الأحد، 16 مايو 2010

أواخر الخريف

يجلس دائماً في هذا الوقت من العام علي الصخرة المواجهة للبحر والتي يلامسها الموج دائماً وينتظر الطيور التي تأتي مهاجرة من الشمال في اواخر الخريف ....
يعيش وحيداً في هذا الكوخ القريب من البحر علي مسيرة بضع خطوات في وسط الرمال البيضاء  ,,,
يعمل في البلدة مدرساً وله بيتاً هناك هو بيت عائلته لكنه يفضل كوخه هذا الذي يشعره بالسكينة والهدوء
يخرج صباحاً لعمله ويعود منه علي بيت عائلته ويرجع الي كوخه في المساء كي يرسم لوحاته  التي لا ينتظر ان يراها احدٌ غيره في حياته او ربما بعد ماماته ....
احياناً يدون يومياته او يكتب بعض الاشعار والقصص كلها ماهي الا عبارة عن دندنة مع نفسه ومع اوراقه يتكلم فيجيبه هذا الصدى القادم من اعماق قلبه او من الصدى القادم مع امواج البحر المتتاليه التي لا تنفك ابداً عن السكون ....
يجلس دائماً في هذا الوقت من العام علي الصخرة المواجهة للبحر والتي يلامسها الموج دائماً وينتظر الطيور التي تأتي مهاجرة من الشمال في اواخر الخريف لتحتمي بدفء الجنوب وتترك جليد وصقيع الشمال
فتتزاوج وتتكاثر  وتأخذ دورتها لتعود الي موطنها في اواخر الربيع وبداية الصيف ....
ينتظر الطيور التي تحط رحالها بعد رحلة معاناه طويله تخطت فيها البحار والجبال والبشر
ترخوا اجنحتها امام كوخه كأنها استراحة المسافر 
ترفرف وتغرد معلنة لقد ان الاوان لبعض الراحه قبل ان تُستكمل الرحلة الي اقاصي الجنوب
يُخرج لوحاته وينصب الحامل الخاص بالرسم ويخط برفشاته والوانه العلاقة المتشابكة والحانية بين الشاطيء والبحر والطيور .....
رأها تأتي من الجانب الشرقي للشاطيء كانت الشمس تستعد للرحيل لكن لم يأتي بعد اوان الغروب
رفرفت الطيور من حولها بأجنحتها وكانت هي في وسطها كأنهن ينصبنها ملكتهم في ذلك الحين
نظر اليها وكم تمني ليهتف اليها ان تظل كما هي حتي يصورها علي لوحاته ليحوز شرف تصوير هذا الحفل الملكي
كان فتسانها الابيض فضفاضاً كعروس بحر القاها بوسيدون اله البحر عند الاغريق كي يغوى عشاق البحر لتخطفهم الي بطنه المظلم في عالم ارضي مجهول ...
شعرها الذهبي كفيروز الشاطيء ربطته علي هيئة ضفيرة منتظره من يسدله لها كي تطلق له العنان فلا احد بعد ذلك يسيطر عليه ....
ظلت تمشي باستحياء لما رأته ينظر اليها فأبتسمت في خجل واستكملت المسير
ذهب خلفها كي يطلب منها التوقف قليلاً كي يرسمها بين الطيور
كانت تنتظر ان يكلمها ولم تكن ابداً لتبادر هي بالكلام
فوافقت وسألته : ستكون لوحتي للبيع ام ستهديها الي ؟
فقال : لو وافقتي ارسم لوحتين واحدة لكِ والاخري لي
فضحكت وقالت هذا اكثر عدلاً ....
أجلسها علي الصخرة التي يلامسها الموج وتحاوطها الطيور وشمس المغيب تزحف رويداً لتسقط بين شفقها الاحمر في الافق البعيد ...
مع المغيب قد انتهي من لوحته وظلت هي مبتسمة ناظرة اليه
منتظرة ان يأذن بالانصراف
فقالت له : أهذه لوحتك أم لوحتي
فرد عليها وهو يمشي معها باتجاه غروب الشمس : انها لي وغداً سأرسم لوحتك في نفس هذا الوقت ...
سأنتظرك فلا تتأخري ,,,,
ضحكت وقالت : انت مدين لي بلوحتي وانا لن افرط فيها !!
جلس علي صخرته امام كوخه الصغير واخرج لوحته وفرشاته والوانه
ينتظرها انتي تأتي من الشرق كما فعلت بألامس
جائت تمشي بين الرمال تلامس المرج بقدميها واثار الرمال والماء كالحناء علي كاحلها وركبتيها
اليوم تركت شعرها الذهبي منطلق بحريته علي كتفيها فلا قيود ولا ضفائر
ابتسمت وقالت وهي تبعد خصلات الشعر من علي عينيها : لقد جئت في موعدي كي اخذ لوحتي
جلست علي نفس الصخرة واشعة شمس الاصيل تداعب خديها وشعرها الذهبي يزداد لمعانا مع انعكاس اشعة الشمس ....
والطيور حولها ترتل انغام تتويج ملكتهم الجديدة لهذا العام وهي تنظر وتبتسم ابتسامة ملكة الي رعاياها ...
وهو حيران أيمكن ان يدون كل هذا في لوحة صغيرة !!
عندما انتهى ابتسمت له
واعطاها لوحتها وقال لها : سأنتظرك ؟
قالت : سأتي مع الطيور في اواخر الخريف واول الشتاء أو سأتي غداً !!

ليست هناك تعليقات: