الأربعاء، 18 مايو 2011

تراتيل العودة

حرك نسيم الهواء القادم من الجليل الأعلى خمارها الأخضر ، فأحكمته حولها وحول الرضيعة المتشبثه بصدرها ،،،
تجلس أسفل شجرة الزيتون العتيقة الراسخه في تلك الأرض منذ أيام أبراهيم الخليل وموسى والمسيح ،،،
الشمس لم تصعد بعد من خلف سهول الجليل الخضراء ، على المدى والأفق القريب تنظر الى القبة الصفراء التي عرج بجانبها محمد بن عبد الله الى السموات السبع ، تؤنسها في أسرها ابراج كنيسة قيام المسيح ،،،،
الرضيعة تبكي والأم تعطيها ثديها الوهن الضعيف ،،،
بدأت تغريبتها هي وزوجها وأهلها عن قريتها الصغيرة منذ سبع ليالي ، قالوا لها سوف تعودين بعد أيام ،،،،
قتلوا الزوج والأب والأخ وصارت الأيام سنين ،،،،
تحتمي بأغصان الزيتون تهز جذع الشجرة العتيق فتساقط عليها ثمرات لا شرقية ولا غربية ،،،،
انها مُرة لكنها جعلت لبن ثديها ينسكب بغزارة للرضيعة الباكية ،،،
صوت السيارات الثقيلة يقترب منها فارتعدت واخفت وجهها بخمارها الاخضر ، واحتمت خلف الشجرة العتيقة ، تلفتت وايقنت أن عليها أستكمال المسير ،،،
داخل كروم العنب وجدت أناسٌ مثلها يسيرون ، لا يدرون مثلها الى اين ؟
الشرق أم الغرب ، الشمال أم الجنوب ، لكنهم يسيرون ،،،
عجوز أعمى بعصاه ، وفتاة تحمل بعض المتاع ، وأم تعالج طفلها المريض ، لكنهم يسيرون ،،،
ذهبت للطفل المريض ووضعت ورق شجرة الزيتون العتيقه على صدره وقالت للأم أحكمي عليها الدثار سيشفى بأذن الله ،،،،
على الأفق أختفت القبة الذهبية وبرج الكنيسه العتيقه والشمس عبرت الجليل ، وموكب الراحلين لا ينفك عن ترديد تراتيل العودة ،،،
أقترب منهم صوت طلقات البارود ، يطاردونهم ، يبعدونهم ، كلما ابتعدوا هدأ خوف الغزاة الغرباء ، وازداد يقين الراحلون بالعودة ولو بعد حين ،،،
كروم العنب الخاوية على عروشها شاهدة على الرحيل منتظرة بلا سأم عودة الراحلين ،،،،
يسقط العجوز الأعمى ميتاً ، ويشفي الطفل المريض ،،،
واختفت سهول جبل الجليل ،،،،
الشمس تجري لمستقرٍ لها وتمر الليالي وهم يبتعدون ،،،،
صدى تراتيل العودة مازال يتردد في السهول والوديان ، بين أشجار الزيتون والكروم ،،،،
الأقصى وكنيس القيامة وجنبات البلدة القديمة يطلون من خلف الأسوار يتلفتون وينتظرون العائدون  ،،،،،
أيام وسنون وعشرات السنوات ولم تتوقف تراتيل العودة ،،،
حتماً بلا ريب سيعود الراحلون وتعود الرضيعة ولو بعد حين الى شجرة الزيتون العتيقة الراسخه في الأرض منذ الاف السنين ,,,,,

ربيع 2011 ذكرى النكبة

ليست هناك تعليقات: