الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

الصورة الأخيرة



كان الحِصان يجري بحرية على الشاطيء ، تتدافع الأمواج من بين أرجله ، ذيله يتطاير في سباق مع الريح ،،،،
ظبط عدسة كاميرته ووقف يلتقط عدة صور للحصان الجامح على شاطيء البحر والشمس تتساقط  الى الغرب واشعتها الأرجوانية مازالت تداعب الأمواج ،،،،
صوت التقاط الكاميرا للصور كأنها دقات الزمن تدون من خلال عينيه وتحفظه مجرد ذكرى وصور فوتوغرافية ،،،،،
موجات الألم بدأت تشتد عليه ، الطبيب قد أخبره في أخر زيارة انه في المراحل الأخيرة من مرضه ، أقترح عليه أن يسافر الى المانيا كفرصة أخيرة لأنقاذه ، لكنه رفض واصر أن يعيش أخر أيامه بين أصدقائه ويلتقط مايستطيع من صور فوتوغرافية ،،،،
وضع حقيبة الكاميرا جانباً وأغلق باب معمله الصغير ، الضوء الأحمر الخافت وبعض الصور معلقة على الحبل حتى تجف ،،،،
أخذ يحمّض أخر صور التقطها ، ثم قام بتعليقها على الحبل ذاته ،،،،
أحس بالدوار والألم يعاوداه لكنه تماسك حتى ينتهى من تحميض كل الصور ،،،،
ارتكز بيده على المنضدة ينظر للأدوية بأشكالها المختلفه والوانها المتعددة لا تسعفه ذاكرته أي منها جاء موعدها ، فدفعها جانباً فتساقطت وتطايرت على الأرض ،،،،
احتاج الى حمام ساخن حتى يستفيق من موجة الألم التى عاودته ، البخار عالق في الهواء كلما تنفس يتطاير حوله ، والماء يصتدم بجسمه ورأسه ، فيدق بقوة على عقله الواهن الضعيف  ،،،،
مازال صدى كلامها له يتردد مع ارتطام الماء الساخن بدماغه ،،،
كلٌ منا في طريق ... لم يكن بيننا حب ، ربما يكون اعجاب .... اعترف اني تعلقت بك لكني لم أعد أحبك .... اتمنى لك التوفيق ،،،،
تقفز الكلمات بنبرات صوتها كأنها فلاش كاميرا غريبة عنه أول مرة يمسكها ، فلاشها يخطف بصره فيرهقه يكاد يعميه ،،،،
اغمض عينيه وترك الماء الساخن يساعده على تحطيم ألمه ،،،،
في غرفته بجوار المكتبه الصغيرة حائط عريض معلق عليها صور عدة مثبته بدبوس صغير ،،،،
معلقه بشكل عشوائي ، صور للبحر والغروب ولحيوانات ،،،
اصدقائه في أوضاع مختلفه وهم يأكلون او يسبحون ، فيهم من يبتسم او يظهر عليه الحزن ومنهم من يشعر بلحظات جنونية لحظة التقاط تلك الصور ،،،،
في الوسط توجد صورها رقيقه كالعادة ، تفرد ذراعيها كأنها تطير وخلفها امواج البحر ، تمسك شعرها في نظرات شقية ومثيرة ، تجلس على صخرة متلثمة كالفارس ، ترسل قبلة في الهواء له اثناء التقاط تلك الصورة ،،،
نظر للصور جميعا ثم قام بنزع صورها ووضعها جانباً بجوار جريدة قديمة وكوب ماء فارغ ،،،،
صديقته القريبة منه عادت للتو من أجله ، هي الوحيدة من بين اصدقائه التى علمت بمرضه ، فقررت أن تعود لكي تبقى بجواره ،،،
رأته وارتمت في حضنه وظلت تبكي ، رفع وجهها وهو يبتسم : لماذا تبكي  ، الحياة لا تعني لنا شيئاً ، اخذنا منها سوياً قدراً من السعادة لم يستطع أحد ان يتمكن منه ، لنا من الذكريات مايكفينا حتى لما بعد الموت ، لقد عشتي داخلي في الماضي كصديقة عمري ، اتركيني اعيش في داخلك المستقبل ، فنكون سوياً ماضي ومستقبل ،،،
بدأ يحس بموجةً أخرى من الألم والدوار فأمسك بيد صديقته ، وقال لها : سألتقط لنا صورة وسأتركك انتي تحمضيها  لقد علمتك في الماضي كيف تحمضين الصور ، تحتفظي بمفتاح المعمل وكامرتي الخاصة ،،،،
تمشيا سوياً على البحر ، مازالت الشمس توُلد من جديد من اجل الشروق ،،،،
كان الحِصان الذي يأجره الفتى على الشاطيء واقفاً في هدوء وسكينه والفتى مازال نائماً بجواره ،،،
وصديقته وقفت خلفها البحر والشمس تنبت تدريجياً من باطن البحر ، يتطاير شالها الذي تربط به شعرها ،،،،
وضع الكاميرا على الصخرة ثم نزع الوشاح من شعرها وترك شعرها يتطاير بحرية ولف الوشاح حول رقبته ،،،
ظبط الكاميرا على وضع الأستعداد ، ثم ذهب سريعاً ووقف بجوار صديقته ،،،
قال لها أبتسمي ..........
أخذها بين ذراعيه ، وفي اقل من ثلاث ثواني أصدرت الكاميرا صوت التقاط الصورة الأخيرة ,,,,,,,,,

ليست هناك تعليقات: