الخميس، 30 سبتمبر 2010

الملاذ الأخير

دائماً مايكون البحر هو الملاذ الأخير له من تفاهة الأخرين ،،،
يظل وحيداً وسط صخب وزحام الناس من حوله ، تختفي اصواتهم وضحكاتهم ،،،،
ويبقى صدى صوته هو المجيب على اسألته ، والغازه ، حتي انطباعاته واندهشاته من هذا العالم الغريب ،،،،
صدي يحمل نفس الأساله والانطباعات ،،،،
يلجأ الى البحر بعيداً عن تغريبته التى صنعها حوله الاخرين او ربما صنعها هو بنفسه ،،،،
ينحصر الموج ويندفع اليه مع كل سؤال وجواب ، فتطلاطم داخله المشاعر والأحاسيس ، حتى ضحكاته وايضاً بكائه ،،،
المدينه تقبع خلفه بأحزانها وأفراحها ، ضحكات الاطفال ، همسات المحبين ،،،
لا يدري أهي مدينته أم هو غريب ، أو ربما فقد ذكريات الأيام والسنين ،،،،
أحياناً يدرك داخله رائحة المدينه بشوارعها وبيوتها العتيقه واشجار الثرو والنخيل ، اصدقائه وذكرياته وطفولته ، وأحيانا يتمنى قارباً يبحر به بعيداً خلف تلك الشواطيء البعيده ويولد من جديد ،،،،،
ينظر للمدينه التي تقبع خلفه ،،،،
تلك المدينة أمازلت مدينته أم لا ؟
أهلها  مازالوا  اهله أم لا ؟
كل شيء اصبح غريباً النظرات والطرقات والبيوت !!

لم يعد يطيق الزحام واضواء السيارات حتى اضواء عواميد الأنارة في ضباب ليالي الشتاء ،،،،
ينظر للمدينه التي تقبع خلفه ،،،
الأضواء الخافته خلف النوافذ ، ورائحة القهوة والشاي التي تفوح من البيوت ،،
كم لو تمنى ان يصفح هو عن مدينته او تغفر هي له ان كان ارتكب من أثام ،،،
ينظر الى البحر تارة وللمدينه التي تقبع خلفه تارة اخرى ،،،
فيبقي البحر هو الملاذ والصديق والحبيب ،،،
وتبقى المدينه هي صراع الحب والذكريات وحزنه العميق ,,,,,,

الاثنين، 27 سبتمبر 2010

للحب يومٌ اخر

يوم شديد البروده كعادة أيام الشتاء ، جلست امام فرن الموقد كي تشعر بالدفء وتراقب الخبز خوفاً من ان يحترق ،،،
كانت هي وجدتها يعدان الخبز يومياً لكي يبيعاه مع الجرائد في الكشك الذي يمتلكانه في وسط الميدان ،،،،
هذا العام جدتها تحاول ان تخفف عنها بعض العمل ودائما ماتمنعها من الوقوف معها في الكشك لانها اصبحت في الثانويه العامه وتريد ان تدخر كل وقتها للاستذكار ، لكن الفتاة كانت ترفض لان جدتها قد بلغت من العمر عتيا وبدأ بصرها يضعف وخريف العمر قد أصاب صحتها ،،،،
كانت الفتاة تنظر في الكتاب وهي أمام الموقد لكنها شردت بذهنها بعيداً ،،،،
ياتري سيمر عليها في الصباح وهو في طريقه الى كليته ويشتري منها الجريده ، لم تراه منذ ثلاثة أيام ، دائما ماتجد  نفسها في حيره ، ان كان هو لم يعيرها اهتماماً او يحس بها ، فلماذا لم تبادر هي بالحديث معه ، تحس انه لطيف في الحديث معها ، أم هو كذلك مع الجميع ،،،،،
ارادت اليوم ان تلبس اجمل ثيابها كي تلفت انتباهه لكنها فوجئت ان جدتها وضعت فستانها الجديد في الغسيل ، فغضبت بشده من جدتها وقالت لها : لماذا لم تخبريني بأنك ستضعي الفستان في الغسيل ، انه نظيف ولم البسه بعد وكنت اريد ان البسه اليوم ، دائما ماتتصرفين من نفسك يا جدتي كأني مازلت طفلة صغيرة ....
كانت الجدة تجلس على كرسيها المعتاد بجوار الراديو ملتفه بدثارها الصوف القديم ، وقالت : أكان اليوم عيد وانا لا اعلم ، فغضبتي هكذا لانك لم تلبسي الفستان ، أم انه يوم عادي يمكن ان تلبسي فيه اي شيء ، جدتك اصبحت عجوز ولا تدرك مايحدث حولها من احوال الفتيات ، لكني مازلت صديقتك الوحيده وليس لكِ غيري في الحياة وليس لي غيرك ، اخبريني لماذا انتي حزينه وشارده منذ وقت طويل  .....
كانت الفتاة تعبأ الخبز وتغلفه فقالت : مازلتي يا جدتي صديقتي وليس لي احدٌ في الحياة غيرك لكنه فقط خوفي من الدراسه ومن الثانويه العامه ، أما الفستان فكنت اود ان اخرج به مع زميلتي نتمشى سوياً في وسط البلد ،،،،،
اخذت الخبز وخرجت مع جدتها بعد الفجر كي يلحقا استلام الطبعة الثالثه من سيارة  الجرائد ، ويفتحا الكشك مع بداية اليوم الجديد ،،،،
كانت تجلس مع جدتها للسابعه والنصف صباحاً ثم تأخذ المترو وتذهب الى مدرستها ، وترجع بعد الظهيرة وتظل مع جدتها بعض الوقت ويسلما الكشك للفتى الصغير الذي يعمل معهما ، كان فتى طيباً يسكن في الغرفه المجاوره لهما مع امه فوق السطوح ،،،،،
كان امين الشرطه هذا يقف بالقرب من الكشك وأمام سلم المترو ، يتطاول بالالفاظ على الصبي البدين الذي يبيع المناديل ويركل بضاعته الصغيرة بقدمه  ويمنعه من الجلوس ، والصبي يبكي ويطلب منه في حزن وبكاء ان يتركه يسترزق  ،،،،
التفت الى الفتاه وجدتها العجوز فابتسم وذهب اليهما وطلب من الفتاة زجاجه بيبسي ، لم يدفع ثمنها ، ثم نظر الى الفتاه نظره غريزيه شهوانيه كأنه كلب ضال يبحث عن انثى من بني جنسه منذ اسابيع ، قال لها : اي شيء تريديه سأكون في خدمتك ، الباشا الظابط المسؤل عن الميدان حبيبي ، وضع جهاز اللاسلكي في حزامه وابتسم لها وانصرف ،،،،،،
جلست الفتاه في الكشك ومعها كتاب الكيمياء ، وجدتها العجوز تجلس وسط الجرائد ، جائت صديقتها الوحيده والقت التحيه على الجده ، ثم وقفت مع صديقتها يتبادلا اطراف الحديث ، كانت الفتاه تحدثها عنه وانها كانت تنتظره اليوم يمر في الصباح ليشتري الجريده لكنه تاخر او ربما جاء بعد ماذهبت لمدرستها ، فطلبت منها صديقتها ان تتكلم معه وتبدأ هي بالصداقه لكن الفتاه رفضت وقالت لها : لا استطيع  جدتي لا تفارقني ابداً وانا خجوله واخاف ان اكون حمقاء  فيعتبرني مجرد طفله بلهاء !!
ضحكت صديقتها وقالت : انتي حره ، انا فقط علي النصيحه وانتي تتصرفي كيفما تشائين ، وانصرفت مودعه صديقتها وجدتها ،،،،
بعد ان انصرفا مع دخول الليل وسلما الكشك والجرائد للفتى ، نامت الفتاه قليلاً كي تسهر تذاكر دروسها وعندما استيقظت وضعت الجدة العشاء وجلسا سوياً يأكلان ،،،،
كانت الفتاه تنظر من الشباك الصغير الذي يطل على جزء صغير من العاصمه ، كانا يسكنان فوق سطوح احدى العمارات القديمه في عماد الدين ، كانت العمارات والفنادق الفاخره تتلألأ  في سماء القاهرة الصافيه رغم الشتاء ورغم بعض السحب الرماديه التي تعاكس قمر ليلها فيختفي تارة ويطل بوجهه تارة اخرى  ، واضواء لوحات الاعلانات تضيء وتطفيء في اشكال متعدده شاهدة على تلك المدينه الصاخبه وماتخفيه داخلها من افراح واحزان ، اغنياء وفقراء ، دائماً من صغرها مايبهرها هذا المنظر ولا تدري الى الان لماذا تقف أمامه مبهوره رغم اعتيادها عليه ،،،،،
جلست جدتها بجوارها وقالت لها : ايوجد شيء تخبئيه عني ؟ أليس بنا اتفاق ان تصبح جدتك العجوز صديقتك ؟
نظرت اليها الفتاه في خجل وقالت : لا ياجدتي لا يوجد شيء وانتي فعلا صديقتي كما اتفقنا ...
قالت الجدة : لن اسألكِ مرة اخرى لكني سأقول لكِ ، اننا وحيدتان في هذه الدنيا وانتي ليس لكِ سند في الحياة غيري ومن بعدي شهادتك التي ستجعل لكِ مكان ورزق في هذا العالم ، انا ان بقيت معكي اليوم فلن ابقى الى الغد ، لقد انهكني الزمن واصبحت كالشمعه التي يتداعى شحمها واقتربت من الخفوت ، لا تجعلى شيء يشغلك ابداً عن دراستك وشهادتك وبعد ان تحصلي عليها فكري في الحب لان هذا حقك ،،،،،،،،،،
وقف الشرطي أمام الكشك كالمخمور متكئاً يقشر بعض الحلوى ونظر للفتاه وقال : كيف حال القمر هذا اليوم ، ايه رأيك في ليله حلوه ولن اعز عنك شيء وسأدفع لكِ ضعف ماتأخذه اي فتاه  ، وعندي شقتي  وكل طلباتك اوامر ، ردي علي بسرعه قبل ان تحس بنا جدتك ....
قالت الفتاه وهي تتصبب عرقاً من الغضب : لو لم تبتعد عني سأصرخ وافضحك في وسط الميدان ، انت حيوان لكن الحيوان انظف من امثالك ....
القى الشرطي بالحلوى من يده في غضب وقال : اتجرئين ان تقولي لي هذا الكلام صدقيني ستدفعي ثمن هذا غالياً وستأتين الي راكعه ....
عادت من مدرستها في ذلك اليوم وتناولت الغداء مع جدتها في كشكهما الصغير وجلست تذاكر قليلاً ،،،،
لكنها صدمها ما رأت لتوها ، فقد نزل ذلك الشاب الذي تحبه من سيارة صغيرة مع فتاه جميله وأمسك يدها ودخل مطعم الوجبات السريعه الذي يبعد عن الكشك قليلاً ،،،،
كانت سيارتي شرطه قد وقفتا بجوار الكشك خرج من الاولى ظابط برتبه صغيره ومازال شاباً صغيراً وخرج من الثانيه ذلك الشرطي ،،،
وقف الظابط الصغير أمام الجدة العجوز وقال : من اليوم ممنوع فرش الجرائد هنا لانه اشغال للطريق انتي معكي ترخيص للكشك فقط وليس للجرائد ،،،
قالت العجوز : حرام يا ولدي هذه فرشتي منذ سنين ولم يقل لي احد انه اشغال للطريق وانا وابنتي نسترزق منه ...
قال الظابط الصغير في استهزاء  وحنق : اتعلميني شغلي يا ستي وطلب من العساكر وامين الشرطه ان يلموا الجرائد .....
وقفت العجوز تبكي وتقول حسبي الله ونعم الوكيل ،،،
والفتاة تنظر الى حبيبها من خلف زجاج المطعم وتنظر ثانية الى جدتها وتبكي ،،،
تبعثرت على الارض اوراق الجرائد والمجلات وتطاير جزء منها في وسط الميدان ،،،
مانشيتات : برائة ممدوح اسماعيل من قتل 1100 مواطن في عبارة السلام ،،،،
استمرار غلق معبر رفح حتى اشعاراً اخر ومنع قوافل الاغاثه والمعونات من الوصول للمحاصرين ،،،
مقتل عشرة شبان في احدى مراكب الهجرة غير الشرعية ،،،،
النيابة العامه : مقتل خالد السعيد مخنوقاً وليس بسبب التعذيب ،،،،
حفل زفاف في مرسى علم يتكلف ثلاثون مليون دولار ،،،،
انطلقت سيارتي الشرطه بعد ان ركب الظابط والامين والعساكر ،،،
سلمت الفتاه الكشك للفتى الطيب واخذت كتاب الكيمياء  الذي كانت تذاكر فيه
وامسكت بيد جدتها وانصرفا الى البيت ,,,,,,,,,,

الخميس، 23 سبتمبر 2010

ذات مساء

الزحام قد بدأ يخف بالتدريج في محطة المترو بعد دخول المساء ،،
كانت الساعه قد قاربت على الثامنه حسب التوقيت الشتوي ، معظم الموظفين والطلاب قد عادوا الا من بعض الزحام الخاص بالفترة المسائيه ،،،
فجأة انطلق صوت الصراخ عند مرور القطار ،،،،
تجمع الناس في منتصف الرصيف حول السيدة الشابه ، بكاء من الفتيات ورجال الشرطه يمنعون الناس من الاقتراب ،،،
ملقاه  على حافة الرصيف بعد ان صدمها القطار ودفعها للمنتصف بقليل ،،
اثار دماء بسيطه على وجهها من اثر الارتطام ، لكنها لم تمت ،،،
وجه بسيط ترتسم عليه ابتسامة حزينه وحجاب تزحزح من على شعرها دون ان يسقط بالكامل ،،،،

،،،،،،،،،

عادت من عملها متأخره هذا اليوم ، لقد ارهقها العمل كثيراً تلك الفترة بسبب الضغوط المتزايده في عملها فأصبحت تعود متأخره احياناً ،،،
تذهب في الصباح الباكر مع ابنها الصغير لمدرسته ثم تذهب مسرعة الى عملها ،،
وتعود الى ابنها في وسط اليوم لكي تصطحبه للبيت ثم تعود مرة اخرى لعملها ، هكذا هي دورة حياتها اليوميه التي لا تنتهي ،،،
اخرجت من حقيبتها الصغيرة الجنيه المعدني كي تقطع تذكرة المترو ، فوقفت قليلاً امام الشباك ثم اخذت تذكرتها واتجهت الى الرصيف ،،،
وقفت في المنتصف في مكان توقف عربة السيدات ، احست بالصداع الشديد ،،،
كانت خطوات الناس حولها ذهاباً واياباً كأنما طرقات خفيفه في رأسها تزداد رويدا رويدا ، وصوت القطار القادم من الجهة المعاكسه كأنه يخترقها ، فأحست بالضعف فمشت قليلاً وجلست على الأريكه بجوار فتاة جامعية صغيرة تتحدث في التليفون ،،،،
ظلت تراودها احلام يقظه وذكريات كأنها شريط يعرض أمامها ، يمحي بالتدريج صور الناس حولها ورصيف المحطه والقطار الذي تحرك امامها ،،،
زواجها الذي فُرض عليها من أمها وأبيها ، وشجارها الدائم مع امها كي تقبل به رغم عنها  ،،،
 أصبحت صور الناس عبارة عن خيوط متعرجه ومتشابكه ، يتخللها اصوات غير مفهومه ، وتداخل لصوت زوجها واحداث من الماضي القريب ، وصوت بكاء طفلها يوم ان ولدته في بيت أبيها ،،،،،
أحست مرة اخرى بدائرة عزلتها وشرنقتها الخاصه ، دائرة من المشاعر والاحاسيس التي تسكن داخلها ، داخلها هي فقط ، لم تجد من يحس بها او يشاركها شرنقتها الخاصه ، فلم تستطيع ان تنفذ منها ولم يقدر احد الولوج اليها
،،،،،
بدأت تتضح مرة اخرى وجوه الناس حولها واصوات خطواتهم وصوت المذيع الداخلي للمحطه يعلن عن استدعاء احد المهندسين ، والفتاة التي بجوارها تنتهي من مكالمتها في التليفون ،،،،
قامت من مكانها كي تقترب مرة اخرى من حافة الرصيف انتظاراً للقطار القادم ،،،
وقفت تنظر لليمين في النفق المظلم القادم منه القطار ، كان صوت احتكاك القطار بالقضبان قد بدأ يقترب من المحطه ،،،،
ضوء القطار بدأ يخترق ظلمة النفق  ، كأنه الأمل القادم من المستقبل المجهول ،،،،
أحست بزغلله في عينيها والقطار يقترب ببطء ،،،،
مر في مخيلتها اول صفعة في حياتها من زوجها ،،،،
مع تلك الصفعة كان ارتطامها بالقطار واحد الشباب يصرخ بها ويدفعها بعيداً كي لا تقع تحت عجلات القطار ،،،،
 
ملقاه  على حافة الرصيف بعد ان صدمها القطار ودفعها للمنتصف بقليل ،،
اثار دماء بسيطه على وجهها من اثر الارتطام ، لكنها لم تمت ،،،
وجه بسيط ترتسم عليه ابتسامة حزينه وحجاب تزحزح من على شعرها دون ان يسقط بالكامل ,,,,,,,,,,

الاثنين، 20 سبتمبر 2010

الجنية الزرقاء




كان الوقت متأخراً وحان وقت نومها ، لكنها لم تنم بعد ،،
ظلت حزينه لانه لم يوفى بوعده اليوم ويأخذها الى حديقة الحيوان ،،،
فكان اعتراضها وحزنها بعدم اللعب معه هذا اليوم وعدم الضحك كما اعتادا سوياً ،،
غرفتها صغيرة وجميله ، دولاب صغير على اليمين وفي المقابل السرير ، وبجواره صندوق اللعب المليء بالدمى والالعاب ،،،
معلق على الحائط في كل مكان صور لويني وبينك بانثر ودونالد دك وسندريلا وسنوايت ،،،
وفي وسط الغرفه مدفأه كهربائيه صغيره كي تساعدها على النوم في ليل الشتاء البارد ،،،،
كانت مثل القطه الصغيرة بضفرتيها الصغيرتين وعيناها العسليتان الضاحكتان والمتألقتان دائماً ، الجو البارد اعطى حمرة رقيقه لوجنتيها فأصبحت كالوردة الخجوله ،،،
دخل عليها غرفتها فذهبت بسرعه الى سريرها واختبئت  في الفراش ،،
فرفع الغطاء عنها فأغمضت عيناها بقوة وفتحتهما مرة ثانيه ،،
فضحك وقال لها : أمازلتِ غاضبة مني ؟
قالت وهي تبعد شعرها الاسود المنسدل علي عينيها : نعم
فقال : غداً سنذهب للحديقة لكن بشرط ان تنامي وتأكلي كل اكلك ولا تتركي منه شيئاً ،،،
فنظرت له في ريبه وقالت : احقاً سنذهب غدا  ، لا استطيع ان أكل ثانية
فقال لها وهو يتصنع انه جاد : بالتأكيد سنذهب للحديقه لكن لو لم تأكلي لم احكي لك حدوته الليله ،،،
فغضبت منه وقالت : لا لا ستحكي لي
قال : نأكل سوياً واحكي لكِ الحدوته الجديدة ،،،،
رفعت غطائها ونسيت جوربها الذي يدفيء قدميها الصغيرتين وقالت اتفقنا
بعد ان اكلا سوياً ، جلس بجوارها في الفراش واضاء المصباح الصغير ذو الاضائه الهادئه وبدأ يحكي لها ،،،،،

الانوار ملئت الغرفة التي اصبحت كبيرة ، اختفى السرير والدولاب وانتشرت البالونات في كل مكان وهى تنظر حولها لا تدري اين اصبحت ،،
خرجت فتاة جميله من بين البالونات  ، فستانها الازرق الطويل يتلألأ ، ممسكه بعصاها السحرية الملونه نظرت حولها فوجدتها بين البالونات تكاد تختفي ،،
قالت لها : تعالى لا تختبئي مني انا جنيتك الزرقاء ، جئت لأحقق لكِ كل ماتحبين ؟؟
حركت عصاها السحرية فخرج من الصور المعلقه على الحائط ويني وبينك بانثر ودونالد دك وسنوايت وبونكيو وسندريلا ،،،
فانتشروا جميعاً يلعبون معها ويحملوها ، ضحكت وجريت منهم ،،،
ذهبت الى جنيتها وقالت : أريد ان ارى أمي
فقالت لها الجنية الزرقاء : ستريها فقط عندما تأكلين كل طعامك وتسمعين كلام أبوكي وتنامي مبكراً ،،،،
انها تسكن في نجمة عالية تنظر اليكِ دائما تحزن عندما تبكين وتفرح عندما تفرحين ، تأتي اليكِ عندما تنامي مبكراً فتريها في احلامك وتلعب معكي
قالت وهي تمسك بيد ويني الدُب : لو فعلت ذلك سأراها
قالت لها جنيتها الزرقاء وهي تبتسم لها : نعم يا حبيبتي
قالت : سأفعل
ظل اصدقائها وابطال حواديتها يلعبون معها  ويغنون اليها الى ان تعبت ونامت ،،،،
عادت غرفتها كما كانت الاضائه الهادئة واصدقاء حواديتها رجعوا الى اماكنهم في الصور المعلقه على الحائط ،،،،
قبلها أبوها على وجنتيها وغطاها جيداً بالفراش ووضع بجانبها الدُب الصغير ,,,,,,



الأحد، 12 سبتمبر 2010

مشهد عبثي : الشجرة

انطلق صوت الجرس يدوي في المكان معلناً لها بداية ذلك اليوم الجديد ،،
لقد فقدت في هذا المكان كل احساسها بالزمن او لم تكن تعير الوقت والزمن أي اهتمام ، فهو عديم الاهمية بعد ان وجدت نفسها في تلك الحفرة الغريبه ،،
لا تدري كيف وصلتلها ولا تدري كيف وصل زوجها الى هذا القفص العجيب ،،،
المكان عبارة عن صحراء متسعه  لا تسمع فيها سوى صوت الريح ولا ترى غير حركة الشمس وهي تجري لمستقر لها من الصباح الى الظهيرة الى الغروب ثم الى الليل ،،،
على مقربه من الحفرة توجد شجرة جدباء بها بعض الوريقات التى لم تتساقط بعد مع بداية هذا الصباح ،،،
تلك الشجرة تفصل بينها وبين القفص الخشبي الذى يرقد فيه زوجها ،،،
هي في الخامسه والخمسين من عمرها وزوجها اكبر منها بعشر سنوات ،،،
زوجها يجلس يقرأ ذلك الكتاب الذي لم يفارقه ابداً وبجواره بعض الاوراق ، يكتب فيها للحظات ثم يتركها ويمسك كتابه مرة اخرى ....
أما حفرتها الضيقه فلا يوجد معها سوى تلك الحقيبه النسائية الفاخره التى تحتوي على بعض الاشياء من ادوات تجميل والبوم صور صغير وفرشاة شعر ،،،،

بداية الصباح ،،،

استيقظت في حفرتها مع صوت الجرس وشروق الشمس ، الذي اعلن بداية الصباح ،،،
كانت الحفرة تغطيها لخصرها  وهي ممسكه بحقيبتها لا تتركها من يديها ،
نظرت لزوجها المحبوس في قفصه ، وابتسمت والقت عليه تحية الصباح ،،،
رد عليها باقتضاب وأخذ يتحرك في قفصه ذهاباً وأياباً كأنه يبحث عن شيء فقده ،،،
اخرجت فرشاة الشعر واخذت تساوي شعرها وتمشطه بأصابعها في حركه ضعيفه فكانت تحس بقبضة المكان لكنها كانت سعيدة ،،،
قالت له : اه ياحبيبي لقد تذكرت للتو عندما كنا سوياً على الشاطيء في بداية زواجنا السعيد كنت وسيماً ولا تزال لكن كنت مفعما اكثر بالحيويه ولا تكف عن الحديث والثرثرة  معي ، اتتذكر اول مرة ذهبنا معاً للمصيف واشتريت لي القطة لي لي ،،
كنت في غاية السعادة واحببتها حباً شديداً واشتريت لها في التو السلسة الفضية المحفور عليها اسمها اول حرف من اسمها ،،،
تغيرت ملامح وجهها ببعض الحزن وقالت : ليتني لم اتذكرها لاني ايضاً تذكرت موتها بعد اربع اعوام في الشتاء ، يومها ياحبيبي قلت انك ستشتري قطة بدل منها ولكني رفضت حتى لا اتعلق بها ايضا واحزن لفراقها ،،،
كان الزوج يستمع لها وهو يتحرك وينظر لها ويبتسم ولم يقل سوى : نعم نعم ،،،
في تلك اللحظة سقطت ورقة شجر اخرى من الشجرة الجدباء بسبب هبوب ريح خفيفه ،،،،

الظهيرة ،،،

تطايرت ورقة اخرى من الشجرة وهي تنظر اليها وتبعد بنظرها مع ابتعاد الورقة رويدا رويدا  مع الريح واختفائها في ذلك الأفق البعيد ،،،
احست بقشعريرة تسري في جسدها فأمسكت بحقيبتها واحتضنتها جيدا في صدرها فلم تستطع ، فقد وصلت رمال الحفرة الى صدرها ،،،،،
كانت الشمس قد بدأت تتعامد فوق رأسيهما ،،،
كان زوجها يجلس يدون بعض الاشياء المجهوله في اوراقه ،،،
وبدأت هي حديثها التافه دائما والمفعم  ببعض الأمور الجاده احياناً ،،،،
كانت هي عاجزة عن الحركه وتستعيض عن ذلك بالثرثرة ، وكان زوجها عاجزاً عن الكلام ويستعيض عن ذلك بالحركة الدائمه ،،،،
قالت : لا أعلم متى الخلاص ، احياناً اتمناه سريعاً كي ارتاح من ذلك العجز الا متناهي ، كأني منذ بداية التكوين والخلق ونحن كذلك وان ما احس به من ذكريات وحياة بعيدة ماهي الا اضغاث احلام ، لكن حتى ذكرياتي هذه تجعلني سعيدة وتجعلني ارفض ذلك الخلاص ، ربما اكون عاجزه لكنني اتذكر مايسعدني ، وعندما اتذكر احزاني اتمنى ذلك الخلاص،،،
ارجوك ياحبيبي تذكر معي حياتنا السعيدة ، حاول ان تتكلم وتذكرني بما يعجز عنه عقلى من الوصول اليه من ذكريات ،،،،
أحاول ان لا اتذكر موت ابننا الوحيد وكيف مات شاباً فأرى تلك الشجرة تنتحب معي في ذكرياتي ، وتلك الحفرة تحاوطني بكلتا ذراعيها ،،،،
ينظر اليها الزوج في حزن ويومأ فقط برأسه حزيناً ،،،،

الشفق والغروب ،،،

السماء بدأت شفقها الأحمر الدامي كأنها نتاج معركه أبديه بين النور والظلام ينتصر الليل احياناً وينتصر الصباح أحياناً اخرى ،،،،
وصلت الرمال مع هبوب الريح الشديده الى ذروتها ،،،
كانت  هي تغوص في الحفرة الى عنقها وحقيبتها الفاخره ملقاه بجوارها ،،،،
لم يتبقى في الشجرة الجدباء سوى ورقة واحده تقاوم وحيدة تلك الرياح التي لا تهدأ ،،،،
كان الزوج يقف على باب قفصه هادئاً صامتاً ،،،،،
وهي لم يظهر منها سوى عنقها وشعرها وتشع من شفتيها تلك الابتسامه ،،،،
قالت : اتدري احساس الطفل الوليد وهو يبكي خارجاً من رحم امه ، تُري لماذا يبكي ؟؟ ، ربما يبكي لانه احس بمفارقة امه ،،،
انا ياحبيبي الان عندي احساس بأنني اعود الى رحم امي بل ورحم تلك الحياة،،
رغم ان الحفرة قد انتصرت علي لكني سعيدة لان معي تلك الذكريات السعيدة التي عشتهامعك ،،،،
نظرت لحقيبتها الملقاه امام عينيها بالقرب منها وابتسمت ،،،
والزوج يجلس مبتسماً ممسكاً بسياج قفصه لا يحرك ساكناً منتظراً حريته للخروج ،،،،
بدأ الصمت يحل بالمكان  الا من صوت الريح ،،،
ضعفت مقاومة الورقة الاخيرة في الشجرة الجدباء  واستسلمت فتطايرت بعيداً  في أتجاه الغروب ،،،،
انه الظلام ينتظر حتى وصول الصباح مع مركبة الشمس الذهبية ,,,,,

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لسلفادور دالي