السبت، 23 يوليو 2011

الشرنقة


لم تستطع ان تتحمل الخناقات المستمرة واصوات المشاجرات التي لا تنتهي بين اخوتها وأمها ، حتى أصوات الجيران لا تهدأ مطلقاً ،،،،

كانت تحس أنها وحيدة في ذلك العالم الكبير المتسع حولها فكانت في شرنقتها الخاصه منعزله تماماً ، الا من أصوات ومشاهد متكررة يومياً بأستمرار ،،،،،
حارة صغيرة في احد الشوارع الجانبية القريبة من البحر ، بيوت اتكأ عليها ملح البحر ورطوبته فكانت بيوت مجردة من الملامح ومترنحة تكاد تتساقط ،،،،،
حارات صغيرة ضيقه تتعانق وتتشابك ، فتمتزج الأصوات والاحداث ،،،،
بيت مكون من غرف ضيقة ، غرفتين تسكنهما ابنتان بأزواجهما واطفالهما ، وغرفة للاخوة الصغار ، وهي تنام مع الأب والأم في غرفة واحده ،،،،
حمام صغير يتساقط من سقفه قطرات الماء ممزوجه بقطع الجير الصغيرة ،،،،
تقف في الشباك المطل على الحارة الضيقة ، فتطل منه على ذلك العالم ، فيدور أمامها بأصواته واحداثه ومشاكله ، سيدة عجوز تبيع الطماطم والخيار ، وسيدة تقوم بتنقية الأرز وتتحدث مع جارتها الجالسة أمام عتبة دارها ،،،،
طفل يعاند الريح حتى يجعل طائرته الورقية تحلق عالياً في السماء ، فيطاردها في الحارة الضيقة فتسقط طائرته وهو يسقط معها ثم ينهض ويسقط من جديد ، حتى تسبح الطائرة الورقية على صفحة الريح فتعلو وتعلو في السماء ،،،،،
يمر أمامها ذلك الشاب الجامعي الوسيم بحقيبته التي يحملها في كتفه ، كم تمنت لو يلتفت اليها ويحس بها ، يوميا في نفس الميعاد تقف تنتظره ، ربما في هذا اليوم قد ينظر اليها ، يبتسم لها ، يحس ما بداخلها ، هو فقط  من يستطيع ان يقطع شرنقتها ويخرجها منها فتصبح كائن اخر ، فراشة جديدة ملونة الاجنحة ترفرف في عالم مختلف ،،،،،
لم ينظر اليها مثل كل يوم فتتبعته بعينيها حتى غاص في اعماق الحارة الضيقه ،،،،
لم يوقظها من تأملاتها وأحلامها سوى صوت أمها الحاد وهي تنادي عليها بأن تأتي لمساعدتها ،،،،،
يأتي المساء فتزداد برودة المكان وربما يسقط المطر هذا اليوم ، هدأت الحارة قليلاً من الماره لكن يأتي صوت فرح من أخر الحاره ، صوت الاغاني الشعبية الصاخبة والمعازيم يصفقون سكارى ويرقصون ،،،
كل واحدة من اختيها اغلقت عليها غرفتها ، وهي وقفت وحيدة في الشباك يأتيها ضوء الفرح قادماً من بعيد ، وضوء اخر منبعث من الكورنيش ،،،،
لفت الشال حول صدرها وربطت شعرها الطويل ونزلت الى عتبة دارها ووقفت حافية القدمين ، فأحست بالبرودة تتسلل من قدميها الى باقي جسمها ، فكانت تدفىء كل قدم بالأخرى ،،،
ثم تمشت في الحارة الضيقة حافية ، أبتعدت عن اتجاه الفرح الصاخب واتجهت الى الكورنيش ، بدأ المطر يتساقط  قطرات صغيره على شعرها ، وكلما اقتربت من البحر استنشقت رائحته وهوائه ،،،،
المطر يزداد وقدميها تبللت وشعرها ازداد لمعانا وبريقاً مع قطرات المطر ،،،
كانت السيارة تسير مسرعة في شارع الكورنيش اضواء كشافتها ينعكس في عينيها ، فوقفت تنتظر حتى تمر الى الكورنيش وتقف أمام البحر ،،،
عبرت الشارع وهي حافية ووقفت أمام البحر تستقبل هوائه في صدرها ، وخلفها بعض الصبية يطلقون الصواريخ المضيئة في السماء ،،،،
يجلس عجوز مع حفيده ، الحفيد يأكل قطعة من الفطير بللها المطر ، والعجوز صامت لا يتكلم ،،،
وشاب يشعل سيجاراً ويتمشى وحيداً ،،،
ظلت تمشي بجوار البحر تنظر الى امواجه الصاخبه الممزوجة بقطرات المطر ، وهي حافية القدمين تتسلل من خلالها البرودة الى بقية جسمها ، وصواريخ الصبية مازالت تضييء السماء خلفها ،،،،،،،،، 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لبيكاسو 

ليست هناك تعليقات: