الخميس، 27 أكتوبر 2011

الصوت المؤلم

لقد انتهت للتو من مراجعة الدروس لأبنتها ، الساعة قاربت على التاسعة وكوب الشاي بجوارها قد أصبح بارداً ، مسكته بيديها فأحست بالضيق ، كانت تحتاجه بشدة كي تحس بالدفء ،،،،

مع دقات الساعة التاسعة تذكرت موعد الدواء الخاص بالسكر لوالدتها العاجزة ،،،،

كانت الأم العجوز تجلس على كرسيها المتحرك أمام التلفاز ، ملقية رأسها في سُبات عميق ،،،،

جائت بكوب الماء وقرص الدواء وأيقظتها ووضعته في فمها واعطتها الماء كي تشرب ، ثم دفعتها بالكرسي الى غرفة نومها واستندت عليها الأم حتى نامت في سريرها ،،،،

الطفلة ابنة العشر سنوات وقفت أمام المرأه تصفف شعرها وتصنع منه ضفيرتين وتعبث بأدوات التجميل الخاصة بأمها ،،،،

ما أن وجدتها هكذا حتى أبتسمت واقتربت منها ، وقفتا معاً أمام المراه ، جائها ذلك الطنين الذي يجتاح عقلها عندما تصبح وحيدة ، ذلك الأجتياح كان يحمل معه  أساله وذكريات ،،،،

عشر سنوات مرت منذ زواجها ، طفلتها الصغيرة أصبحت طويلة ترى نفسها في التسريحة بدون ان تقف على كرسي ، شعرها أصبح طويلاً يصل الى منتصف ظهرها ،،،،

خمس سنوات مرت على وفاة الزوج ، أحبها كثيراً لكنه خرج يوماً للعمل فاتصلوا بها واخبروها انه مات بعد ان اصتدم بسيارته في سيارة نقل كبيرة ،،،،

بدأ الطنين والصداع يجتاح عقلها ويسيطر عليها كلما كانت وحيدة ، بعد موت زوجها بستة أشهر ،،،

المسكنات تهدئه قليلاً لكنها لم تنتصر عليه ، أصبحت تخاف الوحدة ، وتخاف ذلك الصوت المؤلم  لكنها اعتادته ،،،،

الوهن والضعف والتجاعيد بدأت تظهر على عنقها الطويل وهالات سوداء أسفل عينيها ، أنها لم تتجاوز الرابعة والثلاثين من عمرها ،،،،

طلبت من طفلتها أن تذهب الى السرير فالان موعد نومها ،،،

تقف وحيدة أمام المنضدة ، تمسك بيدها سكيناً وتقّطع بعض الفاكهة ،،،
قطعت أصبعها بالسكين وسال الدم منها ، واتكأت على المنضدة تبكي ، الدم مازال ينزف منها وهي منحنية على المنضدة أمام صورة زوجها المعلقه على الحائط ، هاهي بنتها جائت ، أمسكت يديها ووضعت المنديل على أصبعها ثم احتضنا بعضهما  ،،،،

تكرر ذلك معها كثيراً ، تقطع أصبعها بالسكين او تسقط منها الأطباق ، والطنين المزعج مازال يجتاحها ،،،

عندما تخرج في الصباح يكون الجار الشاب صاحب محل الزهور قد بدأ يفتح دكانه ، يُخرج عصافير الجنة واصص الورد البلدي واشجار الدراسينا الصغيرة ويضعها أمام الدكان ،،،

دائما تحب أستنشاق رائحة الورد البلدي الأحمر وهي تركب سيارتها ،،،،

ودائماً مايتابعها بنظره حتى تغيب وتختفي بسيارتها بعيداً ،،،

كان يكبرها بعام واحد ويعيش وحيداً في شقته بعد موت أمه وأبيه وزواج اخته الصغرى ، أحبها ومازال يحبها ، لكنها أحبت رجلٌ غيره وتزوجته ولم تلتفت أبداً الى نظراته ،،،،،

تعود الطفلة الصغيرة من المدرسة ، تحمل وردة حمراء اللون ، فتقول لأمها أنها اخذتها من دكان الزهور ، كلما خرجت الطفلة الصغيرة يعطيها وردة حمراء ، كانت الطفلة تحب اللون الأحمر مثل امها ،،،،

طنين الوحدة يهاجمها بشراسة أصبحت لا تنام ، تستيقظ من نومها تبكي ، لا تستطيع تحمله ولا مقاومته ،،،،

خرجت في الصباح ، عندما اخترق ضوء الشمس عينيها أحست بذلك اللون الاحمر القرمزي يحاصرها ، ودوامات من الاصوات واجسام غير واضحه من البشر ،،،

ظلت تقاوم حتى وصلت لسيارتها ، أخرجت المفاتيح من حقيبتها وما أن اخرجتها سقطت المفاتيح من يدها ، ثم ازداد الطنين وتوقف فجأة مع سقوطها على الارض ،،،،

،،،،،،،،،،،

فتحت عينيها ، وتلفتت حولها ، بائع الزهور يجلس على كرسي نائماً ، محاليل معلقة ومثبته بيديها ، على اليسار باقة من الزهور والورد البلدي الأحمر ،،،،

تتسائل أين هي وماذا حدث لها واين طفلتها ؟؟

أستيقظ بائع الزهور وابتسم لها وقال : حمد لله على سلامتك ، لقد تعرضتي لاغمائه ونقلتك الى المستشفى بسيارتي ، كنتِ في حالة صحية صعبه بين الحياة والموت وذهبتي في غيبوبة لمدة ثلاثة أيام ، الطبيب طمئننا لكنك تحتاجين الى الراحة ،،،

تحركت ببطء وخجل وقالت : أين ابنتي ؟؟ وامي لوحدها ؟؟؟

أبتسم لها وقال : لا تقلقي أبنتك بخير كانت بجانبك لكنها الان في البيت ، واختى بجوار امك وتتابع ادويتها بأنتظام ،،،

لم تستطع الكلام ، لكنها ذهبت في نومٍ عميق ،،،،

بعد مرور أسابيع ، أو اشهر ، أو سنة ,,,,,

تجلس في دكان الزهور تنسق الورد البلدي وعصافير الجنه والداليا ، وهو يجلس بجوارها يراجع الدروس للطفلة الصغيرة ،،،

يغلقان الدكان ويعودا سويا ً الى البيت ،،،،

والأم العجوز تتابع المسلسل في هدوء ورضا ،،،

لم يعد يجتاح الطنين والصوت المؤلم عقلها  ،،،،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لمونيه

ليست هناك تعليقات: