الاثنين، 25 أكتوبر 2010

المدينة

وضع أوراقه وقلمه الرصاص في حقيبته الصغيرة وخرج في المساء كالمعتاد ، كانت السابعة مسائاً والجو بارد جدا هذا اليوم ، يوماً شتوياً شديد البروده ،،،،
المقهى الذي يرتاده ليس بعيداً عن بيته ، لكنه يحب ان يتمشى في شوارع مدينته الكبيره في مثل هذا الوقت من المساء ، فيأخذ اكثر من طريق حتى يصل الى مقهاه الخاص ،،،،
ينظر لتلك الوجوه التى اثر فيها هواء الشتاء البارد والانفاس التي يخرج منها البخار ، فأصبحت الضحكات مستعصية عليها والابتسامه تكون بالكاد ،،،،
الخطوات مسرعة والايدي تبحث عن الدفء في جيوب المعاطف ، لا يدري لماذا هو فقط من يبطء في السير ، ويقف أمام الفاترينات والمحلات ينظر للأضواء الكثيرة كأنه يبحث عن المفقود دائماً وسط اضواء الفاترينات والسيارات حتى اشارات المرور ،،،،،
غريب في مدينته التي لم يعرف سواها ولم يخرج منها يوماً ، والغريب دائم البحث عن شيء مفقود داخل تلك العيون الكثيرة ، والغريب دائم الخوف من نفس تلك العيون ،،،،،
هاهو المقهى بضوئه الخافت وشكله الايطالي المميز ، ذهب الى طاولته التي اعتاد الجلوس عليها بجانب الشباك المطل على الشارع ،،،،،
خلع معطفه واخرج أوراقه وقلمه الرصاص وقبل ان يبدأ الكتابه طلب قهوته ،،،،
الورقه مازالت بيضاء لم يخط فيها جمله او حرف منذ يومين ، لماذا يستعصى عليه قلمه ، اكثر مايحزنه ان تهرب منه أفكاره وتتناثر في جنبات عقله الشارد فيعجز كثيراً أن يلملمها ،،،،،
بدأ الكتابه ، وظل حائراً في العنوان ، لا يهم العنوان الان ، سيختار العنوان بعد حين ،،،
لا لا ليكن العنوان هو المدينه ،،،،
أنها مدينته الصاخبه وحكايتها التي لا تنتهى خلف ابواب بيوتها القديمه ، الخير والشر ، الحب والكره ، السعادة والتعاسه ،،،،
والظلم والعدل ،،،،،
الفتاة التي تعرف عليها في هذا المقهى الأيطالي ، في أحدى أيام الربيع وجدها تجلس بالقرب منه تشرب قهوتها ، وهو يكتب كالمعتاد وعندما لفتت انتابه توقف عن الكتابه ، ظل يراقبها وهى تمسك فنجانها بكلتا يديها ، جمالها ليس بالمبهر ولكن يوجد سحر خاص في عينيها لم يدرك سره الا متاخراً جداً ،،،،
تعرف عليها بشكل لم يجعله متطفلاً ، وانجذبت اليه سريعاً ، واشتعلت سريعاً تلك العلاقة التي ادرك بعد حين انها حباً ،،،،
كانا كثيراً ما يتمشيان سوياً في وسط المدينه وزحامها ، يرتادا المكتبات ، يجلسا أمام النهر وقت الغروب ، تشاركه كتاباته ، يتشاجرا لأسباب كثيرة ، ويسترضيها اخيراً في كل مرة ،،،،
كان يحبها وسيتزوجها ، وجد هذا الشيء المجهول الذي ظل يبحث عنه كثيراً ، انها تلك العينين ،،،،،،
لم يكن يعلم انه سيفقدها سريعاً ، لو كان يعلم مانظر لعينيها ،،،،
انتظرها في المقهى كما أتفقا ولم تأتي ، ظل ينتظر كثيراً ،،،،،،
ومازال ينتظر ،،،،
ربما كانت حلم او طيف ظل يراوده في يقظته وفي منامه حتى صدقه ،،،،،
ربما غدرت به او ربما هاجرت بعيداً ،،،،
ينظر الى تلك العيون والوجوه وهو يتمشى في مدينه ، وهو يقف أمام الفاترينات ، حتى بين ارفف الكتب في المكتبه ، قد يجدها يوماً في المقهى الذي تقابلا فيه سوياً ،،،،،
اشتد البرد هذا المساء ، ونظر من خلف الزجاج فوجد قطرات بسيطه من المطر ،،،
 ، انتهى من قهوته ولم ينتهى من قصته ، لملم أوراقه ولبس معطفه وترك الحساب وخرج ليتمشى عائداً الى بيته  ،،،،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لمونيه

هناك 5 تعليقات:

ميس فلسطين يقول...

شكرا على القصه الرائعه والحزينه
ومدونتك جدا رائعه
ومميزه
تحياتي

Unknown يقول...

شكرا جدا يا ميس والحمد لله انها عجبتك

واتمني باقي التدوينات تعجبك ان شاء الله

تحياتي ليكي

eman said يقول...

كثيرا ما تواجهنا المتناقضات أو المتضادات وعلينا الإختيار ..ترى هل الأختيار فى حد ذاته شئ صعب ؟..وإن كنت سأختار لابد فهل على أختيار ما أحب ..او ما هو صائب حين يتعارضا .؟..؟؟

eman said يقول...

بالمناسبة زهرة الصبار سابقا

Unknown يقول...

eman said

بعتذر عن التاخير في الرد بسبب مشاكل في النت

صعوبة الاختيار بتتوقف على الموقف والخيارات المتاحه

دائما القلب يختار ما يحب والعقل يختار ماهو صائب

الصعوبة في التوفيق مابين القلب والعقل