الأربعاء، 2 مايو 2012

الأبواب المغلقة



أحس بالعجز وقلة الحيلة لم يستطع أن يفعل لها أي شيء كي ينقذها ، حاول أن يساعدها بالمال وحتى بدمه لكنه عجز أن يوقف ذلك العدو القاتل الذي انقض عليها بسيفه وحربته ، كان انقضاضه سريعاً خاطفاً لم يمهلها ان تستعد او تواجهه ، لم تكن لتواجهه الا بتلك الابتسامة الدائمة ، كان مرضها نادراً أرتفعت حرارتها وتجاوزت الأربعين ثم أصيبت بالشلل ....
أخبروه أنها ممكن إنقاذها في الخارج لكنها ستحتاج مصاريف عاليه ، ولا يملك المال لمساعدتها .....
أخذ معه الشيكولاتة وبعض اسطوانات الموسيقي التي تحبها فهي عازفة بيانو وعاشقة للموسيقى الكلاسيكية ، وقف أمام غرفتها واستأذن الدخول اليها ....
كانت في وهن وضعف ، تألقت عيناها عندما وقعت عليه وابتسمت ابتسامتها المعتادة ، جلس بجوارها وأمسك يديها ، لم تستطع أن تحركها لكنها أحست بالدفء يتسلل اليها ويطرد برودة الشتاء التي سيطرت عليها في تلك الليلة الشتوية ....
أخر ليلة في العام وبعد دقائق سيبدأ العام الجديد ، أخرج لها الشيكولاتة وأكل منها ثم وضع قطعة صغيرة في فمها ، فذابت بين شفتيها الضعيفتين ، نظر الى عينيها وضم يدها بقوة ، كنا سوياً العام الماضي وسنظل معاً الأعوام القادمة ، لن أتركك أبداً !!!!
طلبت منه أن ينزع عنها سلسلتها الذهبية من رقبتها ، قالت له : سلسلتي من وانا صغيرة ، اهدتها لي جدتي ولما أنزعها أبدا عني ، أرجوك أحتفظ بها لأجلي والبسها حالاً أمامي ....
فلبسها وعيناه تدمعان ، كانت تدلى منها صورة صغيرة لها وهي طفلة عمر عامين ...
فردت بأبتسامة معتاده على دموعه التي تساقطت ، ثم قبلها على رأسها ....
رفع رأسه من على جبينها فأرتخى كفيها من يدها ، فوجدها على تلك الأبتسامة الأخيرة !!!
ظل يبكي على كفيها حتى بدأ العام الجديد ...
بدأ العام الجديد بأمطار الميلاد الخفيفة ، تتساقط فوق رأسه لا يدركها ولا يحس بها ، يخترق الشارع الرئيسي وتمر السيارات بجواره مسرعة الات التنبيه لا تتوقف ابتهاجاً بالعام الجديد ، على جانبي الطريق فتيان وفتيات يمرحون بالبالونات والالعاب النارية ، المقاهي تخرج منها الأغاني الصاخبة وبعض الشباب يسخرون منه لحزنه وصمته في اول ساعة من العام الجديد ....
وصل الى عمارته التي يسكن بها ، عمارة كبيرة من العمارات القديمة والمرتفعة التي تطل على كامل المدينة وتكشفها ، الأضواء تتسلل من خلف النوافذ المغلقة ، ينظر لها من الأسفل ويتأملها فهو يعرف أصحابها جيداً منذ أن كان صغيراً ....
الكل مختبىء خلف تلك النوافذ والأبواب ، قد يكونوا مختبئين من البرد أو من العيون التي قد تكشفهم ....
دائما ً المصعد القديم معطل فيصعد السلالم في هدوء وصمت يصل الى الدور الثاني فينظر الى شقة الرجل العجوز الذي يسكن وحيداً بعد موت زوجته ، وزواج بنتيه وبعدهما عنه وعدم سؤالهم عليه ، لا يأتون اليه الا  في الأعياد وقد لا يأتون ، أصابه الزهايمر منذ أربع سنوات ويقوم على خدمته أحد الشباب الذين يخدمون العجزة بأجر شهري ....
يستمر في الصعود وقلبه بدأ في التعب بسرعة ...
في الدور الذي يليه خلف ذلك الباب الرجل الذي يعمل مديراً لأحد البنوك ، يخون زوجته الجميلة بأستمرار ، أنها سيدة لطيفة الكل في العمارة يحترمها لطيب أخلاقها ، الا زوجها دائماً مايخونها مع الخادمات ، يشرب الخمر بكثرة ويضرب زوجته اللطيفة الهادئة بأستمرار ، ما يجبرها على تحمله سوى أولادها التي تتمسك بهم .....
أستمر في الصعود فنظر الى شقته التي يسكن بها ، لم يبالي وأستمر في الصعود مرة بشقة السيدة التي تعيش هي وأبنتها وحيدتان بعد وفاة زوجها من عام ، والشقة المقابلة يسكنها الرجل المتدين ، ملتحي والبس بناته الصغيرات وزوجته النقاب منذ سنتين ....
يستمر في الصعود والصعود فيمر من أمام شقة السيدة المجنونة التي دائماً مايرتفع صوتها بالصراخ والسباب لزوجها واولادها ويخرج زوجها المسكين يسيل الدم منه بعد كل معركة مع زوجته ويظل الجيران يهدئون من روعها فتسبهم وتٌغلق باب شقتها عليها ....
يصل الى السطوح المتسع المطل على المدينة ، كان المطر مازال يتساقط خفيفاً ، مع رياح باردة انتابت صدره مجرد من أن وطأت قدميه سطح العمارة ، لوحات الأعلانات المنتشرة في العمارات البعيدة تتلألأ في عينيه ، تضيئ  و تنتطفىء باستمرار ....
أقترب ببطيء من السور ووقف ينظر الأضواء البعيدة المتسلسلة من خلف النوافذ المغلقة ، والكباري المتعددة تتحرك عليها السيارات بأضوائها الصغيرة البعيدة ....
وقف على حافة السور يود لو له جناحين يفردهما تحت قطرات المطر الصغيرة ، تتلألأ أضواء اللوحات الأعلانيه في عينيه ، يضم سلسلتها قليلاً ثم يترك نفسه يسقط .....
يسقط بجانب النوافذ المغلقة كما صعد بجوار أبوابها ......
ملقياً على وجه يسيل منه الدم فيترك بقعة حول رأسه ، وتتدلى من رقبته تلك السلسلة التي تحمل صورتها وهي صغيرة ....
تتطاير حوله قصاصات الورق الصغيرة التي كانوا يلهون بها في حفل بداية العام الجديد ...
يمر حوله بعض الناس مابين اندهاش وحزن ولا مبالاه فيمنعهم الشرطي من الاقتراب منه ، يتحدث في جهاز اللاسلكي شاب سقط من أعلى البناية رقم 45 شارع كذا ، تبليغ أقرب دورية وسيارة اسعاف ، انتهى ,,,,,

ليست هناك تعليقات: