الأحد، 20 مارس 2011

العصفور


في شُرفة البيت القديم جلست كعادتها على كرسيها البامبو بين أصص نباتات الزينة التي تعتني بها ، الشتاء بارد هذا العام لكن الشمس تزور شرفتها من بعد العصر ، فتجد الوقت ملائماً لتجلس تعتني بالنباتات وعصفور الكناريا ،،،،
الشارع هاديء مابعد العصر كشوارع مصر الجديدة الهادئة دوماً ، بينما هو أمام حديقة منزله يقوم بأصلاح سيارة والده ذات الموديل العتيق ، وصية والده ان يعتني بها ولا يفرط فيها ،،،،،
وضعت الحبوب للعصفور في قفصه فقفز على كفها الصغير وقبض بمخالبه الرقيقة عليها ، فتركت كفها داخل القفص حتى يلتقط الحبوب منها ،،،
كانت أمها العجوز على كرسيها المتحرك تراقب من داخل الغرفة فالتفتت أليها أبنتها فذهبت وأحضرتها وجلسا سوياً في الشرفة يتبادلا الحديث ،،،
يوم الجمعة تأخذ أمها في نزهة في الشوارع القديمة ، منذ سنين لم تمل الأم تلك النزهة بين المساجد والكنائس القديمة ، والفيلات والعمارات التي مازالت كما هي من عهد البارون مؤسس مصر الجديدة ،،،،
الفتاة لم تتزوج بعد ، لم تخاطر ان تترك أمها وحيدة أو أن تأتي برجل يعيش معها ولن يستطيع تحمل أمها ، فظلت بدون زواج الى أن تخطيت الثلاثون من عمرها ،،،،
عادت فزعة من عملها ، لقد رأت مظاهرات حاشدة في وسط البلد ، لم تهتم لماذا يتظاهرون ،،،،
كان جارها عائداً من عمله ممسكاً بالعلم وبعدها رأته يضع العلم في شرفته ،،،،
في المساء جلست مع أمها أمام التلفاز ، مظاهرات حاشدة تجتاح ميدان التحرير والسويس والأسكندرية ، سقوط عدد من الشهداء في السويس ، أستعمال العنف المفرط من قبل الأمن تجاه المتظاهرين ،،،
كانت تتابع بفزع ، لماذا العنف ، وجهت سؤالها هذا لأمها ،،،،
لم تستطع النوم ، منذ طفولتها لا تنام الا وغرفتها مضائة ، في تلك الليلة لم تنم للصباح ،،،،
أبلغوها في العمل انها وزملائها في اجازة مفتوحة حتى تهدأ الأوضاع في الشوارع ،،،
مازال جارها يصلح سيارة أبيه ذات الموديل العتيق والعلم يرفرف من شرفته ،،،
صوت التلفاز يصل أليها وهي في شرفتها ، الرئيس يعلن حالة حظر التجوال ونزول الجيش للشوارع ، انتابها الفزع ، ماذا يعني نزول الجيش الى الشوارع ، لم تستطع الأم الأجابة على سؤالها ،،،،
الدبابات وصلت بالقرب من شارعها ، كانت ترى دبابة من غرفتها ، صوت الطلقات النارية يأتيها من بعيد ، وصرخات المستغيثين في التلفاز خائفين من البلطجية ،،،
ظلت تبكي ، ونامت ليلتها مع أمها ،،،،
في الصباح وضعت الحبوب لعصفورها في قفصه وظلت تاركه كفها حتى يلتقط منه ، لكنه ظل متشبثاً بقضبان قفصه الصغير ،،،،،
الملاين يتجمعون في ميدان التحرير يوم الجمعة ويعتصمون في الميدان ، سألت أمها : ماذا يريدون أنهم يخربون البلد ، قالت أمها وهي تبتسم : قد يكونون على حق ........
مر سبعة أيام ولم ترى جارها الشاب وعلم مصر أختفى من شرفته ،،،،
يوم جمعه أخر ...
قبل حلول المساء ...
الألعاب النارية تنطلق في سماء القاهرة والجميع يخرجون الى الشوارع ، لقد تنحى الرئيس ،،،،
الكل يرقص رجال ونساء واطفال وشباب ، السيارات كلها منطلقة في الشوارع حول بيتها تحمل أعلام مصر ،،،
تراقب هي وأمها من الشرفة ، والعصفور متشبثاً بقضبان قفصه الصغير ،،،،
أحست بفرحة وقشعريرة في جسمها لم تعهدها ، لم تفرح منذ زمن ، حتى لو كانت لا تعلم لماذا هي فرحه ، لكن فرحة الملاين حولها جعلتها تفرح هي وأمها ،،،،
في الصباح دق جرس الباب ، فوجدت أمامها جارها الشاب المختفي منذ اسبوعين ، طلب أن يقابل والدتها ،،،
لقد قام بتغطية سيارة أبيه وتوقف عن أصلاحها ، وقرر شراء سيارة جديدة ، وظهر العلم مرة اخرى في شرفته ،،،،،
كانت في الشرفة هي وخطيبها أو جارها يجلسان سوياً ،،،
أستأذنها وفتح باب القفص الصغير ، وأطلق عصفور الكناريا للسماء ، لم يخاف العصفور رغم انه توقف عن الطيران منذ زمن لكن أنطلق بقوة كأنه يعرف الى أين يطير وينطلق ،،،
ظلا يراقبانه حتى أختفى بين الأشجار ،،،
أمسكا بكرسي الأم وأدخلاها الى البيت بعد أن هبت نسمة باردة على الشرفة القديمة ،،،،،

ليست هناك تعليقات: