الأحد، 5 يونيو 2011

النزهة الأخيرة


صوت الاجهزة الدقيقة في العناية المركزة لا يتوقف ، والأنفاس المتقطعة للمرضى تتأرجح في الصدور بوهن ، واجهزة المونيتور المعلقة فوق الأسّرة تشاهد وتراقب ،،،،
الأب يصارع لحظات مرضه الأخيرة ، دقات قلبه تتهاوى في بطء ومستوى الأكسجين يهبط لأدنى مستوى له ،،،،،
أرتمى على الأريكة لا يدري كم وصلت الساعة الأن ، جهاز التلفاز يصدر تشويشاً حيث انتهى بث البرامج ، وملقى بجواره الأريكة كوب من القهوة به بقايا من البن الجاف ،،،،
جرس الهاتف يرن ،،،،
نهض فزعاً ، أحس انه نام وقتاً زائداً عن اللزوم ، نظر للساعة لم يستطع أن يفتح عينيه ليرى بوضوع عقاربها ،،،
أمسك سماعة الهاتف فكان الطبيب يخبره أن والده يحتضر وفي حالة متاخرة ، ولابد أن يحضر حالاً حتى يكون بجانبه ،،،،
ترك جهاز التلفاز كما هو على تشويشه ، اصتدمت قدميه بكوب القهوة فتناثر البن على السجادة ، لبس حذائه لا يدري ان كان هو الحذاء الصحيح أم لا ،،،،
خطوات متسارعه في رواق المستشفى الطويل ، لا يسمع سوى صدى خطوات قدمية وصوت الاجهزة الدقيقه المنتشرة في غرف العناية المركزة ،،،
وجد الطبيب في مكتبه جالساً يشاهد التلفاز وأمامه على المكتب مجلة فنية ،،،
قال له : ماذا حدث لأبي يادكتور هل مات أبي ؟؟
رد عليه الطبيب في هدوء وهو يخفض صوت التلفاز : لا لم يمت بعد لكنه في لحظاته الأخيرة ، أنصحك أن تأخذه حتى يموت في بيته بعيداً عن اجرائات المستشفى والبهدلة ، أنها مسألة ساعات على الأكثر ياسيدي ،،،،
نظر له الأبن فزعاً وقال : كيف تقول ذلك سيظل أبي هنا في المستشفى يستكمل علاجه أو سأنقله لمستشفى أخر ، لا يزال أبي يتنفس وقلبه لم يتوقف بعد ، فكيف أعجل بموته واخذه الى البيت ،،،،
ابتسم الطبيب وهو يعيد صوت التلفاز الى ماكان عليه وقال : كما تُحب ، اردت فقط أن اريحك واريحه ،،،،،،
قام بنقل أبيه لمستشفى أخر في سيارة أسعاف ، جلس الى جواره ممسكاً يده ، نظر اليه باكياً وقال : ستعيش صدقني ستعيش يا أبي لو كان في عمرك ساعة واحدة واستطيع أن احافظ عليها سأحافظ عليها ، تماسك حتى نصل للمستشفى الأخرى ،،،،
المسعفين والممرضات اسرعوا بيه في طرقات المستشفى حتى وصلوا الى غرفة العناية المركزة ،،،،
وصل الطبيب الوسيم ونظر الى الأب الذي ينازع لحظاته الأخيرة ثم قال للأبن : لا تقلق سيأخذ بعض الحقن ثم سندخله غرفة العمليات ، ادعوا له ولنا ،،،،
ظل جالساً يبكي ويقرأ ايات القران ، تمر الساعات وهو على حاله ، ثم اخذته سِنةٌ من النوم ،،،،،
استيقظ على صوت عجلات السرير المتحرك وهو يمر بجانبه ووالده ممداً عليه ،،،،
قام مسرعاً ثم نظر للطبيب وقال : ماذا حدث لأبي ؟
قال الطبيب وهو يبتسم : حمداً لله سيصبح بخير ،،،،

بعد مرور أربع سنوات ,,,,,

يوم جمعة خريفياً جميلاً ، الشمس ساطعة هذا الصباح ، مصر الجديدة هادئة كعادتها يوم الجمعة ، الأشجار المتشابكة بجوار القصور القديمة تمنع أشعة الشمس من التسلل عبرها بحرية ، لكنها تخترقها أحياناً فتصنع خطوطاً ودوائر متقطعة على الأرض ،،،،
كان يمسك بيد أبيه يضحك معه ، ذكريات شبابه وكيف تّعرف على أمه ، هنا كنا نتقابل وأعزم والدتك على الغذاء ، أترى هذا المبنى ، كانت توجد عيادة الطبيب الذي ولدّك وأخرجك الى الحياة ،،،
مكان هذا المطعم كان يوجد محل ملابس وانا شاب صغير احببت ابنة صاحب المحل ، وظللت أحبها حتى باع أبوها المحل وهاجروا من مصر الى اليونان ،،،،
منذ أربع سنوات لم تتوقف نزهات الأبن مع أبيه في شوارع وازقة ذكرياته ،،،،
قد تكون النزهة الأخيرة للأبن مع أبيه ،،،
لكنه سيظل يسعده دوماً حتى لو لم يتبقى سوى ساعة واحدة للنزهة ,,,,,,,


ليست هناك تعليقات: