الجمعة، 24 فبراير 2012

توتر



جلس أمام حوض الجارونيا والدراسينا ونظر بعمق ، كان جفن عينيه اليمين مازال يهتز  ، أضاء مصباح الهيليوم الأبيض المُسلط على الحوض ثم نثر بعض السماد المُعالج على النباتات  ،،،
اهتز ضوء المصباح واطلق ازيزاً يبدو ان الكهرباء سوف تنقطع ، رياح ابريل المحملة بالغبار والأتربة قد بدأت بالأمس مع بعض العواصف الرعدية ، صوت ارتطام أبواب الشرفة يزيد من حنقه و القِفل الخاص بها مكسور منذ أسبوع ،،،
صرخت فيه وهي جالسة على الأريكة أمام التلفاز : اين القطة لابد أنك نسيت شباك الحمام مفتوحاً كالعادة قد تكون قفزت وماتت ،،،
قال لها وهو يثّبت مصباح الهيليوم : لم أدخل الحمام اليوم لا تصرخي هكذا ....
تحركت من على الأريكة وظلت تنادي : كيكي  كيكي أين انتي ؟؟؟
صوت التلفاز يعلوا وينخفض ، حفلة من الأوبرا رغم انها لا تُحبها لكنها ظلت تتابعها دون تركيز ، وبجاورها على الأريكة جريدة ملقاه منذ الصباح على نفس الصفحة ...
مازالت تنادي : كيكي كيكي أين ذهبتي ، انتقلت للغرفة الأخرى ثم غرفة المكتب ولم تجدها ....
على الحائط صورة زفافهما القديمة بجوارها صورة أبنهما الشاب ، كانت صورة الزفاف تميل لليسار قد حركتها الريح لما أنفتح الشباك ، نظر للصورة ولم يُبدي أهتماماً ,,,,
عادت وجلست على الأريكة ناظرة الى التلفاز ، لم تجد قطتها ، ثم بدأت عيناها تدمعان ،،،
كان يبحث عن حقيبة  أوراقه فوجدها أسفل مكتبه ، ومازال جفن عينيه اليمين يهتز ، أخرج الأوراق وظل يتفحصها ،،،
قالت له وهي شاخصة ببصرها في التلفاز والدموع تُغرق عينيها : قطتي التي أهداها لي يوسف قد ضاعت ، كنت أشم فيها رائحته ، أتتذكر متى أهداها لي ، قبل أن يموت في ذلك الحادث الملعون البشع  كان عيد ميلادي وقد مات القط الذي اشتريته وحزنت عليه ، فوجدته يدخل علينا في ليلة عيد ميلادي بذلك الصندوق الخشبي وفتحه فقفزت منه القطة وجريت سريعاً الي ، سألني ما الأسم الذي سوف تطلقينه عليها يا أمي ، أنت قلت بوسي ، ثم سألته : اقترح أسماً يا يوسف ... فظل يفكر ثم قال : كيكي أسماً حلواً ....
نسي القلم الرصاص فظل ينظر حوله الى أن وجده بجوار حوض الجارونيا والدراسينا ، نظر لها بعد أن اخذ نفساً عميقا ونظر الى صورة أبنه  وبدا على ملامحه الحزن ثم قال : سوف تجدين القطة .....
بدأ يحس أن كل شيء يهتز ، القلم الرصاص يتدحرج على المكتب ثم يتوقف ، كوب المياه يهتز سطحه في شكل دوامات صغيرة ، مصباح الهيليوم المتدلي من السقف يتحرك ،،،،
نظر الى الساعة فوجدها الثامنة انه موعد قطار البضائع الثقيلة ....
مر قطار البضائع فثبت القلم الرصاص وهدأ مصباح الهيليوم ، أخرجت المشط  والمراه الصغيرة من حقيبتها الملقاه بجوارها على الأريكة واخذت تُمشط شعرها ، كانت الخصلات البيضاء قد بدأت تسيطر على شعرها الأسود الناعم الطويل التي طالما كانت تتباهى بهِ ،،،
قالت وهي تُمشط شعرها : أتعرف ؟ كثيراً تمنيت الموت وكنت أدعوا الله في صلاتي أن يُمتيني ، لكني أرجع واقول لنفسي كيف أتركك وحيداً وانت ليس لك في الحياة سواي ، أني أحبك واخاف عليك فأنت لا تستطيع الأعتناء بنفسك ولا حتى يمكنك صناعة قهوتك بدوني ، أُتبادلني نفس المشاعر أم الزمن قد قضى على حبك لي ؟ أخبرني بالله عليك ؟ أتعرف ؟ أنا حتى أخاف عندما تخرج أقول ربما لا يعود كما خرج يوسف ذات مساء ولم يعود ....
أخبرني أتحبني أم لا ؟؟
مازال جفن عينيه اليمين يهتز ، قال لها : لا تقلقي مازلت أحبك ، أين كتاب الكيمياء العضوية الكبير كان على المكتب ، لا أدري أين وضعته ....
توقفت عن تمشيط شعرها ثم بدأت تنادي : كيكي كيكي أين أنتي ؟؟؟؟
أنقطعت الكهرباء بعد أن أصدر مصباح الهيليوم ازيزاً ، مع صوت رياح خمسينية شديدة ،،،،
جلس في مكانه على مكتبه لم يتحرك وظلت هي على الأريكة ممسكة بمشطها ...
دمعت عيناها مرة أخرى ، عادت للخلف ثم مدت رجليها وقالت : أنا أخاف الظلام منذ طفولتي ، حتى اني كنت لا أستطيع النوم والنور مُطفأ ، أين انت كي تضمني الى صدرك لا أريد أن أصبح وحيدة في الظلام ، لقد وضعت الشمع هنا على الطاولة الصغيرة لكن لا ادري أين هو ربما كيكي أسقطته ولعبت بهِ  ، ساعات أحس أن الظلام هو القبر والموت ، أخشاه وأريده !!!
أخشاه حتى لا أتركك ، وأريده لّعلي أكون مع يوسف ....
أين أنت ؟ على مكتبك أم قريباً مني ؟؟
يحرك يده على المكتب متحسساً قلمه الرصاص ، يمسكه ثم يغمض عينيه حتى يريح جفن عينه اليمين ، ثم يقول : أنا على المكتب وقريباً منك لا تخافي انا معك ، الظلام لن يطول ربما أنقطع كابل الكهرباء في الخارج .....
تعود الكهربا ويضيئ مصباح الهيليوم ويشتغل التلفاز ثم يصدر المصباح نفس الأزيز مرة أخرى وتنقطع الكهرباء ,,,
يمر قطار العاشرة مُحدثاً جلبة وضوضاء ، فتهتز الصور المعلقة على الحائط ويتدحرج القلم الرصاص الذي تركه من يده فيسقط على الأرض ،،،،
تشتد الرياح الخمسينية وترتطم أبواب الشرفة في بعضها ، ويزيد اهتزاز جفن عينيه اليمين ، قال : يبدو أن الكهرباء لن تعود الليلة ، لقد أنقطع الكابل من العواصف والرياح ، أين أنتي ؟
أين أنتي ؟ وأين كيكي ؟  قام من على كرسيه وظل يتخبط في الظلام ....
أأنتي على الأريكة ، نمتي أم أين ذهبتي ؟؟ 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لبابلو بيكاسو 

الثلاثاء، 14 فبراير 2012

الفستان الأسود



الكاهن يلقي عِظة الأحد عن الأحسان للوالدين والجميع في القاعة العتيقة للكنيسة صامتون ، كانت هي متشحة بالسواد كعادتها لا تبالي وغير مهتمة ، تسرح بعينيها في الارغن القديم في مكانه المعتاد من القاعة ،،،،،
مازالت تكرههُ منذ ان كانت أمها تأتي بها وهي صغيرة ومعها أخوها ، كي تتعلم اللاهوت وتعزف على الارغن الحزين بصوته الرخيم البائس ، استحلفت أمها بالعذراء انها لا تريده فكانت الأم تتصلب في رأيها وترفض ، تعلمت العزف وأتقنته وأصبحت العازفه الرئيسية لكل الترانيم والأناشيد المقدسة التي يؤلفها الكهنة في الكنيس .....
في مساء كل سبت تقف أمام صورة أمها مبتسمة وتخبرها بأنها لن تذهب لقداس الأحد في الصباح ، بينما تصحو في الصباح لتجد نفسها ترتدي نفس الفستان الأسود وتجلس في نفس المكان في الصف الرابع على يمين المذبح , تظل شاردة الى ان ينتهى الكاهن من القاء العظة وتنصرف واجمه لا تتحدث مع احد رغم محاولة الراهبات التقرب منها بحكم علاقة الطفولة ،،،،
رائحة القاعة لم تتغير منذ سنين حتى الوجوه وصور الشهداء والقديسين في مكانها تحاوطها بنفس الأعين الحانية والغاضبة احياناً ، التماثيل ثابتة في مكانها يسكنها التراب تارة وتجدها نظيفة تارة أخرى ،،،،
تخرج وحيدة من الكنيسة وتظل تمشي في شوارع مصر الجديدة التي لم تبقى على حالها ، همسات أمها في أذنيها تتردد في جنبات عقلها ، تجعلها تلتفت وتتسائل أأنتي هنا أين انتي ؟ ، لقد نسيت مرة حفظ المزامير المراد تسمعيها اليوم ، فلم تتحدث معها حتى وصلا الى البيت فأتت بالحجرين الصغيرين وطلبت منها أن تظل جاثمة بركبتيها عليها لثلاث ساعات أمام صورة العذراء والشمعتان المضائتان اسفلها ، ظلت ركبتيها تؤلماها لمدة أسبوع ، كان من يخفف عنها اخوها الصغير ,
يأخذها خلسة من وراء امهما ويذهبان لسينما نورماندي او روكسي ، لا تنسى أبداً أفلام احمد زكي ومرفت أمين وعادل أمام ، وبعد الفيلم يجلسان في الخفاء في الحديقة الصغيرة وسط ميدان الكوربة .....
هاجر الى كندا وتركها وحيدة لم يتبقى لها شيء منه سوى اتصالاته المتقطعة وخطاباته التى تباعدت تدريجياً ،،،،،
المحلات والفاترينات تغيرت ، كان هنا محل ملابس لا يوجد منه فروع اخرى  سوى في باريس ، أختفى وتحول لمطعم بيتزا ، عمارة طبيب الأسنان دكتور البرت اصبحت برج عملاق بداخله سوق تجاري ، يا الهى ماهذا العبث لم اعد استطيع أن احتمل ، هكذا قالت لنفسها .....
لم تكن لتأخذ نفس الطريق كلما ذهب للكنيس في قداس الأحد سوى أن تمر من أمام هذا الأستديو الخاص بالتصوير ....
تهرب من أمها وتخبرها بأن مُعلمها في مدرسة القديس يوسف طلب منها بعض المراجعات والمذكرات وكانت متوفرة عند زميلتها التي تسكن أعلى الأستديو في شارع عثمان بن عفان ، وهو يجلس على المكتب مكان أبيه الجالس دائماً في معمل تحميض الأفلام  ، تعشق تلك العيون السوداء عندما تنظر اليها من خلف الصور المعلقة في الفاترينه ، يخرج اليها مسرعاً ويمسك يديها ويخبرها انه ينتظرها على شوق منذ اخر مرة التقيا فيها ، يضع الجواب الصغير في حقيبتها ويطالبها بأن لا تتأخر المرة القادمة ثم يقول لها أحبك ....
ظلت تحبه لست سنوات وعندما تقدم اليها ليتزوجها ، رفضته الأم لانه أقل منهم في المستوى الأجتماعي ....
تقف لدقائق أمام الأستديو ثم تنصرف بنفس الدمعة المتساقطة على ذلك الجبين الذي نهش الزمن بمخالبه فيه ،،،،

تحاوطها أشعة الشمس المتسللة من بين أغصان أشجار الثرو والكافور المتراصة على جانبي الطريق ، فتعود مسرعة الى البيت كأنها تستجير به من ذكرياتها المتسلسلة .....
لا تتوقف كلمات امهما وهمهاماتها في أذنيها الى أن تصل البيت وتضيء الشمعتين أسفل صورة السيدة العذراء .....
مازال اخر خطاب أرسله أخيها من كندا لم يُفتح بعد ، مُلقى بجوار الجرامافون القديم الخاص بأبيها ، لا جديد نفس الكلمات والتوصيات وانتظريني في القريب العاجل قد أتي ,,,
هاجر وتركها وحيدة بعد ان تزوج ، لم يستطع الهجرة التي كان يتمناها والأم مازالت على قيد الحياة ،،،
 قبل عيد الفصح بأيام هاجمت الحمى والالتهاب رئوي الحاد الأم  وكانت تعاني منذ زمن من الحساسية في صدرها ، فدخلت المستشفى وماتت ليلة عيد القيامة ....
بعدها بعام هاجر هو وزوجته وطلب منها أن تهاجر معه فرفضت ، لا تستطيع أن تعيش بعيد عن الحي الذي عاشت وترعرعت فيه فقررت ان تظل وحيدة ....
قامت بتنظيف صورة أمها وصورة السيدة العذراء والعشاء الأخير ، وضعت الأسطوانة في  الجرامافون القديم وحركت المقبض وشغلته ، بدأ الصوت ضعيفاً ثم انسابت الموسيقى منه بحرية ،،،
جلست بجوار الكرسي الخاص بأمها التي كانت دائماً تجلس عليه  ، وأحست بصدرها يعصرها ويخنقها ، تتمثل أمامها صورة أمها وهي تموت كانت لا تستطيع التنفس هكذا وكان يعتصرها الألم هكذا .......
لا يوجد هواء كأنها تّصعد في السماء ، الشمعتان بدأتا في الخفوت وضوئها اللامع يتراقص على صورة السيدة العذراء ،،،،،
لا تستطيع التحرك لكنها فتحت باب شرفتها المطلة على الميدان وسمحت لهواء اكتوبر الخريفي ان يجتاح صدرها وغرفتها ، فأحست بالحياة مرة اخرى ، بكت بشدة ايمكن أن اموت هكذا !!
أمامها تلك الفساتين السوداء التى لم تلبس غيرها منذ وفاة الأم ،،،،
أخرجت من درج تسريحتها المقص وظلت تقص الفساتين السوداء فأصبحت قطعاً صغيرة من القماش الأسود ،،،
أمسكت فستاناً ووقفت في شرفتها المطلة على الميدان ، صدرها مفتوحاً لهواء اكتوبر الخريفي وشعرها الأسود المطعم ببعض الشعيرات البيضاء يتحرك مع النسمات الخريفية ،،،
قصت الفستان الأسود واصبح شرائط تتطاير الى الشارع والميدان مع رياح أكتوبر الخريفية  ,,,,,,,,,,,,,
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لبابلو بيكاسو 

الجمعة، 10 فبراير 2012

شمسك هتطلع من جديد




سرد أول : المدرج

مازال ينظر بفخر الى قميص الفريق للموسم الجديد ، قد اشتراه بالأمس لكي يحضر بهٍ مبارة اليوم ، ضيقاً عليه بعض الشيء لكن هذا أفضل فهو يفضله دائماً مُقسّم على جسمه ،،،،
يضحك الى صديقه الذي يجلس بجواره بينما الأخر يطلب منه التقدم بعض الشيء لأسفل حتى يمسك علم الرابطة الكبير ولا يشوش على البانر الخاص للرابطة ،،،،
صوت هتاف القائد الواقف على السماعات بتمكن يدوي ببدأ رفع الصور الخاصة بدخلة المبارة عند دخول الفريق أرض الملعب ,,,,
صورته أسفل قدمه ينتظر الأمر برفعها , فجأة يأتي الأمر برفع الصور وظهور الدخلة مع النشيد والهتاف ....
لون واحد وهدف واحد واجتماع على قلب رجلٌ واحد لا فرق بين كبير وصغير فقير وغني .....
يرفع اللافتة المعتادة في كل مبارة  " يوم ما ابطل اشجع هكون ميت اكيد "
مازال على ضحكته التي لا تتوقف رغم نظرات ذلك الظابط اليه ، يشاهده كثيراً في اغلب المباريات التي تجرى هنا في القاهرة ، يبتسم الظابط   فتظهر أسنان صفراء غامقة ، مع نظرات حاده ، أيمكن أن يتذكرني حين طاردنا في الشوارع الجانبية للأستاد بسيارته وهربنا منه ، ربما لم ينسى من الأصل ....
يستأذن من صديق في الصف الأمامي بأن يعطيه زجاجة المياه ، فيطلب منه الأخر : سيبلنا شويه ,,,,
بدأ الهتاف مرة أخرى : قلنا زمان للمستبد .. الحرية جاية لابد
لابريتا كانت مكتوبة ....
يا حكومة بكرة هتعرفي .. بأيدين الشعب هتنضفي
والأية الليلة مقلوبة ...
قالوا الشغب في دمنا ! ... وازاي بنطلب حقنا ؟
يا نظام غبي .. افهم بقى مطلبي ....
حرية .. حرية .. حرية .. حرية
من الموت خلاص مابقتش اخاف ..
وسط ارهابك قلبي شاف ....
الشمس هتطلع من جديد ......
اسرق امان .. خرب بيوت .. ده كان زمان وقت السكوت ..
الحلم خلاص مش بعيييد ....
قال النظام ايه العمل ؟ .. كده النهاية بتكتمل ...
افهم بقى .. ارحل بقى .. سقط الطاغوت !!
حرية .. حرية .. حرية .. حرية
خارج الملعب الأحتفال بفوز الأهلي كالمعتاد مع أغاني وأناشيد ، السماء كانت حُبلى بالغيوم فبدأ الغيث بقطرات من المطر القليلة ثم انهمرت بغزارة ،،،
ضحكات لم تنتهى ، رقصات وتلويح بالأعلام تحت المطر ......

سرد ثاني : الشارع

أنطلق بدراجته يجوب شوارع الحي والأحياء المجاورة فرحاً بأنتصار الأهلي ، يحمل علماً احمر كبيراً يرفرف بحرية فوق الدراجة ، فهو أهلاوي مُتعصب منذ نعومة أظفاره ، تعلم تشجيع الأهلي من أبيه وأخوته ، فأصبح يسرى في عروقه سريان الدم ،،،
جلس على الرصيف سانداً بظهره على سور المدرسة الثانوية التجارية التي يدرس بها عامه الأخير ، كان ينتظرها ان تنتهى من يومها الدراسي كي يتمشيان سوياً ويقوم بتوصليها الى بيتها ،،،
أصغر منه بعام ، لها ثلاثة أخوة أكبر منها كانوا يعارضون كثيرا تعليمها ، لكنها أصرت أن تستكمل تعليمها وتأمل أن تدخل كلية التجارة ،،،
خرجت من بوابة المدرسة بملابسها المدرسية ذات اللون الكٌحلي ، والحجاب الأبيض ، وحقيبتها الصغيرة تُثقل كتفها الرقيق ، تضحك مع زميلاتها ،،،،
يجلس ينتظرها ، ثم أخرج من حقيبته اسبراي الألوان ثم رسم على الجدران " أعظم نادي في الكون " ونسراً يرفرف بجناحيه ،،،،
فأنتظرته حتى أنتهى ثم ضحكت وقالت : لن تُشفى أبدا من هذا الجنون ،،،،،
أخذ منها حقيبتها ووضعها على الدراجة وتمشيا سوياً حتى الحي الذي يسكنان فيه ،،،،،
وجدت أمها تستقبلها بوجه بشوش وفِرح وأمسكتها من يديها وأخذتها على غرفة نومها ، وقالت لها وهي تضحك : مبروك ، تقدم اليكِ عريس ، وأباكِ وافق عليه ، أنه الشيخ ابو العزم ، صديق أبوكِ ،،،،
أندهشت الفتاه ، توقفت عن الكلام للحظات ثم قاطعت أمها وقالت : انه أكبر مني بثلاثون عاماً ومتزوج وله أولاد وبنات أكبر مني ،،،،،
نظرت لها الأم بأستخفاف وريبه وقالت : وما العيب في ذلك الشرع يحلل له اربع ، وابوكِ واخوتك وافقوا ولن يستطيعوا رد كلمة الشيخ ،،،،
بكت الفتاة وقالت : لماذا ، أريد أن استكمل تعليمي ومجموعي يؤهلني في سنوات دراستي أن التحق بكلية التجارة ،،،
يدخل الأخ الاكبر بعد أن سمع حديث أخته مع أمه ونظر بأستهزاء لأخته وقال : هذة الأمور لا يتناقش فيها النساء ، لقد وافقنا وحددنا ميعاد عُرسك ، الرجل يريدك كما أنتي ، وأياك أن اسمعك تتناقشين في هذا الأمر ،،،،،،
مازال الفتى ينقش على الجدران حبه للأهلي ، الحرية للألتراس  ، هفضل وراه فين مايروح  ،،،،
في الميدان كانت التظاهرة قد وصلت وعدد غفير من الشباب والفتيات يحملون لافتات ، لم يكن ليهتم بها  ، هتافات مدوية تحاكي تلك التي يهتف بها في الأستاد ،،،،
وقف من بعيد ينظر ويراقب ،،،،،
لافته كبيرة مكتوب عليها " لا للمحاكمات العسكري " واخرى تحملها فتاة " يسقط قانون الطواريء " ولافتات اخرى مكتوب عليها الحرية لأشخاص لا يعرفهم ،،،،،
انطلق بدراجته خلف التظاهرة ، واقترب منها ،،،،
شاب يعطيه ورقه بها الكثير من الكلام فنظر الى الشاب وقال ما معناه ،،،،،
فأبتسم الشاب وظل يتكلم معه ويشرح له عما تحتويه تلك الورقة ،،،،
نظر الفتى الى الشاب والتظاهرة الكبيرة وقال : لقد فهمت الأن ،،،
وضع دراجته فسقطت على الرصيف وجلس بجوارها أسفل سور المدرسة ينتظر صديقته ، ظل ينتظر ، حتى خرج زميلاتها ، فتقدم وسأل احدهن عن صديقته فأخبرته أنها لم تأتي الى المدرسة منذ يومين ،،،،
لم يراها منذ أسبوع ، كل يوم يذهب الى المدرسة وينتظرها ،،،
خرج بعد الفجر وظل يجوب كل مدارس الحي وجدران العمارات ، يٌخرج الأسبراي الملون والورنيش ،،،،
جعل من الجدران تغريدة يتردد صداها ، يسمعها ويراها الجميع " لا لمحاكمة المدنين عسكرياً " على جدار المصلحة الحكومية رسم باللون الأحمر وجه شاب ممن راهم على اللافتات وكتب أسفلها  " الحرية لأصحاب الرأي " على سور المدارس صرخ " لا لقانون الطواريء " وأمام احدى مراكز الشرطه كتب على الرصيف بخط عملاق " نعم للدولة المدنية وتسقط الدولة العسكرية " ،،،،،،
الفتاة تقف في وجه أبيها وتقول له : أريد أن استكمل تعليمي ، حرام تزوجني لرجل يكبرني بثلاثون عاماً ،،،
يشتاط الأب غضباً ، فيضربها ضرباً مبرحاً فتسيل الدماء من جبتها وتسقط على الأرض ،،،
وفي الشارع تصرخ أم الفتى !!
لقد اُلقى القبض عليه من قبل الشرطة العسكرية ،،،،
الفتى يبتسم للشرطي ويُخرج له علم الأهلي من الدراجة ، فألقاه الشرطي في وجهه وأقتاده الى سيارة الشرطة ,,,,,,,

سرد ثالث : المدرج

جلسا سوياً في القطار المتجه الى بورسعيد ، أحدهما يطلب من الأخر : نام يابني عشان ورانا يوم مايعلم بيه الا ربنا ، اسند دماغك على الشباك ونايمني على كتفك التخين ده ، انت بتربيه منين يخرب عقلك ..
فيرد عليه : اتخمد وانت ساكت ،،،،
اخر يتصل بحبيبته ويخبرها : هقابلك بكرة في نفس المكان مش هتاخر عليكي ، بحبك ....
في الكرسي المقابل في القطار يتكلم بصوت منخفض : معلش يا حاجه والله ماتخافي هنرجع على باليل زي الفل انتي بس طمني أبويا وقوليله كله تمام ومش هيتاخر هبقى معاكي على تليفون كل شويه ، تحبي اجيبلك معايا ايه ؟
تُجيبه الأم  : ارجعلي بالسلامة انت واصحابك وربنا ماهخليك تسافر تاني .....
نشيد الحرية لا يتوقف ، صور شهداء سقطوا ترفعها سواعدهم بدون كلل اوملل ،،،
في الأسفل ظابط أخر يبتسم بحذر ، ربما نشوة ، ربما انتظار وغدر ...
في المدرج يبتسم بُحسن ظن وثبات ...
انتهت المبارة ، وهم يهتفون للأهلي رغم الهزيمة ،،،
والمنتصر يهتف بالدم رغم الأنتصار ،،،،
خوف على اللاعبين ونظرات ريبه وشك ،،،،
أنطفاء للأنوار وظلام وسفك دماء ، يحمي صديقه الذي نام على كتفه في القطار لكنه سقط من أعلى المدرج ،،،
يُخرج التليفون كي يتصل بأمه لا يستطيع ، شيء ثقيل ضرب رأسه فيسقط فلا  فرق بين دمائه ولون قميصه الأحمر ،،،
يحمي علمه الذي لم يفارقه فيُطعن من الخلف ...
بوابة مغلقه يتساقط أمامها المئات ، وفي الخارج يقف عليها عساكر يعطون ظهرهم حتى يكتمل القتل ،،،،

يتوقف السرد ,,,,,,,

الأم يديها لا تتوقف عن الأتصال بأبنها حتى تُكذّب كل شيء وانه لا يوجد هذا الهراء والجنون في بورسعيد ،،،
يُقال أن الفتاة التي قال لها أحبك توجد الان  في المستشفى ، سقطت مغشياً عليها في حالة هذيان ...
والصديق الذي لم يستطيع أن يلحق بهم ، يجلس على الفيس بوك شاخصاً ببصره كل دقائق يرسل لصديقيه : هترجعوا امتى والله ماهزعلكم طيب انا غلطان ، هترجعوا أمتى  .... 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهداء الى أرواح شهداء الألتراس الأطهار...
الألتراس لن يموت ...
يسقط يسقط حكم العسكر ,,,,