الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

مذكرات الحب والحرب ( رُقية )

قرية زيرنوفودسكا .. بالقرب من العاصمة الشيشانية جروزني \ ربيع 2002

وقفت تدفيء نفسها بالشمس  بالقرب من باب بيتها ، بجوارها طفلها يلعب بدراجته الصغيرة ، كانت تنظر الى حقلها الصغير المزروع بالقمح ، أوان حصاده لم يأتي بعد لابد ان تنتظر لبداية الصيف  ، حيث طال الشتاء وتساقطت الثلوج كثيراً هذا العام ،،،،
تزوجت وهي في سن الثامنة عشرة من ابن عمها عمر كريموف ، كانت من اجمل نساء القرية وتقدم لها خُطاب كثر ألا انها اختارت ابن عمها حيث كانت تجمعهما قصة حب منذ الصغر ، وانجبت طفلها الوحيد منذ ثلاثة سنوات واسمته على أسم أبيها علي ،،،،،

كان أسمها رُقية علي رحمانوف ،،،،
 هذا اليوم تجمع بالقرب من بيتها بضع من نساء وفتيات القرية يتحدثون عن التوتر القائم منذ فترة ، وخروج بعض  رجالهم لتلبية نداء قائدهم موسى باراييف للجهاد ضد الروس بعد مقتل عمه القائد الاكبر عربي باراييف ،،،
قاموا ببعض العمليات ضد دوريات للقوات الروسية على الحدود مع انجوشيا وداغستان ،،،
ألا ان جائت اكبر العمليات منذ أيام وقُتل فيها اكثر من عشرين روسياً ، وكان متورط في العملية بضع من رجال القرية ،،،،
زوجها لم يخرج مع الرجال حيث فضل ان يبقى مع زوجته وطفلهما ، وللعناية بالحقل الصغير ، لا يوجد مايعتني بهما في غيابه ، ففضل أن يبقى بجوارهما ،،،،

بعد مرور ثلاثة أيام ,,,,,

نزل المطر هذا الصباح زخات ، فأسرعت رقية بجمع ملابسها المغسولة خارج بيتها ، وقام الزوج بأدخال بعض المستلزمات الى داخل البيت ،،،
ألا انهما سمعا صوت مكبرات الصوت الخاصة بالمسجد تحذر اهل القرية من الخروج وتطالبهم بألتزام الديار ، القوات الروسية المدججه بالسلاح والدبابات والمصفحات شرعت في اقتحام القرية ، بعدها بقليل بدأ دوي أطلاق النيران الخفيفة والثقيلة ، اخر ما نطقه المنادي من ماذنة المسجد الله اكبر ثم صمت ،،،،،
أخرج عمر بندقيته الكلاشينكوف وطالب زوجته ان تغلق عليها باب الدار وتظل هي والطفل ولا تخرج مهما حدث ،،،،
بدأ القتال في القرية بين بضع من الرجال المسلحين بألاسلحة الخفيفة والبيضاء وبين القوات الروسية المدعمة بالمدرعات والدبابات ،،،،
لم يصمد الرجال كثيراً فسقط منهم الكثير وتم اعتقال الباقين منهم ،،،،،
ظلت القوات الروسية تجوب القرية بحثاً من المطلوبين من المجاهدين ، واعتقلت النساء والأطفال والعجزة واحتجزتهم في سيارات الأعتقال الكبيرة ،،،
كان عمر يحاول التسلل الى منزله للوصول الى زوجته وطفله والهرب بهم الى احدى التلات القريبة من القرية ، وعندما وصل وحاول الفرار هو وزوجته وطفله كانوا الروس قد حاصروا المنزل واقتادوهم للأعتقال ،،،،
أعلن مكبر الصوت من أحدى المصفحات الروسية موجهاً حديثه الى أهل القرية باللغة الشيشانية الناخ : بأن من يدلى بأي معلومات عن المجاهدين سيتم الأفراج عنه وتأمين سلامته ،،،،،،
لم يصلوا لأي معلومات ،،،،

صباح اليوم التالي ,,,,,

تم ربط وثاق رقية واقتيادها مع بقية زملائها من النسوة والفتيات الى احدى الساحات في القرية ،،،
كان الفتيات يصرخن ويبكين والنسوة أيضاً ، وكانت رقية تهدأ من روعهم وتطالبهم بالصبر وتقول لهن : لا تحزنوا أن الله معنا ،،،
كانت قلقة وفزعة على طفلها لا تدري ماذا فعلوا به ،،،،
لقد أخذوه منها وقت الأعتقال عندما ضربوا زوجها ففقد الوعي وهو يقاوم الروس ، لا تدري ماذا حل بهما ، كان الطفل في المسجد مع بقية الأطفال مع النسوة الكبيرات بالسن الذين لم يعتقلن ،،،،
كان الروس اشبه بالذئاب القطبية البيضاء او الدببه ، ضخام الجثه ، الصرامه والبرود يملئان وجوههم ،،،
أتوا بالرجال مقيدين وصفوهم بالطول في أول الساحه ، وتم اقتياد الفتيات والنسوة الى منتصفها وصرخاتهم تصل الى عنان السماء ،،،
وبدأت عمليات الاغتصاب الوحشية على مرمى من عيون رجالهم ،،،

كانت احدى الفتيات بجوار رقية تقاوم الاعتداء عليها ، فسقطت قتيلة بجوارها وهي تنطق الشهادة  ،،،،
وصل  جندي روسي الى رقية ، كان اصلع الرأس واحمر الوجه ويضحك وينظر لها بشهوانية ، فقام بنزع حجابها وفك العصابة من على عينيها ، وبدأ بنزع ملابسها ، فبصقت عليه وصفعته على وجهه ، فاهتز صدغه كالخنزير الوردي ، فصفعها بدوره على وجهها فهوت على الارض وسقط الدم على شفيتها وجهها الابيض النقي ،،،
اندفع عمر وصرخ ، فدفع احد الجنود بقبضتا يديه المقيدتين بالشريط ، فقام على اثره باقي الرجال واندفعوا الى الجنود ،،،،
أمر النقيب قائد المجموعة بربط الرجال في المصفحات والاعتداء عليهم جنسياً أمام النساء وزوجاتهم وبعدها أمر بقتلهم بدمٍ بارد ،،،،
لم تدمع ولم تصرخ لكنها ظلت تردد مع نفسها : صبراً جميل والله المستعان على ماتصفون وحسبي الله ونعم الوكيل ،،،،،
سقطت بعض الفتيات والنسوة قتيلات من اثر التعذيب والباقين تم اطلاق سراحهم بعد المجزرة وأحراق البيوت ،،،،،

احدى معسكرات التدريب بالقرب من جورجيا \ صيف 2002

أصبحت الان ضمن صفوف المجاهدين الشيشان ، كانت تابعة للمجموعات الخاصه بموسى باراييف ومظفر باراييف ،،
بعد المذبحة التي وقعت في قريتها أنطلقت رقية هي وطفلها بمساعدة بعض المجاهدين ومعها بعض من أرامل الرجال الذين قُتلوا على أيد الروس الى مغادرة القرية ، كانت مجموعات المجاهدين يوفرون الدعم المادي والاعتناء بأرامل ويتامى القتلى منهم ،،،
ألا ان بعض الأرامل قررن الانضمام الى صفوف المجاهدين وهو ماوافقت عليه القيادة لاستخدامهم في بعض العمليات الخاصة التي تحتاج للعنصر النسائي ،،،
بدأت رقية التدريب في احدى المعسكرات المدعومة مادياً  من بعض المجاهدين العرب والمخابرات الجورجية المعادية للحكومة في موسكو ،،،
كانت تتدرب على حمل السلاح والتمريض ، وبعض من أفانين القتال ،،،
في نفس التوقيت كانت فرقة المجاهدين يعدون لعملية كبيرة في موسكو وينون تنفيذها في مطلع الخريف القادم ،،،

الأعداد لعملية نورد أوست ,,,,,

بدأ التخطيط الفعلي للعملية ، وهي احتجاز رهائن في أحد المسارح الكبيرة بموسكو ، الغرض من العملية هو مقايضة الحكومة الروسية بالأفراج عن الرهائن مقابل وقف الحرب في الشيشان والانسحاب منها ،،،،
العملية تحتاج الى حوالي اربعون من اكفأ المجاهدين ولا مناص من اشتراك النساء المجاهدات التي ستُبنى عليهن الخطة ،،،،
تم أختيار اربعة من النساء في المعسكر من بينهن رقية ، كانت سعيدة وأحست بالفخر بأنه وقع عليها الأختيار ،،،،
بدأ نقل المتفجرات الى موسكو في الشمال عبر الطرق البرية بمساعدة المخابرات الجورجية ،،،،
وانتقال المجاهدين والمجاهدات المنفذين للعملية من اكثر من جهة ، من جورجيا وانجوشيا وداغستان ، بلغ عدد المشتركين في العملية أربعون رجل بينهم ثمانية عشرة امراة تحت قيادة مظفر باراييف ،،،،،

موسكو \ قبل العملية بيومين 20 أكتوبر 2002

وصل المنفذون الى موسكو منذ اربعة أيام أي قبل العملية بستة أيام ،،،،
كانت رقية حزينة على فراق طفلها التي تركته مع صديقتها في الشيشان ، بكيت كثيراً وهي توعده لا تدري أن كانت ستراه مرة اخرى أم لا ، لكن من داخلها قاومت حتى أحساسها بالأمومه من اجل هدف أسمى هو حريتها وحرية شعبها ، من اجل ان يصبح طفلها حراً يعيش بكرامته في وطنه الذي ليس له بديلاً او وطناً أخر ،،،،
تم الأتفاق على كيفية دخول المتفجرات والسلاح الى المسرح ، وتوزيع الأدوار على افراد المجموعة وكيفية تنفذيها بدقة ،،،
جهزوا ملابس السهرة ، البدِل السوداء للرجال والفساتين الروسية للنساء ،،،،

مسرح نورد أوست .. موسكو \ 23 أكتوبر 2002

كان الضباب يكتنف شوارع موسكو وهطل الثقيع بعد الغروب وازدادت برودة الجو ،،،،
بدأ الجمهور يتوافد على المسرح بأعداد غفيرة  ، كان العرض الكبير ووصل العدد الى اكثر من الف ،،،
توضأت رقية وصليت ركعتين واحتفظت بمصحفها الصغير معها وصورة طفلها وزوجها ، وقالت لنفسها أني مهاجرة الى الله فياربي ان عدت عدني منتصره او تقبلني عندك مع الصديقين والشهداء ،،،،،
دخل المنفذون الى المسرح من أبوابه المتفرقه بعضهم كأنهم زوج وزوجته ، واخرين على هيئة عمال كهرباء ونضافة ،،،
انتشر افراد المجموعة في جنبات المسرح العديدة بشكل يجعلهم مسيطرين عليه تماماً ، وانتقل الباقيين الى الأبواب ومنافذ الطواريء  ،،،
بدأ العرض المسرحي ، رجال يغنون على خشبة المسرح ، كانت مسرحية غنائية شعبية من الكلاسيكيات الروسية ،،،
بعد فترة الأستراحه  بدأ المجاهدون والمجاهدات في التلثم وأخراج المتفجرات ، وقام المجاهدات بربط الاحزمة الناسفة حول بطنهن ، ووضع القنبلة الكبيرة وتركيبها في وسط المسرح بين الرهائن ، وبالتالي السيطرة على المسرح بالكامل ،،،،
صرخ النساء والأطفال وبدأ الجمهور يحاول الهرب ،،،،،
قام احد المجاهدين بمخاطبتهم : بعدم الفزع حتى لا يتأذى أحد ، نحن لا نريد دماء ولا نسعى لقتل أحد وسنوفر لكم كل العناية ، نحن هنا من أجل مطالب مشروعه وان تساعدونا بأن تطلبوا من حكومتكم بالأنسحاب من أرضنا وتركنا نعيش في سلام ، فلا تخافوا ، أي منكم يحاول ان يقوم بعمل غبي سيعرض نفسه للقتل ،،،،،
بدأت قوات الشرطه الروسية والقوات الخاصه بمحاصرة المسرح ومحاولة اقتحامه ،،،
لكنهم توقفوا بعد ان جائتهم التحذيرات بأن أي محاولة للأقتحام ستعرض اكثر من ألف رهينة للقتل ،،،،
وأحس الروس بأن الاقتحام التقليدي لن يجدي نفعاً في ظل كمية المتفجرات والاحزمة الناسفة ،،،
كانت رقية تقف بجوار مجموعة من النساء والأطفال ، تلف الحزام الناسف حول بطنها ، والأطفال يبكون اليها بأن تطلق سراحهم ، فطمأنتهم بأن لا يخافوا وسيخرجوا من المسرح سالمين ،،،
بدأت المفاوضات بين المجاهدين والحكومة الروسية ، كان أربعة يمثلون المجاهدين في التفاوض وأبدوا حسن نواياهم للحكومة الروسية بأنهم سيدخلوا معهم الأغذية والأدوية للرهائن وسيسمحون لهم بأجراء الاتصالات عبر الهواتف الجوالة ، واعلن قائد المجموعة عن الأفراج عن جميع الأطفال وعددهم مائة وستون طفلاً بالأضافة الى بعض المرضى ،،،
على الجانب الأخر كانت القوات الخاصة الروسية تخطط لاقتحام المسرح بأبشع الطرق دون مراعاة حتى للرهائن ، بدأت اولاً بأطلاق النار عبر القناصة كنوع من التمويه ، فرد بعض المجاهدين بأطلاق النار على قوات الشرطة فسقط من الشرطة والقوات الخاصة بعض القتلى ،،،
 مع فجر اليوم الثالث من الحصار  بدأت القوات الخاصة الروسية في ضخ غاز كيميائي سام عبر أنابيب التهوية ،،،،
عندما شعر المجاهدون بتحرك القوات الروسية بدئوا في الاشتباك معها قبل ان ينتشر الغاز السام بشكل تام ، فسقط من المجاهدين بعض القتلى ، وسقط من القوات الروسية اكثر من اربعين قتيل ،،،،
كانت رقية تشارك في تبادل النيران ،،،
الى أن اصأبها طلق ناري في صدرها لكنها لم تمت فظلت تقاوم الي ان ابتعدت من مرمى نيران القناصة ،،
كان الغاز بدأ ينتشر في المسرح ، سام جدا يصيب الأعصاب بالشلل المؤقت ،،،
لم يستطع المجاهدون المقاومة والصمود أمام قوة الغاز الكيميائي ، فتساقطوا واحداً تلو الأخر ،،،
أقتحمت القوات الخاصة الروسية المسرح بعد حوالي ساعة من ضخ الغاز ، وقامت بأطلاق النار على المجاهدة التي تسيطر على القنبلة الكبيرة في وسط المسرح ، فأردوها قتيلة في الحال ،،،

في الدور العلوي وصلوا الى قائد المجموعة مظفر باراييف ، واجهزوا عليه فقتلوه ،،،
سقطت رقية من أثر الغاز السام ،،،
الدماء تسيل منها ، لم تستطع تمييز من حاول ان يوقف نزيفها وفجأة أختفى ، بدأت الوجوه والأصوات تتلاشى حولها ، لم ترى سوى زوجها وهو يحصد بمنجله القمح الذهبي في حقلهما الصغير ، وعلي يلعب بينهما ، أحست أنها أمام نهر ، وكروم عنب واشجار رمان وطيور كثيرة ، وملائكة مجنحين ثنائي ورباعي الاجنحة ، يحملنها في هدوء وسكينة ، وقد توقف ألمها وحلقت بعيداً وبعيداً ،،،،،

تعقيب ,,,,

قُتل جميع افراد المجاهدين المشاركين في العملية بما فيهم قائدهم مظفر باراييف ...

قُتل أكثر من مائة وستون  من الرهائن بفعل الغاز الكيميائي السام الذي استخدمته القوات الروسية ، غير الكثير الذين ظلوا في العناية المركزة يُعالجون من اثار الغاز السام بعدما حاولت الحكومة الروسية تضليل الرأي العام وايهامه بأن القتلى سقطوا على ايدي المحتجزين ، لكن اظهرت الصحف والقنوات الأخبارية العالمية الحقيقة وبشاعة ماقامت به القوات الروسية  ...

مازال الشيشانيون يجاهدون من اجل حريتهم واستقلالهم الكامل ،،،،



اهداء الى شهداء المذابح الروسية المنسيين  في الشيشان ، والضحايا من الرهائن الذين سقطوا على أيدي الحكومة الروسية ،،،،،


جميع الحقوق محفوظة .....

ليست هناك تعليقات: