الاثنين، 12 أبريل 2010

يوم حار جدا

انطلق القطار تاركا خلفه المحطة القديمة علي الجانب الايمن بعض البيوت المتهالكه التي بدأت تختفي رويدا وحل مكانها حقول القمح وعلي الجانب الايسر الترعه بجوارها الطريق السريع ,,,,,,
اختار الجد الكهل احد المقاعد في وسط العربة المتهالكة وأجلس بجانبه حفيده صاحب الست سنوات طلب الفتى من جده ان يجلس بجوار الشباك ،،،،،،
كان الجد قد قارب علي الخامسه والسبعين ونيف لكنه محتفظ ببعض قوته الا ان نظره قد ضعف بعض الشيء يلبس الجلباب ويمسك في يده عكاز قديم يعتز به اشد الاعتزاز ، ملامح وجهه تدل علي الصرامه والهدوء في نفس الوقت  ,,,,
جلس منتصبا ساندا بكلتا يديه علي العكاز ناظرا للشباك متأملا في الطريق ,,,,
كانت الساعه قد تعدت التاسعه صباحا وبدأت الشمس تلتف تدريجيا لتطل بحرارتها الي داخل عربة القطار  فطلب من الحفيد ان يغلق الشباك فلم يستطع الفتي ان يحرك الشباك للاسفل فقد تراكمت عليه الصدأ والتراب فتيبس في مكانه ,,,,
مر القطار بقرية يزداد فيها افران حرق الطين لصناعة الطوب الاحمر فبدأ الدخان الخانق ينتشر في العربية مما زاد من حرارة الجو فأخرج الرجل منديلا كبيرا ووضعه علي رقبته حتي لا يصل العرق الي الجلباب ,,,,
بدأ الفتي يشعر بعض الشيء بالجوع فطلب من جده ان يعطيه قطعة فطير من الشنطة الصغيرة التي كانت بحوذته ، كان يضع فيها الاوراق المهمه التي من اجلها هو ذاهب الي المدينة ونظارته القديمه وزجاجه مياه وقطعتين او ثلاث قطع فطير ,,,,,
اعطي الفتي قطعة الفطير فأكلها الفتي وهو مستمتعا بالنظر من الشباك غير مبالي بحرارة الشمس والروائح المنبعثة من الطريق والقطار ,,,,
بدأ بالتدريج تظهر ملامح الحضارة علي الطريق من الناحية التي بها الطريق سيارات الاجرة الخاصه بالمدينة بعض المباني العاليه وعلي الناحية الاخري بدات تظهر البيوت وتختفي الحقول والبيوت الريفيه الصغيرة
قال الجد للفتي استعد لقد دخلنا المدينه وطلب منه ان يمسح يديه من بقايا الاكل ,,,,,
اخذ القطار يهدء من سرعته وازدادت حركة الناس داخل القطار رغم عددهم القليل كلُ يستعد ومتجه الي اخر العربه باتجاه الباب ,,,
قام الفتي كي يفعل مثل مايفعلون فأمسك الجد يده وقال له انتظر حتي يتوقف القطار !!
دخل القطار الي محطة المدينة وازداد الضجيج وحركة الناس هذا قطار قادم من الشمال وهذا اخر يقف لتغير الماء وباعة الجرائد والشحاذين وبعض عساكر الجيش ,,,,,
كانت الساعه قد وصلت للحاديه عشرة ظهرا وبدأت الشمس تتوسط السماء وترتفع حرارة الجو ، امسك الجد بيد الفتي وقال له لا تترك يدي ابدا ، خرجا من النفق الي باب المحطه الرئيسي لا يزال الفتي مندهشا من الزحام سائقين سيارة الاجرة يهتفون ويحاولون حمل الامتعه عن المسافرين وسيارة للشرطة منتشرة في الميدان وهذا كوبري اول مرة يراه ,,,,,
تحرك الجد بحذر ممسكا بيد حفيده كي يمروا الي الجانب الاخر من الميدان  ناظرا يمينا ويسارا خوفا من حالة الفوضى والتلاحم من البشر والسيارات,,,,
كان الجد قد جاء الي المدينه لكي ينهي بعض الاجرائات القانونية الخاصه بمعاش ابنه الذي توفى مؤخرا اثر حادث اليم وقع له وقد ترك هذا الابن زوجه وطفل هو حفيده ولا يوجد غيره من يقوم بهذه الاجرائات اللعينه فقرر ان يقوم بها بنفسه حتي يحفظ حق الارملة والطفل ,,,,
كانت الشركة في شارع قريب من ميدان المحطه فقرر ان يذهب اليها ماشيا علي قدميه موفرا اجرة السيارة ولعله لو انتهي مبكرا يشتري بعض الحاجيات لحفيده وزوجة ابنه ,,,,
وصلا الي الشركة فوجدها كثيرة الغرف والمكاتب واناس يروحون واخرين يأتون لا يدري اين يذهب !!
فأخرج الورق من شنطته الصغيرة وذهب الي اول مكتب يراه ,,,
كانت سيده متوسطة العمر امامها جهاز كمبيوتر فبادرها قائلا : ارجو ان تساعديني فلي ابن ......
فنظرت له وقالت ماذا تريد اذهب للاستاذ فلان انا غير مختصه بهذه الاشياء
فقال لها واين اجده بارك الله فيكي
فقالت المكتب التالي علي اليمين ,,,,
ذهب الي المكتب فوجده مليء بالموظفين وسأل علي ذلك الرجل الذي اعطته السيدة اسمه فقال له اول موظف انه في مكتب المدير وقادم حالا انتظره قليلا !!
وقف منتظرا وقد تعدت الساعه الثانية عشرة ب خمسة عشر دقيقه
قال له الفتي اريد ان اذهب الي الحمام ....
فقال له ألا تستطيع ان تصبر قليلا يا ولدي حتي ننتهي 
فعبس وجه الفتي وقال له لا استطبع
فسأل علي مكان الحمام وذهب به وعندما انتهي الفتى من قضاء حاجته  عاد مجددا الي نفس الغرفة ,,,
سأل مرة اخري عن الموظف فقالوا له لقد جاء من لحظات لكنه قد يكون ذهب للاستعداد لقضاء صلاة الضهر !!
نظر الي الساعه فوجدها مازالت الثانية عشرة واربعون دقيقه ومازال علي اذان الضهر عشر دقايق اخري ؟
قال : بارك الله فيك يا ولدي نحن من بلد بعيده ألا يوجد احد اخر يقضي لي حاجتي ويحل لي مشكلتي
فنظر اليه الموظف مندهشا وقال : الصبر يا والدي الصبر !!
تلفت حوله باحثا عن كرسيا يجلس عليه فوجد واحدا في اخر الغرفة فذهب وجلس عليه وظل منتظرا  متكئأ علي عكازه في هدوء وصبر ,,,
بدأت حرارة المكان ترتفع بشكل ملحوظ والمراوح لا تأتي الا بهواء ساخن فأخرج المنديل ثانية واخذ يجفف عرقه
الساعه تعدت الواحده وربع ولم يأتي الموظف
ظل هادئا  وقد بدأ المكتب تخف فيه حركة الموظفين تدريجيا اخرج نظارته الطبيه العتيقه وقام بتنظيفها ولبسها وظل ينظر للساعه قد وصلت للواحده والنصف ,,,,
اخيرا جاء الموظف رجل بدين يتصبب عرقا وجه ممتلئا بالشحوم له شارب دقيق مرتديا ذلك النوع من البدل الصيفيه ذات النصف كُم مشمرا بنطاله لابسا ( شبشباَُ) ممسكا في يده كوب شاي وسندوتش و  كلما يمشي خطوة يظل يمازح هذا ويعاكس تلك
قال له الرجل ممسكا بالورق الخاص به : يا ولدي انا لدي مشكله لقد توفي ابني منذ شهرين وفي التأمنيات قالوا لي لابد ان انهي بعض الاوراق هنا وانا قادم من بلد بعيده !!
نظر له الموظف عابسا قائلا : عذرا يا والدي لماذا جئت متأخرا لقد انتهت مواعيد العمل الرسمية أرجو ان تأتي مبكرا ولا تتأخر ثانية !!
احس الرجل بالحسرة ولكنه لم يرد غير بحسبي الله ونعم الوكبل
أمسك الفتي من يده وقال له هي بنا يا بني ....
خرج من البناية فوجد الشمس قد وصلت كبد السماء وازداد لهيبها علي روؤس العباد فوضع منديله علي رقبته وقال انه يوم حار جداا هي بنا ,,,,,,,,

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة لبيكاسو

ليست هناك تعليقات: