الخميس، 29 سبتمبر 2011

نأسف لرفض شكواكم


مر للتو قطار العاشرة صباحاً فأنتشر الغبار حول البيت الصغير ثم هدأ تدريجياً بعد مرور اخر عربة للقطار ،،،،
الزوجة العجوز تقف منحنية أمام البوتجاز الصغير تنتظر غليان الماء حتى تصُب الشاي ،،،
والزوج رغم هِرمه وكبر سنه لكنه يحتفظ بقوته وصبره على العمل في غيطه الصغير المحيط بالبيت ، يحرث الأرض بالمحراث المربوط بحمارين وكل دقيقه ينظر الى باب بيته منتظراً خروج زوجته بكوب الشاي ، يود أن ينتهى قبل ان تشتدد حرارة شمس مايو القوية ،،،،
صاحت الزوجة وهي تمسك صينية الشاي التى تهتز قليلاً في يديها ونادت زوجها ، فعاد مسرعاً اليها وجلسا سوياً أسفل شجرة التوت  التي تظلل بفروعها الوارفة البيت الصغير والدكة الخشبية التي يجلسان عليها ،،،،
الطريق الزراعي الذي يقطع البلدة يمر بالقرب من بيت العجوزين فيجلس على دكته الخشبية ويراقب المارة الغرباء منهم وابناء البلدة ، دائما ماينتظر عودة أبنه الضال الذي خرج شريداً منذ سنوات للهجرة بعيداً بعد أن ضاق به الحال في البلدة الصغيرة ،،،،
نظرا سوياً الى الطريق ، فوجدا شاباً يحمل حقيبة صغيرة ، يمشى بتردد وخوف تائهاً كأنما يبحث عن شيء ، ما ان راه الرجل حتى ادرك أنه غريباً ، دمعت عينا الزوجة فتذكرت أبنها الشريد كان يشبه ذلك الشاب نفس الطول والشعر البني وربما نفس السن ،،،،
اختفي الشاب الغريب وسط بيوت البلدة ، وقطع تأملات الرجل وزوجته جرس دراجة موظف مكتب البريد الخاص بالبلده ، أقترب منهما وألقى السلام وقال : لك جواب من السكة الحديد ياعم حسن ،،،،
فأندهش الرجل وتغيرت ملامحه وقال لساعي البريد : خير ياولدي طيب اقعد اشرب شاي ،،،
فأنصرف الساعي وقفز فوق دراجته وشكر الرجل ودق جرس دراجته مرة أخرى ،،،،
فتح الرجل الخطاب على عجل ثم بدأ يقرئه ، عبس وجه واكفهر بشدة ، فتسائلت الزوجة وقالت : بالتأكيد يريدوننا أن نترك البيت والأرض ، لا حول ولا قوة الا بالله ، واين نذهب ، الا يكفيهم ماندفعه من أيجار لهم ، كانت أرض خربة مزروعه بالحشيش الشيطاني ونحن عمرناها  ،،،،
رد الرجل على زوجته وهو ينظر للقطار القادم من الجنوب فأنتشر الغُبار عليه هو وزوجته وقال : عايزنا نسلمها وقالوا : نأسف بأن شكواكم تم رفضها حيث ان قطعة الارض ملك للدولة ولا يحق وضع اليد عليها ، وتسليمها واجب النفاذ بعد أن اخطرناكم عدة مرات ،،،،،
دخل المساء على الرجل وزوجته وكانت نسمات شهر مايو مازالت ربيعية خاصة بعد الغروب ، فقرر أن يذهب الى المقهى الذي يقع بجوار الفندق الصغير في البلدة ،،،
تمشى وعبر الغيط الصغير فوصل للطريق الذي يقطع البلدة ، ووصل الى المقهى ،،،،
كان الزبائن قد بدأوا الوصول بعد أن خف قيظ النهار فازدحم المقهى قليلاً ،،،
جلس وحيداً على طاولة صغيرة بالكاد تتسع لصينية صغيرة للشاي او القهوة ،،،
كان صوت التلفاز عالياً لكن لا أحد يهتم به فأغلب الزبائن مشغولون بأحاديثهم او لعب الطاولة ،،،،،
كان الرجل يحدث نفسه وينظر تائهاً بين التلفاز والزبائن وتارة ينظر للشارع ثم وقع نظره على ذلك الشاب الغريب الذي رأه قبل الظهيرة ماراً بجوار بيته ،،،،
سحب كرسيه واتجه الى الشاب الصغير وجلس وبجواره وقال : أزعجك لو جلست معك ؟؟
فرد عليه الشاب الغريب في هدوء :  لا ابداً ،،،،
قال وهو يمسك كوب الينسون الذى اتي به من علي طاولته الصغيرة : شكلك غريب وليس من هنا ؟؟
فرد عليه : نعم انا من بلد بعيدة وجئت هنا لمراقبة امتحانات اخر العام في اخر يومين ، بدلاً من زميل لي حدثت له بعض الظروف ،،،،
فابتسم الرجل وقال : احسست هذا فأغلب الشبان الغرباء يأتون من اجل رقابة الامتحانات .....
ثم سأله : أتُقيم في المدرسة نفسها ؟
قال : لا انني اقيم في هذا الفندق ، صديقي قال لي انها غير مريحة ،،،،
فتنهد العجوز وقال : نعم نعم انها كذلك فهي غير مجهزة اطلاقاً ويتركون المدرسون في الحرارة الشديدة بدون مراوح ولا يحزنون ،،،،،
صمت الرجل العجوز قليلاً ثم قال : عندي ولد في سنك ويشبهك تماما اسمر ونحيف وله نفس شعرك البني  ، انه ولدي الوحيد لكنه شارد دائما ودائماً علي خلاف معي ومع امه ، يظهر اننا قمنا بتدليله كثيراً عندما كان صغيراً ، الي ان شب عنيداً لا يتحمل المسؤلية ، مع اول مشكلة وقعت فيها تخلي عني انا وأمه واصر ان يذهب للعمل بعيدا ، مع انه أتعين في الجمعية الزراعية هنا في البلد لكنه رفضها ، انني في اشد الحاجة اليه الان، قد يضيع بيتنا وقطعة الارض الصغيرة  !!
هيئة السكك الحديدية تريد ان تسحب مننا الارض لانها ملكاً لها وتقول انها منفعة خاصه بها ، وانا ليس لي مكان اخر اذهب اليه ....
تعرف؟ كانت هذة الارض مهجورة ولا احد مهتم بها فزرعتها وبنيت عليها البيت الصغير الذي يأويني انا وزوجتي وابني ، وقدمت طلب لهيئة السكك الحديدية لشرائها فرفضوا وأجروها لي  والان يريدون ان يأخذوها مني ويطردوني انا وزوجتي ....
كان الرجل يتكلم كثيراً ، والشاب الغريب يحس بالصداع يزداد عليه لكنه ظل يستمع له ولا يريد ان يتركه ،،،،،
فنظر له العجوز في حزن  وقال : صدقني يا ولدي انا اتحدث اليك لاني احس انك مثل ولدي تماما ،،،،
أتعرف؟ لي الى الان اكثر من سبع سنوات ارسل في شكاوي لوزير النقل والمحافظ وعضو مجلس الشعب ولا أحد يسأل في ويرد علي ، لكن كل فترة يأتني رجل شرطه ومُحضر يخبرونني بأنه لابد لي من تسليم البيت والارض ، وقطعة الارض هذه لا تتعدى القيراط ، قُل لي أين اذهب انا وزوجتي ؟؟
فنظر له الشاب نظرة اشفاق وعطف وقال : سيدبرها المولى سبحانه وتعالي ياعماه ،،،
نظر العجوز الي اعلي رافعاً يديه وقال : يارب
قال الرجل العجوز بعد أن صمت قليلاً : سأمر عليك غداً بعد عودتك من المدرسة لأريك بيتي فهو قريب من المدرسة بجوار خط السكك الحديديه ،،،،
انصرف الشاب بعد ان دفع حساب الشاي والينسون الخاص بالرجل العجوز ورجع الي الفندق الذي ينزل فيه  ،،،،

بعد مرور يومين  ،،،

كان الرجل يجلس مع زوجته أسفل شجرة التوت الكبيرة ، الشمس قد بدأ يشتد قيظها بعد الظهيرة ،،،
فوجد سيارة للشرطة تقترب منه وتوقفت  ، ثم خرج منها ظابط وموظف من هيئة السكك الحديدية  واثنان من العساكر ،،،
يطلبون منه تسليم قطعة الأرض والبيت في الحال ، فبكيت الزوجة وقالت : واين نذهب بحاجتنا وعفشنا الصغير ،،،،
رد عليا الظابط معكم لأخر النهار ، هذا أمر واجب النفاذ ،،،،
قال لها العجوز : سنعود الى بيت أبي القديم بجوار المقابر ، لا تقلقي سيدبرها المولى ،،،
مر قطار البضائع بعرباته الكثيرة ، فاستمر الغبار والضجيج كثيراً ، فأنصرف الظابط بسيارة الشرطه وقال : سنأتي أخر النهار ،،،،
بدأ الرجل وزوجته في لم حاجيتهم القليلة وجائهم بعض نسوة القرية يساعدونهم ، وما أن أتما جمع الأغراض حتى سلما البيت وقطعة الأرض التي لم ينتهى من حرثها لزراعتها بالذرة ، وانصرفا يوعدان شجرة التوت الكبيرة ، واتجها الى البيت القديم بجوار المقابر ،،،،،
الشاب الغريب قد انتهى  من مراقبة  الامتحان الاخير  في المدرسة خرج يبحث عن بيت العجوز حسب وصف فتى الفندق له الذي سأله عن البيت الصغير المجاور لخط السكة الحديدية  ،،،،
كانت الشمس تتوسط السماء والحرارة عاليه ،،،،
ذهب الي البيت  ووقف تحت شجرة التوت ينظر حوله فلم يجد شيئاً ،،،،،
 
نظر الى الباب فوجد ختماً احمر ،،،،،،
وخطاباً مُلقى على الأرض ،،،،
فسمح لنفسه ان يفتحه ويقرأه ،،،،
نأسف بأن شكواكم تم رفضها حيث ان قطعة الارض ملك للدولة ولا يحق وضع اليد عليها .....
القي بالرسالة ونظر الي البيت ثم الى القطار المار بجواره  بضجيجه وغباره الشديد  ،،،
ثم ذهب الى  المحطة ليعود لبلدته مرة اخرى,,,,,,,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لفان جوخ    

ليست هناك تعليقات: