الخميس، 1 يوليو 2010

حوار عقلاني

حان الان وقت تشغيل الاضائه الخافته  ، قد قاربت الساعه الان علي السابعه مساءً ، تقوم الادارة عادة بتشغيل الاضائه الهادئه حتى يسترخي النزلاء ويستعدون للنوم بعد فترة قليلة ...
غرفة متسعة جدا في اخرها جهاز تلفزيون وحوله بعض المقاعد ، علي اليمين النوافذ مفتوحه لكنها محاطه بالحديد وبعضها تحجبه الستائر والبعض الاخر لا ، فيدخل من خلال النوافذ ضوء القمر لكنه باهت نوعاً ما لا يستطيع التغلب علي الاضائه رغم خفوتها ، في الوسط طاولتين او ثلاثه يجلس حولها بعض النزلاء اثنان يلعبان الشطرنج واخران يلعبان الطاوله ....
تحت اخر نافذه يجلس السيد كريم تحت ضوء القمر لا يتحدث مع احد ، يظل فقط جالساً يتأمل السماء وحديقة المستشفي يستمع لصوت نباح الكلاب القادم من بعيد لكنه يهز صمت الليل ، وصوت صرصور الحقل يثرثر باستمرار ، وهو لا يفعل شيئاً سوا هز رجله في حركه مستمرة لا تتوقف ابداً ....
كان قد اكمل الخمسين عاماً منذ شهور يلبس نظارة طبيه وشعر ذقنه مازال طويلاً لا يهتم ابداً بحلاقتها الا اذا قامت احدى الممرضات بحلقها له ....
يأتي اليه السيد جمال  يجر كرسي علي الارض يصدر صريراً مزعجاً ويجلس بجوار السيد كريم ، فلا ينظر اليه كالعاده ويظل ناظراً متأملاً في الحديقة خارج المستشفي ...
كان السيد جمال في نفس عمر السيد كريم لكنه ثرثاراً كثير الكلام ، شديد العناية بأناقته وكثير التحرش بالممرضات ، مفتخراً دائما بشبابه وقوته فهو كان ظابطاً ذو رتبه عاليه في البوليس  ، لذلك كان شديد الزهو بنفسه وايضاً شديد الغضب ...
نظر للسيد كريم وقال : لقد سئمت نباح تلك الكلاب المزعجه لماذا يتركونها هكذا تزعجنا طوال الليل ، اذكر انني يوماً قتلت بنفسي كلباً من كلاب الحراسة في فيلتي  لانه  ازعجني في تلك الليلة ولم استطع النوم ، فأخذت مسدسي ونزلت الي حديقة المنزل وصوبته اليه واطلقت عليه الرصاص ...
كان السيد كريم يستمع اليه وهو يهز رجله بسرعه مشبكاً يديه ، ينظر له قليلاً ويتأمل مره اخرى السماء فلا احد يعلم ان كان يستمع لكلامه ام لا ؟؟
يستمر السيد جمال في الثرثره ويقول : لماذا لا تخبرنا عن سبب وجودك هنا ؟ لعلك اصيبت بالشيزوفرينيا كما يقولون او الوسواس القهري الحاد او ابنائك هم من أتوا بك الى هنا حتي يتخلصوا من اعبائك ، ليتك تزوجت ولم تفعل مثلي  ....
انا عندما خرجت من الخدمه وذهب سلطاني ادراج الرياح اول من تخلى عني زوجتي وابنائي رغم انني سبب الثراء الذي هم فيه الان من اراضي وعقارات ومناصب حكومية ، ثم هز رأسه وقال : كنت صاحب رتبة كبيرة كما تعلم ...
لكني عندما خرجت من الخدمه ازدادت عصبيتي فلم يتحملوها فأتوا بي الي هنا ولا يأتون حتي لزيارتي ...
أم انه عقاب ؟ كثيراً ما أتخيل هذا ، لقد فعلت بعض الاخطاء البسيطه اثناء خدمتي قتلت شاباً او اثنين ربما ثلاثه لكنهم يستحقوا ذلك فكانوا ارهابين اااااه كانوا يستحقوا المحاكمه لكن تلك الفترة التي قضيتها في الصعيد كانت لا تتحمل ذلك ، كنا نقتل الشبان ولا ندري أكانوا فلاحين ام ارهابين ، كنا اشبه بجنود المارينز يحاربون في فيتنام ، لكن لا اظن انني  اُعاقب لهذا السبب ، قد يكون بسبب قتلي للكلب في حديقة منزلي هاهاهاهاهاهاها
ينظر له السيد كريم ثم اشاح بوجهه بعيداً عنه وهدأ من اهتزاز رجليه ...
يقف السيد جمال وينظر له ويقول : سأذهب لألعب الشطرنج ولو بقيت مستيقظاً سأتي اليك بعد قليل ...
ثم اخذ الكرسي يجره ثانية مسبباً نفس الصرير المزعج ....
ذهب السيد جمال ليلعب الشطرنج مع ذلك الشاب الوسيم ادهم ، كان ادهم في اواخر الثلاثنيات من عمره وسيم الوجه يدل وجهه علي البرائه والطيبه وكان يحب الكلام مع اي شخص ويحكي عما داخله بسرعه ..
رحب بالسيد جمال وقال له : لا اتذكر من منا كان فائزاً المرة السابقة ، لكن مش مهم ننسى الذي مضى ونبدأ من جديد هاهاهاهاها
يقوم السيد جمال بوضع قطع الشطرنج في مكانها ويختار القطع ذات اللون الاسود ويعطي للشاب القطع ذات اللون الابيض ...

ثم ينظر له ويضحك : دائماً انا افوز ألا تتذكر ذلك !! ربما انا انتصر دائماً ليس بسبب ذكائي ، لكنه قد يكون بسبب خوف المنهزمين ، لو واتتهم الشجاعه وعدم الخوف ربما انتصروا ، علمونا زمان ان نجعل خصومنا تحت ضغط الخوف والفزع ، فلا يجد حتى سبيل للتفكير غير للخلاص بنفسه ، ودائما انا تصرفت من هذا المنطلق ,,,
ثم يصمت قليلاً ويقول للشاب الصغير : مابالك اليوم مبسوطاً ضاحكاً ، بالأمس ولمدة ثلاثة ايام مضت كنت عصبياً مهتاجاً وتعرضت للحقن المهدئه كثيراً ؟
يصمت الشاب قليلاً ويقول : لا ادري ماذا حدث لكنها ظلت مسيطرة علي افكاري لم استطع طردها من مخيلتي ، انها زوجتي لعنها الله ، عندما تأتيني في افكاري اتخيل ضعفي وذلي امامها وكيف سرقت اموالي واستغلت غبائي ومنعت عني طفلتي بسبب نفوذ أبيها ، انني انا الملام بسبب ضعفي وخنوعي ، ليتني قتلتها في تلك الليله !! عندما انقذوها من تحت يدي كانت تلفظ انفاسها الأخيره لكن لم يسعفني الوقت ...
يحرك السيد جمال قطعة من قطع الشطرنج ويضحك بصوت عالي : هاهاهاهاها انها نفس الحركه كل مرة افعلها فيك كش ملك .....
يقول الشاب : ودائما ابدأ من اول وجديد ....
يأخذ السيد جمال كرسيه ويجره بالقرب من جهاز التلفزيون مسبباً الصرير نفسه ويجلس بجوار السيد عصمت ،،،،
كان السيد عصمت رجل عجوز تجاوز الستين عاماً او قارب علي الخامسه والستين اكثر مايفعله هو مشاهدة التلفاز والمسلسلات فلا يبرحها الا في اوقات الاكل والنوم ...
فنظر له السيد جمال وقال : اهلا يا والدي امازلت لا تعلم بعد سبب وجود السيد كريم هنا ؟؟ ، انك اخبرتني بالأمس انك ستتحدث مع ذلك الطبيب قريبك هااا ماذا قال لك ؟
يضع السيد عصمت جهاز الريموت جانباً ويقول في صوت خافت : اخبرني الطبيب فعلاً في الصباح لكن لا تخبر احداً  بذلك، انه دكتور جامعي قدم بحثاً كبيراً لوزارة التعليم العالي عن تكنولوجيا جديده للبناء والاستغناء عن حديد التسليح وهذه التكنولوجيا ستوفر الأموال بشكل كبير في البناء وتخفض اسعار العقارات والشقق السكنيه في المستقبل  ، فرفضوا البحث واتهموه بالعته هاهاهاهاهاها
يضحك السيد جمال ويقول بصوت عالي : هااااا كما توقعت رجلٌ معتوه وأبله هاهاهاهاها
دخل الممرض المناوب وأمر الجميع بالتوجه لغرف النوم وقام بغلق الانوار بالتدريج ...
فتحرك السيد كريم من مكانه في هدوء وعندما وصل الي باب الغرفه نظر للسيد جمال وابتسم ، ثم وجه له لكمه قوية بقبضة يديه ، فسقط الرجل على الارض وتجمع طاقم التمريض حول السيد جمال ...
نظف الرجل نظارته الطبيه وذهب الي غرفته في هدوء وسكينه واطمئنان ،،،،،،،،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لمونيه

هناك تعليقان (2):

eman said يقول...

استطراد سردى قوى ...وفكرة الحوار مع الذات أيضا واضحة ...ولكن حذارى من امرين ..
اولا..السرد المباشر باستمرار للأحداث .
وثانيا ..الأخطاء الإملائية .
...
مع تحياتى

Unknown يقول...

اشكرك علي المتابعه
فكرة الحوار المباشر هنا هو اظهار نماذج بشريه معينه في حوار مع شخص واحد يتنقل بينهم
اصراره علي تمسكه بكرسيه شيء رمزي نابع من تاريخه الوظيفي واحداثه ازعاج للناس دائما بهذا المنصب والكرسي
شخصين يتعاطف معهم القاريء وشخصية كريهه

الاخطاء الاملائيه اعتذر عنها لاني بكتب التدوينه عادة ولا اراجعها الا بعد نشرها

الف شكر علي ملاحظاتك القيمة