الجمعة، 24 فبراير 2012

توتر



جلس أمام حوض الجارونيا والدراسينا ونظر بعمق ، كان جفن عينيه اليمين مازال يهتز  ، أضاء مصباح الهيليوم الأبيض المُسلط على الحوض ثم نثر بعض السماد المُعالج على النباتات  ،،،
اهتز ضوء المصباح واطلق ازيزاً يبدو ان الكهرباء سوف تنقطع ، رياح ابريل المحملة بالغبار والأتربة قد بدأت بالأمس مع بعض العواصف الرعدية ، صوت ارتطام أبواب الشرفة يزيد من حنقه و القِفل الخاص بها مكسور منذ أسبوع ،،،
صرخت فيه وهي جالسة على الأريكة أمام التلفاز : اين القطة لابد أنك نسيت شباك الحمام مفتوحاً كالعادة قد تكون قفزت وماتت ،،،
قال لها وهو يثّبت مصباح الهيليوم : لم أدخل الحمام اليوم لا تصرخي هكذا ....
تحركت من على الأريكة وظلت تنادي : كيكي  كيكي أين انتي ؟؟؟
صوت التلفاز يعلوا وينخفض ، حفلة من الأوبرا رغم انها لا تُحبها لكنها ظلت تتابعها دون تركيز ، وبجاورها على الأريكة جريدة ملقاه منذ الصباح على نفس الصفحة ...
مازالت تنادي : كيكي كيكي أين ذهبتي ، انتقلت للغرفة الأخرى ثم غرفة المكتب ولم تجدها ....
على الحائط صورة زفافهما القديمة بجوارها صورة أبنهما الشاب ، كانت صورة الزفاف تميل لليسار قد حركتها الريح لما أنفتح الشباك ، نظر للصورة ولم يُبدي أهتماماً ,,,,
عادت وجلست على الأريكة ناظرة الى التلفاز ، لم تجد قطتها ، ثم بدأت عيناها تدمعان ،،،
كان يبحث عن حقيبة  أوراقه فوجدها أسفل مكتبه ، ومازال جفن عينيه اليمين يهتز ، أخرج الأوراق وظل يتفحصها ،،،
قالت له وهي شاخصة ببصرها في التلفاز والدموع تُغرق عينيها : قطتي التي أهداها لي يوسف قد ضاعت ، كنت أشم فيها رائحته ، أتتذكر متى أهداها لي ، قبل أن يموت في ذلك الحادث الملعون البشع  كان عيد ميلادي وقد مات القط الذي اشتريته وحزنت عليه ، فوجدته يدخل علينا في ليلة عيد ميلادي بذلك الصندوق الخشبي وفتحه فقفزت منه القطة وجريت سريعاً الي ، سألني ما الأسم الذي سوف تطلقينه عليها يا أمي ، أنت قلت بوسي ، ثم سألته : اقترح أسماً يا يوسف ... فظل يفكر ثم قال : كيكي أسماً حلواً ....
نسي القلم الرصاص فظل ينظر حوله الى أن وجده بجوار حوض الجارونيا والدراسينا ، نظر لها بعد أن اخذ نفساً عميقا ونظر الى صورة أبنه  وبدا على ملامحه الحزن ثم قال : سوف تجدين القطة .....
بدأ يحس أن كل شيء يهتز ، القلم الرصاص يتدحرج على المكتب ثم يتوقف ، كوب المياه يهتز سطحه في شكل دوامات صغيرة ، مصباح الهيليوم المتدلي من السقف يتحرك ،،،،
نظر الى الساعة فوجدها الثامنة انه موعد قطار البضائع الثقيلة ....
مر قطار البضائع فثبت القلم الرصاص وهدأ مصباح الهيليوم ، أخرجت المشط  والمراه الصغيرة من حقيبتها الملقاه بجوارها على الأريكة واخذت تُمشط شعرها ، كانت الخصلات البيضاء قد بدأت تسيطر على شعرها الأسود الناعم الطويل التي طالما كانت تتباهى بهِ ،،،
قالت وهي تُمشط شعرها : أتعرف ؟ كثيراً تمنيت الموت وكنت أدعوا الله في صلاتي أن يُمتيني ، لكني أرجع واقول لنفسي كيف أتركك وحيداً وانت ليس لك في الحياة سواي ، أني أحبك واخاف عليك فأنت لا تستطيع الأعتناء بنفسك ولا حتى يمكنك صناعة قهوتك بدوني ، أُتبادلني نفس المشاعر أم الزمن قد قضى على حبك لي ؟ أخبرني بالله عليك ؟ أتعرف ؟ أنا حتى أخاف عندما تخرج أقول ربما لا يعود كما خرج يوسف ذات مساء ولم يعود ....
أخبرني أتحبني أم لا ؟؟
مازال جفن عينيه اليمين يهتز ، قال لها : لا تقلقي مازلت أحبك ، أين كتاب الكيمياء العضوية الكبير كان على المكتب ، لا أدري أين وضعته ....
توقفت عن تمشيط شعرها ثم بدأت تنادي : كيكي كيكي أين أنتي ؟؟؟؟
أنقطعت الكهرباء بعد أن أصدر مصباح الهيليوم ازيزاً ، مع صوت رياح خمسينية شديدة ،،،،
جلس في مكانه على مكتبه لم يتحرك وظلت هي على الأريكة ممسكة بمشطها ...
دمعت عيناها مرة أخرى ، عادت للخلف ثم مدت رجليها وقالت : أنا أخاف الظلام منذ طفولتي ، حتى اني كنت لا أستطيع النوم والنور مُطفأ ، أين انت كي تضمني الى صدرك لا أريد أن أصبح وحيدة في الظلام ، لقد وضعت الشمع هنا على الطاولة الصغيرة لكن لا ادري أين هو ربما كيكي أسقطته ولعبت بهِ  ، ساعات أحس أن الظلام هو القبر والموت ، أخشاه وأريده !!!
أخشاه حتى لا أتركك ، وأريده لّعلي أكون مع يوسف ....
أين أنت ؟ على مكتبك أم قريباً مني ؟؟
يحرك يده على المكتب متحسساً قلمه الرصاص ، يمسكه ثم يغمض عينيه حتى يريح جفن عينه اليمين ، ثم يقول : أنا على المكتب وقريباً منك لا تخافي انا معك ، الظلام لن يطول ربما أنقطع كابل الكهرباء في الخارج .....
تعود الكهربا ويضيئ مصباح الهيليوم ويشتغل التلفاز ثم يصدر المصباح نفس الأزيز مرة أخرى وتنقطع الكهرباء ,,,
يمر قطار العاشرة مُحدثاً جلبة وضوضاء ، فتهتز الصور المعلقة على الحائط ويتدحرج القلم الرصاص الذي تركه من يده فيسقط على الأرض ،،،،
تشتد الرياح الخمسينية وترتطم أبواب الشرفة في بعضها ، ويزيد اهتزاز جفن عينيه اليمين ، قال : يبدو أن الكهرباء لن تعود الليلة ، لقد أنقطع الكابل من العواصف والرياح ، أين أنتي ؟
أين أنتي ؟ وأين كيكي ؟  قام من على كرسيه وظل يتخبط في الظلام ....
أأنتي على الأريكة ، نمتي أم أين ذهبتي ؟؟ 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لبابلو بيكاسو 

ليست هناك تعليقات: