الجمعة، 4 يونيو 2010

الحلم الطويل 2

عادت في اليوم التالي كما وعدته ، ومعها الكتاب الذي اشترته له منذ يومين ، كانت الساعه قد تخطيت الثامنة مساءً وبدأت حركة الزائرين في المستشفي تخف تدريجياً ، وصلت الي الدور الخامس قسم الحالات الحرجه حيث يرقد ، مشت في ذلك الرواق الأبيض الطويل الممتد ، كانت هناك حركه سريعة للممرضات ربما يوجد مريض يحتاج الي مساعدة عاجله فكانت الخطوات متسارعه مما سرب اليها بعض التوتر والقلق ، فأسرعت من خطواتها حتي وصلت الي غرفته .....
جهاز المكيف كما هو يبعث مزيدا من البرودة في المكان وهو مازال علي ابتسامته التي لم تفارقه منذ ان ذهب في حلمه الطويل ، صوت المونتور واجهزة القياس علي دقاتها المنتظمه ، لكن اليوم عُلقت له بعض المحاليل التي لم تكن موجوده بالأمس ، لم تكن الممرضه المسؤلة عنه في الغرفه فجلست علي كرسيها بجواره وأخرجت الكتاب من حقيبتها ووضعته بجواره علي السرير .......
وحشتني يا حبيب العمر اليوم فرغت سريعاً من اعمال البيت بعد ان عدت من العمل حتى لا اتأخر عليك مرة اخري ،،،،،،،
وجئت اليك بالكتاب الذي كنت تود ان تشتريه ،،،،
ذهبت منذ يومين للمكتبه المفضله لديك في وسط البلد واشتريته انظر انه نسخه جيده ...
أتعلم ؟؟ اليوم حدث شجار بيني وبين أمي كالمعتاد ، انه خطيب اخر يتقدم لي وهي تحاول ان تفرضه علي ،،،،،،
لقد سئمت هذا !! وسئمت الفشل ، انها تصر اني لو لم اقبله ستقل فرصي للارتباط خاصة بعد زواجي الفاشل ،،،،
لكني لم اعد احتمل لقد اصبت بالجنون ، لماذا لا يتركوني في حالي ولماذا لا يتركوني انتظرك !!
ألا يكفيهم ماحدث ليي ولك ؟
لقد سئمت الحياة والأمل فأنت املي الوحيد أما ان تعود لي وأما ان اذهب انا اليك .....
مازال المحلول المعلق يتحرك قطرة قطرة ببطء شديد ودقات قلبه تنبض مع قطرات المحلول بانتظام ومازال مبتسم ,,,,
أمسكت الكتاب وفتحته علي اول صفحة ....
سأبدا لك اليوم قراءة الكتاب كما وعدتك ، اتمني ان تعجبك قراءتي وسامحني لو اخطأت قليلاً !!
فتحت الكتاب علي أول صفحة وسكتت ....
تنهدت ونظرت له ....
وهي تغلق الكتاب قالت لا ليس اليوم!!

لكني ساحكي لك جزء من قصتنا ربما تكون قد نسيتني في عالمك الاخر او اصبحت لا تعرفني ....
لن ابدأ كما بدأت انت عندما تعارفنا لاول مرة وقلت لك ميلادي وقلت لي ميلادك ،،،،
لكني سأتذكر كلماتك لي في مرة عندما قلت اننا قد نولد في الحياة مرة واحدة عندما يتحقق أمل بعيد ، لكن قد نموت مرات ومرات مع كل هزيمة وانكسار لكننا نُبعث من جديد كي نستكمل الرحلة ......
انا ولدت يوم التقيت بك منذ سنوات ، عندما التقينا في المكتبه وكنت ابحث عن كتاب ولم اجده ، فرأيتني محتاره وسألتني ان كنت ابحث عن شيء ، فُدهشت واحسست فيك ان غرضك لم يكن معاكستي  ، فقلت لك ابحث عن كتاب خاص بالادب الاسباني ، فوجدتك سريعاً ارشدتني اليه وبدأ حديثنا وتعارفنا .....
وجدتك مثقفاً وواعياً فاتخذتك معلماً لي في حياتي وتعلقت بك كطفلة تائهة كانت تبحث عن أبيها في الزحام ....
بدأت قصة حبنا كنت انا اميرتك المتوجة علي عرش قلبك ، وكنت انت مُعلمي وطفلي في آن واحد ، تعاهدنا علي الوفاء والحب وبناء شركتنا الي اخر العمر ....
كانت دقات قلبه تزداد قليلاً وقد نقص المحلول الي الثلث رغم تحرك قطراته ببطء
أمسكت يداه اليمني كأنها تريد ان تبعث فيها الدفء ......
كنت انت قد استقررت في عملك وبدأت اعداد حياتك ومستقبلك رغم المتاعب التي كنت تواجهها ، لكنك دائما ماكنت تخبرني انها هي الدنيا ، الله سبحانه قدر لادم الخروج من الجنه كي تعاني ذريته الي يوم البعث وتكون السعادة الدائمة في الجنه فقط ....
الي ان تم الغدر بك من هم المفترض اقرب الناس لك وظُلمت ظلماً شديد وجئتني باكياً وسألتك فقلت لي اتتذكري اخوة يوسف عليه السلام ولم تذكر لي غير ذلك ،،،،
بدأت حياتك تتخبط تبحث هنا وهناك كي تستكمل رحلة البناء التي بدأتها ...
نزلت دموعها فلم تُرد ان تمسحها فتركتها تتساقط كما تتساقط قطرات هذا المحلول الذي يغذيه ....
هنا بدأت اتخلى عنك بعد ضغوط الحياة علي ، لقد تقدم لي ذلك الخطيب الثري وبعد الحاح امي علي قبلته ، بعترف اني قد نظرت للمظهر الفخيم ورأيت فيه المستقبل ونسيتك بكل قسوة ....
اخبرتك بأنهاء علاقتنا وكانت حجتي الظروف فلم تقل لي غير مع تمنياتي بالتوفيق ....
كنت انت تدخل في بداية حلمك الطويل ورحلتك المجهوله نوبات متكرره من الصداع الشديد وعدم توازن بشكل غريب ، وكان الامر سريعا بشكل لم اتصوره فقد دخلت في غيبوبتك الي الان ....
وانا تكشف لي تدريجيا سوء اختياري لانسان بشع كان يتلذذ بتعذيبي واهانتي  وجرحي ،،،،

كأن العقاب لم يمهلني حتي لحظات من السعادة الزائفه ، فكان العقاب مزدوجاً فشلي في حياتي وغيابك عني ...
من وقتها وانا ابحث عنك وانتظرك ان تعود وتنتشلني اعوضك وتعوضني لكنك تأبى ان تعود لهذا العالم البغيض ،،،،
لو كنت نسيتني هل تذكرتني الأن هل عرفتني ؟؟
انا من تخليت عنك وانا الان من اعيش من اجلك أما ان تعود لي وأما ان تأخذني لعالمك الاخر وحلمك الطويل ....
مع انتهاء قطرات المحلول بدأت تمسح دموعها وتركت الكتاب بجواره ...
غداً ياحبيبي سأبدا لك قراءة الكتاب ، سأتي اليك مبكراً ، وقبلت يديه ورأسه واستدعت الممرضه وطالبتها بتغير المحلول وانصرفت بعد تأخر موعد عودتها لبيتها فمشت سريعاً عبر الرواق الأبيض الممتد تسمع وقع قدميها بقوة ...
وهو مازال مبتسماً لها وللعالم اجمع لا يعلم متى سيعود او ربما لا يعود ،،،،
قد يكون عالمه الجديد وحلمه الممتد اجمل واحلي من هذا العالم البغيض
لكن لا يعلم سر عالمه الغامض غيره هو !!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لسلفادور دالي

ليست هناك تعليقات: