الاثنين، 20 يونيو 2011

اللوحة الناقصة


قد اعتاد الوحده لا يتحدث سوى مع البحر او مع نفسه او مع كتبه ،،،، قليلا لو مر عليه أحد الا بعض الصيادين بمراكبهم او مفتشين هيئة الموانيء في الصباح ، فأعتاد عزلته وألفها ،،،،،،
كان ينزل الي وسط المدينه أحياناً ليشتري بعض المستلزمات الخاصه به من طعام و جرائد او ادوات للصيد لكنه لم يألف المدينه ابداً ......
بعد الغروب يصعد الي اعلي برج الفنار ناظراً الي الافق البعيد اللامتناهي محاولاً ان يصل للشواطيء البعيدة ، يعبر ببصره  حواجز الزمن والمكان ، يري السفن بعيدة جداً وصغيرة كأنها مراكب ورقية صنعتها طفلة عابثة  والقتها وسط الأمواج المتلاطمة كي تواجه مصيرها ومستقبلها ،،،،
 يجد نفسه في احدى هذه السفن مبحراً بعيداً في بلاد يولد فيها من جديد ،،،،،،
تدور كشافات الضوء في وسط الظلمات مخترقة ضباب البحر يتسلل عبرها ضوء القمر ، وهو يقف اسفلها ويدور قلبه معها ....
يذهب الى المدينة المطلة على البحر ، الكورنيش يطل على البحر وعلى بيته والفنار القديم ،،،،
هذا الصباح ذهب الى الميدان الفسيح وسط الكورنيش ، طيور النورس تغرد من بعيد فوق الأمواج تسبح في الهواء منتظرة الانقضاض على الأسماك الصغيرة السابحة على صفح الماء ،،،
أخرج لوحته وألوانه ونظر حوله كي يختار من يرسمة هذا الصباح ،،،
رائحة القهوة منبعثة بقوة من المقهى القريب من الميدان ، كان جائعاً هذا الصباح لم يأخذ فطوره بعد ،،،،
ذهب الى المقهى ومعه لوحته البيضاء الفارغه والوانه ،،،،،
كانت الفتاة الغجرية التي تعمل في المقهى تتحرك بخفة جيئة وذهاباً ، يفوح منها عطر ممزوج برائحة القهوة جعلها جسدها الرشيق اكثر سحراُ وجمالاً واثارة ،،،،
ما أن رائها حتى ذاب عشقاً وهياماً في تلك الفرسة الجامحة ،،،،
عينان سودان ، شعرٌ اسود أندلسي تربطه بشريط صغير فيظل معقوداً في قمة رأسها ، لكنه مسافراً في حرية بلا حدود على كتفيها ،،،،،
ظل ينظر اليها حتى التفت اليه ، فجائته ضاحكه تسأله عن طلبه ،،،،
فنظر لها ثم الى عينيها ماراً بشفتيها وصولا الى نهديها ، وطلب منها الأكسبريسو والباتيه ،،،،
ازاحت خصلة شعرها المائله على عينيها وقال : سأتيك بطلبك حالاً .....
من شباك المقهى كان يرى الفنار بعيداً تحلق حوله وتحاصره بالقرب من الصخور طيور النورس ، والباعة والمارة يتحركون في كل مكان مع بداية ساعات الذروة هذا الصباح ،،،
ظل يتابع الفتاة الغجرية الى أن جائته بالقهوة والباتيه ،،،،
عندما اقتربت منه قال لها في صوت خافت : انا رسّام  وأريد أن أرسمك على هيئتك وملابسك هذه ، لم أخذ من وقتك الكثير وسأعطيكي ماتريدين ، سأنتظرك في فترة الراحة وسنذهب سوياً الى بيتي عند الفنار ،،،،
مصت شفتيها بأسنانها وأبتسمت وقالت : لكن لن أتاخر كثيراً ، انتظرني وسأذهب معك ،،،،
أجلسها على الصخرة المقابله للفنار ، تٌحلق خلفها طيور النورس فوق الامواج المتلاطمة على الصخور ،،،
اقترب منها وفك الشريط الصغير الذي تعقد به شعرها ، فحركه الهواء فأصبح كحصان فر من قسورته ،،،،
فردت ساقيها البيضاوان مع اتجاه الريح فكأنها هيرا وافروديت معاً ، النفوذ وقوة الجمال في ان واحد ،،،،
لم يستطع أن يستكمل لوحته ، السحر الأندلسي جعله طفلاً تائهاً ظل يبحث عن أمه منذ زمن بعيد ،،،،
مال عليها ، فأقتربت منه ، فأخترق صدره ذلك العطر المنبعث من جسدها الجامح ، فسقط صريعاً على نهديها وبين شفتيها وغاص في اعماق امواج بحرها الهائج الى مالا نهاية ،،،،،،،،
لم يستكمل لوحته بعد ، أيام وأيام تأتيه بالطعام ، وهو يصتاد لها الأسماك وتصنعها له ويأكلان سوياً ، وينشد على حبها أحلامه اللانهائية ، يطلب منها أستكمال لوحته ، فتقول له في الغد ،،،،،
اليوم لم تأتي ، ظل ينتظرها على الصخرة المطلة على الفنار القديم ولم تأتي ،،،،
تحلق الطيور على سفح الماء وفوق الأمواج يجلس بجوارها ينتظرها
ولم تأتي ،،،،،
اخذ لوحته التي لم تكتمل وذهب هذا الصبح الى المقهى المطل على الميدان ،،،،
رائحة القهوة تنبعث بقوة من الداخل ،،،،،
فوجدها خارجة في صحبة رجلٌ أخر ، ضحكاتها تمتزج مع دقات حذائها ، فيتردد صداه في جنبات قلبه قوياً،،،،
طلب قهوته والباتيه ،،،،،
ثم جاء بحامل اللوحات ووضع لوحته الناقصه على الكورنيش أمام الشاطيء ،،،،
فتاة غجرية بنصف وجه ، الوان رصاصية رمادية ، نصف شفاه ونصف جسم ، شعر أسود جامح ، وابتسامة في نصف شفاه لم تكتمل ،،،،
ترك لوحته للعامة والمارة  يتفرجون عليها وأنصرف وعاد الى الفنار القديم ،،،،،،
 
يأتي الغروب ويصعد الي اعلي برج الفنار ،،،،،
ناظراً الي الافق البعيد ،،،،،
يدور  ضوء الفنار فوق رأسه  مرشداً السفن في الظلمات ،،،،،
وقلبه دائماً يدور معه  ,,,,,,,,


هناك تعليقان (2):

eman said يقول...

جميلة يا رامى ..دائماً ما اتشوق لقراءة قصصك وكتاباتك ..قد تلهينا الدنيا وتبتعد بنا عن ما نحب او نتذوق ولكنها فى نهاية المطاف ما زالت حنونة ..تعطينا بعض الراحة والأمل ..الراحة والأمل هو ما شعرت بهم بعد قراءة آخر قصصك ..دمت بكل الخير والود صديقى .

Unknown يقول...

eman said ,,,,

اشتقت جدا الى تعليقاتك يا صديقتي العزيزة ،،،
اتمنى لكِ دائماً مزيداً من الأمل والتوفيق والود ،،،
وشكرا جدا على تعليقاتك الرقيقة ....