الأحد، 4 سبتمبر 2011

نظرات حائرة



صوت التلفاز يدوي في أرجاء البيت المتسع ، معلناً عن نشرة أخبار السادسة مساءً على القناة الأولى ،،،،
كان الرجل العجوز قد اعتاد منذ عشرات السنين أن يستيقظ من ساعة قيلولته على نشرة أخبار السادسة مساءً ، تكون الزوجة قد أعدت ماتيسر من الغداء فيجلسان سوياً على المائدة الصغيرة ويتناولا غدائهما البسيط ،،،،
طلب منها هذا اليوم أن تُعد له صينية عكاوي وبجوارها البطاطس المُحمرة في الفرن ، رغم تعليمات الطبيب المشددة بعدم تناول الأكلات المسبّكة ،،،،
لم يُرزقا بالأولاد فرضيا بنصيبهما واعتادا وحدتهما في بيتهم المتسع المطل على شارع العباسية الرئيسي والمار بأسفله التُرماي ،،،
كانت بلكونة البيت تطل أيضاً على دكان البقالة ولعب الأطفال الذي يملكه ويعيش منه هو وزوجته ،،،،
مع أنتهاء نشرة أخبار السادسة مساءً يكونا قد أنتهيا من تناول الغداء ، ويشربا الشاي سوياً في البلكونة المطله على شارع العباسية  ، كانت من تلك البلكونات العتيقة ذات الباب المرتفع وقد أسود لونها بفعل الزمن وعوادم السيارات ، بها منضدة صغيرة للشاي والجرائد وكُرسين صغيرين للرجل وزوجته ،،،،
يمر التُرماي فيحدث جلبة شديدة تهز البلكونة القديمة بالبيت ، وأنطلاق صوت احتكاك كابلات الكهرباء الخاصة بالتُرماي ، لكنهما أعتادا ضجيج التُرماي كما أعتادا كل شيء مع مرور الأيام والسنين ،،،،
يثرثران سوياً عن أخبار الجيران وأسعار اللحوم والدواجن والخضروات ، والمشكلة التي تؤرقه دائماً وهي تسرب المياه من سقف الحمام ،،،
ينتهيا من الشاي ، ثم يتناول دواء القلب  ، وينصرف في هدوء بعد أن يرتدي بنطاله القصير وقميصه النصف كُم مع  حمالات البنطلون ، مع النعل الجلدي الذي يُريح قدميه ،،،،
يذهب الى دكانه الكائن على الضفة الاخرى من بيته ، يمر على قضبان التُرماي وتتابعه عينا زوجته التي مازالت جالسه في البلكونه ،،،،
اوشك الليل اني يرخي سدوله وهدأت الحركة قليلاً في شارع العباسية ، الا بعض الصبية العائدون من المدارسة المسائية وطُلاب الجامعة ،،،
يفتح دكانه الذي كان مغلقاً فقط بالباب الداخلي ، ثم يقوم بتشغيل الراديو ،،،،
يلقي نظره على استديو الخواجة بشرى  فلا يجد صديقه بشرى على مكتبه في مدخل الأستديو ، فيعود مرة أخرى الى داخل الدكان ،،،،،
يمر التُرماي المتجه للسيدة زينب فينعكس البرق المنطلق من أحتكاك الكابلات الكهربائية على فاترينة الدكان وعلب التونة والسلمون والعصير المرتصة على أرفف الدكان ،،،،
تأتيه فتاه جامعية تطلب أستخدام التليفون ، فيعطيها التليفون ثم ينظر الى ساعته  ليحسب متى ستبدأ المكالمة  ، فتقف الفتاة بعيداً قليلاً وتتحدث بصوت مرتفع مع حبيبها وتوبخه لأنها أنتظرته كثيراً هذا اليوم ، تنتهي الفتاة من مكالمتها ، فينظر الى ساعته مرة أخرى ، فيخبرها أنها تحدثت مدتين بست دقائق ، فتحاسبه الفتاة وتنصرف ،،،،
يمر التُرماي فيحدث اهتزازاً كالمعتاد وينطلق برق الكهرباء منعكساً على واجهة الدكان والدكاكين الأخرى ،،،،
كان الراديو مستقراً على محطة البرنامج العام ، موعد السهرة الدرامية الأسبوعية التي تبدأ في التاسعة ونصف ، فقام برفع صوت الراديو حتى يكون الصوت واضحاً وجلس على كرسيه ، ثم لبس نضارته ذات السلسلة وأخذ يدون بعض حسابات الدكان ، وكان يتصبب عرقاً ، ففتح ثاني زراراً في القميص ،،،
جاء فتى صغير فوقف أمام فاترينة الحلوى ، يمسك في يده بعض النقود المعدنية ،،،
ثم التف من جوار الفترينه ونظر للرجل وطلب منه ربع جبن براميلي ، ثم اتجهت عيناه الى الحلوى والبسكويت ، فأنتابته رغبة جامحة في كل ماتحتويه الفاترينة ، ثم اصتدمت سفينة رغباته أمام نقوده القليلة المحدوده التي بالكاد تكفي ثمن ربع كيلو الجبن البراميلي ،،،،
كانت الزوجة تجلس في البلكونه تنتظر زوجها الذي أقترب موعد عودته واغلاقه للدكان ،،،
المسلسل الدرامي في الراديو على لسان أحد الأبطال يحكي ويقول : أتدري لقد جلس على كرسيه في مكتبه يدون في بعض أوراقه ثم بدأ يتصبب عرقاً ويحاول التنفس لا يستطيع كأنما يصّعد في السماء ،،،
يستمع الفتى الى الراديو وينظر الى الرجل  ثم الى الراديو فكان أسيراً لتلك النظرات الحائرة ،،،
العجوز يجلس على الكرسي لا يأبه للفتى ، بدأ يتصبب عرقاً وتساقطت نضارته فتعلقت في السلسلة ، يأخذ نفساً عميقاً لا يستطيع ،،،
يستكمل البطل في المسلسل الأذاعي ويقول : لقد أمسك أوراقه بشده فتقطعت في يده ويخرج صوت حشرجه قويه ثم يحاول الوقوف فيقع مغشياً علي مكتبه وسط أوراقه ،،،
تنتاب الفتى النظرات الحائرة لا يدري مايفعل  ، العجوز صاحب الدكان يحاول النهوض فيسقط مرة أخرى على مكتبه الصغير و دفتر أوراقه ،،،،
يأتي الخواجه بشرى صاحب الأستديو فيجد الرجل هكذا صريعاً على مكتبه ، والفتى مازال اسيراً لتلك النظرات الحائرة ،،،،،
يمر التُرماي محدثاً ضجيجه المعتاد ، ينطلق منه البرق فكان  شديداً هذه المرة فينعكس ضوئه المتقطع على فاترينة الدكان وأعين الرجل العجوز بُشرى والفتى الصغير الحائر ، والزوجة التى تجلس في البلكونه تنتظر زوجها ,,,,,,,,,
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لسيزان

هناك تعليقان (2):

eman said يقول...

دائما ما تبدع فى وصف لوحاتك القصيرة الزمن الكثيرة التفاصيل ..ودائما ما استمتتع بالقراءة لكتاباتك التى اصبح قليلا ما تابعتها ..الا انها تمنحنى الكثير من متعة المشاهدة والرؤية ..
دمت يقظ النظرة..

Unknown يقول...

ربنا يخليكي يا صديقتي العزيزة يسعدني دائما زيارتك وتعليقاتك واتمنى ان لا تغيب عن قصصي تعليقاتك ،،،،