الاثنين، 6 أغسطس 2012

الرؤيا




أتى الشتاء مبكراً هذا العالم ، لم يكن المطر ليهطل هكذا قبل منتصف نوفمبر  ، رياح شتوية باردة يعقبها سُحب سوداء تتزاحم وتتلاحم سوياً لتُخفي قرص الشمس الذي يحاول هارباً لكنه لا يستطيع ....
لم يتوقف المطر الى المساء ، ولم يرن الهاتف منذ شهور ....
ظلت تنتظر أتصاله بها منذ أواخر الربيع ، عندما لا يأتي الى المدينة كان يتصل بها ، توقف هذا الهاتف عن الرنين منذ أخر أتصال ....
قطرات المطر قد صنعت على زجاج النافذة تلك الخطوط التي امتزجت بالبخار ، وقفت خلف النافذة متلفحة بشالها الأحمر لتقاوم به برودة جسمها فأنساب شعرها الأسود الفاحم من بين شالها الأحمر  ....
مسحت بطرفي الشال زجاج نافذتها فإذا به يطل بوجه مبتسماً بين خطوط المطر ، هكذا يوفي بوعده معها عندما تشتاق أليه ويغيب عنها تبحث عنه من خلف النافذة بين قطرات المطر وضباب الشتاء ,,,,,,
ثلاثة أعوام مضت على لقائهما الأول ، بالقرب من الجسر القديم الذي يربط ضفتي النهر ، أسفل شجرة الكافور الكبيرة جلسا سوياً على الأريكة الخشبية ، تائهاً وغريباً في تلك المدينة فألتمس منها السؤال فأجابته ،،،،
ظلا يتقابلا هنا في نفس المكان عند الجسر القديم كلما جاء الى مدينتها ....
كرؤية النائم رأته قبل أن تلقاه وظلت تراه كرؤية بعيدة تأتيها كل حين ...
كان النوم قد أغمض عينيها المبصرة ألا أنها قد فتحت من قلبها عيناً صافية ، روحٌ تطل من تلك النافذة الشتوية قادم اليها من عالم النور ، فأين قلبها وعقلها الذي غاص في أعماق ذلك العالم ، فأصبحت أسيرة لرؤية حبها ، فأي رؤيا سرقتها من عالمها تلك التي ضاعت فيها وأصبحت في عالم أخر لا حدود له ........
نظرت لوجهه المطل خلف زجاج نافذتها يحتضنها شالها الأحمر ، من أسلمت له عقلها وراحتها وتبعثرت أيامها مابين الشوق والقلق ، منحها الحزن عندما غاب دون أن يزيله عنها وسلب قلبها دون أن يأتي لها بالعوض ......
لم تطيق الأنتظار فذهبت الى بلدته المطلة على البحر ، ترك لها عنوانه فظلت تبحث عنه الى أن وصلت اليه ،،،،،
أم عجوز وأبنتها الوحيدة سيدة تجاوزت الأربعين عاماً كانا في أنتظارها , ذلك البيت الذي وصفه لها بشرفته المطلة على البحر وجهاز الراديو القديم والمكتبة الكبيرة ، دخلت غرفته ، رائحة الخشب القديمة ممزوجة برائحة ملح البحر بجوار السرير صورة له بالأبيض والأسود كأنها التقطت له من ثلاثين عاماً ......
أنه هو الذي بالصورة هو من يأتيها ويجلس معها عند الجسر القديم ، نفس الوجه الذي يطلع عليها من خلف النافذة ، نفس الرائحة التي تجتاح صدرها عندما تحس بطيفه يحاوطها .....
ذهبت مع أمها وأخته فتراكها تدخل وحيدة !!
ظلت تبكي ووقفت أمام شاهد القبر تسمع صوت النورس والكروان الذي دائماً تسمعه عندما يحاكيها في الهاتف ,,,,,
شاهد القبر يحمل أسمه وتاريخ وفاته في أحدى ليالي الصيف منذ ثلاثين عاماً ,,,,,
شتاء يعقبه شتاء متأخراً كان أم مبكراً ، لم يتوقف المطر في أحد تلك الليالي ولم يرن أبدا ذلك الهاتف ...
تقف أمام نافذتها تنتظر وجهه مبتسماً يأتيها من بين قطرات المطر وخطوطه التي تنساب على زجاج النافذة ، رؤيتها السرمدية التي لا تنتهي ,,,,,,,

ليست هناك تعليقات: