الاثنين، 27 سبتمبر 2010

للحب يومٌ اخر

يوم شديد البروده كعادة أيام الشتاء ، جلست امام فرن الموقد كي تشعر بالدفء وتراقب الخبز خوفاً من ان يحترق ،،،
كانت هي وجدتها يعدان الخبز يومياً لكي يبيعاه مع الجرائد في الكشك الذي يمتلكانه في وسط الميدان ،،،،
هذا العام جدتها تحاول ان تخفف عنها بعض العمل ودائما ماتمنعها من الوقوف معها في الكشك لانها اصبحت في الثانويه العامه وتريد ان تدخر كل وقتها للاستذكار ، لكن الفتاة كانت ترفض لان جدتها قد بلغت من العمر عتيا وبدأ بصرها يضعف وخريف العمر قد أصاب صحتها ،،،،
كانت الفتاة تنظر في الكتاب وهي أمام الموقد لكنها شردت بذهنها بعيداً ،،،،
ياتري سيمر عليها في الصباح وهو في طريقه الى كليته ويشتري منها الجريده ، لم تراه منذ ثلاثة أيام ، دائما ماتجد  نفسها في حيره ، ان كان هو لم يعيرها اهتماماً او يحس بها ، فلماذا لم تبادر هي بالحديث معه ، تحس انه لطيف في الحديث معها ، أم هو كذلك مع الجميع ،،،،،
ارادت اليوم ان تلبس اجمل ثيابها كي تلفت انتباهه لكنها فوجئت ان جدتها وضعت فستانها الجديد في الغسيل ، فغضبت بشده من جدتها وقالت لها : لماذا لم تخبريني بأنك ستضعي الفستان في الغسيل ، انه نظيف ولم البسه بعد وكنت اريد ان البسه اليوم ، دائما ماتتصرفين من نفسك يا جدتي كأني مازلت طفلة صغيرة ....
كانت الجدة تجلس على كرسيها المعتاد بجوار الراديو ملتفه بدثارها الصوف القديم ، وقالت : أكان اليوم عيد وانا لا اعلم ، فغضبتي هكذا لانك لم تلبسي الفستان ، أم انه يوم عادي يمكن ان تلبسي فيه اي شيء ، جدتك اصبحت عجوز ولا تدرك مايحدث حولها من احوال الفتيات ، لكني مازلت صديقتك الوحيده وليس لكِ غيري في الحياة وليس لي غيرك ، اخبريني لماذا انتي حزينه وشارده منذ وقت طويل  .....
كانت الفتاة تعبأ الخبز وتغلفه فقالت : مازلتي يا جدتي صديقتي وليس لي احدٌ في الحياة غيرك لكنه فقط خوفي من الدراسه ومن الثانويه العامه ، أما الفستان فكنت اود ان اخرج به مع زميلتي نتمشى سوياً في وسط البلد ،،،،،
اخذت الخبز وخرجت مع جدتها بعد الفجر كي يلحقا استلام الطبعة الثالثه من سيارة  الجرائد ، ويفتحا الكشك مع بداية اليوم الجديد ،،،،
كانت تجلس مع جدتها للسابعه والنصف صباحاً ثم تأخذ المترو وتذهب الى مدرستها ، وترجع بعد الظهيرة وتظل مع جدتها بعض الوقت ويسلما الكشك للفتى الصغير الذي يعمل معهما ، كان فتى طيباً يسكن في الغرفه المجاوره لهما مع امه فوق السطوح ،،،،،
كان امين الشرطه هذا يقف بالقرب من الكشك وأمام سلم المترو ، يتطاول بالالفاظ على الصبي البدين الذي يبيع المناديل ويركل بضاعته الصغيرة بقدمه  ويمنعه من الجلوس ، والصبي يبكي ويطلب منه في حزن وبكاء ان يتركه يسترزق  ،،،،
التفت الى الفتاه وجدتها العجوز فابتسم وذهب اليهما وطلب من الفتاة زجاجه بيبسي ، لم يدفع ثمنها ، ثم نظر الى الفتاه نظره غريزيه شهوانيه كأنه كلب ضال يبحث عن انثى من بني جنسه منذ اسابيع ، قال لها : اي شيء تريديه سأكون في خدمتك ، الباشا الظابط المسؤل عن الميدان حبيبي ، وضع جهاز اللاسلكي في حزامه وابتسم لها وانصرف ،،،،،،
جلست الفتاه في الكشك ومعها كتاب الكيمياء ، وجدتها العجوز تجلس وسط الجرائد ، جائت صديقتها الوحيده والقت التحيه على الجده ، ثم وقفت مع صديقتها يتبادلا اطراف الحديث ، كانت الفتاه تحدثها عنه وانها كانت تنتظره اليوم يمر في الصباح ليشتري الجريده لكنه تاخر او ربما جاء بعد ماذهبت لمدرستها ، فطلبت منها صديقتها ان تتكلم معه وتبدأ هي بالصداقه لكن الفتاه رفضت وقالت لها : لا استطيع  جدتي لا تفارقني ابداً وانا خجوله واخاف ان اكون حمقاء  فيعتبرني مجرد طفله بلهاء !!
ضحكت صديقتها وقالت : انتي حره ، انا فقط علي النصيحه وانتي تتصرفي كيفما تشائين ، وانصرفت مودعه صديقتها وجدتها ،،،،
بعد ان انصرفا مع دخول الليل وسلما الكشك والجرائد للفتى ، نامت الفتاه قليلاً كي تسهر تذاكر دروسها وعندما استيقظت وضعت الجدة العشاء وجلسا سوياً يأكلان ،،،،
كانت الفتاه تنظر من الشباك الصغير الذي يطل على جزء صغير من العاصمه ، كانا يسكنان فوق سطوح احدى العمارات القديمه في عماد الدين ، كانت العمارات والفنادق الفاخره تتلألأ  في سماء القاهرة الصافيه رغم الشتاء ورغم بعض السحب الرماديه التي تعاكس قمر ليلها فيختفي تارة ويطل بوجهه تارة اخرى  ، واضواء لوحات الاعلانات تضيء وتطفيء في اشكال متعدده شاهدة على تلك المدينه الصاخبه وماتخفيه داخلها من افراح واحزان ، اغنياء وفقراء ، دائماً من صغرها مايبهرها هذا المنظر ولا تدري الى الان لماذا تقف أمامه مبهوره رغم اعتيادها عليه ،،،،،
جلست جدتها بجوارها وقالت لها : ايوجد شيء تخبئيه عني ؟ أليس بنا اتفاق ان تصبح جدتك العجوز صديقتك ؟
نظرت اليها الفتاه في خجل وقالت : لا ياجدتي لا يوجد شيء وانتي فعلا صديقتي كما اتفقنا ...
قالت الجدة : لن اسألكِ مرة اخرى لكني سأقول لكِ ، اننا وحيدتان في هذه الدنيا وانتي ليس لكِ سند في الحياة غيري ومن بعدي شهادتك التي ستجعل لكِ مكان ورزق في هذا العالم ، انا ان بقيت معكي اليوم فلن ابقى الى الغد ، لقد انهكني الزمن واصبحت كالشمعه التي يتداعى شحمها واقتربت من الخفوت ، لا تجعلى شيء يشغلك ابداً عن دراستك وشهادتك وبعد ان تحصلي عليها فكري في الحب لان هذا حقك ،،،،،،،،،،
وقف الشرطي أمام الكشك كالمخمور متكئاً يقشر بعض الحلوى ونظر للفتاه وقال : كيف حال القمر هذا اليوم ، ايه رأيك في ليله حلوه ولن اعز عنك شيء وسأدفع لكِ ضعف ماتأخذه اي فتاه  ، وعندي شقتي  وكل طلباتك اوامر ، ردي علي بسرعه قبل ان تحس بنا جدتك ....
قالت الفتاه وهي تتصبب عرقاً من الغضب : لو لم تبتعد عني سأصرخ وافضحك في وسط الميدان ، انت حيوان لكن الحيوان انظف من امثالك ....
القى الشرطي بالحلوى من يده في غضب وقال : اتجرئين ان تقولي لي هذا الكلام صدقيني ستدفعي ثمن هذا غالياً وستأتين الي راكعه ....
عادت من مدرستها في ذلك اليوم وتناولت الغداء مع جدتها في كشكهما الصغير وجلست تذاكر قليلاً ،،،،
لكنها صدمها ما رأت لتوها ، فقد نزل ذلك الشاب الذي تحبه من سيارة صغيرة مع فتاه جميله وأمسك يدها ودخل مطعم الوجبات السريعه الذي يبعد عن الكشك قليلاً ،،،،
كانت سيارتي شرطه قد وقفتا بجوار الكشك خرج من الاولى ظابط برتبه صغيره ومازال شاباً صغيراً وخرج من الثانيه ذلك الشرطي ،،،
وقف الظابط الصغير أمام الجدة العجوز وقال : من اليوم ممنوع فرش الجرائد هنا لانه اشغال للطريق انتي معكي ترخيص للكشك فقط وليس للجرائد ،،،
قالت العجوز : حرام يا ولدي هذه فرشتي منذ سنين ولم يقل لي احد انه اشغال للطريق وانا وابنتي نسترزق منه ...
قال الظابط الصغير في استهزاء  وحنق : اتعلميني شغلي يا ستي وطلب من العساكر وامين الشرطه ان يلموا الجرائد .....
وقفت العجوز تبكي وتقول حسبي الله ونعم الوكيل ،،،
والفتاة تنظر الى حبيبها من خلف زجاج المطعم وتنظر ثانية الى جدتها وتبكي ،،،
تبعثرت على الارض اوراق الجرائد والمجلات وتطاير جزء منها في وسط الميدان ،،،
مانشيتات : برائة ممدوح اسماعيل من قتل 1100 مواطن في عبارة السلام ،،،،
استمرار غلق معبر رفح حتى اشعاراً اخر ومنع قوافل الاغاثه والمعونات من الوصول للمحاصرين ،،،
مقتل عشرة شبان في احدى مراكب الهجرة غير الشرعية ،،،،
النيابة العامه : مقتل خالد السعيد مخنوقاً وليس بسبب التعذيب ،،،،
حفل زفاف في مرسى علم يتكلف ثلاثون مليون دولار ،،،،
انطلقت سيارتي الشرطه بعد ان ركب الظابط والامين والعساكر ،،،
سلمت الفتاه الكشك للفتى الطيب واخذت كتاب الكيمياء  الذي كانت تذاكر فيه
وامسكت بيد جدتها وانصرفا الى البيت ,,,,,,,,,,

ليست هناك تعليقات: