا بيتاً جديداً لكنها كانت تفكر في حياة جديدة ممتده لأيام وأيام وليس الى الغد فقط ...
 وصلا  المدينه عند البحر ، كانت الشمس مازالت في اوجها ، بدأت تستنشق ملوحة البحر في انفاسها ، وترى السحب الممتده البعيدة فوق افق البحر اللا محدود ،،،،،،،،
كلما اقتربت تزداد الارض بياضاً بفعل الرمال البيضاء الساخنه ،،،،،،،
وتسمع هدير الموج يعلو صوته رويدا رويدا ....
اخذت امها من يديها واتجها بحاجتهما الي البحر ، خلعت الابنة صندلها الذي تلبسه ،،،،،،،
اتجهت الى البحر تجري وترقص علي الرمال الساخنه التي تحرق قدميها وهي غير مباليه ،،،،،،،
تجري وسط الموج تنظر لأمها وتضحك ،،،،،،
والأم تجلس بجوار حقائبهما  وتبتسم  اليها والى البحر والطيور التي ترفرف حول أبنتها ,,,,,,,,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لسلفادور دالي

الأحد، 20 يونيو 2010

شفيق وولده

وقعت احداث هذه القصة المؤثرة والمأساويه في ستينيات القرن الماضي ، المكان عبارة عن دكان في وسط الشارع عليه يافطه مكتوب عليها صالون المقص الذهبي لصاحبه شفيق السيسي وولده السيسي ومرسوم بجوار الاسم مقص اصفر وتحته س ت اختصارا للسجل التجاري ....
الدكان متوسط الاتساع  مليء بالمرايات في كل جانب يتوسطه علي الحائط برواز خشبي به سورة الفلق وتحته برواز اخر مكتوب فيه الشكك ممنوع والزعل مرفوع ، يوجد كرسي حلاقة مجهز من النوع الهندي الفاخر  امام الكرسي حوض وبه حنفيه وبجوار الحوض رف وضع عليه المقصات وبعض العطور وصابون الشبه ، خلف الكرسي الرئيسي بعض الكراسي الصغيرة للزبائن وبعض المجلات والجرائد ملقاه علي طاوله صغيرة ....
عم شفيق او الاسطى شفيق المزين يعتبر نفسه ملك الحلاقة والزينه في الحي والاحياء المجاورة  بل دائما يحكي بفخر ان صيته منتشر من حي الظاهر للسكاكيني لباب الشعرية وصولا للعتبه وانه كان في شبابه يزين البشوات والبهوات ويجهزهم لليالي عرسهم ....
اسطي شفيق تجاوز الستين عاماً ذو شكل بيضاوى اصلع الرأس الا من بعض شعريات يهذبهم ويلمعهم بالفازلين المخصوص وعنده شارب صغير كل حين يقف امام المراه في الدكان يصففه بعنايه .....
عندما لا يوجد زبون او رأس في يد الاسطى شفيق يجلس بالكرسي خارج الدكان يتناقش مع اصحاب الدكاكين في امور الحياة او يتشاجر  احياناً تارة مع عم خليل الشلقامي البقال او يتناقش في امور السياسة مع حسن افندي الموظف السابق في وزارة المعارف أما متعته فهي البصبصه من خلف الجورنال للبنت فتحية ابنة سيد الطويل صاحب دكان الكشري فهي تقف في فترة النهار تساعد أبيها والبنت شابه وحلوه وعليها قوام يدوخ الباشا كما كان يقول الاسطي شفيق ......
أما ما يعاني منه شفيق في حياته فهي مشكلتين لا حل لهما زوجته السيدة نفيسة نوفل ابو الروس وابنه السيسي ( نوفل ) وقصة مابين القوسين سنأتي لها لاحقاً
كانت السيدة نفيسة ابو الروس  صعبة المراس قوية الشكيمه امرأة حديديه مفتريه لا يقف في وجهها زوج او أبن او جاره ، فستات الحي لا يجرئن علي معارضتها او مشاكستها خوفاً من لسانها وبطشها ، والباعه واصحاب الدكاكين لا احد فيهم يفكر حتي ان يعارضها في سعر او يحاول ان يغشها حتي لا يصيبهم ما أصاب بائع البطيخ عندما ابتاع لها بطيخه قارعه فضربته بالقبقاب وأكلته البطيخه كلها امام الناس ......
اما نوفل او السيسي  فهو شاب كبير الجسم ضعيف الفطنه والذكاء يشبه امه في الشكل فقط لذلك يكرهه أبوه ودائما مايقول له : غور وانت شبه امك ...
عندما وُلد اصر والده ان يسميه علي اسم والده الاسطي السيسي مورث كار الحلاقه لولده شفيق ، واصرت الأم السيدة نفيسه ان تسميه علي اسم ابوها المعلم نوفل الجزار المشهور في المدبح وهنا حدث الصدام وتدخل الاقارب والحكماء لحل هذه المشكله المستعصيه فتم الأجماع علي ان يُكتب الطفل في شهادة الميلاد بأسم نوفل السيسي كأسم مركب ويتم مناداته في البيت بأسم نوفل ولما يكبر يناديه الأب في الدكان بأسم السيسي ، وهكذا شب الطفل مقسم نفسيا مابين نوفل وسيسي ......
 حاول الاسطي شفيق ان يستدرج الابن في كنفه ويعلمه صنعة ابيه واجداده ويعلمه اصول الكار والمهنه كي يرث الدكان ويظل اسم السيسي متواجداً لا ينقرض ، لكن محاولاته بائت بالفشل فنوفل لا يكره في حياته قد المقصات ودكان أبيه فكان يخاف من المقص خوفاً فظيعاً فكان يرى كوابيس عديده ان مقص كبير يطارده ويجري خلفه بطرفيه ويقفز عليه كي يقص رقبته او قدميه ....
وعندما غصب عليه الأب وحاول ان يعلمه كاد ان يتسبب في كوارث عديده ، تارة يقص اذن ذبون او يحدث جرح عميق في الرأس وقرر ابوه ان يعاقبه بالحلاقة الزيرو بالموسى لمدة ستة اشهر ، فكان في المدرسة الأعداديه يعايرونه ويغنون له : يامطره رخي رخي علي قرعة نوفل ابن اختي !!
فتسبب هذا في اذي نفسي للفتى فازداد كرهه لمهنة ابيه ....
فأصبح يذهب فقط للدكان يقوم بأعمال النضافة ونشر البشاكير في الشمس خارج الدكان والأهم ان يبصبص ويعاكس فتحية الطويل ......
كان الأسطي شفيق يحلق لحسن افندي شعر وذقن ومعروف عن الاسطي شفيق انه ثرثار ورغاي ويعرف اسرار كل بيت في الحي من رغيه مع الزبائن ، فكان حسن افندي يحدثه عن مشكلة الواد ابراهيم ابن علي صاحب القهوة وغضب زوجته عند اهلها فقال : والله يا اسطي شفيق حال يحزن البت مصره علي الطلاق من ساعة ماظبطته في البيت مع البت زكيه بياعة الفجل اللهم استر علي وليانا ، والواد حالف بالطلاق مايروح يرجعها لانها ضربته بالشبشب قدام الجيران ، وحياة والدك يا شفيق الكلام ده اسرار ناس ماتطلعش لحد انا بقولك بس لانك راجل حبيبي لان المعلم علي محلفني ماقول لحد
يمسك الاسطى شفيق فرشاة الحلاقة ويقول له : عيب يا حسن افندي ده كلام ماتقولش كده يا راجل المعلم علي حبيبي ومستحيل اطلع اسراره بره ، بس قولي ياتري مرات ابراهيم ليها مؤخر صداق قد ايه ؟ تلاقي الواد ابراهيم مش عايز يطلقها عشان كده مانا عارفه واد نتن واقرع ونزهي ....
يدير حسن افندي خده الايسر للاسطى شفيق ويرد عليه : علمي علمك يا شفيق بس تفسيرك جائز يكون صحيح لان كلام المعلم علي كان بيلمح لكده وخصوصا ان الواد ابراهيم فلاتي ومضيع فلوس ابوه علي المسخرة
يشطف الاسطى شفيق ذقن حسن افندي ويرطبها بصابون الشبه ويقول له : نعيماً يا حسن افندي
يقوم حسن افندي وينفض الشعر من ملابسه ويترك المحل سريعاً بدون ان يدفع اجرة الحلاقة !!
فيقول الاسطى شفيق : الاجرة ياحسن افندي رايح فين
فيرد حسن افندي في عدم اهتمام : يا راجل عيب عليك دي حلاقه تاخد عليها اجره صلي علي ال يشفع فيك ....
فيشتاط غضب الاسطى شفيق : يارب توب علينا من دي زباين
يدخل زبون اخر هو الحج محمود العطار ويطلب ان يساوى الشنب ، فيقول الاسطى شفيق : ياه دنيا عيشنا وشفنا العيال تجيب لاهلها الكفيه وقلة القيمه ...
يرد عليه الحج محمود : خير يا شفيق ؟
فيحكي له قصة ابراهيم ابن علي صاحب القهوة كما حكاها له حسن افندي !!!!!
يذهب نوفل الي دكان الطويل كالمعتاد كي يأكل الكشري وهو غرضه البصبصه ومعاكسة البنت فتحية فيقف أمامها مذهولا مشدوهاً من جمالها وقوامها فكانت تلبس الفستان الضيق القصير ذو الفتحة الكبيرة عند الصدر وهي تقوم بتقليب الارز وبعدها تقليب العدس وتغني اغنيتها المفضله : ماشي ورايا ولا همه وفات عشاني بنات عمه ..حالف عليا احب امه .. والسكر غلي وانا احايله بأيه ...
ونوفل يقف امامها يستمع لرنين صوتها الجميل ويتمني لو كان هو الارز الذي تقلبه او الكبشه الكبيرة التي تمسكها  ...
فنظرت له نظرة لعوب وقالت : يوه يا واد نوفل بتبحلقلي ليه خد طبقك وهوينا ..
يفيق نوفل من غيبوبته ويقول : ااااااااه اديني كمان طبق لابويا وحطي الكماله
تضحك بصوت عالي وتقول له : ماتخفشي ابوك هيرجعك بالطبق وهيجي يأكل هنا
يذهب نوفل بالطبق لأبيه فيمسك الطبق ويقول له : ياد انت هتفضل بهيم طول عمرك جايبلي الكشري بارد هات الطبق هروح انا بنفسي اجيبه ...
تعلق الأب وابنه بفتحيه والفتاه سرقت لبهما  فكل واحد فيهما يفكر فيها ولا ينزل بصره من عليها ، فكل واحد اتخذ قراراً سرياً داخله وهو ان يذهب للفتاه ويطلبها للزواج رغم ان هذا القرار قد يودي بحياة الاسطى شفيق علي يد زوجته لكنه استسلم لازمة منتصف عمره وقرر التمرد علي حياة الذل والخنوع ..
أما نوفل فكان يعلم حب ابيه للفتاه فقرر ان يذهب اليها وحيداً لانه لو فاتح أباه سوف يرفض فيذهب اليها ويعرض الأمر وبعد ذلك يخبر امه ويهدد اباه انه لو رفض سوف يخبر أمه بحبه لفتحيه فتطين عيشته ....
ذهب كل واحد منها الي فتحيه بمفرده يعرض عليها الأمر ويستشف رأيها ، فحددت لهما الميعاد في بيت أبيها وأنها موافقه ....
فذهب الاسطى شفيق في الميعاد في ابهى ملابسه  يحمل معه دستة الجاتوه وصينية البقلاوة والبسبوسه وطلب مقابلة المعلم سيد الطويل ....
وجاء الدور علي نوفل فلبس البدله الحمراء الجديده تحتها القميص الاصفر والحذاء الازرق اللميع واخذ في يده نفس ما اخذ اباه ....
واصتدما ببعضهما عند المعلم الطويل لكن الاسطى قرر ان يكظم غيظه حتي لا تبوظ الليله وقال له في سره : وحياة امك مانا عاتقك انهارده !!
أما الزائر الثالث لبيت المعلم الطويل فكانت السيدة نفيسة ابو الروس فدخلت وجدت زوجها وأبنها فزمجرت وخرج الشرار من عينيها وقالت : جاي تتجوز عليا يا شفيق ؟ 

اول ما رأها وسمع صوتها قال شفيق لأبنه : يا منجي من المهالك يارب ، امك جات ياله بينا ....
وعندما ارادت الفتك به قفز  الاسطى شفيق من الشباك المطل على الشارع واختفى ولا احد يعلم مصيره
أما نوفل فنظر لفتحيه فضحكت وقالت : انا يا خويا مخطوبه لفتحي العجلاتي وبحبه مش هاجي ابص ليك ولأبوك
فأخذ نوفل صنيتين البسبوسه والبقلاوة وذهب ليأكلهم علي القهوة
وقالت السيدة نفيسة لفتحية : متشكرين يا فتحية اردهالك في الافراح يابنتي
فتضحك فتحية وتقول : انتي تؤمري يا خالتي ....
لا احد يعلم أين اختفي الاسطى شفيق السيسي رغم ان السيدة نفيسه قررت الصفح عنه ,,,,,,,,

الخميس، 17 يونيو 2010

مشهد عبثي ( الأشجار المتساقطة )

المكان لا ادري بالفعل اين هو المكان؟ لكنه منزل ريفي وسط الغيطان الزراعية و يحاوطه الكثير من اشجار الكافور والثرو ....
البيت المكون من دورين يملكه المهندس بالمعاش مدكور زكي ، كان يعمل مهندساً بالري ، ليس بالنحيف ولا الثمين ، تجاوز الستين عاماً بخمس سنوات ، شارك في شبابه في حرب اكتوبر وعبر للضفة الشرقية مع الجنود البواسل آن ذاك ، وبعد ان خرج للمعاش ابتعد كثيرا عن صخب المدينه وقرر ان يعيش في هذا البيت الريفي البعيد ،،،،،،
زوجته السيدة فاطمة  ربة منزل متعلمة ، لكنها قررت الاكتفاء بالتعليم وعدم العمل رغبة منها في تربية ابنتهم الوحيدة ، ومن جهه اخرى حبها الشديد للبيت وعدم الالتزام بأي عمل قد لا تستطيع انه تقوم به فهي كسولة بعض الشيء !!
الأبنة هي شريفة مدكور فتاة رقيقه وحالمة ، في منتصف العشرينات ، يعيبها التردد والاندفاع ، لا تستطيع ان تقرر ماتريد ،،،،،
الجده العجوز ضعيفة البصر ، هي ام المهندس مدكور وصلت لارزل العمر تجاوزت الثمانين من عمرها ، ثرثارة جدا وان لم تجد ماتحدثه فأنها تحدث نفسها ، في بعض الاحيان تتحدث بالصدق وفي البعض الاخر بالخزعبلات ،،،،،
الضيف الدائم علي البيت هو الخال الشيخ حلمي ، يؤم المصلين في المسجد المجاور للبيت ، رجل شديد الطيبه لا يلقي بالاً لاي شيء في العالم سوى انها ارادة الله فقط ،،،،

الغرفة الكبيرة في البيت التي دائما ماتجمع كل هؤلاء ، في الواجهه نافذة مطلة علي الارض الزراعية الشاسعة واشجار كثيفه من الكافور والثرو ، بجوار النافذة جهاز راديو قديم معلق علي احد الارفف ،،،
وصالون كبير من الطراز القديم في الناحية اليمنى للغرفة ، أما الناحية اليسرى فهي عبارة عن بعض الاساس الريفي المكون من اريكتين من ذواتا  المساند ، و في المقابل جهاز تلفزيون ، علي الحائط صورة زفاف قديمة بالأبيض والاسود لمدكور وزوجته وصورة اخري لمدكور وهو بالملابس العسكرية وصورة اخري لشريفه وهي طفلة تركب دراجة ،،،،،

تقف شريفه تطل من النافذه وهي تتأمل قطة صغيرة ترضع صغارها ، ازعجها صوت قادم من بعيد من وسط الغيطان يبدو كسقوط اشجار وصوت مناشير كهربائية ، ازداد الصوت عند سقوط شجرة كبيرة فأنزعجت وقالت لأبيها انه صوت سقوط شجرة كبيرة من الذي قد يفعل ذلك ؟
فرد عليها الاب بدون اهتمام : لا تلقي بالاً لهذا ربما احدهم يقوم ببناء بيتاً ......
واستكمل في قلق بعد ان اخذ دواء القولون العصبي : يا الهي كيف اقضي علي هذة الفئران اللعينه التي دائما ماتهاجم مستودع الغلال في البيت ، لقد فعلت معها كل شيء بداية من استخدام المبيدات والسُم حتي اجهزة الصعق ، انها تحاربني بشدة وانا كالعاجز امامها ولا ادري ماذا افعل ......
تجلس السيدة فاطمه وهي تقوم بتنقية الارز امام التلفاز تتابع المسلسلات كالعادة بتركيز واهتمام شديد وفجأة صرخت وقالت : لا هناك حل !!
فيلتفت اليها السيد مدكور في ردة فعل سريعه ويقول لها : ارجوكي ائتني به حالاً ....
لكن يبدو ان زوجته كانت لا تقصده هو فقالت وهي محملقه في التلفزيون : لابد ان يتزوجها اولاً حتي يستطيع ان يضمن حقه في ميراث العائله !!
فنظر لها في حنق وغضب وقال : كم اتمنى ليلغوا هذه المسلسلات التافهه اللعينه !

كانت الجدة العجوز جالسه تصنع القهوة فضحكت وقالت : طالما  يوجد من يذبح الاشجار التي تحيطنا ستهجم الفئران والقوارض الاخرى علي البيت ، وربما تلتهم اساس البيت القديم وتلتهمنا هاهاهاهاهاهاها

كان يصعد درجات السلم الشيخ حلمي بمسبحته الطويله ذات التسع وتسعون حبه وبجلبابه الابيض وعندما دخل القي السلام فردوا عليه جميعا دون ان يتحرك احدٌ من مكانه ، فجلس بجوار مدكور وقال له : امازلت علي قلقك وتوترك المعتاد ؟
ترك مدكور المجلة الزراعية التي كان يقرأ فيها عن كيفية مكافحة الفئران ، خلع نظارته الطبيه ذات السلسلة وقال : لا ادري ماذا افعل ؟ في الصباح دخلت المستودع وجدت الاشولة كلها مقطوعة ووجدت خشب الباب والنافذه مقروض , لقد جن جنوني ، اعلم اني دائما ما اصدعك بهذا فأنت ليس لك ذنب ، لكن انت صديقي ولا اجد احد اشكو له همي وحزني ، لماذا تهاجمني الفئران انا وحدي دوناً عن بقية البيوت ، انها لا تهاجم منزلك يا شيخ حلمي أليس هذا صحيح ؟
الشيخ الضيف ينظر للسماء ثم ينظر الي مسبحته ويقول له : اتركها علي الله كل شيء بيديه  انها مشيئته سأدعو لك الله كي يفرج كربك وهمك .....
في تلك اللحظه كانت شريفة تحدث خطيبها في التليفون وتقول : لا استطيع ان اسافر هذا الاسبوع انني في حالة نفسية سيئة وتصيبني هواجس غريبه وخوف ، اتركني لكي اهدأ قليلاً مع نفسي ....

يزداد صوت المناشير الكهربائية اقتراباً وسقوط الاشجار شجرة تلو شجرة ، كان الامر مجهولاً لاهل البيت او ربما هم لا يفكرون فيه ,,,,

كانت تقف شريفة في النافذه كالمعتاد وتمشط شعرها لكنها لم تستطيع ان تستمر فكان صوت المناشير قوياً والشجر يسقط قريباً من البيت لدرجة أن مع سقوط كل شجرة يهتز البيت معها فصرخت وقالت : البيت سينهد ويقع علينا يا أبي !!
كان الأب يجري خلطة من سُم الفئران القوى قد استنبطه من المجلة الزراعية فرد عليها وقال : كفى مزاح ألا يكفي ما أنا فيه الان ...........
أما الام فكانت امام التلفزيون تبكي لموت احد أبطال المسلسل الذي تشاهده : مات وهو في مقتبل عمره وشبابه يالا حزن امه وحبيبته عليه ........
والجدة جالسه علي الأريكه تضع خدها علي يديها : صدقتي يا ابنتي سيقع البيت علينا قريباً وستأكلنا الفئران وفجأة تبكي بدون سبب محدد ....
كان مدكور يأخذ دواء القولون ويحدث الشيخ حلمي : معقوله يا حلمي انا من حارب وعبر وكنت قائداً يُشار له بالبنان اعجز عن مواجهة الفئران ، اتهزمني تلك الكائنات الحقيرة الدُنيا لقد واجهت العدو بكل قوة وشجاعة وانتصرت عليه ، اقف حائراً هكذا ؟
مازال الشيخ حلمي يسبح بمسبحته فوقف وقال له : كله بأمره انها ارادته هو ، سبحان الله ولا اله الا الله ، سأذهب لأصلي العصر .....
يزداد اقتراب سقوط الأشجار حتي سقطت شجرة عالية شهدتها شريفة من النافذة وصوت المناشير اكثر قوة من ذي قبل ، والبيت يزداد اهتزازاً ...
شريفة تبكي وتقول : يا أبي البيت يبدو انه سيقع علينا الا تري تلك الاهتزازات ؟؟
يجلس مدكور ويقول لها : مازلتي فتاة صغيرة كما انتي لا تكبري ابدا ولا تنضجي ، تخافي من اقل شيء ، ان ماتقولينه هراء كيف لبيت يسقط من سقوط الاشجار او من الفئران كما تقول جدتك لا تصدقي جدتك انها لا تدري ماتقول ، أما الفئران سأنتصر عليها في الغد ....
في اليوم التالي بدأ العمال المجهولون ينشرون الاشجار القريبة من المنزل وسقطت شجرة الثرو القديمه ، فوضعت القطه ابنائها في فمها وذهبت بهم بجوار البيت ، وهربت الفئران من الجحور الموجوده في جذور الشجرة العتيقة  وبجوارها ودخلت علي بيت مدكور ، مع سقوط الشجرة القديمه اهتز البيت بقوة حتي حدث شرخٌ كبير في الجدار الجنوبي للبيت فسقط ، وبدأت الفئران في قرض الاساسات ....
العجوز تضحك وتقول : لقد قلت لكم ستأكلنا الفئران هاهاهاهاها
لكنكم لم تصدقوني وقلتم عجوز حمقاء .........
السيدة فاطمه تركت التلفزيون اخيراً لكن السبب كان في انقطاع كهرباء المنزل بسبب قطع الاسلاك فنظرت حولها وقالت : سأخذ ابنتي واذهب الي بيت اخي سألملم اغراضي حالاً ..........
أما مدكور فأحضر بندقيته القديمه وهبط علي المستودع الذي احتلته الفئران واصبح كالمجنون يطلق عليهم النار حتي سقط عليه احد الجدران الخشبية ......
وخلفه يهرول الشيخ حلمي ويقول : يا الله نجنا من الكرب يا رحيم ......

خرجت شريفة تبكي تبحث عن القطة واطفالها الرضع فوجدتهم بجوار البيت فأخذتهم بعيداً واحتضنتهم ووقفت تنظر للبيت المنهار وابوها الذي يعرج علي قدميه ، وامها تولول بشده ، وخالها يحمل جدتها ويذهبون بعيدا بعيدا ,,,,,,,,,

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لمونيه  
 

الأحد، 13 يونيو 2010

الزائر

المشهد الأول

خرج الشاب مسرعاً من بيته الكبير الفخم ، ممسكاً بحقيبة متوسطة الحجم ، كان الوقت قد قارب علي منتصف الليل ،  يضحك ضحكات هيستيريه ويحدث نفسه بكلام غير مفهوم ، اخرج سيارته ذات الطراز القديم من الجراج الملاصق للبيت الكبير وانطلق ......
البيت وسط الاراضي الزراعيه والغيطان ويبعد عنه بثلاثة اميال شريط السكك الحديديه ، والمطر غزير هذه الليله فقد كانت ليلة شتوية قاسيه يتخللها وميض البرق وهزيم الرعد القاسي ....
كان يقود سيارته بسرعه كبيرة الي ان ضل طريقه بعيداً عن الطريق العموميه ، وفجأة توقفت وتعطلت السيارة وغرزت بشدة في الطين ، حاول ان يعيد دورانها لكنه فشل ، حاول مرة اخري والسيارة تزمجر معلنة العصيان التام ،،،،،،
ضحك مرة اخرى ومسك حقيبته وخرج من السيارة ونظر حوله فما وجد الا ظلام دامس ومطر غزير .....
كان نحيل الجسم في بداية العقد الرابع من عمره ، ظاهرة عليه علامات الثراء والطبقة الاروستقراطية ، ابيض البشرة ذو نظره طفوليه ...
لم يبالي بالوحل الذي كان يمشي فيه ولا المطر الشديد فظل يمشي مخترق الارض الزراعية ، الي ان ظهر في الافق البعيد وسط الضباب ضوء خافت ضئيل ونباح كلب يقترب منه ،،،،،
كان عبارة عن بيت صغير وسط الغيطان ، اخذ يقترب منه ويجري اليه رغم الاعياء الشديد الذي ظهر عليه ، وكلما اقترب بدأت تظهر معالم البيت ، بيت صغير من دورين مبني بالطوب الاحمر ، علي بابه مصباح كهربائي صغير ، مغلق الشبابيك ويتسلل من خلفها بعض الضوء الخافت الضعيف ،،،،
وصل اليه متقطع الانفاس لا يكاد يقوى علي الوقوف والكلب بجواره ينبح بشده لكن بدون ان يهاجمه ،،،،،

المشهد الثاني

 اخذ يطرق علي الباب ، فتحت له سيدة قوية الملامح وصارمه ، يزيد سنها عن الخمسين بخمسة اعوام ، ممتلئة الجسم ومتوسطة الطول لكن ظاهر عليها علامات الفقر المدقع ،،،،،
نظرت له بريبه واحتقار في آن واحد وسألته ماذا يريد وهي تفتح الباب في حذر نصف فتحه ،،،،،،
فأخبرها انه ضل الطريق ومُتعب جداً لانه مشى مسافة طويله ...
فقالت : وماذا تريديني ان افعل لك ؟
فرد عليها في اعياء وهو يبتسم : ابقي عندكم للصباح وسأعطيكم كل ماتريدون من مال !!
دهشت ولمعت عينيها عندما سمعته يتكلم عن المال ، ففتحت الباب واخبرته انه يستطيع الدخول ،،،،،،،،
البيت مكون من أساس بسيط ، طبلية صغيرة مركونه بجوار اريكه من النوع الرخيص والارض مفروشه بأكثر من حصيرة بشكل غير متناسق ، وجهاز تلفزيون قديم علي طاولة صغيرة ،،،،،،،
وغرفتين في الواجهه وحمام صغير ومطبخ يصدر منه ضجيج وابور جاز مازال مشتعلاً ،،،،
كان يجلس ويراقبه هذا الرجل العاجز المشلول علي كرسيه المتحرك ، يلبس جلباباً رثاً وقديماً يستطيع فقط ان يحرك ذراعه اليمني ويتكلم ببطء كلمات متقطعه ، نظر للزائر نظرة عطف لكنه لم يتكلم مطلقاً ،،،،
أما في المطبخ فكانت تقف فتاة ظاهر عليها التوتر والقلق دائماً ، غير جميله علي الأطلاق ، سنها قارب علي منتصف الثلاثينيات ، لم تكن تبالي بالزائر الغريب ولا مهتمه به كأن فيه ما يشغلها ،،،،
دخل الزائر ونظر الي ماحوله واحس بالاشمئزاز والعطف في نفس الوقت ، نظرت له السيدة العجوز وبادرته بالقول في صوت هاديء : كم ستدفع نظير اقامتك عندنا للصباح ؟
فضحك الزائر بعد ان استراح علي الأريكه وقال لها : كما تشائين يا سيدتي فأنا معي نقود كثيرة كثيرة هاهاهاها
دهشت العجوز وقالت ستدفع مائة جنيهاً وسوف تعطيني الأن نصفها وفي الصباح قبل ان تغادر تعطيني النصف الثاني ،،،،،
قال لها : ولما مائة جنيه فقط ؟؟  سأعطيكي مائتين هاهاهاهاها
احست بالريبه والشك وقالت له : احب ان اعلمك انك لو حاولت خداعنا سوف تلقي مالا تحب ، أياك تظن انني وحيدة انا وابنتي وهذا العاجز المشلول ، زوجي رجلٌ قوي وسيأتي بعد قليل ،،،،
ابتسم الزائر وخفف من ضحكه ووضع حقيبته علي الاريكه وفتحها فأذا بها نقود كثيرة فقال لها : ألا ترين كل هذة النقود ، كيف اخدعك اذٍ انني استطيع ان اشتري منكم هذا البيت الخرب حالاً واستطيع ان اعالج هذا العاجز المسكين هاهاهاهاهاها ،،،،
في هذه اللحظه خرجت الفتاة القبيحه من المطبخ ونظرت الي الحقيبه المليئه بالنقود ونظرت لأمها وقالت : من هذا وما هذه النقود ؟
فردت الأم وهي علي هدوئها الصارم : انه عابر سبيل وهذه نقوده وسيبقي معنا الي الصباح حتي يتوقف المطر ، اذهبي واصنعي كوب شاي للزائر قد يحس بالبروده الان وملابسه ايضاً مبتله ،،،،،
رجعت الفتاة الي المطبخ وهي تردد كلمات غير مفهومه .....
نظر الشيخ العاجز الي السيدة العجوز وابتسم وهز رأسه وحرك الكرسي ناحية الشباك موجها نظره بعيداً عنها ،،،،،
اغلق الشاب حقيبة النقود ونظر للسيدة وقال لها :الا استطيع ان ادخل انام ؟
قالت وهي تمسك بكرة الصوف التي كانت بجوارها وابرة الحياكه : انتظر حتي يأتي زوجي انه لن يتأخر ،،،،،
جائت الفتاة بالشاي ووضعته بعصبية علي الطاولة حتي كاد ان ينكب وقالت للزائر : اشرب !!
ضحك الشاب وقال لها : شكرا لكِ ، لم يكن هناك داعي لتعبك هذا ...
لم ترد عليه الفتاة لكنه بادرها بالسؤال : انتي متزوجه أم لا ؟ واضح انك غير متزوجه مادمتِ مقيمه مع امك وابيكي في هذا البيت الحقير اعتقد انها مشكلة مال او من هذا المجنون الذي سيأتي ال هنا كي يراكي من الاصل هاهاهاهاها ،،،،،
فوقفت الفتاة وقالت في غيظ : ومالك انت بزواجي وغير زواجي ارجو ان تبيت ليلتك عندنا في هدوء الا وقد يحدث مالا يحمد عقباه ،،،،،
فنظرت السيدة العجوز للفتاه وقالت في نفس هدوئها : اهدئي يا ابنتي وترفقي بالزائر انه ضيفنا ،،،،
ونظرت للزائر وقالت : ان زوجها خرج يوماً ولم يعد منذ شهور ولم نعلم شيء عنه من وقتها  !!
ارجو منك ان تشرب الشاي وتذهب الي هذه الغرفه كي تستريح ها ،،،،
ضحك الشاب وقال : اعذريني يا سيدتي فأنا لا استطيع التجمل في الحديث ، وهذه مشكلتي دائماً ، ابي يقول عني انني ضعيف ومجنون وامي تقول لي انني فاشل ، قلت مرة لأبي انك ظالم في معاملتك مع الفلاحين في ارضنا فضربني بالكرباج وحبسني هاهاهاهاهاهاها ،،،،،،،،
اليوم اثبت له انني غير ضعيف وفي نفس الوقت اكدت  لأمي فشلي ،،،،
عذرا يا سيدتي وعذرا يا مدام الرجل الذي خرج ولم يعد لا تغضبا مني  ،،،،
سأذهب الان لانام وعندما يأتي زوجك يا سيدتي لا تزعجيني وبلغيه تحياتي هاهاهاهاها ،،،،،
وذهب الي الغرفة التي اشارت له عليها وهو مازال يضحك .....

المشهد الثالث

صوت نباح الكلب مرة اخري،،،،
جاء الزوج بعد ان دخل الزائر الي الغرفه كي ينام بحوالي ساعة ، كان يلبس معطفاً قديماً ومتسخاً ومبللاُ بفعل المطر ، رجل قوى البنية قارب علي الستين من عمره يعمل في كشك التحويله الخاص بالسكك الحديديه والتي تبعد عن بيته بضعة اميال قليله ،  دائما مايضيع نقوده علي الخمر والمخدرات وهذا من اسباب شجاره الدائم مع زوجته ، لكنه ضعيف الشخصية امامها لا يقدر دائما على سطوتها وقوتها ولا يستطيع ان يرفض لها طلباً ، الا ضعفه امام الخمر والمخدرات ....
القى السلام علي زوجته وعلي اخيه العاجز ، فرفع الشيخ العاجز رأسه راداً التحية ورجع الي تأملاته واستغراقه ،،،،
قالت له الزوجة : مواعيد عملك المسائية انتهت منذ ساعات بالتاكيد ذهبت الي نفس المكان الذي تسكر فيه ؟
لكني لم احاسبك الليله لانه يوجد ماهو اهم ....
نظر لها باهتمام وقال وماهو هذا الأهم وماذا يمكن ان يحدث  لحياتنا شيء مهم غير مرور الدائنين في صباح كل يوم ،،،،،
نظرت له بأستخفاف وحكيت له قصة الزائر المجنون ، وبعد ان انتهت قالت له في هدوء وهي تستكمل حياكة الصوف : هل سنتركه يرحل بحقيبة نقوده ؟
قال لها بصوت خافت : وماذا تريدني ان افعل الا يكفي انه سيدفع لنا مائتين جنيه ؟
قالت في تململ : ألا تفهم انني اقول لك أنه مجنون !! ماذا سيفعل بكل هذه النقود ولا نعلم له اسرة ولا بيت ولم يراه احد وهو قادم الينا ؟
 فكر قليلاً ثم قال : اضربه والقه في الخارج ونأخذ النقود ؟
قالت في صوت خافت وفي حده وعصبية : أأنت غبي أم ماذا بك ، نضربه وعندما يفيق يأتي الينا بالبوليس او يذهب لأهله الاقوياء ويأتون ليخلصوا علينا ، أنت ستقتله وتلقه في المصرف المجاور لنا !!
فزع الزوج وقال بصوت عالي : يا الهي اقتله ؟؟ ثم خفض صوته وقال : ايصل الامر للقتل اُنزعت من قلبك الرحمه انه شاب مسكين مريض ، كيف تقولين هذا وهو ضيفنا لقد جننتي جننتي !!
ضحكت الزوجة في خفوت وقالت : ونحن ماذا نكون ؟
اليس نحن مساكين نعيش في العراء وهذا اخيك المشلول الذي اتحمله واتحمل عبئه اليس محتاج للعلاج وابنتك التي قاربت علي الجنون بسبب الفقر وهروب زوجها الجبان اليست تحتاج للنقود كي تؤمن مستقبلها ، انه شاب مجنون اخذ نصيبه من السعادة والرفاهية وجاء الوقت كي نأخذ نحن نصيبنا أم مكتوب علينا التعاسه دائماً ؟
كانت الأبنه تستمع الي امها وهي متوترة وتقرض اظافرها ثم قالت : نعم اقتله يا أبي وناخذ الاموال الكثيرة ونعيش في العاصمة ولن يستطيع احد الوصول الينا ....
كان الشيخ المشلول يستمع لهم لكنه ينظر من خلف الشباك مبتعداً بنظره عنهم وابتسم ابتسامه حزينه وهز رأسه ،،،،،
قال الزوج وهو ينظر للارض : لا لا لا استطيع ، انا اقترفت كثيراً من الذنوب والفواحش لكن الا سفك الدماء !!
نظرت له الزوجه بحزم واصرار وقالت : ستقتله ......

المشهد الرابع

الزائر الشاب مستغرقاً في النوم في غرفة بسيطه بها سرير صغير وسجادة قديمة مفروشه علي الارض وشباك زجاجه مكسور تم استبدال الزجاج بورقة بكرتون ...
يضع حقيبة النقود بجوار السرير ، ويقف الزوج أمامه علي باب الغرفة ينظر اليه وخلفه زوجته والأبنه تمسك حبلاً غليظاً ....
دفعت الزوجه الرجل وقالت له : هيا الان وهو مستغرق في نومه قبل ان يستيقظ واخذت الحبل من بنتها واعطته له وكررت عليه في حده هيا اذهب .....
تقدم الرجل وهو يرتعش ويمسك الحبل ، وبعد ذلك عاد مرة اخرى وقال : لا استطيع
نظرت له العجوز وقالت : ها ،،،،
تقدم مرة اخري من الزائر النائم ونظر له اولاً ، كان الشاب ينام علي بطنه معطياً ظهره له ، فمسك الحبل ولفه حول عنق الزائر بقوة رهيبة ، تحرك الشاب وحاول ان ينفلت من يديه ويضرب برجله ويده لكن وضعيته كانت تصعب عليه الدفاع عن نفسه ، احكم الرجل قبضته بالحبل حول عنقه ، وبدأ الشاب يصدر صوتا يضعف بالتدريج ومقاومه في اخرها الي ان توقف نهائيا وسقط بوجهه موجها ناحية اليسار ولفظ أنفاسه في لحظات ،،،،،
لم يستطع الرجل الوقوف علي قدميه من سرعة ضربات قلبه وانفاسه اللاهثه فجلس علي الارض مذهولاً مما فعل ،،،،
أمرت العجوز ابنتها ان تأتي بملائه كبيرة كي يلفوا بها الشاب فذهبت الابنة علي الفور واتت بها ، وطلبت منها ان تساعدها وقاما بلف الشاب بالملائه ...
وقالت للرجل هي احمله والقه بسرعه في المصرف قبل ان يطلع الصباح ، فقام بدون ان يناقشها وحمله علي كتفه وخرج في وسط المطر والاوحال الطينيه والكلب ينبح بجواره ويتتبعه  ، كان المصرف علي بعد خطوات من البيت وعندما وصل القى الشاب وسريعاً اختفي وذهب به تيار المصرف بأتجاه الشمال ،،،،

كانت العجوز وابنتها في البيت يعدان النقود وعندما انتهيا اغلقا الحقيبه ، وطلبت العجوز من ابنتها ان تخبئها في المطبخ وسط الكراكيب حتي لا يشك احد ولا يراها ....

المشهد الأخير

الليله التاليه بعد قتل الزائر ،،،،

 الوقت متأخرا والساعة تخطت  الواحدة صباحاً ، الزوج ظل علي ذهوله وصمته الي ان ذهب الي عمله وكانت نوبة عمل ليلية حتي الصباح ، كشك التحويله وسط الظلام الا من مصباح ضوئه خافت الي حد ما ، اذرعة التحويلات علي اليمين بجوارها تليفون معلق وجدول ملصق علي الحائط به مواعيد القطارات ، وفي الواجهه مكتب حديد متلصق ومثبت بالارضية ، الزوج وحيداً شارد الذهن قد اخذ لتوه جرعة مخدرات زائده مفعولها لم يعمل بعد ، وقف مترنحاً قليلاً ثم نظر لساعته وسمع جرس انذار القطار القادم فنزل الي الشريط كي يفتح الطريق للقطار ، وعندما انتهي وجد شخصا قادما من بعيد علي شريط السكك الحديديه مخترقاً الضباب فوقف منتظراً ليتعرف علي هذا القادم من بعيد ،،،،،
اقترب منه هذا الشخص فقال له : من انت
فضحك الشخص وقال الا  تعرفني هاهاهاهاهاها
صحيح انك لم تراني ،،،،
لم يكن قد اقترب بعد فنظر الرجل وقال له قل من انت والشخص يضحك ويضحك
والرجل ينظر له والقطار يقترب خلفه لكنه لم يحس به ،،،،
الشخص يقول له : اقترب لا تخف هاهاهاهاها
والقطار يقترب والرجل يمشي بأتجاه الشاب ،،،،،
ومر القطار سريعاً وعندما انتهي كان الشاب مازال يضحك ويضحك  ,,,,,,,,

في البيت كانت العجوز نائمه هي وابنتها ، الشيخ العاجز يتحرك بكرسيه ذاهباً الي المطبخ ، حرك بيده اليمنى الادوات والكراكيب التي تحمي حقيبة النقود حتي ازاحها تماما ...
كان الوابور مازال مشتعلاً اشتعالاً ضعيفا ،،،،
فتح الشيخ الحقيبة ونظر لها وهو يهز رأسه ويبتسم ناظراً للنقود الكثيرة ، وفي هدوء امسك الوابور بيده اليمنى وسكب منه الجاز علي حقيبة النقود وهو يراها تشتعل ويبتسم ، ظلت النار تأكلها وتأكل ما حولها مع كراكيب ،،،،
استيقظت الابنه والعجوز وهما يصرخان ، دخلتا الي المطبخ لكن النار كانت بدأت تنتشر في البيت وكان الشيخ المشلول قد خرج بكرسيه ،،،،
النار اشتعلت بالأبنه والام تحاول ان تطفئها عنها ،،،،،
الفجر بدأ يبزغ والاذان يكبر لله ويوحد الخالق ،،،،،،
تحول البيت الي عروش متفحمه ،،،،،،
العجوز تهذي ،،،،
والابنه لم تخرج بعد ،،،،،
والكلب هرب لينبح بعيداً ،،،،،،
والشيخ المشلول بكرسيه تحت شجرة التوت يراقب من بعيد ،،،،،،،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لبول سيزان  

الجمعة، 11 يونيو 2010

كلمات سبارتكوس الاخيرة

اهداء الي شهيد وضحية الظلم والطغيان
ضحية قياصرة وفراعين كل العصور 
الي كل خالد في هذا الوطن الجريح المقهور وفي انتظار من سيكون عليه الدور 
كلمات سبارتكوس الاخيرة 
للشاعر امل دنقل 

( مزج أوّل ) :
المجد للشيطان .. معبود الرياح
من قال " لا " في وجه من قالوا " نعم "
من علّم الإنسان تمزيق العدم
من قال " لا " .. فلم يمت ,
وظلّ روحا أبديّة الألم !
( مزج ثان ) :
معلّق أنا على مشانق الصباح
و جبهتي – بالموت – محنيّة
لأنّني لم أحنها .. حيّه !
… …
يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
منحدرين في نهاية المساء
في شارع الاسكندر الأكبر :
لا تخجلوا ..و لترفعوا عيونكم إليّ
لأنّكم معلقون جانبي .. على مشانق القيصر
فلترفعوا عيونكم إليّ
لربّما .. إذا التقت عيونكم بالموت في عبنيّ
يبتسم الفناء داخلي .. لأنّكم رفعتم رأسكم .. مرّه !
" سيزيف " لم تعد على أكتافه الصّخره
يحملها الذين يولدون في مخادع الرّقيق
و البحر .. كالصحراء .. لا يروى العطش
لأنّ من يقول " لا " لا يرتوي إلاّ من الدموع !
.. فلترفعوا عيونكم للثائر المشنوق
فسوف تنتهون مثله .. غدا
و قبّلوا زوجاتكم .. هنا .. على قارعة الطريق
فسوف تنتهون ها هنا .. غدا
فالانحناء مرّ ..
و العنكبوت فوق أعناق الرجال ينسج الردى
فقبّلوا زوجاتكم .. إنّي تركت زوجتي بلا وداع
و إن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها بلا ذراع
فعلّموه الانحناء !
علّموه الانحناء !
الله . لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال لا !
و الودعاء الطيّبون ..
هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدى
لأنّهم .. لا يشنقون !
فعلّموه الانحناء ..
و ليس ثمّ من مفر
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد !
وخلف كلّ ثائر يموت : أحزان بلا جدوى ..
و دمعة سدى !
( مزج ثالث ) :
يا قيصر العظيم : قد أخطأت .. إنّي أعترف
دعني
ها أنذا أقبّل الحبل الذي في عنقي يلتف
فهو يداك ، و هو مجدك الذي يجبرنا أن نعبدك
دعني أكفّر عن خطيئتي
أمنحك – بعد ميتتي – جمجمتي
تصوغ منها لك كأسا لشرابك القويّ
.. فان فعلت ما أريد :
إن يسألوك مرّة عن دمي الشهيد
و هل ترى منحتني " الوجود " كي تسلبني " الوجود "
فقل لهم : قد مات .. غير حاقد عليّ
و هذه الكأس – التي كانت عظامها جمجمته –
وثيقة الغفران لي
يا قاتلي : إنّي صفحت عنك ..
في اللّحظة التي استرحت بعدها منّي :
استرحت منك !
لكنّني .. أوصيك إن تشأ شنق الجميع
أن ترحم الشّجر !
لا تقطع الجذوع كي تنصبها مشانقا
لا تقطع الجذوع
فربّما يأتي الربيع
" و العام عام جوع "
فلن تشم في الفروع .. نكهة الثمر !
وربّما يمرّ في بلادنا الصيف الخطر
فتقطع الصحراء . باحثا عن الظلال
فلا ترى سوى الهجير و الرمال و الهجير و الرمال
و الظمأ الناريّ في الضلوع !
يا سيّد الشواهد البيضاء في الدجى ..
يا قيصر الصقيع !
( مزج رابع ) :
يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان في انحناء
منحدرين في نهاية المساء
لا تحلموا بعالم سعيد ..
فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد .
و إن رأيتم في الطريق " هانيبال "
فأخبروه أنّني انتظرته مديّ على أبواب " روما " المجهدة
و انتظرت شيوخ روما – تحت قوس النصر – قاهر الأبطال
و نسوة الرومان بين الزينة المعربدة
ظللن ينتظرن مقدّم الجنود ..
ذوي الرؤوس الأطلسيّة المجعّدة
لكن " هانيبال " ما جاءت جنوده المجنّدة
فأخبروه أنّني انتظرته ..انتظرته ..
لكنّه لم يأت !
و أنّني انتظرته ..حتّى انتهيت في حبال الموت
و في المدى : " قرطاجه " بالنار تحترق
" قرطاجه " كانت ضمير الشمس : قد تعلّمت معنى الركوع
و العنكبوت فوق أعناق الرجال
و الكلمات تختنق
يا اخوتي : قرطاجة العذراء تحترق
فقبّلوا زوجاتكم ،
إنّي تركت زوجتي بلا وداع
و إن رأيتم طفلى الذي تركته على ذراعها .. بلا ذراع
فعلّموه الانحناء ..
علّموه الانحناء ..
علّموه الانحناء ..









الأربعاء، 9 يونيو 2010

بورتريه

وقف حائراً في الاستديو الخاص به او مرسمه الخاص ، كان وحيداً منذ يومين لم يخرج من الاستديو ولم يأكل بعد ، أحس بالجوع لكنه لم يبالي ، كان ينظر الي لوحاته المعلقه وبعضها ملقى في اركان الاستديو ......
المكان عباره عن  شقة صغيرة تطل علي البحر بها غرفة كبيرة في اخرها حامل اللوحات وبجوارها بعض الادوات وعلي الحائط بعض الصور من اعماله الخاصه ولوحات اخرى لكارفاجيو ومونيه ورينوار وفي الجانب الاخر لوحات حزينه لبيكاسو .....
ومطبخ صغير وحمام وغرفه اخرى يوجد بها السرير والمكتبه الخاصه به وجهاز راديو ....
مازلنا في اول يناير والشتاء هذا العام شديد البرودة والغضب ، البرق والرعد والامطار الشديده مازالت تسيطر علي السماء في الخارج والشبابيك تخبط في بعضها مسببه له بعض الازعاج وكل حين يحكم اغلاقها ....
نظر الي اللوحه التي لم تكتمل بعد ، كانت كما هي منذ شهور ، وجه امراة لم يكتمل ، شعر طويل وعينان واسعتان تنظر له وكأنها تحاوره ويحاورها ......
ازاح اللوحه جانباً كالمعتاد عندما لا يستطيع ان يكملها ، وجاء بلوحه بيضاء فارغه كي يبدأ عليها بورتريه جديد ...
لكنه لا يعلم ماذا سيرسم  !!
داخله الكثير من الاسألة يريد ان يجاوب عليها في هذا البورتريه ، لكنه كثيراً مايُصاب بالعجز لا يطاوعه عقله ولا يداه ،،،،،
يحاوطه الماضي والذكريات ، يحاول ان يجعله شيء منظور في اشكال وصور قد لا يفهمها غيره لكن يفهمها هو وحده ،،،،
ينظر عبر عقله للمستقبل الذي مازال يختبيء حول الاستار ، او ضباب يغطي البحر الذي امامه ،،،،،،،،،
أم انه يحدث نفسه اولاً وبعد ذلك يجيب عما داخله في هذا البورتريه المستعصي عليه .....
الحب ، انا احبك اذاً انا المدين لك بكل شيء ،،،،
وان اهرب معك من تفاهة الاشخاص الاخرين ،،،،
البحر الملاذ الاخير من قبح هذا العالم ،،،،
انا لاشيء  !! ،،،،
الحياة كضفيرة الخيط المكونه من الابيض والاسود ،،،،
وقد تنطوي صفحة العمر ولم يؤذن للقلب العليل ان يعرف طعم الراحه وكأن الراحه ترف لا يعرفه البسطاء .....
مسك فرشاته وبدأ يرسم ما بداخله من اسألة واجوبه ،،،،
وجه امرأة صغيرا يأتي من بعيد بجوارها بعض السحب والضباب ....
طفل سعيد  يلعب امام البحر وخلفه امواج عاتيه لم تقترب منه بعد ،،،،
شمس تحاول ان تخترق السحب والضباب ،،،،،
وطيور تبحث عن اعشاشها .....
مزيج من الالوان الازرق والرمادي واشعة برتقاليه تتسلل عبر الالوان الرماديه ،،،
لون احمر دامي مازال يتدرج مع شفق المغيب ....
مازالت الشبابيك ترتطم ببعضها مسببه له الازعاج ذهب كي يحكم اغلاقها ،
وقف ينظر من الشباك مازال المطر مستمراً واغصان الشجر المقابله مباشرة للشباك تهتز بقوة ، نظر من خلال الاوراق والاغصان الي ضوء البرق ، والمطر يتساقط من خلالها ، ظل وقت من الزمن لم يبالي بالهواء البارد لكنه ظل سارحاً ..........
عاد الي لوحته الغير مكتمله ونظر اليها وأمسك فرشاته لكنه لم يستطع بعد
ازاحها جانباً وجاء بلوحه بيضاء كي يبدأ بورتريهاً جديداً ،،،،،،،،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لسلفادور دالي

الجمعة، 4 يونيو 2010

الحلم الطويل 2

عادت في اليوم التالي كما وعدته ، ومعها الكتاب الذي اشترته له منذ يومين ، كانت الساعه قد تخطيت الثامنة مساءً وبدأت حركة الزائرين في المستشفي تخف تدريجياً ، وصلت الي الدور الخامس قسم الحالات الحرجه حيث يرقد ، مشت في ذلك الرواق الأبيض الطويل الممتد ، كانت هناك حركه سريعة للممرضات ربما يوجد مريض يحتاج الي مساعدة عاجله فكانت الخطوات متسارعه مما سرب اليها بعض التوتر والقلق ، فأسرعت من خطواتها حتي وصلت الي غرفته .....
جهاز المكيف كما هو يبعث مزيدا من البرودة في المكان وهو مازال علي ابتسامته التي لم تفارقه منذ ان ذهب في حلمه الطويل ، صوت المونتور واجهزة القياس علي دقاتها المنتظمه ، لكن اليوم عُلقت له بعض المحاليل التي لم تكن موجوده بالأمس ، لم تكن الممرضه المسؤلة عنه في الغرفه فجلست علي كرسيها بجواره وأخرجت الكتاب من حقيبتها ووضعته بجواره علي السرير .......
وحشتني يا حبيب العمر اليوم فرغت سريعاً من اعمال البيت بعد ان عدت من العمل حتى لا اتأخر عليك مرة اخري ،،،،،،،
وجئت اليك بالكتاب الذي كنت تود ان تشتريه ،،،،
ذهبت منذ يومين للمكتبه المفضله لديك في وسط البلد واشتريته انظر انه نسخه جيده ...
أتعلم ؟؟ اليوم حدث شجار بيني وبين أمي كالمعتاد ، انه خطيب اخر يتقدم لي وهي تحاول ان تفرضه علي ،،،،،،
لقد سئمت هذا !! وسئمت الفشل ، انها تصر اني لو لم اقبله ستقل فرصي للارتباط خاصة بعد زواجي الفاشل ،،،،
لكني لم اعد احتمل لقد اصبت بالجنون ، لماذا لا يتركوني في حالي ولماذا لا يتركوني انتظرك !!
ألا يكفيهم ماحدث ليي ولك ؟
لقد سئمت الحياة والأمل فأنت املي الوحيد أما ان تعود لي وأما ان اذهب انا اليك .....
مازال المحلول المعلق يتحرك قطرة قطرة ببطء شديد ودقات قلبه تنبض مع قطرات المحلول بانتظام ومازال مبتسم ,,,,
أمسكت الكتاب وفتحته علي اول صفحة ....
سأبدا لك اليوم قراءة الكتاب كما وعدتك ، اتمني ان تعجبك قراءتي وسامحني لو اخطأت قليلاً !!
فتحت الكتاب علي أول صفحة وسكتت ....
تنهدت ونظرت له ....
وهي تغلق الكتاب قالت لا ليس اليوم!!

لكني ساحكي لك جزء من قصتنا ربما تكون قد نسيتني في عالمك الاخر او اصبحت لا تعرفني ....
لن ابدأ كما بدأت انت عندما تعارفنا لاول مرة وقلت لك ميلادي وقلت لي ميلادك ،،،،
لكني سأتذكر كلماتك لي في مرة عندما قلت اننا قد نولد في الحياة مرة واحدة عندما يتحقق أمل بعيد ، لكن قد نموت مرات ومرات مع كل هزيمة وانكسار لكننا نُبعث من جديد كي نستكمل الرحلة ......
انا ولدت يوم التقيت بك منذ سنوات ، عندما التقينا في المكتبه وكنت ابحث عن كتاب ولم اجده ، فرأيتني محتاره وسألتني ان كنت ابحث عن شيء ، فُدهشت واحسست فيك ان غرضك لم يكن معاكستي  ، فقلت لك ابحث عن كتاب خاص بالادب الاسباني ، فوجدتك سريعاً ارشدتني اليه وبدأ حديثنا وتعارفنا .....
وجدتك مثقفاً وواعياً فاتخذتك معلماً لي في حياتي وتعلقت بك كطفلة تائهة كانت تبحث عن أبيها في الزحام ....
بدأت قصة حبنا كنت انا اميرتك المتوجة علي عرش قلبك ، وكنت انت مُعلمي وطفلي في آن واحد ، تعاهدنا علي الوفاء والحب وبناء شركتنا الي اخر العمر ....
كانت دقات قلبه تزداد قليلاً وقد نقص المحلول الي الثلث رغم تحرك قطراته ببطء
أمسكت يداه اليمني كأنها تريد ان تبعث فيها الدفء ......
كنت انت قد استقررت في عملك وبدأت اعداد حياتك ومستقبلك رغم المتاعب التي كنت تواجهها ، لكنك دائما ماكنت تخبرني انها هي الدنيا ، الله سبحانه قدر لادم الخروج من الجنه كي تعاني ذريته الي يوم البعث وتكون السعادة الدائمة في الجنه فقط ....
الي ان تم الغدر بك من هم المفترض اقرب الناس لك وظُلمت ظلماً شديد وجئتني باكياً وسألتك فقلت لي اتتذكري اخوة يوسف عليه السلام ولم تذكر لي غير ذلك ،،،،
بدأت حياتك تتخبط تبحث هنا وهناك كي تستكمل رحلة البناء التي بدأتها ...
نزلت دموعها فلم تُرد ان تمسحها فتركتها تتساقط كما تتساقط قطرات هذا المحلول الذي يغذيه ....
هنا بدأت اتخلى عنك بعد ضغوط الحياة علي ، لقد تقدم لي ذلك الخطيب الثري وبعد الحاح امي علي قبلته ، بعترف اني قد نظرت للمظهر الفخيم ورأيت فيه المستقبل ونسيتك بكل قسوة ....
اخبرتك بأنهاء علاقتنا وكانت حجتي الظروف فلم تقل لي غير مع تمنياتي بالتوفيق ....
كنت انت تدخل في بداية حلمك الطويل ورحلتك المجهوله نوبات متكرره من الصداع الشديد وعدم توازن بشكل غريب ، وكان الامر سريعا بشكل لم اتصوره فقد دخلت في غيبوبتك الي الان ....
وانا تكشف لي تدريجيا سوء اختياري لانسان بشع كان يتلذذ بتعذيبي واهانتي  وجرحي ،،،،

كأن العقاب لم يمهلني حتي لحظات من السعادة الزائفه ، فكان العقاب مزدوجاً فشلي في حياتي وغيابك عني ...
من وقتها وانا ابحث عنك وانتظرك ان تعود وتنتشلني اعوضك وتعوضني لكنك تأبى ان تعود لهذا العالم البغيض ،،،،
لو كنت نسيتني هل تذكرتني الأن هل عرفتني ؟؟
انا من تخليت عنك وانا الان من اعيش من اجلك أما ان تعود لي وأما ان تأخذني لعالمك الاخر وحلمك الطويل ....
مع انتهاء قطرات المحلول بدأت تمسح دموعها وتركت الكتاب بجواره ...
غداً ياحبيبي سأبدا لك قراءة الكتاب ، سأتي اليك مبكراً ، وقبلت يديه ورأسه واستدعت الممرضه وطالبتها بتغير المحلول وانصرفت بعد تأخر موعد عودتها لبيتها فمشت سريعاً عبر الرواق الأبيض الممتد تسمع وقع قدميها بقوة ...
وهو مازال مبتسماً لها وللعالم اجمع لا يعلم متى سيعود او ربما لا يعود ،،،،
قد يكون عالمه الجديد وحلمه الممتد اجمل واحلي من هذا العالم البغيض
لكن لا يعلم سر عالمه الغامض غيره هو !!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لسلفادور دالي

الثلاثاء، 1 يونيو 2010

الحلم الطويل

وصلت الي الرواق الأبيض الطويل الممتد و علي جانبيه ابواب مغلقه ، كان الهدوء يخيم علي المكان لا تسمع الا اصوات خطواتها واصوات بعض الممرضات يتهامسن في غرفتهم الخاصه ، تمر بجانبها احدى الممرضات في زيها الابيض تحمل جهازا للضغط وتمشي سريعاً .....
وصلت الغرفه التي يرقد فيها ، كان المكيف باردا الي حد ما وصوت المونتور واجهزة رصد نبضات القلب والضغط والاوكسجين تخلق مزيدا من التوتر ، كانت جالسه علي كرسي بجواره احدى الممرضات فلما دخلت استأذنت علي الفور وقالت لها لو احتاجتيني في شيء اضغطي علي الجرس ....
كان غائباً كالمعتاد في غيبوبته الطويله مرسومة علي وجهه تلك الابتسامة التي لم تفارقه منذ ان دخل في رحلته الأزلية منذ شهور ، لا احد يعلم ان كان يدرك ما حوله أم لا ، لكنه قرر تجاهل هذا العالم أم انه في رحلة مجهوله لا يعلمها الا الله وهو ولا احد يعلم كيف ستنتهي هذه الرحلة ..........
جلست بجواره علي كرسيها الخاص نظرت اليه وبدأت حديثها معه ،،،،،،،
اعذرني يا حبيبي لقد تأخرت عليك اليوم ، كنت في العمل واشتريت بعض احتياجات البيت اعلم انك انتظرتني كثيرا لكني اعتذر اليك وارجو ان تسامحني ......
أتعلم ؟ وقفت في المطبخ وصنعت تلك المكرونة والبيتزا التي تحبها كم اود لو تأكل منها!!
اتتذكر عندما كنت تخبرني اننا عندما نكون في بيتنا سوف تجعلني اطبخها لك بأستمرار ،،،،،
بكيت بشدة حتي سألتني امي عن سبب بكائي لكني لم استطيع ان اخبرها....
متي ستأتي كي اصنع لك ما تحب ,,,,,,,
حبيبي أعلم اني قسوت عليك كثيرا وأعلم اني ضيعتك مني لكن هل من سبيل للغفران
هل من سبيل للعودة ؟
لا اعلم من اضاع الثاني لكنك الان في رحلتك المجهوله لا اعلم منذ سنين ام منذ شهور لم استطيع ان اعد الايام والشهور من بعد ان تركتني .......
اتسمعني ؟
لا اعلم سر ابتسامتك اهي صفح وغفران ام استهزاء من العالم ام وداع ام هي سر كأبتسامة الموناليزا ،،،،،
كنت تقول لي ان ابتسامتي احلي من ابتسامة الموناليزا !!
وانا اقول لك ان ابتسامتك محيرة و اكثر غموضا  من ابتسامة الموناليزا ......
امسكت يديه بكلتا يديها وضغطت عليها بشدة فزادت دقات قلبه في جهاز المونيتور وهو مازال علي ابتسامته !!
كنت تحتملني كأنني طفلة تدللها وتستمتع بذلك وكنت انا اتمادي كي انعم واغرق في حنانك ،،،،،
سامحني عندما ضيعتك مني لم استطيع ان احميك واحمي نفسي ،،،،
لكنك وعدتني انك لن تعاقبني ابدا وها انت تُخلف وعدك وتعاقبني بقسوة ,,,,,,,
اخرجت صورا من حقيبتها الصغيرة ومسحت دموعها .........
انظر ياحب عمري أعلم انك دائما كنت تُحب صورنا والصور التي اخذتها لي ....
هذه عندما كنا علي الشاطيء في الشتاء وكانت تمطر علينا وجرينا سوياً واصررت ان تصورني تحت المطر ،،،،
قلت لك لا سأكون علي غير جمالي المعتاد ......
فضحكت وقلت لي ستكونين اجمل النساء تحت المطر ....
انظر لهذه عندما كنا سوياً في القلعة وطلبت من احد الاطفال ان يصورنا وعلمته كيف يقوم بالتصوير ،،،،
أتعرف حاولت ان اقطع كل تلك الصور حتي لا اتعذب لكني لم استطيع خفت لتحزن وتغضب مني ,,,,,
عندما ذهبت في حلمك الطويل وبدأ مرضك في درجاته المتاخره كنت انا يالا حسرتي بعيده عنك وبدأت انت رحلتك المجهوله وحلمك الطويل ، دعوت الله ان اكون معك وانام بجوارك في هذه الغرفة ، قد اكون في نفس الحلم وفي نفس الرحلة المجهوله قد اترك عالمي القبيح واكون معك في عالمك الجميل .....
لكني ضيعتك في واقعي ودنيتي وانت بين يدي فكيف اجدك وانت في حلمك الطويل ؟؟
حبيبي لقد قال لي الطبيب انه قد يكون هناك أمل ان تعود لكنه أكد لي انه كلما مر الوقت الامل في العودة ضئيل هل هذا صحيح اخبرني وقل لا !!
لماذا لا تصحو الان حتي ولو لحظات تقول انك سامحتني وانك تحبني .....
امسكت يديه ووضعت يديها الاخري علي شعره ....
لو لم تسمعني فقد تحس بي بلمساتي أمازلت لا تحس بي وتغفر لي ...
بالأمس اشتريت لك الكتاب الذي اخبرتني انك سوف تشتريه ، كنت سأقره لك اليوم لكني نسيته !!
وعدتني انك انت الذي ستقرأ لي وخلفت وعدك معي ،،،،
لن أسامحك لو لم توفي بوعودك لي !!
اه لو تعلم كم اتعذب لقد اصبحت طفلة حمقاء وللعجب اصبحت عجوز خِرفه
اعيش الماضي وفقدت الحاضر والمستقبل ،،،،،
انت ذهبت في حلمك وغيبوبتك ،،،،،
وانا ضعت في يقظتي وجنوني ،،،،
الا آن الاوان ان نلتقي في طريق تنتشلني وتأخذني في حلمك الطويل ،،،،
أم اسحبك بيديا من اعماق ذلك الحلم المجهول ،،،،
حبيبي ألم تشتاق لي كنت اغيب عنك ليوم وتشتاق لي كطفل تائه من احضان ام رؤوم ،،،،،،،،،
وانت الان غائب عني منذ زمن لم احدده بعد ومازلت تبتسم لي ،،،،،،
وقفت وتمشيت قليلا في الغرفة بدأت تحس بالبرودة المنبعثه من جهاز المكيف ونظرت من الشباك المطل علي حديقة المستشفي ولفت يديها علي صدرها وكتفيها ....
انني في اشد الاحتياج لتدفئني لقد عشت شتائا وبردا طويلا منذ ان تركتني لعالمك المجهول ،،،،،،،
لا اعلم الي متى سيمتد هذا الشتاء والي متى سأحتمل ؟
رجعت مرة اخرى اليه ولملمت الصور الملقاه علي صدره ووضعتها في حقيبتها الصغيرة ..
سأتي اليك غداً مبكراً باذن الله الا تريد مني شيء ياحبيبي ؟؟؟
نظرت له ومسحت دموعها واستدعت الممرضه وطلبت منها ان تخفف من برودة جهاز المكيف ...
وخرجت عبر الرواق الابيض الطويل لا تسمع غير اصوات الاجهزة الالكترونية وبعض همسات الممرضات وصوت قدميها .....
وهو مازال مبتسماً لها وللعالم اجمع لا يعلم متى سيعود او ربما لا يعود
قد يكون عالمه الجديد وحلمه الممتد اجمل واحلي من هذا العالم البغيض
لكن لا يعلم سر عالمه الغامض غيره هو !!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لسلفادور دالي