الأربعاء، 11 يوليو 2012

ليلة مزدحمة


اعتادت دائماً أن يكون طريقها في الحواري والأزقة الضيقة بعيداً عن الشوارع الرئيسية حتى تصل الى الميدان الكبير الذي يوجد فيه المطعم الأيطالي الذي تعمل فيه نادلة ، يقع المطعم على يمين المكتبة ودور النشر الكبيرة ومواجهاً لدار السينما القديمة ....
نفس الخطوات الخجولة الخائفة تتخذ سبيلها بجوار الجدران ، أبتسامة الرضا لا تُفارق وجهها ، رغم هذا الشجار المتواصل في بيتها بين أمها وأبيها ، يتلاشى داخل عقلها أصوات السيارات والمارة ويتردد في جنبات عقلها صوت الشجار المتواصل ، الا أن الأبتسامة تظل تُخفي خلفها احزانها الممتدة لا تدري منذ متى ، ربما منذ طفولتها ، قد تكون الأبتسامة المرسومة بريشة حانية لا تعبر عن حقيقة ماتحتويه لوحة الأنسان من اسرار ، أحياناً يكون الوجه كصدفة بحرية صلبة جميلة كانت أم قبيحة لكنها لا تُكشف أبداً هما تحتويه داخلها ......
تصل الى المطعم ، الميدان دائم الزحام كعادته ، والمحلات تتجهز بالزينات استقبالاً للعيد ،  والعجوز بائع الجرائد أمام الفاترينه الزجاجية  يجلس على كرسيه الخشبي يحتسي الشاي ، وبعض المارة يقرئون عناوين الصحف وقوفاً أمامها ....
كان الصبي الصغير قد بدأ لتوه في تنظيف زجاج المطعم ، أبتسم عندما رأئها تقترب ، فألقت عليه التحية واضعة كفيها الرقيق فوق شعره المجعد ثم أسرعت للدخول ,,,,,
الكراسي مقلوبة على الطاولات وزميلاتها يضعن الزينة بطول المطعم وعرضه ، لا يتوقفن عن الثرثرة ويظل السؤال الدائم بينهن هل سيغادرن اليوم مبكراً بمناسبة العيد أم لا  ؟؟
دخلت الى غرفة تغير الملابس وارتدت ملابس المطعم المميزة باللون الأحمر والأسود ، اعتادت حتى مع تغير ملابسها ان ترتدي ثوب السعادة أمام الزبائن والكلام المُنمق أن تنزع عنها عباءة الحزن ، أن تطرد أصوات الألم مؤقتاً من عقلها حتى تعود اليها من جديد مع ارتداء ملابسها العادية مرة أخرى ....
مع أقتراب موعد الغداء يبدأ المطعم في الازدحام ، موظفون الشركات المنتشرة في الميدان يتوافدون على المطعم مع وقت الراحة الخاص بالغداء ، وتتسارع الحركة في المطبخ وفي المطعم من عمال ونادلات ،،،،
تتلفت عليه بلهفة وتنتظره بشوق ، يأتي بأنتظام وحيداً يطلب البيتزا الايطالية ويجلس يأكلها في الخارج في الحديقة الكبيرة التي تتوسط الميدان ، تظل تراقبه من خلف فاترينة المطعم ومن خلال الأعلانات الملونة التي تُزين الفاترينة العريضة ، ينظر لها بأبتسامته المشرقة ويتكلم معها قليلاً يطمأن على أحوالها ثم ينصرف سريعاً .....
لم يأتي في موعده هذا اليوم ، تختلف الوجوه وتتعالى الأصوات بطلبات الطعام ، وهي تقفز مُسرعة من طاولة الى طاولة ، يجب عليها ان تكون حريصة سريعة مبتسمة دائماً ...
يزداد الميدان ازدحاماً ، واشارة المرور القريبة من الميدان متوقفه بأستمرار عند الأشارة الحمراء فتتوقف السيارات ، يتعالى منها أصوات اجهزة التسجيل بالأغاني الصاخبة ، والات التنبيه لا تتوقف أبداً ،،،،،
دخل الى المطعم ممسكاً بيديها يتحدث اليها ضاحكاً ، ثم توقف أمامها مبتسماً وطلب منها البيتزا المفضلة له ولفتاته ......
غابت تلك الأبتسامة عن وجهها عندما رأته مع فتاته الجميلة ، ضعفت حركتها السريعة المطلوبه منها دائما ، ثم غاب عنها حرصها فسقط من يديها أحد الأطباق فأصدر ضجة مفاجئة ، صمت الجميع لبرهة بحثاً عن الشيء المكسور ثم عاد الضجيج كما هو سريعاً ,,,,,
لم يأخذ البيتزا كما اعتاد ليأكلها في الحديقة التي تتوسط الميدان ، لكنه جلس مع فتاته على احد الطاولات بالقرب من عازف الجيتار الذي بدأ يعزف الحانة ,,,,
وضعت الأطباق على الطاولة ، فشكرها مبتسماً ثم قدم اليها فتاته على أنها خطيبته ، فألقت عليها التحية ثم أنصرفت لتلبي طلبات الزبائن ،،،،
مازال عازف الجيتار يعزف الحانه ،،،
دفع حساب البيتزا ثم أمسك بيد فتاته وأنصرف ، تتبعته بعينيها من خلف الفاترينة الزجاجية والملصقات الملونة المنتشرة على الفاترينة الى أن اختفى وتلاشى بين الزحام وضجيج الميدان ,,,,
غيرت ملابسها وارتديت عباءة همومها من جديد ، ثم غادرت مع زميلاتها ، كان زميلاتها يضحكن فرحاً بالعيد وهي على ابتسامتها الخجولة ، تركنها وانصرفن وهي وقفت وسط الزحام ،،،
أنطلقت من حولها الألعاب النارية أحتفالاً بالعيد ، وألات التنبيه لا تتوقف والموسيقى الصاخبة تنتشر في كل مكان ، كان الميدان يموج كبحر لجي يغشاه الزحام من يمينه ويساره ،،،،
لم تذهب كالمعتاد الى الأزقة والحواري الضيقة ، لكنها توقفت في الحديقة التي تتوسط الميدان وجلست على الأريكة الخشبية المقابلة لدار السينما القديمة ،،،،
تأخر عليها المساء وهي جالسة وحيدة ،يجلس بالقرب منها هذا العجوز الذي يجلس وحيداً كل ليلة الى أن يشرق الصباح ,,,,,
أقترب الفجر وأصبح الميدان خاوياً الا من بعض سيارات تمر مسرعة ، الدكاكين مغلقة وتطاير الزينات وأوراق الجرائد والقمامة في وسط الميدان ، بينما تجوب الميدان سيارة النظافة بالمصباح الأصفر الذي يدور فوقها ،،،،،
مع تكبيرات العيد وتلك النسمات الصباحية عادت الى بيتها ، لكن بعيداً عن الأزقة والحواري الضيقة ,,,,,,,,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لبابلو بيكاسو

ليست هناك تعليقات: