الجمعة، 7 مايو 2010

الخطوات الأولى

رغم سجن وشلل حركتها ألا ان روحها كانت تعيش حريتها بلا قيود مخترقة حواجز السكون والمكان الي عالم حلمت به وقد آن الأوان أن تدركه وتعيش فيه ,,,,,
كانت الابنة الكبرى بين اخواتها فائقة الجمال  وجهها كشمس صباح تطل علي البيت لتملئه دفئاً وجمالا وروعه فكان وجهها يضيق ذرعاً بكل مقاييس الجمال فان اغلقت عليه باباً أطل من النافذه برأسه ليخبر ان يد الخالق قادرة علي ان تجعل من حور العين ضيوف في الدنيا ,,,,,,
فكانت تتحرك بكرسيها المتحرك كعصفورة صغيرة غير عابئه او مباليه بالعجز الدنيوي الزائف فهي كفرس لا يعرف الراحه ولا السكون ,,,,
أصيبت وهي في سن صغيرة بفيروس غامض ادى الي ارتفاع حرارة جسمها وشلل في حركة قدميها ورغم محاولات ابيها وامها مع الاطباء ألا انها لم  تفلح لكنهم ظلوا محتفظين بالأمل على انها قد تعود في يوماً وتبدأ خطواتها الاولى ....
تُحب القراءة وكتابة الشعر وتحفظ القرأن الكريم وتفوقت في دراستها الثانويه والتحقت بالكلية التي تمنتها....
بارعه في الأعمال المنزلية تعشق حياكة الملابس الصوفية واعمال الطهي فكأنها تُحارب وتقاوم هذا العجز الظاهري الزائف ,,,,,,
رغم قوتها الا انها شديدة الحساسية والرقة تتأثر بأقل شيء لو رأت حيوان جريح تبكي عليه ولو طفل باكي تبكي معه......
ابتسامتها وضحكتها لا تُفارق وجهها كأن هذة الأبتسامه قد  خٌلقت معه فكان  من ثوابت هذا الوجه الملائكي المضيء ....
تجلس كثيراً وحيدة امام المرأه وتشاهد هذا الكرسي وقيود رجليها فتحاول ان تتحرك وتقاوم ، وعندما تفشل وتسقط يكسو وجهها الملائكي الاحمرار وترويه الدموع فتحس بالفشل ، وتبحث بعينيها الصافيتين بداخلها عن شيء يحفزها ويجعلها تنتصر علي عدوها فلا تجد هذا الشيء او ربما لم يأتي بعد !!
فتأتي امها لتساعدها علي الجلوس مرة اخري كي تعيد الكرة مرات ومرات ......
أينما يُطلق قوس العشق سهمه فإن إحكام التدابير لا يفيد ، فحين يعمل قوس العشق متخفياً فان عليه من الخارج مائة دليل ودليل ....
رأته لأول مرة في عرس احدى أقاربها , فقلبها تعلق به

كان وسيماً يشع وجهه دائما بأمارات الهدوء والاتزان....
يعرف أبوها وأمها فهو قريبهما قرابة بعيدة ، فجاء يُسلم عليهم فنظر لها ومد يده لها فسلمت عليه ولم تنسى نظرته اليها ابداً..
فأصابها الخجل فكان خديها كزهرتين تفتحا تواً ، فشع منهما شفقاً احمر ينتهي ويختفي سريعاً مع الغروب ،،،،،،
ظلت تحلم به وترسمه في خيالها  وتعيش هذا الحلم جميل ، وتُفيق نفسها بيديها وتتسائل من  هذا الذي يتحمل فتاة عاجزة ؟؟
فُتصاب بالحيرة والألم لكنها لا تنفك تحلم من جديد ,,,,,
تعيش يومها بأنطلاق وامل محاوله قتل ألم عشقها وامنياتها ويأتي الليل فيبعث هذا الألم حياً  من جديد ، كاتمة داخلها ارهاصات حبها الوليد ,,,,
لم يتأخر حلمها كثيراً فكان هو اكثر منها عشقا وتعلقاً بهذا الملاك القعيد ،،،

فبعد مناقشات وصراع مع اهله اقنعهم اخيراً انه لن يتازل عنها زوجة وشريك ، فجاء بهم جميعا بعد أن  طلب تحديد موعد للزيارة ,,,,
فجائتها البشرى من أمها فصمتت مُخفية فرحتها في قلبها منتظره ان تكون وحيدة   حتي تطلق لفرحتها العنان فقالت : ما ترينه انتي وابي خيراً فأنا موافقة عليه .....
أمسكت بعجلات كرسيها كأنها تريد ان تحلق في السماء ، لأول مرة لم تحس بهذا السجن وهي تحركه وتذهب الي غرفتها
بكت من فرحتها وليس من ألمها كما تعودت دوماً ....
كانت هي وهو يخططان لأحلامهمها وبيتهما ، فلقد احست بأن الحياة بدأت خطواتها الاولي لتبتسهم اليها ، وبقي ان تخطو هي اليها ....
يوم عُرسها كانت ملاكاً حوله المعجبين ، تتحرك بينهم بدون خجل غير مبالية بالعجز الزائف اللعين ،،،،
وفي نهاية ليلتها امسكت بباقة الزهور والورود واعطت ظهرها للفتيات المنتظرات عٌرسهم وفرسان احلامهم استبشارا بأن من تلتقط باقة الزهور ستكون اول عروس ...
وألقت اليهم بباقة الزهور مبتسمه ضاحكه ناظره الي من تكون المنتصره مقتنصة الباقة من بين اقرانها ,,,,
بدأت ارهاصات جنين يتحرك في احشائها فرحت اشد الفرح وخافت اشد الخوف !!
هل لمثلها وفي عجزها ان تكون اماً  لطفل أم هذا حلم بعيد المنال ؟
خاضت تجربتها وقررت ان تستمر فيها واثقة في رحمة الخالق انه لن يتخلى عنها
عاشت التجربة القاسية بقلب لا يخلو من الأمل والمقاومه من اجل انتصار حلمها
كلما اقترب موعد ولادتها يزيد الالم وتزداد مقاومتها ...
الي ان جاء الطفل الجميل ليس اقل من امه جمالاً وروعه نفس عينيها وابتسامتها الملائكيه  ,,,,,,
كان الطفل يبكي في سريره وهي تنظر اليه
حركت كرسيها واتجهت الى امام المرأه
نظرت لنفسها ولطفلها المعكوسه صورته من خلفها
اغمضت عينيها وأمسكت بذراعي الكرسي وحاولت النهوض
كانت تواجه عدوها للمرة الاخيرة فكانت مقاومته لها شرسه وعنيفه
لكنها لم تيأس من الانتصار فقد وجدت اخيرا هذا الحافز الذي طالما بحثت عنه

انه طفلها  الباكي الذي ينتظرها ........
بدأت مقاومة عدوها في الضعف،،،،،
وبدأت هي تقف من جديد ،،،،،،،،
احست بالدوار لكنها  لم تنحني مرة اخري للعجز  وتسقط ،،،،،،

دفعت السجن المتحرك بيديها بعيدا فاصتدم بالسرير ،،،،،،،،،
نظرت لطفلها الباكي ،،،،،،
وبدات تخطو اليه خطواتها الاولى ،،،،،، 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لرينوار

ليست هناك تعليقات: