الجمعة، 9 يوليو 2010

لم يُستدل علي العنوان



صعد لسطح البيت كالمعتاد قبل الفجر بقليل  وجلس علي الدكه المجاوره لأعشاش الحمام التي يعتني بها ، وعندما شاهده القط جاء مسرعاً وجلس بجواره ..
كان اعتاد في وحدته بعد وفاة زوجته وهجرة ابنه منذ زمن بعيد ان يقوم بتلك الطقوس ولا يغيرها مطلقاً ..
وصل للرابعه والستين من عمره وبدأت الوحده تنهش قلبه واصبح عبداً للانتظار  ، انتظار ابنه من الغربه التي طالت كي يؤنسه فيما تبقى من عمره ...
يظل جالساً علي الدكه ينظر للمدينة الكبيرة التي تعج بأحزانها وأفراحها ، يستقبل ندى الفجر وهو يشرب الشاي وحوله اضواء لوحات الاعلانات الكبيرة تضيء وتنطفىء والسيارات مسرعة في الشوارع والكباري لا يدري من أين والى أين ذاهبه ؟؟
يصلي الفجر بجوار اعشاش الحمام ، ثم يتدثر بمعطفه ويدخن سيجاراً منتظراً الصباح ، يشغل جهاز الراديو الصغير فيأتيه بأخبار الصباح ، ثم يضع الحبوب للحمام ويغير لهم الماء ثم يضع بعض اللبن لصديقه القط ...
يخرج من سطح البيت ويستدعى المصعد القديم ، بدأت الحركه تزداد في العقار ، اب يخرج مع طفليه وهم بزي المدرسة ، بائع اللبن يصعد سريعاً علي السلم والبواب يوزع الجريده امام كل شقه ....
يصل الي بيته في الدور السادس ويفتح الباب ، يضع زجاجة اللبن في المطبخ وكوب الشاي الفارغ الا من بقايا قليلة من الشاي الجاف ...
يقوم بتجهيز اداوت الصيد ويضعها في حقيبته المصنوعه من القماش ، يضع  الراديو  وبكرة الخيط وزجاجة مياه وعلبة السجائر وبعض السنار الصغير والغاطس المعدني ...
يأخذ طريقه ماراً في ميدان التحرير وسط الزحام متجهاً الى دكان الفول والطعمية في اول شارع القصر العيني يفطر اولاً ويقرأ الجريدة ثم يتجه الى اسفل كوبري قصر النيل ...
يلقى السلام علي اصحاب المراكب النيليه ويجلس بجوارهم منتظراً رزقه من النيل في صبر تام ...
عادة لو اصتاد سمكة او اثنين يوزعهم علي ابناء المراكبيه !!
يعود الي بيته متخذاً نفس الطريق ، يمر علي بواب العمارة ويطلب منه ان يأتيه بالغداء ، كانت زوجة البواب هي من تصنع له الغداء يوميا ً وتنظف له البيت كل اسبوعان مقابل مبلغ من المال ..
يجلس في وسط الصاله المكونه من اساس قديم ، علي الحائط في المقابل اعلى التلفزيون صورة لزوجته الراحله وصورة لأبنه وهو في الثانوية العامه ...
أخرج دفتر الورق والقلم ولبس نظارته الطبية وبدأ في كتابة خطاب أخر ...
أبني الحبيب بعد التحية والقبلات , لقد اشتقت اليك كثيراً ، لا أدري كم عدد الخطابات التي ارسلتها اليك ولم ترد علي ، أود ان اطمئن عليك وعلى زوجتك وطفلتك الصغيرة ربما الان اصبحت كبيرة  ، لم يأتيني خطاب منك منذ زمن بعيد ، أنني في حالة صعبه الأن ..................................
والدك . نهاية الخطاب
بعد ان يضع الخطاب في الظرف الخاص به يذهب بنفسه في صباح اليوم التالي الي مكتب البريد ويرسله بنفسه .
يصعد في اخر النهار الي سطح البيت ويُخرج الحمام من اعشاشه ويطلقه في السماء ، يدور الحمام في السماء وهو يلوح له بالعلم الأحمر ، يأتي القط مسرعاً فيضع له الطعام ....
وعندما يأتي الغروب ويغيب الشفق يأتي الحمام الى اعشاشه فيتأكد من ان جمعيها قد دخلت العُش فيغلق عليها ، ويهبط مرة اخرى الي بيته .....
قبل الفجر يستيقظ يلبس دثاره ويذهب الى مطبخه يصنع الشاي ويأتي بزجاجة الحليب ويصعد الي السطح ..
يجلس علي دكته ويضع الحليب للقط ويظل متأملاً في العالم حوله والناس خلف تلك النوافذ المغلقه
منعكساً علي وجه اضواء اللوحات الاعلانية تتضيء وتنطفيء ....
أتى ساعى البريد وظل يطرق علي الباب فلم يرد عليه احد كانت الساعه قد قاربت علي التاسعه
نادى البواب فأخبره ان احد لا يرد عليه وترك معه حزمة جوابات مردودة لصحابها ومكتوباً عليها لم يستدل علي العنوان ، وطلب من البواب ان يستلمها ...
صعد البواب الي سطح البيت فوجد الرجل علي الدكه ملفوفاً في دثاره والقط راقضاً اسفل قدميه
قام بتحريكه فلم يرد ...
لقد ذهب  بعيداً بعيداً ،،،،،،،،،،،،،
 

هناك تعليقان (2):

eman said يقول...

لديك موهبة خاصة فى امتلاك أدواتك كقاص..ملكات التناغم والتكامل بين عناصر القصة القصيرة "من مكان وزمان وسرد للأحداث..ووصف للأشخاص ..وخلق جو السلاسة فى التنقل بين تلك العناصر " هذه الملكات تتجلى من خلالها موهبة فطرية ..ولكن هناك عنصر جوهرى ..(هو لب الحدوتة فى نظرى )..موجود بالفعل فى أغلب كتاباتك ألا وهو "العقدة ..الجوهر ..المشكلة .."كلها مسميات متعددة لمضمون واحد..
موجودة كما ذكرت ..ولكنها مألوفة ..متوقعة ..القصة التى تخطفنى كقارئ لم تكتب بعد ..ومع هذه الموهبة أتوقع قراءتها قريبا ..فقط استمر فى القراءة قبل الكتابة..وستجد هذه القصة التى
ستكون بداية نضج أدبى ونقطة تحول فى حياتك .مع تمنياتى بالتوفيق .

Unknown يقول...

اشكر حضرتك جدا علي هذا الكلام فهو كثير علي ,,
انا فقط احاول اجتهد واخرج ماداخلي من افكار ومشاعر في صورة خواطر وقصص قصيرة ولي بعض التجارب مع القصص الروائية الطويله لكني لا استطيع ان انشرها
في الأرشيف في بعض التجارب المختلفه ارجو من حضرتك ان تلقي نظرة عليها
مثال : ثلاث ليالي وحديث المساء وليس اليوم وربما غدا وحديث الصباح وجيران لكن ظرفاء
اختلف مع حضرتك في وصف اغلب قصصي انها متوقعه بالعكس فهي غير مألوفه لاني امزج الاحداث الواقعية بمشاعر داخليه انهيها كما احس واريد مع العلم ان القصه القصيرة هي عبارة عن حاله في المقام الاول وليست كالقصص الروائية الطويلة التي تحتاج احداث طويله ونهايات معينه
ابسط تشبيه للقصص التي اكتبها انها اقرب للمدرسة العبثية مثال مسرحيات جيمس سوندرز وصمويل بيكت وهوارد بينتر وبعض اعمال ماركيز ..
لكني احاول التنويع مابين هذا وذاك من قصه خفيفه الي التراجيدي المأساوي الي العبثيه او حتى العاطفيه
اتمنى من حضرتك الاطلاع علي التجارب الاخرى في ارشيف المدونة لمعرفة رأيك
وشكرا جدا علي متابعة مدونتي الصغيرة