الخميس، 28 يوليو 2011

الوجه الباسم



عن قصة واقعية دارت أحداثها في القاهرة في تسعينيات القرن الماضي ،،،،،

لم يعد يدري بما يدور حوله في المحل الكبير للأدوات الكهربائية ، ارفف كثيرة ترتص عليها كافة أنواع البضاعة ، يراها بوهن وعدم وضوح ، كانت عايناه تغرقهما الدموع كلما أحس أن تلك البضاعة والتجارة هي السبب ، كثيرا ما اراد أن يحطمها لكنه تذكر أنها ليست ملكه لوحده وانها يشاركه فيها أمه واخواته البنات ،،،،
أمر العاملين بالرحيل وجلس وحيداً على مكتبه أمامه الفواتير وبعض الأوراق التي أصبح لا يعيرها أي اهتمام ،،،،
ترأى له ذلك الوجه المبتسم في ضعف وأرهاق ،  ينظر له بنفس الأبتسامة الضعيفة ، أبتسامة لم تتغير منذ سنوات ،،،،،
أخرج الأوراق من درج مكتبه وأمسك قلمه وقرر أن يحاكي تلك الأوراق بعما يؤرقه ويمزق قلبه وأحشائه ،،،،،
نجلس جميعاً في غرفة المعيشة الكبيرة ، الحزن والوجوم يخيم علينا ، أمي تبكي وأخواتي البنات يبكين معها وأخي الاصغر أبن السبع سنوات يجلس بجوار أمي لا يدرك مايحدث ،،،
كنت في ذلك الحين حصلت على الثانويه العامة وانتظر دخول الجامعة الى أن مات أبي ،،،،
جلسوا جميعاً وعيونهم معلقة بي ، من سيقود سفينة العائلة بعد وفاة أبي ، من سيقف في المحل ويتحمل مسؤلية الأم والبنتين والفتى الصغير ؟؟ ،،،،
كان يجب أن أضحي بحلمي بدخول الجامعة وأن اتفرغ للتجارة ، فنظرت لهم جميعاً وقلت : من الغد سأفتح المحل وسأعمل بالتجارة ، كان ردي هذا يقابله الأرتياح والشعور بالانقاذ من المصير المجهول ،،،،،
بدأت عملي في المحل وانا اشعر بالضيق والحقد على زملائي الذين يعيشون حياتهم كشباب جامعي يوجد من يتحمل مسؤليتهم ، وانا لوحدي اتحمل مسؤلية أسرة كاملة ،،،،
أشعر بالغربة في البداية ، يساعدني بعض اصدقاء أبي الى ان بدأت أثبّت أقدامي في التجارة وأعرف اسرارها ،،،
في ذلك الوقت كنت انا الأمر الناهي في البيت ، تقابلني أمي وأخوتي البنات بالرضا والضعف والخوف دائماً من ضيقي وعصبيتي الشديدة ، وفي حينها كنت أتطلع الى اخي الاصغر الذي وصل للحادية عشرة من عمره ، كنت اريده أن يساعدني في تحمّل المسؤلية ،،،،
فأمرته انه يأتي الى المحل ليساعدني بضع ساعات ، يقوم بتنظيف البضاعه ورصها ،،،
كان مثل باقي الأطفال يريد أن يلعب ويضيق بطلباتي ، لكني كنت صارماً معه منذ البداية وعنيفاً ، فكان يرتعب مني وينفذ كل ما أطلبه منه على الفور ،،،،،
يبكي ويزيح الورق جانباً ، ثم يقوم ليتمشى قليلاُ في المحل وينظر الى ماحوله من بضائع جامده ، تكاد تطل بوجهها القبيح عليه وتسخر منه ،،،،
يتردد صوت خالته وهي تقول له : منك لله انت من قسوت عليه وظلمته صغيراً وكبيراً ،،،
ثم يصرخ كفى لم اعد اتحمل ،،،،
يمسك قلمه من جديد ويستكمل ،،،
أخي لم يكن يدخر جهداً في ارضائي وارضاء اخوته البنات حتى بعد ان تزوجت أخته الكبرى كان يخدمها ويأتي اليها بكل ماتحتاجه في بيتها ، كان يسهر للمذاكره ، وفي النهار يقف في المحل ،،،،
جائت الثانوية العامة وكانت النتيجة بمجموع ضعيف ، فأنهلت عليه بالتوبيخ والتقريع أمام امه واخوته ، فلم يكن منه أنه بكى ، فأستشاط غضبي وظللت اضربه وهو يبكي ويحمي وجه بكلتا يديه ، ويقول لي لقد أخذ المحل كل وقتي ،،،
يا ألهى كيف اجرؤ  ، يالتني متُ قبل هذا وكنت نسياً منسياً ،،،،،،،،
قلت في نفسي أنه سيغضب ولن ينزل المحل ، وكنت سأراضيه  وأخفف عنه ،،،،
وجدته في اليوم التالي يأتي متأخرا قبل أن أرحل ويعتذر لي عن التأخير ويقول : سامحني لقد تأخرت ، أحسست بتعب في صدري وقلبي وذهبت الى المستوصف الخاص بالحي وهذا سبب تأخري ،،،
قلت له لا تعمل اليوم وانت مٌتعب هكذا فقال في وهن بأتسامته المعتاده  : انا أصبحت أفضل الان سأقف انا في المحل ،،،،
اللعنة على هذا المحل وهذة التجارة ، سأظل الى متى اتعذب يا ألهي ،،،،
تمر الأيام وانا أنجح وبدأت تجارتي في الانتعاش واصبح المحل اثنين ، التحق اخى بالمعهد التجاري ، واصبح يدرس في الصباح ويستكمل باقي اليوم في المحل وفي الليل لمذاكرة دروسه ،،،
الى أن جائني الشيطان متمثلا في بشرا سوياً ، يخبرني أن أخي يسهر مع اصدقاء السوء ويدخن المخدرات ،،،
لم أتمالك أعصابي فظللت أراقبه في صمت وهدوء ولم أجد عليه شيئاً معيباً ،،،
وجدته في يوم يرتدي ملابس جديدة فسألته من أين لك بتلك الملابس فقال في خجل : لقد اهدتني أياها اختي الكبرى ،،،،
فسألت اخته فأكدت هذا لكني لم أصدّقها ،،،
فقلت له أمام الزبائن والعمال في المحل : لقد سمعت أنك تصاحب اصدقاء السوء ولاحظت أختفاء بعض الأموال من خزنة المحل ، أقطع علاقتك بهؤلاء الاصدقاء والا لن تدخل المحل ابدا ،،،،
دمعت عيناه ثم قال : انا تربيت مثلك من الحلال ولن أمد يدي في يوماً الى الاموال التي هي حق أمي واخوتي البنات ، سامحك الله ،،،،
ثم انصرف ,,,,,,
حقاً سيسامحني الله على مابدر مني تجاه أخي الوحيد !!
انتظرته في الغد أن يأتي منكسراً كما اعتدت منه في كل مرة كنت أقسو عليه فيها ، أنتظرته كثيراً ولم يأتي ،،،
ذهبت الى بيت العائلة فأذا بأمي تخبرني أنه ترك البيت وسافر الى الأسكندرية للعمل عند تاجر من معارف أبي ،،،
انفجرت غاضباً في وجه أمي وقلت لها ، في داهية سيأتي الي راكعاً ، ولن يعود للعمل معي الا بشروطي ،،،،
يأتي مرة كل شهر كي يرى أمه واخواته البنات ، وعندما يجدني يقف خجلاً لكي يسلم علي ، فأشيح بوجهي عنه ،،،
سألت عنه التجار الذين نتعامل معهم في الأسكندرية فأخبروني أنه مثال للالتزام والذوق والكل يحبه ويتعامل معه ، وقمت بألاتصال بالتاجر الذي يعمل عنده فأخبرني أنه شاب محترم وأمين ويشكرني على أني تركته له ، فزاد غيظي فأخبرته أنني لست مسؤلاً عن تصرفاته ، فقال الرجل غاضباً : يكفي هذا وشكرا ، واغلق الهاتف في وجهي ،،،،
ينظر حوله في جنبات المحل فيجد وجهه مبتسماً يطارده ، يتردد صداه في كل مكان ،،،
كفى عذاباً ، لم أعد أتحمل ،،،،،
وجدته يدخل علي المحل ، ففرحت لرؤيته كنت أشتاق اليه والى الحديث معه ، فأخبرني أنه سيخطب زميلته التي تعمل معه في المحل ، وانها فتاة طيبة من اسرة فقيرة ، فاستشاط غضبي وقلت له : أنك تريد أن تجلب لنا العار وتتزوج من فتاه ليست من مستوانا ، انت تتعمد اهانتنا ، لن تتزوجها ولو تزوجتها ليس لك أي مليم عندي ،،،
فرد علي في خجل وضعف : انا أكلت بلقمتي وتعليمي ولن أطلب منك مالاً في ورثي من أبي لقد تنازلت عنه لأمي ولأخوتي البنات ، لكني استحلفك بالله أن تأتي وتشرفني لانك في منزلة أبي ،،،
ردت عليه في سخرية : لن يكون هذا ابداً ،،،
فقال لي : اذا أترك لي امي واخوتي يكونوا بجواري ،،،
فضحكت وقلت : لن أسمح لهم بهذا ومن ستفعل سأقاطعها ،،،،
قام من على الكرسي وقال : كتر خيرك ،،،،،،
ظلت أمي تبكي لكي أسمح لها بحضور خطبته وكتب الكتاب ، فرفضت واتهمتني زوجتي بالظلم وقالت لي حسبي الله ونعم الوكيل ،،،،
علمت بعدها أن خالتي وزوجها وابنائها ذهبوا الى الاسكندرية واخبرت أمي أن عليّ أن اخبط رأسي في الحيط ،،،،،
فرح بخالتي كثيرا فرحاً جنونيا وقبّل رأسها ورأس زوج خالتي لأنهم شرفوه ،،،،
مرت الشهور ووجدته عندي في المحل ضعيفاً ترتسم على وجهه علامات الوهن والمرض ، فأخبرني أنه مريض ويجري بعض الفحوصات الطبية ، فأنفطر قلبي عليه واخبرته أنه لابد أن يبقي في القاهرة حتى أعرضه على أكبر الأطباء ، قلت له : سأصرف عليك كل ما أملك هذا حقك في ميراث أبيك ،،،،
فقال لي : يجب أن اعود فعندي عمل كثير وديون يجب أن اسددها ،،،،
هممت كي أحلف عليه بالطلاق ، فوضع يده على فمي وقال لا داعي سأكون بخير وسأتصل بك عندما أصل الى الاسكندريه ،وابتسم لي في ضعف ورحل ،،،،
لم أذق طعم النوم في تلك الليلة ، وعندما ذهبت الى المحل في الصباح ، اتصلت به في التليفون ، فرد علي التاجر الذي يعمل عنده ، وقال لي : كنت سأتصل بك حالا نحن قادمون اليك ، لقد توفى اخيك هذا الصباح ،،،،،،
لقد مات سندي الذي كسرته بيدي ,,,,,,
ماذا فعلت بنفسي وأي عقاب سيحل بي  ، الم يكفي ما أعانيه الان ، اللعنه على المال والتجارة ،،،،
انهال على ارفف البضاعه تحطيماً بيديه  وظل يبكي ، وينادي بأسم اخيه ، الى أن سقط مغشياً عليه وسط أكوام البضاعه
,,,,,,,,,,,,,,,
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لسلفادور دالي

السبت، 23 يوليو 2011

الشرنقة


لم تستطع ان تتحمل الخناقات المستمرة واصوات المشاجرات التي لا تنتهي بين اخوتها وأمها ، حتى أصوات الجيران لا تهدأ مطلقاً ،،،،

كانت تحس أنها وحيدة في ذلك العالم الكبير المتسع حولها فكانت في شرنقتها الخاصه منعزله تماماً ، الا من أصوات ومشاهد متكررة يومياً بأستمرار ،،،،،
حارة صغيرة في احد الشوارع الجانبية القريبة من البحر ، بيوت اتكأ عليها ملح البحر ورطوبته فكانت بيوت مجردة من الملامح ومترنحة تكاد تتساقط ،،،،،
حارات صغيرة ضيقه تتعانق وتتشابك ، فتمتزج الأصوات والاحداث ،،،،
بيت مكون من غرف ضيقة ، غرفتين تسكنهما ابنتان بأزواجهما واطفالهما ، وغرفة للاخوة الصغار ، وهي تنام مع الأب والأم في غرفة واحده ،،،،
حمام صغير يتساقط من سقفه قطرات الماء ممزوجه بقطع الجير الصغيرة ،،،،
تقف في الشباك المطل على الحارة الضيقة ، فتطل منه على ذلك العالم ، فيدور أمامها بأصواته واحداثه ومشاكله ، سيدة عجوز تبيع الطماطم والخيار ، وسيدة تقوم بتنقية الأرز وتتحدث مع جارتها الجالسة أمام عتبة دارها ،،،،
طفل يعاند الريح حتى يجعل طائرته الورقية تحلق عالياً في السماء ، فيطاردها في الحارة الضيقة فتسقط طائرته وهو يسقط معها ثم ينهض ويسقط من جديد ، حتى تسبح الطائرة الورقية على صفحة الريح فتعلو وتعلو في السماء ،،،،،
يمر أمامها ذلك الشاب الجامعي الوسيم بحقيبته التي يحملها في كتفه ، كم تمنت لو يلتفت اليها ويحس بها ، يوميا في نفس الميعاد تقف تنتظره ، ربما في هذا اليوم قد ينظر اليها ، يبتسم لها ، يحس ما بداخلها ، هو فقط  من يستطيع ان يقطع شرنقتها ويخرجها منها فتصبح كائن اخر ، فراشة جديدة ملونة الاجنحة ترفرف في عالم مختلف ،،،،،
لم ينظر اليها مثل كل يوم فتتبعته بعينيها حتى غاص في اعماق الحارة الضيقه ،،،،
لم يوقظها من تأملاتها وأحلامها سوى صوت أمها الحاد وهي تنادي عليها بأن تأتي لمساعدتها ،،،،،
يأتي المساء فتزداد برودة المكان وربما يسقط المطر هذا اليوم ، هدأت الحارة قليلاً من الماره لكن يأتي صوت فرح من أخر الحاره ، صوت الاغاني الشعبية الصاخبة والمعازيم يصفقون سكارى ويرقصون ،،،
كل واحدة من اختيها اغلقت عليها غرفتها ، وهي وقفت وحيدة في الشباك يأتيها ضوء الفرح قادماً من بعيد ، وضوء اخر منبعث من الكورنيش ،،،،
لفت الشال حول صدرها وربطت شعرها الطويل ونزلت الى عتبة دارها ووقفت حافية القدمين ، فأحست بالبرودة تتسلل من قدميها الى باقي جسمها ، فكانت تدفىء كل قدم بالأخرى ،،،
ثم تمشت في الحارة الضيقة حافية ، أبتعدت عن اتجاه الفرح الصاخب واتجهت الى الكورنيش ، بدأ المطر يتساقط  قطرات صغيره على شعرها ، وكلما اقتربت من البحر استنشقت رائحته وهوائه ،،،،
المطر يزداد وقدميها تبللت وشعرها ازداد لمعانا وبريقاً مع قطرات المطر ،،،
كانت السيارة تسير مسرعة في شارع الكورنيش اضواء كشافتها ينعكس في عينيها ، فوقفت تنتظر حتى تمر الى الكورنيش وتقف أمام البحر ،،،
عبرت الشارع وهي حافية ووقفت أمام البحر تستقبل هوائه في صدرها ، وخلفها بعض الصبية يطلقون الصواريخ المضيئة في السماء ،،،،
يجلس عجوز مع حفيده ، الحفيد يأكل قطعة من الفطير بللها المطر ، والعجوز صامت لا يتكلم ،،،
وشاب يشعل سيجاراً ويتمشى وحيداً ،،،
ظلت تمشي بجوار البحر تنظر الى امواجه الصاخبه الممزوجة بقطرات المطر ، وهي حافية القدمين تتسلل من خلالها البرودة الى بقية جسمها ، وصواريخ الصبية مازالت تضييء السماء خلفها ،،،،،،،،، 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لبيكاسو 

الاثنين، 18 يوليو 2011

تصريح للوجود



صوت الراديو يأتي متقطعاً من غرفة المكتب ، لا يحمل أي شيء مفهوم ان كان أغنية ام نشرة اخبار او حتى مسلسل ،،،،
لم تبالي به ان كان سينصلح ام سيظل كما هو ،،،،،

كانت تجلس امام المراه في هدوء وشعرها الطويل ينساب على كتفيها ، أصبح طويلاً ويسبب لها الضيق مع دخول الصيف ،،،،

أصوات السيارات وضحكات الأطفال تتسلل من خلال شرفتها ، فأصبح يضايقها كثيراً هذا اليوم ، دائما ماتكره اصواتهم ،،،،

أخرجت مقصها من الدرج الصغير ونظرت لنفسها في المراه ،،،،

لقد مات أبوها وهي في سن صغيره لم تكن وقتها تعلم معنى فقدان الأب ، مجرد
وجوه حزينه يأتون للعزاء والمواساه ونسوة يبكين بشدة ، وأخوها الأكبر يأخذ تعليمات سرية من أمها المتشحه بالسواد وعيناها متورمتان من البكاء ، وهي تختبيء خلف الباب تتابع ولا تفهم ،،،،

أمسكت أول خصلات شعرها وقصته فكان صوت المقص قوياً ، فتناثر شعرها الكستنائي على الأرض وتطاير بعيدا بالقرب من باب غرفتها ،،،،

نظرت للمراه ، ومازالت ممسكه بالمقص ،،،،


صرامه من الأم ، واخ اكبر لا يبالي بها ، لا أحد يتحدث ولا يهتم ،،،

الأم يصيبها الوهن والضعف ،،،،

زيارات متعدده من الأم وجارتها للمستشفى ، تمسك في يديها ملفات وادوية كثيرة ،،،،

وهي تتابع بأهتمام لكنها لا تفهم ،،،

تخرج الأم مع الجارة فتعود الجارة بدون الأم ، وتأخذها للغداء عندها في
بيتها هي واخوها وتخبرهم أن الأم ستغيب عدة أيام للعلاج في المستشفي  ، تغيب الأم كثيرا ولم تعود مرة أخرى ،،،،
أصبحت وحيدة هي واخوها في البيت ، تهتم هي بكل شيء فأصبحت أماً واختاً ونسيت أن تصبح ابنة ،،،،

أمسكت ثاني خصلات شعرها وبدأت تقصه ، فسقط سريعاً على قميص نومها ، كأنها أوراق شجرة ثرو قسى عليها خريف اكتوبر ،،،،،
نظرت للمراه ، ومازالت ممسكه بالمقص ،،،،

أخوها يتكلم معها ويخبرها أن جائها من يريد الزواج منها ويجب أن تتزوج لأنه مرتبط بالسفر ،،،،
اخوها يريد أن يتزوج هو الأخر في شقة أبيه ،،،،
وافقت وتزوجت من هذا الغريب الذي لا تعرفه ، ظل معها شهرين ثم سافر الى بلاد بعيده وتركها وحيده ،،،،،
مر عام تلاه عام وهي وحيدة ، لم تنجب فكانت مشكلة الأنجاب منها ،،،،
فتزوج عليها الزوج ، واخذ زوجته الأخرى الى البلاد البعيدة التي يعمل بها ،،،،
وظلت هي وحيده ، تلتهمها السنين ،،،،
أصبحت كقطة وحيده تلعق جراحها ووحدتها ، لا احد يبالي ولا يهتم ،،،،،
تسير وحيدة في شوارع المدينة ، تنظر الى اعين الناس فتحس بالعطف والشفقة فتتأجج نيران الكراهية في قلبها تجاه من حولها ،،،،
مازالت تنتظر تصريح وجودها في هذا العالم ، ومازال العالم يرفض اعطائها تصريح اقامتها ،،،،

أمسكت اخر خصلات شعرها وقصته بقوة ، فسقط ثقيلا على التسريحه ، فتطاير شعرها الكستنائي حولها ،،،
صوت الراديو عاد الى رشده اخيراً ، صوت موسيقي يتسلل اليها من الغرفة الأخرى ،،،،
وأصوات السيارات والمارة هدأت قليلاً ,,,,,,,,,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لديجاس 

الخميس، 7 يوليو 2011

شريط سينما


يجب أن يصل الى مقر عمله في دار السينما قبل ميعاد حفلة الساعه الثالثة عصراً ،،،،
وضع الطعام والحليب للقط ، ثم صعد الى سطوح المنزل واطمئن على عشش الحمام ووضع لهم الحبوب والماء ،،،،

لبس معطفه حتى يحميه من البرد وهو عائد في الليل بعد انتهاء حفلة التاسعة مساءً ،،،،،

وضع الجريدة تحت أبطه ، ثم سلك طريقه المعتاد الى وسط البلد ، كان الموظفون
خارجون من أشغالهم يسارعون الخطى ، وهو يسير عكس اتجاههم الى مقر عمله في دار السينما القديمه القائمة في وسط البلد ،،،،
الجو مشمساً ، أحس بالدفء والحراره بسبب معطفه الثقيل ، لكنه تحمّل لانه سيعود متأخراً وسيكون برد الليل قارصاً ،،،

يعمل في هذة المهنة منذ سنين ، المسؤل عن غرفة ماكينة السينما ،،،،

كان بعض الشباب والفتيات يقفون طابوراً لحجز التذاكر أمام الشباك ، شاب
يمسك بيد فتاته ، وهذا يعاكس اخرى ، واخر ينتظر صديق له تأخر عليه ،،،،
القى التحية على الفتاة التي تقطع التذاكر فردت عليه التحية وسألته عن سبب تأخيره اليوم ، فقال لها أنه استيقظ متأخراً اليوم ،،،،

دخل مسرعاً الى البهو الواسع لدار السينما العتيقه ، ثم صعد الى غرفة ماكينة العرض ،،،،

غرفة متوسطه بها شباك صغير تطل منه ماكينة السينما ، في الركن بأسفلها
اقراص عدة لشرائط سينما مابين العربي والاجنبي والهندي ، الأكشن والكوميدي والرومانسي ،،،،
على الحائط صور معلقة لفنانين قدامى ، نجيب الريحاني واسماعيل يس وفاتن
حمامه واسمهان وانور وجدي واستيفان روستي وفريد شوقي وفنانين اجانب مارلين مونرو وهيدي لامار وانتوني كوين وكلارك جيفل وكيرك دوجلاس ،،،
وطاولة صغيرة عليها برواز صغير يحتوي صورة ابيض واسود لفتاة جميله ليست بفنانه سواء عربية او أجنبية ،،،،،

وضع الجريدة بجوار البرواز الصغير ، ونظر الى ساعته كانت الثالثه ودقيقتين ،
فتح قرص الفيلم الذي ستبدأ حفلته بعد قليل ، واخرج طرف الشريط ووضعه داخل ماكينه العرض وقام بتركيب القرص في الماكينه ، ثم قام بتخفيف الاضائه في قاعة العرض تدريجيا حتى خفتت واصبحت مظلمه ،،،،
دار الشريط على بعض الأعلانات ،،،،

كان ضوء الكشاف الصغير الذي يحمله الفتى المرشد للزبائن يتسلل بين المقاعد
والصفوف ، وبعض الهمهمات والثرثرة التي تسبق بدء العرض تسيطر على القاعه ،،،،
العجوز يجلس وحيداً في الأعلى يطل على القاعة الكبيرة ينتظر القهوة المعتادة التي يطلبها بمجرد وصوله ،،،،

تبدأ احداث الفيلم والرجل يتصفح الجريدة ، تأتيه القهوة التي انتظرها منذ وصوله ، تحاوطه صور الفنانين القدامي كأنهم يراقبونه ، ينظرون له ويبتسمون وربما يرثون لحاله ، او لا يبالون ،،،،،
ينظر مجدداً الى الصورة الأبيض وأسود القديمه ،،،،،
فتاة أحبها ، عاش معها سنوات شبابه ، لم يدرك يوماً انه سيظل عمره هذا بدونها ،،،،
في قاعة العرض السينمائي ، قصة حب رومانسية ، تتسارع الأحداث وتقف الدنيا في طريق الحبيبين ، تشتد العقدة ، قد ينجح الشر في تفريق الحبيبين ,,,,,
حبيبين يجلسان بجوار بعضهما يضمان أيديهما بقوة رغبة منهما في الوقوف والدفاع عن نفسهما ، خوفاً من أن يطالهما ذلك الشر المطل في شاشة العرض ،،،،
أحبها وكانت له اشد حباً ، مع دوران شريط السينما ، يدور شريط ذكرياته ،،،
صور من الماضي ، دموع ، ضحكات ، همسات ، وأمنيات ،،،
يتقدم لها فأهلها يرفضونه لأنهم يرون لها رجلٌ افضل منه ، يتقدم مرة أخرى ويتم رفضه ، تصمت الفتاة وتستسلم أخيراً ،،،،
تقترب أحداث الفيلم من النهاية ، هاهي تحدث انفراجة في العقدة التي احكمها الشر حول البطلين الحبيبين ، اقتربا من الانتصار ،،،،
فتاته مريضة استسلم جسدها وبدأت روحها في الانهزام ، تستغيث به ، لكنه لم يصل بعد اليها ،،،،
شريط السينما قارب على نهايته ، وأوشكت النهاية السعيدة للفيلم ان تتحقق ، انتصر الحبيبان بعد صراع طويل مع الشر واحتضنا بعضهما ، مع قُبلة النهاية السعيدة ،،،،
شريط ذكرياته أقترب من النهاية ، يجلس وحيداً يبكي عند قبر فتاته ،،،،
فتذرف دموعه ثقيله بجوار فنجان قهوته وبرواز قديم يحتوي صورة ابيض واسود لفتاة جميله ،،،،
في قاعة السينما تصفيق حاد من الجمهور ، وعودة الاضائة بالتدريج ، فٌتضاء القاعة وتنتطفيء ماكينة السينما المطلة من الأعلى ,,,,,,,,,

الاثنين، 4 يوليو 2011

الضوء الخافت


اتكأ على عكازه ونظر  من شباك المندرة وامعن تركيزه وسرح في أحفاده من أبنته الكبرى ، ولدين وبنت ،،،
كانوا يلعبون الكرة خارج الدار وصوت ضحكاتهم وصراخهم يمليء الدنيا ،،،
والجد العجوز شارد الذهن ، لقد اتكأ عليه الزمن بسنونه واحداثه وذكرياته فأنحنى للزمن ، بينما عكازه قائماً لم ينحني بعد ،،،،
اندفعت الكرة الى حِجرهُ ، فنادته الطفلة الصغيرة : الكرة ياجدو !!
فرماها اليهم العجوز  بوهن دون ان يتكلم ,,,,
في البيت الواسع كانت تعد الأم الغذاء تساعدها أبنتها والخادمه ،،،
وبينما الأبنه تضع صينية الدجاج على السفرة ذات الثمانية كراسي والخادمه تحمل فوق رأسها صينية الرقاق وتنحني لتضعها بجوار صينية الدجاج يدخل الأبن الاكبر وزوجته ،،،،
فيتهلل وجه العجوز لمجيء أبنه البكر ، فيقول وهو يضع العكاز جانباً : مش عوايدك ياحسن تتأخر ، العصر على ادان يابني وانت على الضحى بتكون هنا ....
قبّل حسن يد أبيه العجوز وقال : الطريق ياحج زحمه وكان فيه حادثه على اول البلد ،،،
فزعت الأم وهي تمسح يدها بجلبابها وحسن يقبّلها على رأسها فقالت : الشر بره وبعيد ربنا يسّلم طريقكم ياحبيبي ويحفظكم ،،،،،
نادي حسن أخته وكانت تتحدث الى زوجة اخيها ، سألها عن زوجها فأنتبهت وقالت : عنده شغل في الأسكندرية ماقدرش يجي انهارده ....
نظر الأب الى أبنته وأمسك عكازه وقال لها : نادي لعيالك من بره عشان الأكل ،،،،
صاحب دخول الاولاد الى المنزل جلبة وضحكات وسارعوا الثلاثة الى حجز كراسيهم على السفرة ،،،
فنظر لهم العجوز ثم نظر الى ابنهِ البكر ثم نظر مرة اخرى الى احفاده من أبنته وقال في حده : مش عايزين خوَته على الأكل اومال ,,,,
فقالت ابنته لأولادها وهي توزع لهم الطعام : تاكلوا منغير نَفس .....
بعد الأنتهاء من الطعام ، سارعت الخادمه والأبنه وزوجة الأبن بنقل الأطباق والصواني الى المطبخ ، ثم زعق العجوز وقال : هاتولنا الشاي في المندرة ،،،،
جلس على الكنبه ثم رفع رجله اليمنى ووضعها تحت فخذهِ الأيسر ، ثم نظر الى ابنه وقال : وبعدهالك يا حسن تلات سنين متجوز اهو وداخل على الرابعه ومراتك ماحبلتش ، عايز اشوف عيل من صلبي قبل ماموت ، يا ولدي ليه مش عايز تروح لحكيم ، نجوّزك ومراتك فوق راسنا نشيلها في عينينا ،،،،
كانت زوجة الأبن تحمل صينية الشاي يصلها صوت العجوز فسقطت دموعها ،،،
تنهد الأبن وهرب بعينيه حتى لا تلتقي بعينا أبيه وقال : ياحج كله قسمة ونصيب ده بتاع ربنا انا لا فيا حاجه ولا مراتي بس ادي الله وادي حكمته !!!
جففت زوجة الأبن دموعها وأبتسمت وادخلت صينية الشاي على العجوز وزوجها ، وقالت : يجعله عمران دايما بحسك ياعمي ويخليك لينا ومايحرمناش منك ....
فرد عليها بأمتعاض : عمران بيكم وبعيالكم يابنتي ،،،،،،

,,,,,,,,,,,,,

وضعت العطر حول شعرها المنسدل حتى خصرها وفكّت رباط القميص الحرير ، فأنعكس الضوء الخافت على شعرها ونهديها ،،،،
ثم وضعت ظهرها على الوسادة الناعمه وانتظرته يخرج من الحمام ،،،،
ينظر الى نفسه في مراة الحمام ، يتردد صدى صوت أبيه في جنبات عقله ،،،
مازالت تتملكه تلك الرهبة منذ ثلاث سنوات وأكثر ، كم لو تمنى أن ينتهى كل هذا ،،،،
ينظر الى وجهه في المراه ، وجه يحجبه البخار الساخن  مع انكسار لقطرات الماء على جنبات وجههُ المنعكس من المراه ، مسح بيده المراه فكانت الصورة أكثر انكساراً ،،،،،،
دخل الى غرفة النوم ، انفاسه تتباطيء في وهن ، مسح وجهه بالمنشفة ،،،
أبتسمت وفكت رباط قميصها الحريري أكثر وأكثر ،،،
جلس على الشاطيء الأخر  من السرير ، معطياً ظهره لها ،،،،
ثم أستلقى نائماً كطفل مُتَعب عائداً لتوه من لعبه ،،،،
سقطت دموعها ساخنه على الوسادة الناعمه ثم احتضنته كأمٍ رؤوم يظللهما ذلك الضوء الخافت ,,,,,,,,,,