الثلاثاء، 29 يونيو 2010

السيرك

الصخب شديد اليوم استعداداً للعرض الكبير الذي سيشهد اعداد غفيرة من الجماهير لم يشهد السيرك مثلها من قبل ، مروضة الاسود تعمل بجد بسياطها الكبيرة تضرب وتصرخ في وجه الاسود كي ينفذوا اوامرها ، والاسدين الصغيرين يلوحان بيديهما ليمسكا العصا الطويله ويقفا علي قدميهما امتثالاً لاوامرها ...
والفتيات يتحركن بخفه في كل مكان ويؤدين تمارين الرقص في وسط ساحة السيرك ، وبعضهن في غرف المكياج وتغير الملابس يجلسن امام المرايات المحاطه بمصابيح يضعن الاصباغ والمكياج ،،،،،،
والساحر أو مدير السيرك عصبي المزاج هذا اليوم قلق أن يخرج العرض المنتظر مخيباً للأمال ، فيصرخ بشدة في الجميع ويطالبهم بالاستعداد بقوة مهدداً المتراخي والمتكاسل منهم بعقاب عظيم ،،،،،،
كان رجل شديد القسوة لا يعرف الرحمه ، وجه صارم ذو عينين حادتين ، تعلم اصول السحر في روسيا والهند والصين وورث ادارة السيرك عن أباه الميت منذ سنين ، فكان شبيه أبيه في القسوة والصرامه لا يعرف الا مصلحته وجمع الأموال ،،،،،
كان يجلس علي الارض منطوي علي نفسه ينظر للصخب والزحام حوله بلا مبالاه ، تتزاحم الاصوات وتختلط في اذنه فلا يكاد يفسرها ، ينظر للساحه الدائرية الكبيرة وينظر لقبة السيرك والاحبال الممتده والارجوحات الهوائية المتدليه التي يتدرب عليها بعض الفتيان بملابسهم الضيقه اللامعه ، يسمع زئير الاسود المروضه ويقول لنفسه اهي تئن حزينه سائمة من كل هذا أم هي فرحه منتظره بعض اللحم مكافئة لها علي الطاعه والخنوع ، لعلها تريد الهروب من تلك الاقفاص الحديديه وتنعم بحريتها في غابات ممتده بعيدة المدى ، تلهو كما تشاء وتنام كما تشاء وتنقض علي فرائسها كما تشاء ،،،،،،
 شاباً جميلاً في مقتبل عمره لا يعلم له تاريخ ولا أب ولا أم ، لا يعلم سوى اخاه الأكبر الذي استيقظ في يوماً من الايام لم يجده ولم يعود الى الان ، ليس له في الدنيا سوى هذا الأخ الذي خرج ولم يعد وحبيبته او التي كانت حبيبته !!
مازال جالساً علي الارض ممداً رجليه مطأطأ الرأس حزيناً ، في ليلة كتلك فقد حبيبته ، كانت ليلة لا تنسى افزعت الجمهور واعضاء السيرك جميعاً ، عندما اصر المدير والمدرب ان تقدم نمرتها بدون تأمين كاف حتي تُشعر الجمهور بالاثارة ظناً انها اصبحت ماهرة ومحنكه رغم حداثة سنها وعدم استعدادها لذلك فلم تجروء علي الرفض خوفاً من البطش والعقاب ،،،،
في وسط تأملاته وذكرياته الأليمه استفاق علي صوت الساحر ينهره ويقول له : هاا انت سرحان هنا والجميع يعمل بجد استعداداً للعرض الكبير ، مابالك تجلس هكذا أتود فخامتك ان اقوم ايضاً بخدمتك واقدم لك المشروب البارد هاهاهاهاها ......
يزداد صوته حده وغضب ويقول : قف وانا اكلمك أنسيت نفسك ؟؟ لماذا لا تؤدي التمارين الخاصه بك علي الحبل اظننت نفسك انك فعلا ابرع وامهر من يقفز ويمشي علي الحبل ، ان امهر من في العالم لا ينفكون عن التدريب يومياً للحفاظ على لياقتهم  ، وانت جالس هكذا كالفتاه الضعيفه منتظره من يخدمها ،،،،،،
ينظر له الشاب في ضعف ويقول : انك لا تمل ابداً من السخريه ممن حولك والتجبر عليهم حتي ستفقدهم جميعاً وتظل وحيداً في مملكتك المزعومة والمسماه بالسيرك ، تقف لوحدك في الساحه امام الجمهور تسحرهم بأفانينك وخدعك القديمه ، لكن الحمقى الذين صدقوك في الماضي سيكتشفون تفاهة افعالك عندما تصبح وحيداً او سيملون من عرضك المستمر ، سوف لا تجد من لا يغطى عليك افعالك عندما تضع ذلك السيف الوهمي في الصندوق موحياً ان الفتاة المسكينه مازالت داخله او عندما تخفي الكلب تحت معطفك هاهاهاهاها ، صدقني ستموت وحيداً تحت انقاض مملكتك التافهه هذه ،،،،،،
ينظر له الساحر بعين لامعه صارمه ويرد عليه في هدوء : اااااه الجرو الصغير يتطاول علي سيده ، لقد احس انه كبر واصبح له صوت قوى ينبح به ، نسى اننا ربيناه هو واخيه الهارب بعد ان كانا لقيطين في الشارع كقطين حقيرين يختبئا تحت الاحجار خوفاً وفزعاً من برد الشتاء ، اويناهما واطعمناهما وربيناهما ، الأكبر هرب والأخر يتطاول على سيده ،،،،،،
يقف الشاب ويقول له : ليتنا ظللنا في الشارع بعيداً عنك وعن هذا الذل ، انت تسرق الاطفال وتربيهم وتعلمهم العاب السيرك وتذلهم بأطعامك لهم رغم انهم عندما يكبرون سيصبحون الدجاجات التي يبضن لك الذهب ، فيدرون عليك اضعاف ما صرفته عليهم ، والمساكين عندما تقل عزيمتهم ويكبرن في السن تطردهم كالحيوانات او ربما تطعمهم للاسود الجائعه توفيرا لثمن اللحم ،،،،،
كان يقف خلف الساحر المهرج العجوز بملابسه الملونه وانفه الاحمر المدور وعينيه البيضاء وقبعته الطويله ، يستمع للحوار وخلف تلك الابتسامة المرسومه بالاصباغ الحمراء والخضراء تدمع عينيه فتنزل دموعه تغسل تلك الابتسامه الزائفه فيقول لنفسه : لم يجروء احد منذ سنين طويله ان يتكلم مع الساحر هكذا ، مؤكد سوف يقتله او يضربه بالسياط عقاباً له ، اصمت يابنى لا تودي بنفسك الي التهلكه ،،،،
بدأ يتجمع اللاعبون عندما سمعا صوت الشاب والساحر  ووقفوا ينظرون بدهشه ،،،،
نظر الساحر الى الشاب  وبدأ الغضب يسيطر عليه وقال : احترس فأن لصبري حدود ، وحدود صبري قد تكون اطعامك لأحد تلك الاسود الجائعه فلا تستفزني  اكثر من ذلك !!
يصرخ الشاب وتدمع عيناه ويقول : ليس بعيداً عليك ايها الساحر النبيل ان تفعل بي ذلك ، ففي ليلة مثل هذه تسببت في قتل حبيبتي عندما اجبرتها علي نمرتها المشؤمه وهي علي غير استعداد وبدون تأمين حتي تُشعر جمهورك المتوحش مثلك بالاثارة ، وتجمع انت المال على دماء هؤلاء المساكين  ، سقطت المسكينه من علي الحبل كطائر اصدته انت ببندقيتك ، غرقت في دمائها في وسط هذه الساحه التي نقف عليها ، من سيكون عليه الدور هذه الليله ، من سيصفق له الجمهور ويهتفون له وهو غارق في نفس تلك الدماء ؟؟؟
وينظر علي الجمع حوله من اللاعبين والمهرجين والمدربين ويقول : تكلموا ، انتم من سيكون عليهم الدور تلك الليله ، احدكم  سيسقط او سيكون طعام لتلك الاسود المحبوسه في اقفاصها ، الا تتحركون ؟ الا تنطقون  ؟ اللعنه علي كل انسان تلبسه شيطان كي يسكت عن الحق فأصبح ملعوناً اخرس ،،،،،،
يبكي  المهرج العجوز ويصرخ : لا لا لن نسكت فقد سئمت ذل كل تلك السنين ، انا رجل عجوز ليس في عمره بقية ، لكن انتم الشباب يجب ان يكون مستقبلكم بعيداً بعيداً لا يدنسه ذل واهانه وسكوت ،،،،،،
وبدأ المهرج في خلع ملابسه الملونه المزركشه والقى بقبعته الحمراء الطويله ،،،،،
كان الجمهور قد بدأ يتوافد علي الابواب بكثره منتظر الدخول ،،،،،
اما في السيرك فقد حدث التذمر والعصيان ، مروضة الاسود القت بسياطها ، والفتيات الجميلات ارتدين ملابسهن ، واللاعبين تركوا كُراتهم وادواتهم ،،،،
ووقف الساحر في غضب يصرخ : لا سأقتلكم جميعاً ، سأضربكم بسياطي ، سأطعمكم للاسود ، لا يخرج احدٌ من هنا ، ان هذا السيرك سيستمر لا يستطيع احد ان يهدمه ،،،،،
وقف الساحر  وسط الساحه الدائرية والكل يتحرك حوله ويهرب ، وفُتحت الابواب للجمهور فدخل غاضبا يريد امواله الذي دفعها ، فأنقضوا عليه فسقط صريعاً تحت ارجلهم يدوسون عليه بالاقدام ،،،،،
والاسود في اقفاصها تزئر ، تتحرك بتوتر جيئة وذهاباً تريد ان تقتنص حريتها ،،،،
وتحول السيرك لمشهد عبثي ، من يريد حريته ، ومن يريد المال ، والمهرج يجلس بعيداً يراقب ويضحك ،،،،،،،،

والشاب يخرج لعالم جديد لم يراه من قبل ، ينظر للخلف مرة اخيرة ويرى السيرك المنهار ، فيبتسم ويستكمل سيره في الشارع المقابل لبوابة السيرك ،،،،،،،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لبيكاسو

هناك تعليقان (2):

eman said يقول...

قرأت بعض من محاولاتك القصصية فأسرت لى بموهبة فطرية ..وقدرة جيدة على السرد ...ولكنها بحاجة للكثير من القراءة والثقل الأدبى ..تمنياتى بالتوفيق ..مع وعد بالمتابعة وقراءة باقى التدوينات

Unknown يقول...

الف شكر علي اطرائك وعلي متابعة مدونتي البسيطه والوليده
يكفيني اشادتك واعجابك
دي محاولات بسيطه مني للتعبير عبر القصه القصيرة فيما يخصني وما يدور حولي
بحاول اني ارتقي في الاسلوب لكنه يحتاج وقت
ان شاء الله احاول اقدم افضل من ذلك
شكرا جداا علي تعليقك وعلي متابعتك