الأحد، 27 يونيو 2010

مجرد حكايه

مستوحاه من قصة حقيقيه وقعت احداثها في اوائل تسعينيات القرن الماضي ،،،

الساعه وصلت الثامنة مساءً انه موعد حضور الطبيب لبدء اولى الجلسات ، كانت الاخت مازالت تقنعه بأن يقابله هذه المرة وهو يرفض كالعاده ، ويقول لها في هدوء ليس له داع فأنا لست مريضاً كما كنت في الماضي فقد تعلمت واستوعبت التجربة ، لكني أود ان اظل وحيداً معكم ، فالزهد والأختلاء بالنفس ليس مرضاً نفسيا ، وانني اخرج كل حين فلماذا انتم قلقون كل هذا القلق ؟
تنظر له الاخت في حنان وتقول : يا أخي اعتبره صديق فقط وتحدث معه واسمع له فلا يوجد ما تخسره ، انه أتٍ بعد قليل ، اتعدني انك ستجلس معه هذه المرة ؟
يبتسم لها ويقول : عندما يأتي ادخليه الي مكتب أبي وساعديني في ارتداء الساق الصناعية !!
وصل الطبيب بعد ربع ساعة ، وأدخلته ألاخت غرفة المكتب ، وكان الشاب في انتظاره ، يمسك المصحف بيديه السليمه ويقرأ في خشوع ، فألقى عليه الطبيب  السلام واستأذنه للدخول ، فختم الشاب قرأة القران ورحب به وطلب منه الجلوس ....
نظر له الطبيب في بشاشه وقال له : وصلني انك لم تكن تريد مقابلتي الهذا الحد تكره الاطباء أم انك غير واثق في ؟
فأبتسم الشاب وقال : ولماذا اكرهك لا سمح الله ، لكني لست مريضاً كي تعالجني واثق بك تمام الثقه في قدراتك وعلمك ، لكني لا أحتاج الى كل هذا ، كل مافي الامر انني لا اريد ان اتعبك واضيع وقتك ،،،،
فضحك الطبيب وقال له : اعتبرني صديق وليس طبيب ، نتحدث سوياً فقط فليس في هذا ماتخسره وصدقني لا يوجد في الامر مضيعة للوقت لي ولك لعلي انا استفاد منك ، لو اتفقنا علي مبدأ الصداقة فقد نستفاد سوياً ...
لم يجد الشاب بداً من الموافقه وقال : كما تريد ، اتحب ان ابدأ من اين ؟ من الحادث الاول او من الحادث الثاني ؟؟
اخرج الطبيب جهاز التسجيل الصغير وقام بتشغيله  ووضعه بينهما وقال له : ابدأ  من حيث تود انت ،،،،،،،،
كان لا يزال ممسكا بالمصحف بيديه الوحيده  فمد رجله الصناعيه للامام قليلاً كي يستريح اكثر وبدأ حديثه :
انا شاب من اسرة ثرية وبدأت حياتي كطفل مدلل لاسرتي ، كل شيء اطلبه يكون عندي في الحال ، في الصيف نذهب لمصيفنا في اوروبا وفي اجازة نصف العام نذهب للاقصر واسوان ، تعلمت في مدارس اجنبيه ، واستمرت حياتي هكذا بدون منغصات ولا مشاكل فلم اعرف للحياة اي شيء يؤرق بالي او يشعرني بالتعاسه ، كل مشاكلي تقريبا كانت تنحصر انني لم استطيع التعرف علي البنت الفلانية ، او أبي لم يسمح لي بقيادة السيارة لصغر سنى ، وكل هذه المشاكل المرتبطه بالرفاهية الزائدة عن الحد ، فلم اعرف مشاكل غيرها وكان محيط مجتمعي الخاص لا يعطيني الفرصه لكي اعرف مشاكل ومصائب الاخرين ، فأستمرت حياتي علي هذا المنوال الي ان دخلت الجامعه ، ومجرد دخولي الجامعه اهداني ابي السيارة الفارهة لكي تناسب وضعي الجديد ، وكنت فخوراً جدا بنفسي وسط زملائي ، وتخرجت من الجامعه وعملت سريعاً في وظيفه مرموقه ،،،،
الاخت تطلب الاستئذان بالدخول لتقديم القهوة فوضعت الصينيه علي الطاوله الصغيرة وانصرفت سريعاً ،،،،
ابتسم الشاب واستكمل حديثه : وهنا بدأت الحياة تغير وجهها لي ، كان الصيف قد بدأ ، واتفقت انا وصديقاي وكان اعز اصدقائي منذ الطفولة ان نذهب  الويك ايند  الي الشاليه الخاص بي في الغردقه ، ونحن عائدين كنت اقود بسرعه جنونيه كما تعودت فوجدت فجأة شاحنه كبيرة امامي لم اتفاداها فارتطمت بها ، اخر ماسمعته في لحظتها هو صوت الارتطام الشديد ، وبعد ذلك ظلام وسكون تام ، بعد وقت لا ادري كنهه فتحت عيني فوجدت نفسي في المستشفي ورأيت اشكال واشباحاً امامي لا استطيع تمييزها .. احاول ان اسأل عما حدث فأجد نفسي عاجزاً عن الكلام ، احاول ان اشير بيدي فلا اجد غير يد واحده في الشمال ، انظر حولي فأجد امي وابي واختي يبكون بشدة ، اتحسس بيدي بعد قليل علي قدمي فأجد اني فقدت احداهما ،،،،
احاول ان ابكي لا استطيع ، اسمع اشباه كلمات وبكاء فلا استطيع تفسيرها ، علمت ايضاً ان صديقاي قد ماتا قبل وصولنا للمستشفي ،،،،
بعد شهر خرجت من المستشفي واستكملت علاجي في اوروبا في احد المراكز الكبري ، وركبت ساق صناعية متطورة فكانت حركتي طبيعيه جدا ، وعندما عدت اشتريت سيارة وكنت اقودها بشكل عادي ، لقد احسست ان تخطيت ازمتي بنجاح ، لكني كنت واهم ،،،،،،،،،

فبعد قليل بدأت احس بحاله غريبه تنتابني ، اجد نفسي اجلس امام التلفزيون بالساعات الطويله محملقاً لا اكاد اغمض عيني ، لا اريد ان اقابل احد ولا اخرج ولا اتحدث مع امي ولا ابي ولا حتي اختي ، اظل فقط امام التلفزيون وانام امامه واكل فقط القليل دون ان اتحدث ،لقد فسر الاطباء حالتي بأنها حالة اكتئاب حادة ومزمنه ، أتعلم كم استمرت حالتي هكذا ؟؟
اكثر من ثلاث سنوات حاولت فيها الانتحار اكثر من مرة وتحولت لانسان عدواني اغضب من اي شخص يكلمني حتي لو كانت اختي او امي ،،،

الى ان جاء يوماً فزارني ابن عمي وصديقي فوجدني مستبشراً اضحك علي غير العادة فسألني ماذا حدث فقلت له انني رأيت النبي عليه الصلاة والسلام في رؤيه ويطالبني بالصبر ، فاستيقظت من النوم انساناً جديداً مقبلاً علي الحياة ، وانهمرت دموعي واستغفرت الله كثيراً عما ساورني من شكوك في حكمته وإقدامي علي الانتحار ، فتحسنت صحتي النفسية كثيرا وعدت بالتدريج من جديد الي حياتي الطبيعيه ، وفتحت شركة خاصه بي ، ورفضت ان ارتدي يداً صناعية بل كنت اخذ الامر بوضع السخرية والضحك من يدي الغير موجوده ،،،،
كنت في النادي المشترك فيه فرأيتها مع أبيها كانت شديدة الجمال والملائكيه احسست قلبي يخفق بشدة وانا اراها لأول مرة ونحن نتابع تدريب فريق الكرة خلف السياج ، فتعرفت على ابيها وعليها وحدث نوع من الصداقه بيننا واحببتها بشدة ، واحسست بحبها لي ، خفت في اول الامر ان يكون اشفاقاً علي ،،،،

تحدثت مع ابيها في ارتباطي بها وكنت متخوفاً بشدة ان يرفض بسبب ظروفي ، لكني فوجئت بموافقته على الفور ، ففرحت اشد الفرح واقمنا حفل الزفاف سريعاً بعد ان جهزنا عش زواجنا ، عشت اسعد لحظات حياتي ، وبدأت ثمرة زواجنا تنمو في احشائها فكانت حاملاً ،،،
كانت في منتصف الشهر التاسع ، حجزنا في اكبر مستشفي للولاده ، وخرجت انا وهي ذات يوم كي نشتري بعض لوازم المولود ، ولم اجد مكاناً كي اركن سيارتي من الزحام ، فنصحتني زوجتي ان اركن صف ثاني امام المحل ، واذهب انا سريعاً لاحضار الاشياء ، دخلت المحل ونزلت زوجتي تفتح حقيبة السيارة الخلفية استعداداً لوضع المشتريات ،،،،،

فإذا بسيارة مسرعة جداً يقودها شاب متهور تتخطي السيارة التي امامها فيفاجأ بسيارتي الواقفه صف ثان فيضغط علي الفرامل بشدة ليوقفها فلا يستطيع  ،،،،
تسمع حبيبتي صوت الفرامل العنيفه وهي منحنيه علي حقيبة السيارة فتستدير لتري مايحدث فتفاجأ بالسيارة المندفعه نحوها ،،،،
أما انا فقد سمعت اصوات صراخ مجنونه من المارة ، فخرجت لأرى ماحدث فوجدت حلقة من الناس حول سيارتي ، فاخترقتها في لهفه لأطمئن علي زوجتي فلم اجدها داخل السيارة فعدت اخترق الزحام مرة اخرى ابحث عنها .. تخيل انت ماذا وجدت ؟؟
 لا داعي ان اصف لك ما رأيت يكفي ان اقول ان حبيبتي  كانت بين السيارتين هي وطفلي الذي لم يأتي للحياه بعد ،،،،
لن اقول لك اني عدت لرحلة الاكتئاب مرة اخرى والجلوس امام التلفزيون ولم انتظر كلمات الصبر والسلوان من الاخرين فأنا اصبحت صاغراً لله وليس صابراً ،،،،

ولم اكن اريد ان افقد ايماني وبالتالي افقد سلامي النفسي كما حدث في الحادث الاول ،،،
كل مافي الامر اني اصبحت زاهداً في كل شيء وليس لي رغبة في الدنيا ومتاعها ، الان علمت بقسوة معنى تجارب الحياة وصعابها واختبارات الله عز وجل ، واعلم انه يوجد ماهو اصعب من مأساتي ، لكن التجربة كانت قاسية وما اشدها قسوة ....
ابتسم الشاب في اخر حديثه وأغلق جهاز التسجيل ونظر للطبيب وقال :
انها مجرد حكايه يا صديقي ،،،،،،،،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لسلفادور دالي  

ليست هناك تعليقات: