الأحد، 11 سبتمبر 2011

أسطوانة الذكريات



الضوء خافتاً بعض الشيء في غرفة المكتب ، غرفة متسعة على الطراز الكلاسيكي ، يوجد بها المكتب الكبير وخلفه مكتبة متوسطة يرتص عليها الكثير من الكتب ، في الجانب الأيمن منها ركن خاص بالاسطوانات الموسيقية ، وعلى الحائط بعض اللوحات لبيكاسو وجويا وفان جوخ ،،،،
في المنتصف لوحة زيتيه لسيدة جميله شعرها الأسود الطويل منسدل على كتفيها ، عينان زرقوان متسعتان مع أبتسامة رقيقه ،،،،،،
على المكتب صورة فوتوغرافية صغيرة في برواز لنفس السيدة الجميلة ، وصورة أخرى لأبنه وأبنته ،،،،
وقف العجوز امام الشباك فحرك الستائر قليلاً حتى يرى البحر ، كانت ليلة من ليالي منتصف الخريف ، الرياح هادئة مع سحب كثيفه وقد يتساقط المطر ، وموج البحر لم يكن هائجا او صاخباً هذا المساء ،،،،
اليوم هو عيد ميلاد زوجته الراحله وعيد زواجهما في نفس الوقت ، رحلت عنه منذ ست سنوات ، واعتاد ان يحتفل بيوم ميلادها ويوم زواجهما كما اعتاد ان يحتفل معها دائماً ،،،
في هذا المكتب على أنغام اوبرا كارمن لبازيه ،،،
اخرج الأسطوانة من الركن الخاص للأسطوانات ووضعها في جهاز تشغيل الأسطوانات ، وبدأت تنساب الموسيقي في غرفة مكتبه وتنساب معها ذكرياته ،،،
كانت يونانية الأصل تعرف عليها في فيينا بالنمسا ، حيث كان عمله في الماضي ، وحضرا سوياً عرض خاص لأوبرا كارمن في دار اوبرا فيينا ، تبادلا النظرات والأبتسامات مع انسياب الموسيقي وغناء السوبرانو ، ثم تعرفا على بعضهما اثناء الأستراحة ، وعزمها على العشاء بعد انتهاء العرض في أحدى مطاعم فيينا ،،،
احبته لدرجة الجنون وذاب هو عشقاً فيها ، وتزوجا وعادت معه الى الأسكندرية ،،،
تنساب الموسيقي من الأسطوانة وهي تبتسم له من اللوحة الزيتية ، الأداء الأوبرالي مازال هادئاً ، وتتحرك الستائر قليلاً ، يبدو أن الهواء القادم من البحر لن يبقى هادئاً ،،،،
في يوم ميلادها ويوم زواجهما ، ترقص معه في تلك الغرفة ، تستريح على صدره ، يتحرر من قيود الزمان والمكان عبر النظر الى عينيها واستنشاق عطر شعرها ، فتأخذه أبتسامتها دائما الى شواطيء بعيده ليس لها حدود فلا يرى سوى تلك الأبتسامة ، ولا يسمع الا همسها ،،،،
تنساب الموسيقى من الأسطوانة ، وعيناه لا تفارق أبتسامتها من اللوحة الزيتية ، الأداء الأوبرالي بدأ يتصاعد تدريجياً ، والستائر تتحرك بنعومة من على الشباك والشرفة المطلان على البحر ،،،،،
أخرج صندوق من الخشب بقى العديد من الصور الفوتوغرافية له وهو وزوجته وأبنه وبنته ، وبعض الرسائل القديمة التى كان يراسلها بها أثناء سفره ، أخرجها جميعاً وظل يقلب فيها ،،،،
أصابها مرض مفاجيء لم يمهلها الفرصة للعلاج ، ورحلت عنه ودُفنت في الأسكندرية وتركت له تلك الصور والرسائل والذكريات ، وظل وحيداً بعد أن سافر أبنه وابنته للدراسة في الخارج ،،،،
دمعت عيناه ، وهي مازالت على نظرتها وأبتسامتها له ،،،،،
رحل في هدوء وهو ينظر لحبيبته ،،،
أداء السوبرانو يتصاعد ويتوتر مع سقوط كارمن ،،،
والستائر تتحرك بقوة مع سقوط المطر في تلك الليلة الخريفية ، وموج البحر يزداد هياجاً وصخباً ،،،،
تنتهي الأوبرا مع تصفيق الجمهور ،،،،
وتتطاير الرسائل والصور الفوتوغرافية من حول العجوز ,,,,,,


ليست هناك تعليقات: